الثلاثاء، نوفمبر 25، 2008

ظلمة غزة ـ تابع مرة أخرى


كنا ظننا أننا لن نكتب عن حصار غزة مرة أخرى، ليس لأننا أمَلْنا بانتهاء هذا الحصار، فالعرب والغرب مصرون على معاقبة الغزّيين والفلسطينيين جميعاً على ديموقراطيتهم ومقاومتهم وقرارهم الحر، ولكن بسبب إحساسنا بالملل من تناول الموضوع نفسه مرة بعد مرة، بالكلام نفسه والمشاعر نفسها.
ولكن ظنّنا لم يكن في محله، فقد اكتشفنا أن فينا بعدُ عِرقاً ينبض لمعاناة أهلنا في غزة، وأننا لم نجفف كلماتنا ـ كما دموعنا ـ لتصبح بلا معنى، وأننا ما زلنا ننفعل أمام ما يحصل، ونحسّ بطفل يموت بسبب انقطاع الغذاء، ومريض يقضي نتيجة انقطاع الكهرباء عن أجهزة العلاج في المستشفيات.
إنها مفاجأة فعلاً، أن نقدر على تعميق الجروح في نفوسنا أكثر، وأن نلعق المزيد من دمنا صباح مساء، وأن نقدر على احتمال المزيد من الخزي الناجم عن العجز عن الفعل إزاء ما تشهده غزة المحاصرة من مآسٍ.
إنها مفاجأة أن نجد في أنحاء وطننا العربي الكبير من لا يزال يتابع أخبار المحاصرين، مصراً على التعرف الى أحوالهم. منهم من يفعل ذلك من باب الفضول، ومنهم من يفعله من باب المواساة والمشاركة في الألم.
جيد أن هذه المشاعر لم تمت بالكامل حتى الآن.. ربما هي تنتظر أن يموت أهل غزة كي تذوي معها، فلا يعود أصحابها يشعرون بعقدة الذنب، أو أنها تنتظر معجزة ما ـ تأتي من مكان ما ـ لإنقاذ أهل غزة مما هم فيه، وتريح ما تبقى من عرب يشعرون، من مشاعرهم.
وإذا كان هناك معجزة فعلاً، فهي لن تكون أبداً.. معجزة عربية.
محمود ريا

الاثنين، نوفمبر 24، 2008

أي ثمن سياسي تطلبه الصين؟


لم يكن سعادة السفير ليو زيمينغ (السفير الصيني في لبنان) راضياً من السؤال الذي طرحته عليه في الندوة التي أقامتها جامعة القديس يوسف يوم الثلاثاء الماضي (18/11) تحت عنوان: الصين والأزمة المالية العالمية.

ربما السؤال لم يكن دبلوماسياً بما فيه الكفاية، وكان يجب أن يكون مغلفاً ببعض الكلمات التي تجعل وقعه أخف على المستمعين.

وقد يكون الحق على اللغة الفرنسية التي لم تسعفني في تنميق السؤال وجعله يتساوق مع المهمة التي يقوم به سعادة السفير، إلا أنه في النتيجة سؤال كان لا بد منه، والجواب (منه وفيه).

كان الكلام دقيقاً في المحاضرة التي كانت متخمة بالأرقام، في تأكيد على النهج الذي أصرّ سعادة السفير على اتباعه طوال الوقت: لنكن واقعيين، علينا أن ننظر إلى الوقائع، لا يمكن القفز عن الحقائق، هذه هي حقيقة الأمر.. إلى ما هنالك من التعابير التي كانت تؤكد على حقيقة يرغب الصينيون في التأكيد عليها دائماً، وهي أن الصين ليست غولاً سيبتلع العالم، وهي لم تصبح قوية بما يكفي لتستغني عن الآخرين، بل هي دولة قوية مقارنة مع الدول الأخرى ولكنها ما تزال في طور النمو مقارنة مع حاجاتها ومتطلباتها وعدد الأفواه التي ينبغي إطعامها.

من أجل ذلك كان السؤال صادماً ربما.

