الجمعة، يونيو 27، 2008

تصريحات.. للبالغين فقط





تكاد بعض الأخبار تصبح مادة خاصة بالبالغين فقط، يمنع أن يطّلع عليها الأطفال كي لا تشوّه ذائقتهم أو أخلاقهم، أو تسبب لهم كوابيس تحرمهم من النوم الهانئ والحياة الهادئة.
ولو أن هذه الأخبار تستورد من الخارج، لكان وجب على السلطات المختصة أن تدمغها بتلك الدمغة الخاصة بالمواد الإعلامية المخصصة للكبار، أو أن تفعل ما هو أفضل، بأن تمنعها من الدخول أصلاً إلى الأراضي اللبنانية كونها تهدد السلم الأهلي وميثاق العيش المشترك والتقاليد الوطنية والأخلاق العامة.
ولكن المشكلة أن هذه الأخبار هي صناعة وطنية، أو لنكن أكثر دقة، هي "تجميع داخلي" في حين أن مكوّناتها و"قطع الغيار" الخاصة بها مستوردة من الخارج، وعبر "الحقيبة الدبلوماسية".
ولعلّ سوء حظ اللبنانيين وضعهم أمام قَدَر الاستماع إلى هذه التصريحات وهم متسمّرون أمام شاشات التلفزة، يتابعون آخر أخبار القصف والقنص والضرب والحرق والاغتيال والاختطاف وفرض الخوّات على المعابر الحدودية، وتشكيل فرق الموت ومجموعات الزعرنة وعصابات الأحياء للـ"الدفاع عن الكرامة المهدورة".
وإذا حاول المواطن أن يقفز عن تصريح من هذا النوع إلى محطة أخرى، فإنه سيجد من يصطاده بشبكة أخرى من التصريحات التي لا تقلّ "إثارة" أو تأثيراً بما يفرض وضعها بعيداً تماماً عن متناول الأطفال وصغار السن.
قد لا تكون مشكلة التصريحات كامنة فقط في ألفاظها، وإنما سوءُها قد ينبع من قائليها، وهم الذين لا يمكن أن يمرّ الواحد على سيرتهم من دون أن يضع أصابعه على أنفه ليسدّه من الرائحة النفاذة، ويديه على أذنيه كي لا يسمع أصوات الضحايا وصرخات المعذّبين القابعين في تاريخهم الأسود. أما عيناه، فإن لون الدم الناضح من أيدي هؤلاء لن يترك لهم فرصة للإقفال على مشاهد الخير والجمال التي يتميز بها بلدنا.
لو كان يمكن إخفاء بعض الأصوات حتى لا نُفضح بين الأمم.
لو لم تفرض علينا الأقدار أن نستمع إلى تصريح سمير جعجع الأخير.
محمود ريا


الثلاثاء، يونيو 24، 2008

من يطبخ البحص..



"طبخة بحص" هي الطبخة التي يريد رئيس وزراء لبنان المكلف أن يطعم اللبنانيين منها.
طبخة تنزح قسوة وترشح قهراً، وتنبت كل يوم أعشاباً سامّة تتغذى بحقد غونداليزي عتيق، لتتحول إلى مرارة في غذاء البلد الذي ينتظر من زمن طعاماً يخلو من شهوة الطمع ورنين فلوس المحاسبين، وتطاول أعناق المرابين الذين يأكلون على ظهر اللبناني ويأكلون طعام اللبناني ويقضمون مستقبله ليحوّلوه مزرعة لهم ولمن يرثهم من بعدهم إلى أبد الآبدين.
"طبخة بحص" يعدّها بعناية، يضع فيها حجارة قلبُه أقسى منها، ومياه أكثر ملوحة من دموع اللبنانيين الجوعى، ومكوّنات أخرى لا يدري أحد من أين يأتي بها، من أي سفارة أو من أي طياّرة، أو مملكة أو إمارة.
"طبخة بحص" لا أمل بأن تنضج، وهو لا يريد لها أن تنضج، لأن نفسه لا تطيب في أن يشبع اللبنانيون، وهو الذي تفنّن في ابتكار وسائل تجويعهم وأساليب تفقيرهم وطرائق تهجيرهم منذ أن ولاّه الله على خزائنهم، فلا كان حفيظاً ولا كان أميناً.
"طبخة بحص" تخدم مشروعاً غريباً يريد للمنطقة ـ ومنها لبنان ـ أن تبقى ويبقى بؤرة صراع وموقع قتال، حتى لا تبدو الهزيمة الأميركية كاملة، أو حتى تتحضر الأجواء لمغامرة صهيو ـ أميركية مجنونة.
إنها طبخة يتخصص في الإشراف عليها وفي الإسراف في تقديم كل ما تتطلبه، عسى أن يثأر لأشهر قضاها بلا شرعية وبلا دستورية وبلا قانونية، فيتمتع بلقب تصريف الأعمال الذي يمنحه بعض المشروعية، قبل أن ينطلق في عملية تخريب البلد من جديد.
هي "طبخة بحص"، ولكنها طبخة خطرة.. وخطرة جداً.
ألا يعرف الرئيس المكلّف أن من يطبخ "البحص"، قد يركع عليه في يوم من الأيام؟
ولات ساعة مندم..
محمود ريا

