السبت، سبتمبر 27، 2008

أغنياء وفقراء

ليس لمثلي الكتابة عن الأزمة المالية التي اجتاحت العالم خلال الأيام الماضية، فأنا وتلك الأزمة كذلك الذي رسمه زميلنا عبد الحليم حمود نافشاً جيوبه إلى الخارج وهو يقول عما يحصل في البورصات: "اللهم لا شماتة".

إلا أن عدم "تخصصي" بالشأن المالي وبكيفية إدارة الحسابات وبيع الأسهم وتسوية المراكز وإلى ما هنالك من المصطلحات، لا يمنعني من التوقف عند بعض الظواهر التي رافقت ما حصل، والتي تدفع فعلاً إلى الاندهاش من هذا الانفصام الذي يسود العالم، بين طبقة "فوق" تلعب بما لا يمكن تخيله من الأرقام، وطبقة "تحت" تسمع بالأزمة ولا ترى إلا آثارها في رغيف الخبز وما يتوافر من الطعام.

الأرقام هي وحدها مسألة تستحق التوقف عندها..

من خلال المتابعة المتأنية لما حصل ـ عسى أن نطل على بعض ما يجري ـ مرّت أمام ناظريّ أرقام هائلة، منها ما "اختفى" ومنها ما دُفع في محاولة لتقويم الانهيار الحاصل على المستوى الاقتصادي، ومنها ما يطلق لتقدير حجم الأموال التي جرى تداولها خلال أسبوع الأزمة (التي لا يبدو أنها على وشك الانتهاء).

300 مليار دولار "أموال ضائعة"! 700 مليار دولار أموال ضُخت في أسواق الأسهم والبورصات وعدد من فروع الاقتصاد العالمي من أجل تجاوز الأزمة! أما الكتلة النقدية التي كانت مسرح هذه التداولات فتقدر بحوالى خمسة تريليونات دولار.. (أي خمسة آلاف مليار دولار)!!

هذه الأرقام الصاعقة تدفع المواطن العادي منا إلى البحث عن معناها، وعن كيفية تحرك مبالغ هائلة بهذا الشكل في جنبات الكرة الأرضية، وعن الهوّة السحيقة التي يمكن أن تخفي 300 مليار دولار خلال أيام، من دون أن يعني ذلك الكثير على المستوى العملي!

ويتساءل المواطن العادي عن راتبه الذي لا يظهر إلا كأرقام ميكروسكوبية أمام هذه الأرقام العملاقة، ثم ينظر إلى أبناء الدول الفقيرة الذين يعيش معظمهم بأقل من دولار في اليوم.. ومع هذا التساؤل يبرز تساؤل آخر: كيف يستقيم الوضع في عالم هذه هي طبيعة "العلاقة" بين فقرائه وأغنيائه؟ وأي سبيل يمكن أن يسلكه العقلاء كي لا يكون هناك "دولة بين الأغنياء والفقراء"؟
محمود ريا