بعد الحديث عن تريليونين من الدولارات من الاحتياطي النقدي تمتلكها الصين، وبعد شرح بعض تفاصيل خطة الصين لمساعدة العالم على الخروج من أزمته الاقتصادية كان السؤال: بما أن كل العالم ينظر إلى هذا المبلغ الكبير الذي تملكه الصين والذي تحتاجه الدول الغربية، ما هو الثمن السياسي الذي تطلبه الصين كي تساهم في حل الأزمة الاقتصادية العالمية؟

معروف أن الصينيين لا يرغبون أبداً بالحديث عما يريدونه من العالم، وأنهم متحفظون كثيراً في مزج السياسة بالاقتصاد، وأنهم يفضلون ترك هذا الأمر إلى ما بعد عام 2020.

من أجل ذلك رأى سعادة السفير أنه من المبكر جداً الإجابة على السؤال، لا بل من المبكر طرحه من الأساس.

إلا أن هذه الدبلوماسية ـ المغلفة بمسحة الواقعيةـ لا يمكن أن تنفي أن الصين تنتظر العروض التي تنهال عليها من كل حدب وصوب من أجل انتقاء الأكثر مناسبة لها كي ترخي يدها عن ملياراتها المكدّسة لديها.

وهذه المحاولة الحثيثة لإبعاد السياسة عن الاقتصاد لم تفلح في إخماد الهمهمات المتصاعدة حول مكاسب في تايوان وفي ملف حقوق الإنسان، وفي تقاسم مختلف للنفوذ الاقتصادي والسياسي في قارات معينة، يتوقع أن تحصدها بكين في المرحلة القادمة.

ولعل سعادة السفير لمّح دون تصريح إلى ملف من أهم هذه الملفات، هو ملف حقوق الإنسان حين تساءل رداً على سؤال: أي حق للإنسان أهم من حق الحياة وحق أن يأكل؟؟

بالضبط، هذا هو النهج الصيني في الاقتصاد وفي حقوق الانسان، وربما هو ما أراد سعادة السفير أن يشير إلى أنه سيصبح نهجاً اقتصادياً عالميا، ونهجاً في الحياة.

محمود ريا

الجمعة، نوفمبر 21، 2008

الهوكر هنتر في سمائنا


قد يكون أبناء الجيل الجديد قد تعرفوا الى الهوكر هنتر لأول مرة قبل أيام، حيث شاهدوها تقوم بطلعات تجريبية في سماء العاصمة بيروت وضواحيها للمشاركة في عرض الاستقلال، ولذلك فهم لا يعرفون عنها وعن شكلها الكثير.

ولكن ابن تلك المنطقة من البقاع اللبناني، الواقعة على تخوم مطار رياق العسكري، يعرف طائرة الهوكر هنتر "قطعة قطعة"، ويميز هديرها عن هدير كل الطائرات الأخرى، ويميز شكلها من بين كل الأشكال، فهي مطبوعة في ذهنه مثل وجه أمه وأبيه، وهو الذي
عاش معها بشكل يومي، يصحو على صوت إقلاعها، ويقضي الساعات على سطح منزله، يراقب تحركاتها، مصفقاً لبطولات طياريها وهم يقومون ببعض الحركات البهلوانية، ومحلقاً في أحلامه معها إلى فوق، إلى أعالي السماء.

هو يعرف الهوكر هنتر، ويتذكر الفوجا ميستر، ولا تذهب من ذهنه صورة تلك الطائرة وهو يراها تهوي في السهول القريبة، كما انه لا ينساها تحلق بجناحيها الخلفيين المميزين.

أما الصورة التي لا تفارقه أبداً فهي لتلك الطائرة المثلثة الأجنحة التي كان يشاهدها تخترق سماء بلدته فيطير فرحاً ويزهو فخراً وهو يحس أن بلده يمتلك من عناصر القوة ما قد يساعده على رد جزء من العدوان الجوي الصهيوني المتواصل على أهله ومواطنيه في كل مكان.

كانت الميراج في سماء لبنان كحلم يتحقق، وربما من أجل ذلك حولوها إلى حلم موؤود.