الجمعة، يونيو 20، 2008

جنون النفط



يجن النفط، ويجن الناس معه، في كل مكان من أركان الأرض، يكتوون بأسعاره ويحترقون بندرته، فتتحول حياتهم إلى جحيم أسود، بلا ضوء وبلا دفء وبلا حركة.


لا يطال هذا الجمود بلداً بذاته، أو شعباً من الشعوب دون آخر، والدليل، أن الشعوب التي تعيش في البلدان النفطية تعاني من آثار ارتفاع أسعار النفط، مثلها مثل الشعوب التي لم يخرج الله من أرضها الذهب الأسود والغاز المسيّل وغير المسيّل.


يصرخ الجائع، ويصرخ المحتاج، ولا يجد في أموال النفط المكدّسة في البنوك ما يسد رمقه، فيبدو ما يحصل وكأنه مسرحية كبرى، يتم بين فصولها سرقة قوت الناس واستهلاك قوّتهم في ما يفيد الشركات الكبرى ويحقق لمدرائها رواتب خيالية غير معقولة، ثمناً لتفنّنهم في ابتداع الطرق التي تسمح لهذه الشركات بمص دماء البشر وامتصاص خيراتهم دون أن يصل شيء من هذه الخيرات إلى القابعين على الرمال التي تنبع من تحتها ذخائر الأرض.


و"الدول النفطية تبذل جهدها لخفض أسعار النفط"، في تحرك يشبه النكتة السمجة التي لا يمكن أن تضحك أحداً، لأن المفارقة ظاهرة وبيّنة، فمن لا يتمكن من رفع الأسعار لا يمكنه أن يخفّضها، أو لنقل بشكل أوضح، إن من يتحكّم برفع الأسعار وخفضها ليس قابعاً في قصور الملوك والرؤساء في هذه العاصمة أو تلك، وإنما هو مقيم في واحد من تلك البروج العالية التي تدار منها شركات النفط العالمية، ومعها تدار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في العالم كله.

إنها أزمة عالمية حقاً، عالمية بأسبابها، وعالمية بنتائجها، وربما تعمّ الكوارث التي ستنتج عنها كل بلد في العالم.. بلا استثناء.


محمود ريا

الاثنين، يونيو 16، 2008

كوندي في ديارنا

(الكاريكاتور من جريدة الانتقاد الالكترونية بريشة الصديق عبد الحليم حمود)


لو قالوا لنا لكنّا جهّزنا أنفسنا، لبسنا أحلى الثياب، ووضعنا أغلى العطور، ووقفنا بالصف، لا بل جماعات وراء جماعات، لنستقبل مبعوثة حمامة السلام بوش إلى ديارنا العامرة.

لو أنهم فقط أعلمونا بالزائرة وبالزيارة، لكنا أدرنا الأعراس ونزلنا إلى باحات الدبكة والحوربة، ولبقينا نسير على رجل واحدة من المطار إلى كل مكان حطّت فيه الوزيرة المهيوبة، عسى أن نحظى ببعض نظرة أو ننعم ببسمة، فهي وزعت الكثير منها.. وطبعاً لا نطمح إلى أكثر من ذلك، فالقبلات مخصصة لأولئك الذين يعرفون كيف ينفذون الأوامر على نحو دقيق.. وكلما كانت الاستجابة سريعة ومريحة، كان العناق أكثر علنية و"صدقاً".

لقد رأينا ذلك في السابق، شاهدناه في عز الأزمة، عندما كانت بيوتنا تضرب، وأطفالنا يقتلون، وكانت القنابل الأميركية تنهمر على قرانا ومدننا، وكانت الحرب الإسرائيلية المدارة من السيد بوش والآنسة كونداليزا تحاول أن تسلبنا مقاومتنا وكرامتنا وقرارنا، يومها شاهدنا ضيفتنا (المفاجئة) تعبّر عن عواطفها الكبيرة لمن يفترض أن يكون رئيس حكومتنا، لا رئيس حكومة العدو الذي يقصفنا، ويومها سألنا: لماذا هذا التكريم الزائد عن الحد؟ وفي الأيام التي تلت عرفنا الحقيقة.