القدس.. بين سيارة وجرافة

"غارة" أخرى في قلب القدس، مع اختلاف في الوسيلة المستخدمة، دون أن يختلف الأسلوب، أو يتغير المستهدف، أو تتبدل الروح التي تحرّك الأبطال الذين يقدمون أرواحهم من أجل توجيه الضربة وزرع الرعب في قلوب المحتلين.
في القدس مرة أخرى، بلا رصاص، بلا سلاح، وبلا إمكانيات، مجرد قلب قوي وإرادة صلبة، وإيمان راسخ.. ومِقوَد.
يسرح الخيال في الأفق الواسع لمعاني هذه العملية، بعد الاثنتين اللتين سبقتاها، ويتبادر إلى الذهن الكثير من التعابير التي يمكن قولها، ويمكن تكرارها، ويمكن التأكيد عليها، ومنها ما قيل، ومنها ما مرّ على لساننا وأعيد ثم أعيد، ولكنه لم يفقد معناه، ولا يمكن أن يخسر القيمة الروحية التي يختزنها.
يمكن الحديث عن فشل الصهاينة في قولبة المقدسيين، وفي حرمانهم بإحساسهم برفض الاحتلال، وفي قتل روح المقاومة في نفوسهم.
يمكن الحديث عن بقاء القدس مصدراً لكل معاني البطولة، وكل مساحات المبادرة، وكل آفاق الأمل بنصر قادم لا محالة.
يمكن القول إن ما يحصل في القدس هو مجرد مسامير أخيرة تدق في نعش الكيان الصهيوني، الذي لم يستطع أن يقمع المقاومة في ما يدّعي زوراً وبهتاناً أنها عاصمة كيانه، فكيف يمكنه فعل ذلك في المدن الأخرى والأطراف؟
يمكن التأكيد أن الشباب المقدسي لا يحتاج إلى وسائل قتالية متطورة لإشهار موقفه المبدئي من مسألة احتلال أرضه.. المبدأ موجود: مقاومة الاحتلال، أما الوسائل فتأتي بعد ذلك، وحدها وبلا طول انتظار.
كل هذا ممكن، وممكن أيضاً النظر إلى العدو المربك دائماً، المتردد أبداً في التعامل مع هذه الظاهرة الجديدة في المقاومة، وهو يرى ما كان حالة واحدة، جرافة واحدة، يتحول إلى سابقة تتكرر مع الجرافات والسيارات وغيرها من وسائل عادية لا يمكن أن يشك أحد أن تتحول إلى وسيلة مقاومة للاحتلال وللاستيطان الصهيونيين.
ويبقى الممكن الأكبر، الذي تحول إلى يقين لا يتزلزل، بأن هذا الشاب (قاسم المغربي ابن التسعة عشر ربيعاً من جبل المكبّر في القدس المحتلة) لن يكون آخر بطل نحلم به على صهوة جواد الكرامة يمسح عن القدس رجس الاحتلال الصهيوني البغيض.
محمود ريا

الأحد، سبتمبر 21، 2008

ما بين بيصور وبصرما


ما قصة استهداف المساعدين في هذه الأيام؟

قبل أيام فُجع اللبنانيون باستشهاد "اليد اليمنى" للوزير طلال أرسلان، القائد الشاب الشهيد صالح العريضي، وكان الأمر بمثابة ضربة قاسية لهذا الزعيم الوطني الكبير ولما يمثله في طائفته ووطنه، حيث قيل إن الشهيد العريضي كان "عماد" الحزب الديموقراطي اللبناني الذي يرئسه الوزير أرسلان.
وتوقف المراقبون عند معنى استهداف ما يمكن تسميته بـ"الرجل الثاني" أو "الرجل القوي" في الحزب الديموقراطي، وعند الرسالة التي يريد المجرمون توجيهها الى الحزب وقائده وطائفته.

بالأمس استهدف القتل "اليد اليمنى" للوزير السابق سليمان فرنجية، القائد الشاب يوسف فرنجية.. وهو شخص له مكانته الكبيرة في تيار المردة الذي يترأسه الزعيم الوطني ابن طوني فرنجية. وقد قيل أيضاً إن الشهيد فرنجية هو "عماد" أو أحد أعمدة تيار المردة.
الشهيد العريضي اغتيل بعبوة ناسفة لم (يُعلم) واضعها والآمر بها بعد.. أما الشهيد فرنجية فقد اغتيل برصاص واضح المصدر معلوم المطلق والآمر به، ومشخص الأهداف والمرامي من إطلاقه.

بين عمليتي الاغتيال ـ هذه وتلك ـ هناك افتراقات في التنفيذ، ولكن هناك عدة مشتركات، في التوقيت (عشية المصالحات هنا وهناك)، وفي الشخصيات المستهدفة (أبرز مساعدي قياديين في المعارضة)، وفي الأهداف (فرض أجواء التوتر والتشنج وتبديد التفاؤل بقرب هدوء الأجواء الأمنية).

حتى الآن لا يمكن الحكم بتشابه أو بتطابق الجهة المنفذة، وذلك احتراماً للقضاء وللتحقيقات الجارية هنا وهناك لتحديد آليات الحدثين وكيفية حصولهما ومن يقف وراءهما.
إلا أن علامات التشابه بين ما جرى في بيصور وما جرى في بصرما تثير ألف شك وشك في أن هناك جهة واحدة تنفذ بالعلن والسر ما حصل هنا وما حصل هناك، وما جرى قبل ذلك من عمليات اغتيال وما قد يجري، لا سمح الله، في الأيام القادمة.