واليوم، تعود الهوكر هنتر إلى الأجواء لتثير كل هذه الأشجان، وليتساءل معها ابن ذلك البقاعي الذي عاصر الطائرة في عزّها: لماذا لا يملك بلدنا طائرات من تلك التي نسمع عنها ونرى صورها، فتحمي أجواءنا وتمنع عدونا من استهدافنا؟

لماذا تخلّت دولتنا عن الميراج، ولم تؤمّن ما هو بتطورها أو أحدث منها، وأي قرار "دولي" يمنع عنا أن نكون بمستوى الأمم القادرة على حماية سيادتها؟

لقد أسقطت الهوكر هنتر مرة طائرة صهيونية، وهي تطير اليوم لتذكرنا بوجوب أن يكون لدينا ما يكافئ طائرات العدو فيسقطها من الجو، أو ما يشل فاعليتها من الأرض، المهم أن يكون لدينا شيء.
محمود ريا

الخميس، نوفمبر 20، 2008

إضراب.. مرة أخرى


يُضرب المعلمون الثلاثاء ويتوقف التعليم في المدارس اللبنانية.
هذا الخبر ليس جديداً، فقد اعتاد اللبنانيون على إضراب المعلمين في المدارس الرسمية والخاصة منذ سنين، وتمر الأيام، وتبقى الحقوق التي يطالب المعلمون بها تركض أمامهم، ويبقى الإضراب هو الوسيلة الوحيدة للتعبير عن اليأس من تحقق وعود المسؤولين.
قد يظن البعض أن هؤلاء المعلمين متطلبون كثيراً، وهم لا يحققون مطلباً حتى يطرحوا الآخر في عملية ابتزاز للدولة المسكينة التي لا تستطيع أن "تلحّق" على طلباتهم.
ولكن مهلاً.. القضية ليست كذلك، فالمطالب التي يُضرب المعلمون من أجل تحقيقها لم تتغير، ولم تتحقق، ولا يأمل المطالبون بها بتحققها في القريب العاجل، ولذلك هم يُضربون.
لو أن حكومة من الحكومات المتعاقبة لم تسطُ على حقوق المعلمين، لو أن مسؤولاً أنصفهم أو عمل بشكل فعلي لإنصافهم، لو أن وزيراً وقف معهم، فاستقام أو استقال، لما اضطروا للجأر بالشكوى، ولاتخاذ الإجراءات التي سمح لهم بها القانون، إجراءات الإضراب والاعتصام والتصعيد أكثر فأكثر.
ولكن..
هؤلاء الذين حملوا الحرف وتعهدوا بنقله إلى أطفالنا وأبنائنا وأجيالنا الجديدة قتلتهم الحرقة وهم ينتظرون بعض إنصاف، أو قليلاً من الاهتمام، أو شيئاً من التقدير لدورهم ولمهمتهم.. وبالتالي الاهتمام بمستقبل أجيالنا وأولادنا.
لقد أصبح التعليم تجارة، ولكن البضاعة التي يُتاجر بها هي عَرق المعلم وتعبه وسهره.
وصار العلم سلعة يجهد المتنافسون في الاستفادة منها كي يحققوا أعلى المكاسب على حساب وسيلة إيصالها إلى من يريدها.
وبات المعلم أهون المكوّنات في طبخة لا أحد يدري من يطبخها ولا من يأكلها ولا من يأكل ثمنها.
ومن أجل ذلك انتفض المعلّم، ومن أجل ذلك يُضرب اليوم.. ولكل ما تقدّم.. نحن معه.
محمود ريا