اليوم تأتي رايس مرة أخرى، ولكن الحال غير الحال، والأوامر التي اجتهد المرحبون من أجل تنفيذها لم تنفّذ، تاركة الخيبة في نفوس القادمين وفي نفوس "المقيمين".

اليوم تأتي والمؤامرة التي تلت العدوان قد سقطت أيضاً، وتلاشت كل مفرداتها. لا بل بات المشروع الذي يقف وراءها أثراً بعد عين.

من أجل ذلك أتت خفية، وأتت فجأة، ولو استطاعت لأتت خلسة.

فهي لا تتوقع صنوف التطبيل والتزمير، ولا ترتقب الزغاريد والتهليل، وإنما كل ما تتوقعه غضبة شعب عانى الكثير منها ومن إدارتها ومن نظامها، ومن أجل ذلك اختصرت الاستقبالات الرسمية واكتفت بمرور سريع، فالمريب يكاد يقول خذوني.

لو عرفنا أنها آتية لاستقبلناها كما يليق.

على كل حال، لا مانع من أن نقول لها ما في قلوبنا:

لا أهلاً بك كونداليزا.

محمود ريا

الخميس، يونيو 12، 2008

حتى الماء يا غزة


حتى الماء بات أهلك محرومين منه، يتزاحمون على قطراته، يبحثون عنه بدمع العيون وتعب الأيام وقهر الزمان.
حتى الماء بات سلعة نادرة في عالم لا يرحم، عالم لا يسمع ولا يريد أن يرى.
قطعوا عن أهلك الوقود.. فصمدوا.
قطعوا الدواء.. ولم يستسلموا.
الغذاء بات شحيحاً، مواد البناء، الآلات وقطع الغيار، تعطل قطاع النقل، باتت المدارس والجامعات هياكل بلا متعلمين، ولم يتمكنوا من كسر الإرادة الغزّاوية التي لا تُكسر.
والآن جاء دور الماء.
يمتص المستوطنون من جوف أرضك كل قطرة، كي يلهوا ويعيشوا حياتهم المترفة، ويتركون لأهلك ماء البحر المالح، وبضع قطرات من مياه عذبة يتهافت عليها مئات الآلاف من البشر.
يستكين العرب على أنهار كبرى، يضيّعون ماءها هباء في البحر، ولا ينظرون إلى غزة برشفة، وكيف يفعلون، وهم يعومون على بحار النفط، فلا يقدّمون لمريض نبضة أمل، ولا لمحرور لمسة نسيم؟
يجهد الزعماء في تبرير الموت الذي يحاصر القطاع ـ السجن من كل جانب، ويشاركون، يبالغون في المحاصرة، بانتظار "شهادة حسن السلوك"، ولا مانع في أن تكون هذه الشهادة جثة طفلة أضناها المرض، أو عجوز هدّها الجوع، أو شيخ هرم، تجف شفاهه، فلا يجد قطرة ماء لترطيبها.
حتى الماء يا غزة..
بات الماء ورقة مساومة، وحقاً مسلوباً، ومادة تفاوض..
"تنازلوا عن مواقفكم.. نسقِكم، بيعوا أرضكم.. نسمح لكم ببعض رواء، أعطوا الدنيّة من دينكم.. فلا تموتون عطشاً، ولكم الخيار".
بالأمس الوقود، واليوم الماء.. وماذا غداً، هل يحاصر الأعراب الهواء، فيمنعونه عنكم، حتى تخضعوا لأسيادهم الصهاينة؟
لا يا غزة.. من لم يركع من قبل، لا يركع اليوم، ومن بقي واقفاً متكئاً على سيل دمه الآن، سيبقى منتصب القامة، مستنداً على شلال دموع، وراية صبر وكلمة حق، في كل حين.
وسنبقى
محمود ريا