هل هذا يحتاج إلى أدلة لتثبيته؟

ربما يكون النفي هو الذي يحتاج إلى دليل.
محمود ريا

الأربعاء، سبتمبر 17، 2008

الحوار.. و"طاقة الفرج"


يلتئم شمل اللبنانيين الى طاولة جديدة، تحمل لهم الأمل بحل خلافات مستعصية، ومشاكل صعبة، وبمواجهة تحديات مزمنة وأخرى مستجدة، وبالبدء في مقاربة قضايا هامة لا يمكن التهرب منها بعد الآن.
يلتئم الشمل الى طاولة حوارية حقيقية، قابلة للتوسع بالحضور، كي تضم أوسع مجموعة من الأطياف اللبنانية، كما هي قابلة للتوسع في مواضيع النقاش لتكون مطبخاً حقيقياً للبنان الجديد، لبنان الذي يتعالى على كل الجراح، ويقوم على قاعدة ثابتة واضحة لا تتزعزع ولا تتزلزل.
إنها حقيقة واقعة، هي حقيقة الاجتماع وحقيقة التباحث والتحاور، وحقيقة تلاقح الأفكار وتبادل وجهات النظر، وحقيقة السعي للحلول والبحث عن مخارج.
وليس من المقبول أن يتم التشكيك بهذه الحقيقة، لأن مجرد إلقاء الظلال عليها هو نوع من الاستهزاء بمشاعر اللبنانيين، ومحاولة للقضاء على آمالهم التي يضعونها مرة بعد مرة، ودون يأس ولا تردد، في هذا النوع من اللقاءات التي تجمع القادة الذين يفترض فيهم وضع مصلحة لبنان فوق كل اعتبار.
ولا يمكن في يوم مثل هذا اليوم استعادة التجارب الماضية والتنقيب في "الدفاتر العتيقة" واسترجاع المواقف السابقة والتصريحات المحبطة والمثبّطة، والحديث عن نيات مبيّتة والتعوّذ من شر جن الداخل وجن الخارج، ومن وسوسات الشياطين الذين لا همّ لهم إلا إحباط أي محاولة للتوصل إلى نتائج ترضي اللبنانيين، لأن الحديث عن كل هذه الأمور سيخلق غيمة من التشكيك وغلالة من التوجس وغمامة من اليأس فوق رؤوس اللبنانيين الذين باتوا ـ من ناحية ـ ينظرون إلى كل كوّة في جدار الأزمة على أنها "طاقة الفرج"، ومن ناحية أخرى يرون في كل حبل مرمي في الأرض أفعى تستعد للدغهم، من كثرة ما تعرضوا للّدغ من القريب والبعيد والحليف والصديق قبل الغريم والعدو.
جلسة الحوار الثلاثائية ليست مربط الفرس، فهي مجرد بداية، ولكن على ما سينتج عنها يتوقف نجاح الخطوات التالية واللقاءات القادمة والحوارات المنتظرة، فهل يمكن الحلم بنتائج حقيقية من هذا الحوار؟
محمود ريا

الاثنين، سبتمبر 15، 2008

عنزة ولو طارت

لا بد لقيام علاقة سليمة بين القائد والقاعدة أن يكون هناك نوع من التعاقد القائم على إطلاق القاعدة يد القائد في اتخاذ قرارات كبيرة ومصيرية مقابل أن يقدم القائد للقاعدة كشف حساب عن النتيجة التي أوصل المسيرة إليها ومدى تطابقها مع الأهداف العليا الموضوعة لهذه المسيرة.

فلا يمكن ان يقوم القائد بتبرير كل قرار يأخذه بشكل فوري وفي لحظة اتخاذه وعلى الملأ، لأن ذلك يؤدي في كثير من الأحيان إلى تعطيل مفاعيل هذا القرار وحرمان المسيرة من حصد نتائجه وتحصيل منافعه.

ويأتي الحساب في فترات محددة، تكون مقررة مسبقاً، حيث يقدم القائد (أو القيادة) تقريره الذي يكشف من خلاله مدى اقترابه من تحقيق أهداف جماهيره، وأسباب عدم الوصول إلى هذه النتيجة أو تلك.

