الجمعة، فبراير 29، 2008

أهلاً .. "كووول"


أخيراً.. لم يعد الأميركي قادراً على التخفي، وكل الخطط التي وضعها ونفّذها على مدى السنوات من أجل البقاء في الظل، بعيداً عن مركز الصورة باءت بالفشل.
أخيراً.. صار الأميركي وجهاً لوجه مع الواقع، فأطلّ برأسه، وباقي "العدّة" على الطريق.
لم تنفعه الحرب بالقفازات، ولا أفادته التوكيلات والتلزيمات، والوقت ضيق، بل ربما لم يعد هناك وقت.
فريق السلطة لم ينجح في تحقيق ما هو مطلوب منه، مع ان الحاضنة الأميركية قدّمت له كل ما يحتاجه من تسهيلات ومن دعم ومن ترتيبات، منذ القرار 1559 الشهير، إلى لحظة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومنها صعوداً باتجاه كل مفردات الدعم اليومي الكلامي والمالي والسياسي والعسكري، وصولاً إلى تحويل هذا الفريق المتسلط إلى جزء من الأمن القومي الأميركي.
"إسرائيل" نفسها لم تتمكن من تحقيق المطلوب، بعد حرب وحرب وحرب، وبعد كل الممارسات الإرهابية والإجرامية، وبعد تموز وآب عام 2006.
على الرغم من كل الدعم الأميركي، الجسور الجوية والسياط التي لسعت كل من اعترض على العدوان، وبالرغم من "التنسيق" بين الوكلاء والعملاء في المنطقة وفي لبنان، فشلت "إسرائيل" في المهمة، وكان الفشل مدوياً، وذا ارتدادات خطيرة على الداخل الصهيوني كما على دواخل "الحلفاء" والعملاء العرب، ولا سيما في لبنان نفسه.
الأخطر من ذلك أن "إسرائيل" تتهيّب من إعادة الكرّة مرة أخرى.. لوحدها.
لقد تم "استخلاص العبر" من الفشل السابق، والطائرات تطير إلى الجيش الصهيوني حاملة أحدث انواع الأسلحة، طائرات أف 35، صواريخ ضد الصواريخ، وكل ما يخطر على بال.. وبالرغم من ذلك، "إسرائيل" ما تزال خائفة.
إنها خائفة من هزيمة أخرى، لو حصلت فإن كل الكيان سيتهاوى مع تهاوي الجيش الكرتوني الذي بات يخجل أن يقول عن نفسه إنه لا يقهر.
لم يعد هناك وقت..
لقد تأخر تنفيذ المطلوب.. تأخر كثيراً، وربما لا تكون هناك فرصة أخرى.. وهذا يعني أن الانقلاب الاستراتيجي على مستوى العالم قد بدأ..
ما الحل إذاً؟
ليس هناك سوى النزول إلى الميدان بشكل مباشر، بلا أقنعة وبلا تخفّ، وخوض المعركة وجهاً لوجه.
وها هي كول، بجلالها وأبّهتها قد وصلت، وبعدها سيأتي الطراد والمدمرة، وربما (لمَ لا) حاملة الطائرات التي لا يمكن ان يسعها بحر بيروت وحتى شرق المتوسط كله.
والهدف: هو هذه المجموعة المقاومة التي عطّلت مفاعيل المشروع الأميركي في المنطقة، وخرّبت "الشرق الأوسط الجديد" الذي أرادت "السيدة كونداليزا رايس بناءه على جماجم أهلنا وأجساد أطفالنا.
تحاول واشنطن فعل ما عجزت عن فعله ـ مباشرة أيضاً ـ في أعوام سابقة.. في عام 1982.
لو أن جورج بوش يملك بقية من عقل لسمع ما قاله ذلك المزارع البسيط في قريتنا عندما عرف بمجيء كول إلى بحر بيروت.
لم يكن ما قاله يزيد على ذلك المثل القروي "الخالد":
من جرّب المجرّب.. كان عقله مخرّب.
محمود ريا

أفجع الصور أوضحها

هل شاهدت صورة المسعف الذي أراد نقل جثث شهداء قتلتهم غارة صهيونية في غزة، فإذا به يفاجأ بأن أخاه هو أحد هؤلاء الشهداء؟
وهل سمعت بقصة الآخر الذي يعمل في مستشفى، ووصلت جثث شهداء آخرين إلى مستشفاه، وبينها واحدة بلا رأس، فأراد الاطمئنان على أخيه الذي ينتمي إلى الفصيل الذي استهدف بالغارة الصهيونية، واتصل به، فإذا بالهاتف يرن في إحدى "غرف" البراد، وبالتحديد، "الغرفة" التي فيها تلك الجثة التي بلا رأس؟
هل رأيت ذلك الأب كيف يحمل طفلته الصغيرة التي قضت ضحية الإجرام الصهيوني قبل ساعات، وقبله الطفل المدمّى، وغيره من الشهداء الأطفال؟
هل يعرف العالم أن هذا يحدث الآن، الآن، وليس في سالف العصور والأزمان.. ويحدث هنا قريباً جداً منا، وليس في بلاد الواق واق؟
هل يتخيل أحد منا نفسه في الموقع ذاته؟
نعم نحن عشنا هذه التجربة، ولكن هناك من لا يريد أن يصدق، ولا يمكن لنا أن نتوقع منه أن يقرّ بأن العدو الصهيوني عدو.. ومجرم.
أصعب القصص أصدقها، وأفجع الصور أوضحها، وأعظم الخيانات.. أوقحها.
محمود ريا