الجمعة، نوفمبر 14، 2008

الندم قادم


السيد بوش نادم..
والندم أتى متأخراً بعض الشيء، وربما يشرح أسبابه بشكل أفضل في كتابه الذي ينوي إصداره بعد خروجه من البيت الأبيض وذهابه إلى تكساس التي يعشقها، والتي يرغب في الالتقاء بأصدقائه القدامى فيها.
إلا أن انتظار الكتاب الذي قال إنه سيضمّنه تفصيل لحظات اتخاذ العديد من القرارات الحاسمة في فترة ولايته، لا يمنع التوقف عند مسألتين أساسيتين أبدى سيد البيت الأبيض (حتى هذه اللحظة) ندمه عليهما.
المسألة الأولى يمكن اعتبارها ركناً من أركان حكمه خلال السنوات الماضية، وندمه عليها يعني أنه نادم على كل لحظة قضاها منذ عام 2003 حتى اليوم في الحكم.
إنها الجملة الشهيرة التي غطت خلفية خطابه الذي ألقاه على متن بارجة حربية بعد أشهر قليلة من بدء العدوان الأميركي على العراق، وهو الخطاب الذي كرر فيه الجملة ذاتها، ومفادها: المهمة انتهت.
هو لم يقل فعلاً إن النصر قد تحقق، وإن الحرب قد انتهت، ولكن كل الأجواء الاحتفالية التي رافقت تلك اللحظة التاريخية كانت توحي بهذا المعنى، وتشي بالإيحاءات الهوليودية التي تعودناها في الأفلام السينمائية الأميركية.
وبعد خمس سنوات من تلك اللحظة، ظهر أن الفيلم لم ينتهِ بعد، وأن البطل لم يُتح له أن يطلق صيحة النصر، وأن المهمة لم تنتهِ، ولذلك فإن بوش نادم.
أما المسألة الثانية التي ندم عليها بوش فهي قوله (عن "الإرهابيين"): عليكم بهم.
هو لم يندم لأن هذا القول يصدر من نفسية تكساسية قائمة على تجاوز كل القوانين والأعراف في تصيّد الأعداء، وإنما ندم لأنه تفوّه بهذه الكلمات في العلن، فقد نبهته السيدة الأولى (زوجته) إلى أنه رئيس الولايات المتحدة، وأنه لا ينبغي له التحدث بهذه الطريقة.
هل يكون هذا الندم هو مقدمة للندم الأكبر الذي عبرت عنه مجموعة من المتطوعين طبعت نسخة مقلّدة من صحيفة "نيويورك تايمز"، وكان الخبر الرئيس في العدد منقسماً إلى ثلاثة أقسام: حرب العراق انتهت، بوش يحاكم بتهمة الخيانة العظمى، ورايس تعتذر بسبب الكذب في شأن أسلحة الدمار الشامل العراقية.
ربما على السيد بوش أن يندم فعلاً عندما يرى أن كل ما كان يحلم به قد انهار، من دون أن يأتيه وحي ما يعلّمه كيف يتعامل مع هذا الندم.

محمود ريّا

الخميس، نوفمبر 13، 2008

ظلمة غزة ـ تابع


محرجة الكتابة عن العتمة، عندما يرى الإنسان أن القلوب باتت أكثر ظلمة من الليالي الحالكات التي تعيشها غزة مرة بعد مرة.
يحس الواحد منا أن ما يكتبه هو مجرد ترداد لكلام كتب في السابق، وهو مجرد تكرار لعبارات تضامن لا يمكن أن تسمن ولا أن تغني من جوع.
ويصبح من "يحمل قلماً" بين خيارين: أن يكتب، وأن لا يكتب.
فإذا هو استنكف عن الكتابة انسجاماً مع عجزه عن الفعل، يصبح كالذي "يعطي الأذن الطرشاء" لآلام مئات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين العرب الذين ينامون بلا ضوء، وبلا كهرباء لغرف العناية الفائقة في المستشفيات، وبلا أبسط مقومات العيش التي هي حق لكل إنسان.
وإذا هو كتب، فيكون من "الذين يصفّون الحكي"، مجرد كلام، لا يردع عدوان المعتدين ولا يدفع زعيماً للتحرك والإنجاز، ولا يدخل ليتراً من الوقود إلى قلب الحصار الذي تعاني منه غزة وقطاعها وأهلها.
هل هي المرة الثانية التي نكتب فيها عن الحصار، أم الثالثة، هل هي آخر مرة أم سنكتب بعد، هل سنسأم من تدبيج المقالات ورسم الكلمات، فنترك المحاصرين لحصارهم، ونهتم نحن بالحوارات الحضارية الدائرة في أربع جهات الكون؟
هل سنرى في المرة القادمة الصورة التي اعتدنا على ربطها بالمواضيع التي تمررها الصحافة على استحياء، أطفال يحملون الشموع ويسيرون في ليل غزة احتجاجاً على حرمانهم من حق النور، أم أن وكالات الأنباء ستكتفي بأن تحيلنا إلى الأرشيف بعد أن يصبح الحدث "بلا قيمة إخبارية"، ويصبح مجرد تكرار لحدث سابق؟
هل نحن الذين كان في تاريخهم من يهب لصرخة مظلوم وينتفض لدعوة مكلوم ولا ينام على ضيم مُضام؟
هل نحن الذين ننتمي إلى خير أمة أخرجت للناس؟
محمود ريا