في لبنان لا تسير الأمور على هذا النحو، فالقائد قائد، بلا أي تبرير ولا تفسير، والقاعدة قاعدة بلا أي سؤال ولا أي حساب، وتبقى العلاقة بين الطرفين قائمة على أساس التبعية والانقياد التام.

فالقائد في لبنان غير مضطر لتبرير السير في اتجاه ما ثم السير في اتجاه معاكس خلال فترة قصيرة جداً، ولا لتفسير أن يعلن اليوم شيئاً ثم يقوم في اليوم التالي بإعلان آخر قد يكون متناقضاً تماماً مع الإعلان الأول. والقائد في لبنان "يفهم في السياسة" أكثر من كل المقودين، فلا يمكن الاستفسار منه عن سبب هذا القرار أو ذاك، ولا عن نتيجة هذه الخطوة أو تلك، طالما أنه مطوّب بأمر المصلحة العليا، للحزب وللطائفة وللمسيرة و.. للوطن.

فلا يمكن ان تقول لقائد لبناني لماذا كنت هنا ثم أصبحت هناك، ثم ها أنت تعود إلى المكان الذي كنت فيه دون أن يرف لك جفن أو تقدم كشف حساب للذين سقتهم وراءك إلى هنا أو هناك، مخرجاً إياهم من مواقفهم الوطنية أو من اتجاهاتهم القومية أو من انتماءاتهم الدينية.

ولا يمكن أن تسأل قائداً لبنانياً آخر بأي حق أدخلت جمهورك في أجواء حربية هو غير معتاد عليها، وحرّضته بكل وسائل التحريض المتوافرة من أجل الانقضاض على أخيه في الدين والوطن وأسلتَ من أجل ذلك أنهار الدماء، ثم ها أنت توقع العهود والمواثيق وترسم خطوط المصالحات والمسامحات وتسخو في الوعود بالتعويضات والهبات، وكأن الدماء التي سالت سلعة يمكن دفع ثمنها والانصراف دون أي عقدة ذنب أو خوف محاسبة.

وفي لبنان لا مجال لتسأل قائداً لبنانياً ثالثاً عن وعوده وتنبؤاته وتعهداته القاطعة بـ "التغيير" و"التطيير" والانتصار والغلبة وتحويل صورة البلد وشكله ومضمونه وكل مبادئه وثوابته. ولا يمكن أن تساله كيف رفض مرشحاً لرئاسة الجمهورية ثم صوّت نوابه له، وكيف رفض حواراً خارج لبنان ثم كان من أوائل المشاركين فيه، وقبل ذلك كيف وعد بأن رئيس جمهورية لبنان لن يكمل عشرة أيام في قصر الرئاسة فإذا به يبقى حتى آخر.. آخر لحظة من ولايته، حيث وقف التاريخ ليمد لسانه هازئاً بهذا القائد الذي لا تصدق توقعاته إلا إذا كانت عن متفجرة هنا واغتيال هناك وتوتر أمني هنالك، في مصادفة غير بريئة ولا قابلة للهضم والتمرير.

في ظل هذه الحالة من عدم المحاسبة، وإفساح المجال إلى ما لا نهاية، وترك الحبل على الغارب، لا يعود من الممكن التعجب من كلام قائد بارز يعتبر أن الشهيد صالح العريضي "كان يعمل في خط 14 آذار"، لأنه بذلك يعتمد على أن قاعدته لن تحاسبه، وهي ستصدقه حتى لو قال "عنزة ولو طارت".
محمود ريا

السبت، سبتمبر 13، 2008

روسيا وأميركا ويوم الدينونة


ماذا يحصل في العالم.. وهل نحن على أبواب تغييرات انقلابية حقيقية، أم هي فورة فقط تأتي عليها المساومات وتنتهي؟

السؤال ليس منطلقاً من فراغ، وإنما هو صدى لجملة من الأحداث التي تكاد تفلت من القدرة على متابعتها، نظراً لكثرتها ولأهميتها وللأخطار التي قد تنبع منها.

روسيا تتحرك، تطلق شعاعات قوتها في كل اتجاه، ترد الغزو الجورجي لأوسيتيا بغزو جورجيا نفسها، تهدد بقصف المواقع الصاروخية الأميركية في أوروبا، ولا سيما في بولندا وتشيكيا.. تطلق الانتقادات القاسية لأوكرانيا بسبب محاولتها عرقلة حركة الأسطول الروسي في البحر الأسود، توجه قاذفتين استراتيجيتين إلى فنزويلا لإجراء مناورات، تتبعها في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم مناورات بحرية مشتركة في قلب الملعب الخلفي الأميركي في بحر الكاريبي، بالاشتراك مع البحرية الفنزويلية.