الثلاثاء، يونيو 10، 2008

الفيول.. عدو اللبنانيين


بات اللبنانيون والفيول على عداء مستحكم، إذ ما إن يسمعوا بهذه الكلمة حتى يبدأ الشعور بالحرارة يلهب جلودهم، والعطش لنقطة ماء باردة يسلك طريقه إلى حلقهم، والشوق إلى بعض ضوء في الليالي المعتمة يأخذ من عيونهم كل مأخذ.
هي عداوة بلا سبب، أو هي عداوة من جانب واحد، هم لا يكرهونه، ولا يرغبون بفراقه، ولا يشعرون تجاهه بأي حقد أو ضغينة، وبالرغم من ذلك، فهو يصبح غريمهم و"مسوّد ليلهم" و"مكسّر أرجلهم" التي تعاني من الصعود إلى الطوابق العليا بلا كهرباء، أي بلا مصعد، أي على الأدراج التي تكاد تهترئ من الصعود والنزول عليها.
من الذين اختلق هذه العداوة بين الناس وبينه؟
من الذي جعله سبب تعاسة كثيرين وسارق أحلام الأطفال ومفسد سهرات الشباب؟
الفيول، تلك المادة المهملة في اهتمامات البشر، بات في رأس الأولويات، يسأل عنه الطفل، ويتشاءم من السماع به الكبير والصغير.
فتحت وزارة المال الاعتمادات، لم تفتح الاعتمادات، وصلت البواخر، لم تصل، أفرغت، لم تفرغ، تأمن الفيول لم يتأمن بعد، انقطعت الكهرباء، ما زالت مقطوعة، لم تات بعد، لن تأتي على موعد التقنين المعتاد، لن نراها اليوم، اسهروا في الخارج، فقد يكون هناك نسمة هواء، لا تحلموا بمكيف ولا حتى بمروحة تخفف حرّ الصيف الذي بات على الأبواب.
ليست القصة جديدة، وهذه ليست أول مرة، اعتاد الناس عليها حتى ملّوها. في بلد الإشعاع والنور، بلد السياحة والحضارة والمدنية، بلد التقدم والرقي، لا توجد كهرباء، لأن الاعتمادات لم تفتح ، ولم يصل الفيول إلى المعامل.
آه أيها الفيول، كم من الجرائم ترتكب باسمك.
محمود ريا

الجمعة، يونيو 06، 2008

حاربوا المجرمين

آمال عريضة ارتسمت في أذهان اللبنانيين بعد التطورات التي شهدها بلدهم، وابتسامات مشرقة حاكتها الشفاه التي انتظرت كثيراً الابتسام.
الأرقام جاءت لتعزز هذه الآمال، في ظل الحديث عن مئات الآلاف من السيّاح الذين حجزوا مقاعد لهم على الطائرات المتجهة إلى لبنان، حتى وصل الأمر إلى تصاعد الشكوى من العجز عن إيجاد مقعد فارغ واحد على أي طائرة قادمة من عدد من العواصم إلى بيروت.
الخطاب الرئاسي كان مشجعاً أيضاً، اهتمام بالصناعة والزراعة وتحريك دورة الانتاج.. أي أن البلد سيشهد تباطؤاً في سيره الحثيث نحو الهاوية.
المؤشرات المحيطة مشجعة بدورها، عشرات المليارات من الدولارات البترولية لا تجد مكاناً لاستثمارها، وهي حبست طويلاً عن لبنان وقد آن الأوان كي تعود إليه حاملة معها بعض ترطيب لحلق الخزينة اللبنانية الذي يكاد يجف عطشاً إلى الاستثمارات والدولارات.
كل ذلك بات الآن مهدداً.
بالسياسة، العقبات المستترة بدأت بالظهور، والقطب المخفية لم تعد مخفية، بل هي تحولت إلى شروط وتهديدات وانقلبت محاولات توتير وإقفال طرقات، والآتي ربما يكون أعظم.
في الاقتصاد، الناس باتوا في مرحلة الاختناق الكامل، وربما تأتي الاستثمارات والمساعدات في وقت يكون متأخراً جداً عن قدرة الشعب اللبناني على الاستفادة منها.. الناس ماتوا جوعاً أو يكادون، فرغت جيوبهم، ورواتبهم لا تكفي الأيام الأولى من الشهر... وكل الأسعار إلى المزيد من الغلاء.
في الخدمات.. يأس. الكهرباء التي تشكّل عصب الحياة ومحرك الاقتصاد والحاجة الأساسية للناس في خبر كان.. تقنين بلا تقنين، أو بالأحرى انقطاع بلا انتظام، فلا يعرف اللبناني متى تأتي الكهرباء ومتى تذهب، والمعلومات تتحدث عن موجة انقطاع كبرى، نتيجة عدم فتح الاعتمادات اللازمة لشراء الفيول. أما البديل فهو أكثر مرارة، فالمولدات الخاصة ـ التي بات الاشتراك فيها فرض عين على من لا يزال يجد بعض رمق في راتبه ـ تعمل على المازوت، وصفيحة المازوت بات سعرها أعلى من سعر صفيحة البزين في ظاهرة لم نسمع عنها في كل ما مرّ علينا من سنين.
النتيجة؟
النتيجة أن هناك من يريد أن ييئس اللبنانيين، وأن يحرمهم من أن يحسوا بالراحة، وأن يجعلهم يعتقدون أن ما حققوه من إنجازات سياسية خلال الفترة الماضية هو وهم، وأن من قاد مسيرة التعطيل خلال السنوات الأخيرة قادر على أن يتركهم على قارعة انتظار الحلول القادمة من الخارج.
من يفرض الشروط، ومن يسمع لها شريكان في جريمة خنق حلم الفرح لدى اللبنانيين.
حاربوا المجرمين.
محمود ريا