السبت، نوفمبر 08، 2008

الصين وموسم القطاف

تبدو الدعوة الأوروبية للصين ودول الخليج كي "تساهم" في حل الأزمة المالية العالمية، مليئة بظواهر القصور في الفهم والعنجهية في الطرح والاستسهال في تحميل المسؤوليات.
رئيس المفوضية الأوروبية يقول إن الصين استفادت من العولمة، وإن على دول الخليج أن تبدي حساً بالمسؤولية. وهكذا يكون على هذه الدول أن تتحمل جزءاً من ـ إن لم يكن كل ـ وزر الأخطاء الكبرى والخطايا التي لا تغتفر التي ارتكبها الطامعون والمغامرون والمستهترون من الغربيين خلال السنوات الماضية، في مسار أوصل إلى الأزمة المالية المستفحلة.
وإذا كانت دول الخليج العربية لا تدري كيف ترد على الدعوة التي وُجهت لها كي "تتحلى بالمسؤولية"، فإن الصين أعلنت سلفاً أنها ستبذل أقصى جهودها للمساهمة في حل الأزمة.. ولكنها لم تنسَ أن تذكّر بأن ستساهم على طريقتها وحسب ما تقتضي مصلحتها، في مقابل أثمان لن تتراجع عنها.
فالصين مهتمة بحماية "الأسواق الاستهلاكية" التي تصدّر إليها بضائعها. وهي أيضاً مهتمة ببقاء النظام الاقتصادي الأميركي قائماً حفاظاً على تريليون دولار أميركي من سندات الخزينة الحكومية الأميركية التي تمتلكها. ولكنها مهتمة أيضاً بتحقيق أهداف سياسية كانت صعبة المنال قبل هذه اللحظة التاريخية التي ترى فيها منقذاً رئيسياً ـ وربما المنقذ الأول ـ للاقتصاد العالمي، من خلال الفائض في احتياط العملات الأجنبية الذي تمتلكه، والذي يزيد عن تريليوني دولار أميركي.
وإذا كانت الأهداف السياسية الصينية متعددة، فإن أكثرها بروزاً هو السعي لإلغاء صفقة تسلح أميركية لتايوان تبلغ قيمتها حوالى ستة مليارات دولار، إضافة إلى إبعاد العين الدولية عنها لجهة اتهامها بانتهاك حقوق الإنسان والقمع في التيبت وسينكيانغ (تركستان الشرقية).
على أن الطلبات الصينية لا تبدو الآن بعيدة المنال، فملف حقوق الإنسان ومعه ملف الأقليات والأقاليم في الصين لم يُفتح في الدوائر الغربية إلا لغايات سياسية تهدف للضغط على الصين في مرحلة صعودها المنافس للقوة الأميركية، وإقفالهما اليوم يمكن أن يتحقق لأسباب سياسية تتلخص بمساهمة الصين في إنقاذ اقتصاد أصدقائها ـ خصومها الغربيين!
ولا يبدو أن الغرب سيعاند كثيراً، كما لا يبدو أن الصين ستتدلل كثيراً قبل أن تبدأ بالقطاف.
محمود ريا

الشبكات.. التي تتساقط


تشبك الشبكات بعضها ببعض، وفي لحظة الاشتباك ينفك الانشباك، فتسقط الشبكة وحدها، وتبقى الشبكات الأخرى تعمل حتى تسقط واحدة بعد أخرى.
الشبكة العميلة التي فككت في الأيام الأخيرة ليست آخر شبكة للعدو على أرضنا. فالعدو خلال سنوات طوال، زرع الكثيرين من العملاء، منهم من ربطه بآخرين، ومنهم من تركه يعمل منفرداً، يؤدي مهمة محددة، تسمح له بالتخفي طويلا، وليس الاختفاء إلى الأبد.
لا بد لكل شبكة عميلة من أن تقع، عاجلاً أم آجلاً، قد يتأخر اكتشافها لفترة، وقد يكتشف بعضها ويتخفى البعض، ولكن النهاية محتومة ومعروفة، ولن يتضرر إلا الذين كانوا فيها، نتيجة الأضرار التي سببوها لأمن الأمة ولأمن الشعب، فيما العدو الذي استغلهم سيتركهم وسيلفظهم وسينساهم في السجون.. وعلى أعواد المشانق.
الدرس المستفاد هو أن ما من عميل للعدو إلا وسيسقط في يوم من الأيام في قبضة العدالة، فإن لم تكن معجّلة وأمام الناس هنا، فهي لن تتأخر هناك، وربما ينال العقابين معاً، وبأقسى ما يمكن توقعه من عقاب.
ومقابل ماذا كل هذا؟
حفنة من الدولارات، بيت وسيارة، ووجاهة فارغة، يقابلها قلق دائم وموت محيط لا يدري في أي لحظة يأتي، وحبل يلتف على الرقبة، حارماً صاحبها من حياة ملوثة بالشؤم والدم.
ليس الحديث عن العدو الصهيوني وخطره على أمننا وعلى مجتمعنا، فهذا أمر معروف وله مكان آخر، وإنما الحديث عن أولئك الذين يبيعون نفساً كرّمها الله للعدو برخص وخساسة، ويقبضون ثمنها بضعة دولارات لا تكفي لكي تريح ليل البائع أو تهدئ نهاره.
ليس المهم كم يتخفى العميل، المهم أن يعرف أن هناك من يتابع العملاء، ويعمل كل جهده للقبض عليهم والتخلص منهم، وإذا لم يُقبض عليه اليوم فسيُقبض عليه غداً، وإذا لم تسقط شبكته كلها سيسقط منها البعض وسيعترفون وستكون الفضيحة على رؤوس الأشهاد.
العهد عهد على أن لا تهدأ النفوس قبل القبض على كل العملاء وتوجيههم إلى المكان الذي يستحقون.. إلى مزابل التاريخ.
محمود ريا