الضمير الدولي: محكمة


يقف الضمير العالمي حائراً بين متطلبات المبدأ الذي قام عليه، وبين موجبات انصياع كل ما في هذا العالم للقوة العالمية الكبرى التي لا تقف عند أي حق ولا تتمتع بأي ضمير.
العدوان الكبير الذي شنه العدو الصهيوني ضد لبنان على مدى ثلاثة وثلاثين يوماً في العام 2006 يحمل علامات واضحة للإجرام المتمثل بقتل الأطفال وهدم البيوت وتدمير الممتلكات، وبالرغم من كل ذلك كانت المؤسسات الرسمية الدولية الممثّلة لهذا الضمير "ضعيفة الرؤية" فلم تشاهد أيّاً من هذه الجرائم، ولم تضعها تحت منظار المراقبة ومن ثم الحساب والعقاب، وبات البحث عن هذه الجرائم في سجلات منظمات حقوق الإنسان كالتنقيب عن نقطة ماء في صحراء لاهبة.
لم يكن التغاضي عن هذه الجرائم عمى لدى "المنظمات الإنسانية" والمؤسسات الدولية المعنية بالمحافظة على حقوق الإنسان، فالصور تملأ العيون، وأصوات الضحايا لم تخفت تردداتها في آذان الجميع، ولكن ما حصل هو "انحراف رؤية" ناجم عن الضغوط المكثفة التي تبذلها الولايات المتحدة الأميركية لمنع صدور أي تقرير دولي قد يدين ـ ولو بالإشارة ـ الكيان الصهيوني الذي أخذ يسرح ويمرح، يقتل ويدمر، يعتدي ويتجبّر، من دون أن يخشى المحاسبة أو يحسب حساب "ضمير".
هذا الجبروت الصهيوني لم يقتصر على فترة محددة من التاريخ، انحصرت في ما حصل ذات صيف، عام 2006، وإنما هو موجود منذ لحظة قيام هذا الكيان، الذي نشأ معتمداً على قرار دولي واستمر مستنداً إلى دعم دولي، ويطمح للبقاء مهيمناً على كل الدول.
كما أن الإجرام الصهيوني لم يستهدف منطقة واحدة، في الجنوب أو في الضاحية أو في البقاع، أي في لبنان، وإنما هو طاول على مدى السنوات كل منطقة في الدول المحيطة بفلسطين، في الأردن وفي مصر وفي سوريا، وحتى امتدت يد الإرهاب طويلاً إلى دول عربية وغير عربية عانت من ممارسات هذا الإرهاب.
وبالرغم من كل ذلك، لم يكن الضمير العالمي قادراً على أن "يرى" كل هذه الفظائع، لأن "عين الرضا" هي التي كانت تحكم، في حين أن عين المحاسبة والمعاقبة كان قد اقتلعها تجبّر القوى الكبرى وتفرعنها وسيطرتها على مقاليد القرار في العالم.
وفي الوقت الذي يحاول أحدنا أن يراجع كل هذه الأحداث، يستمع إلى الأخبار القادمة من فلسطين، وهي تنقل تفاصيل جرائم صهيونية جديدة، يذهب ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى، من دون أن يسأل "الضمير العالمي" عن ذلك، وهو الذي يصحو مستنفراً إذا أصيب جندي صهيوني بجراح نتيجة عملية للمقاومة، أو إذا أزعج صوت "صاروخ قهر" خاطر مستوطن جاثم على أرض فلسطين، بعد أن تطلقه يد مقهور عانى ما عاناه من جرائم هذا الاحتلال.
إنه الضمير العالمي الرسمي، الذي ضاع على طاولات المفاوضات والمباحثات والمساومات وبات يباع ويشرى على الملأ.. وبدون أي حرج.
مقابل هذا الضمير، تحرك ضمير آخر، ما يزال يحبو، ولكنه يتحرك، يسأل ويحاسب، يصرخ ويمانع، يقول إن الجريمة لا يمكن أن تمر من دون أن يكتشف مرتكبها، ومن دون أن يعاقب.. ولو أن هذا العقاب مجرد كلمة في وجه القاتل.. واضحة وصريحة، تقول له: أنت قاتل.
هذا الضمير الدولي الشعبي، شهدنا أحد فصوله قي بروكسل، حيث "تمت معاقبة" المجرمين الصهاينة على ما ارتكبوه من جرائم عام 2006، وهو قادر على معاقبة هؤلاء المجرمين على كل جرائمهم التي نفذوها ـ آمنين من العقاب ـ على مدى السنوات الماضية.
وإذا بقيت صرخات هذا الضمير "مجرد صراخ"، فإنها ستكون في يوم ما لن يكون بعيداً أساس محكمة حقيقية تملك القوة التنفيذية لوضع هؤلاء المجرمين في المكان الذي يستحقون.
إنه الضمير العالمي الحقيقي يتحرك، وقد لا تنفع كل ضغوط العالم في جعله ينام من جديد.
محمود ريا