الاثنين، يونيو 02، 2008

المستوزرون ودولاب الحظ






تتغير التشكيلات بين لحظة وأخرى، ويدور "دولاب الحظ" صاعداً وهابطاً، آخذاً بطريقه فرص من ينامون ووجوههم سوداء، ليستيقظوا على أمل الحصول على بعض حقيبة، أو حتى على رجاء الحصول على لقب وزير، دون نظر إلى الوزارة والموزّر والوزر الذي سيحملونه نتيجة توزيرهم

الحكومة تأخذ بلبّ الطامحين، تسحق لحظاتهم، تسرق بسمات شفاههم وتسلب النوم من عيونهم، يتسقّطون الأخبار، يراجعون كل التشكيلات التي تنشر في الصحف وعلى المواقع الالكترونية وفي المحطات التلفزيونية، ولا يكفيهم ذلك، فيلجأون إلى قراءة ما يكتبه ودع التبصير، وحوافي فناجين القهوة، ويبحثون عن منجّم في أقاصي الأرض، عسى أن يستطيع دفع أسمائهم إلى تشكيلة هنا، أو تركيبة هناك، وإذا "ما كان صحيح بيكون فال منيح".

بلد ينام المسؤولون فيه على وسادة المالية ويستيقظون على غطاء العدل، يبحثون عن نعيم الاتصالات، ويسعون وراء فوائد الطاقة، الصحة حلم بعضهم، والزراعة (حقيبة بلا فعل) تبقى همهم، والصناعة (بلا صناعيين) ترضيهم، والشؤون الاجتماعية (في ظل وضع اجتماعي في أسوأ حالاته) لا تغيب عن بالهم.. بلد كل همّ الطامحين فيه أن يكونوا في جنّة الحكم، يبدّلون من أجله كل ولاءاتهم، ويبيعون كل مبادئهم وينقلون انتماءاتهم.. بلد لا ينظر فيه الطامع إلى ما يقدّمه بل إلى ما يحصل عليه، هذا البلد ما يزال يحتاج إلى الكثير كي يصبح دولة فيها أصحاب دولة، وأصحاب معالي، ووزراء يؤازرون، لا باحثين عن أي موقع يبقيهم في دائرة الضوء، حتى يحجزوا مقاعد نيابية لهم في انتخابات كل العيون ترنو إليها وكل القلوب تهفو إلى نتائجها.

عجيب أمر الطبقة السياسية التي تحكم هذا البلد، عجيب كيف يتقاتل المنتمون إليها على البروز أكثر فأكثر، فيما يرمون هموم الناس الذين يتحدثون باسمهم في الظل والعتمة والإهمال، يلعبون بالقضايا الكبرى كي يؤمنوا لهم حضوراً، ولا يجدون حرجاً في أن يحرقوا بلداً كي يستعيروا جمرة للهوهم.

من لا يعرف لبنان، قد يجد أن الصورة المعروضة سوداوية جداً، والذي يعيش فيه يوقن أن هذا بعض حقيقة أولئك الذين يستمرئون البحث عن الألقاب والمواقع والمنافع، والذين يعرّضون صدورهم عندما يكون الحديث عن مكاسب، فيما هم يختفون بين ركام الأحداث عندما يكون الوقت وقت تقديم التضحيات.


ما زلنا نبحث عن لبنان الذي نصبو إليه، وما يزال هؤلاء يريدون لبنان الذي عرفوه على مدى عقود، وهذا هو الصراع الحقيقي بين جيلين وبين منطقين، بين مستقبل واعد بالعدالة والمساواة والمشاركة وماض مغلّف بشعارات برّاقة وممارسات مغرقة في التخلف والاستئثار والتبعية.

ولا بد أن ينتصر المنطق على اللامنطق..

محمود ريا