الجمعة، نوفمبر 07، 2008

هل يصل أوباما إلى البيت الأبيض؟


كانت المسيرة التي قطعها باراك أوباما للوصول إلى عتبة البيت الأبيض طويلة جداً، امتدت على مدى أكثر من سنتين، ولم يبقَ أمامه سوى سبعين يوماً ليدخل من الباب العريض.. فهل تحين هذه اللحظة؟
ليس السؤال إلا ترجمة لمجموعة من المخاوف التي تنتاب بعض المتابعين لـ"عملية التغيير" التي أطلقها فوز الرئيس الأسود في السباق إلى الموقع الأول في الولايات المتحدة الأميركية.
فـ"الرئيس الجديد" يواجه مجموعة من التحديات الكبرى التي تقف حجر عثرة أمام تحقيق عملية انتقال سلس للسلطة، برغم أن المؤسسات التي تحكم هذه العملية راسخة ومستقرة ولا يمكن التشكيك فيها بأي حال من الأحوال.
ولكن لكل قاعدة استثناء، وكما كان أوباما استثناءً عن الرؤساء الأميركيين بلونه وبحجم النجاح الذي حققه، فإن الحديث عن استثناء في وصوله إلى المكتب البيضاوي لا ينبع من فراغ.
الأكثر إثارة للقلق هو أن انتخاب أوباما كان بمثابة "انقلاب" على "العصابة" الحاكمة في البيت الأبيض، هذه العصابة التي يقف في واجهتها جورج بوش ويقودها نائبه ديك تشيني، فيما يشكل عمدتها جماعة المحافظين الجدد الذين أقنعوا أنفسهم بأن لديهم مهمة مقدسة عليهم أن يؤدوها مهما كلّف ذلك من ضحايا.
فهل يتنازل هؤلاء عن تحقيق "مهمّتهم" نزولاً عند رغبة الناخب الأميركي؟ وهل يمكن للذي أرسل آلاف الشبان الأميركيين إلى المحرقة في أفغانستان والعراق لتنفيذ "الرؤيا"، أن يحسب حساب أصوات يعتبر أنها ناتجة عن عوام لا يدركون مصلحة بلادهم، ولا يرضخون لـ"رغبة الخالق" الذي يكلّم رئيسهم ويطلب منه القيام بمهمة إنقاذ العالم من "الأشرار"؟
لا يزال أمام هؤلاء سبعون يوماً، فماذا يمكن أن يفعلوا؟
هل يصل باراك أوباما إلى البيت الأبيض، أم يسقط على الطريق إليه كما سقط قبله عدد من الرؤساء الأميركيين؟
وإذا وصل، فهل تتركه هذه العصابة يقود البلاد في طريق التغيير، أم أن أعضاءها جهزوا أنفسهم لملء طريقه بأشواك حرب أخرى يورطونه فيها قبل خروج القرار من أيديهم؟
إنها مسيرة صعبة، ودائماً ما تكون الأمتار المئة الأخيرة هي الأصعب في السباقات الكبرى.
محمود ريا