هذه المعطيات هي غيض من فيض، والجزء الظاهر من جبل جليد يخفي في الأعماق أكثر بكثير مما يُظهر، ويثير من الأسئلة أكثر بكثير من قدرة المعطيات المتوافرة على تقديم إجابات عنها.

هل التحرك الروسي الحالي هو مجرد غيمة صيف تعبر وتنتهي، أم هو تأسيس لعلاقات دولية جديدة تقوم على قاعدة مختلفة تماماً عن القواعد التي كانت سائدة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي؟ وهل تشكل هذه الحركة الجديدة بداية قيام النظام العالمي المتعدد الأقطاب الذي تنتظره قوى ودول كثيرة في العالم؟ وأين يأتي دور القوى الأخرى الصاعدة كالصين وإيران وفنزويلا من أقصى الغرب؟

ربما يكون الانتظار للإجابة عن هذه الأسئلة هو الأكثر قرباً من المنطق، لكون الأمور لم تأخذ منحى حاسماً بعد، ولكون العلاقات الدولية لا تزال تتحمل حصول بعض الصفقات والتسويات التي تؤدي إلى منع وقوع "الانفجار الكبير".

ولكن ماذا لو بقيت السياسة الأميركية على الخط الذي هي عليه الآن، أو أنها تطرفت أكثر فأكثر باتجاه إثارة المزيد من الحروب والقلاقل الموضعية في أنحاء الكرة الأرضية؟

هل نكون نسير بذلك نحو "يوم الدينونة"؟
محمود ريّا

الخميس، سبتمبر 11، 2008

أبطال فك الحصار


ليس متأخراً الحديث عن الرحلة الأسطورية التي قام بها بعض الرجال والنساء الشجعان إلى قطاع غزة مستخدمين مركبين خشبيين من قبرص إلى غزة مباشرة.

ليس متأخراً، لأن ما قام به هؤلاء أول مرة يستعدون، بعضهم، ومعهم آخرون، لتكراره مرة أخرى، في رحلة لها أهداف كثيرة، لعل أبرزها اثنين:

الأول: إفهام منظمات الإغاثة الدولية أنها تستطيع الوصول إلى غزة من دون إذن من أحد، وبهذا تنتفي حجتها التي تكررها حول وجوب الحصول على إذن صهيوني لإيصال المساعدات لمحتاجيها ولمستحقيها في قطاع غزة المحاصر والمنكوب.

والثاني: هو الدخول إلى غزة بختم واحد فقط، ختم السلطة الفلسطينية، من دون الوقوف عند حاجز الإرهاب الصهيوني الذي يفرض طوقاً رهيباً حول القطاع.

لقد أثبت هؤلاء الأبطال للجميع أن غزة ليست محاصرة صهيونياً فقط، وإنما حصارها متعدد الوجوه ومتنوع المصادر، ومتغير الأهداف.
وأثبتت النساء اللواتي قررن خوض هذه المغامرة الصعبة أنهن يملكن من الجرأة ومن الوعي ما يفوق ما لدى الكثيرين من العرب حكاماً ومحكومين، محاصِرين ومحاصَرين.

وبات الحديث عن الحصار يتجاوز الوقوف عند العجز على خرق الإجراءات الصهيونية، ليصل إلى حد الاقتناع بأن هذا الحصار هو نتيجة تخاذل بعض العرب وسلبيتهم وانهزامهم النفسي، كما هو نتيجة تآمر بعض العرب الآخرين وعمالتهم ووقوفهم إلى جانب الصهيوني في مواجهة أبناء أمتهم.

قبل الوصول إلى هذه الخلاصة كان يمكن التعجب من حقيقة أن المانع الوحيد أمام تكرار أبطال فك الحصار لتجربتهم الشجاعة هو التكاليف المادية الباهظة التي ينبغي تأمينها لتغطية نفقات الرحلة، أما الآن فيمكن القول إن هؤلاء الأبطال باتوا محاصَرين في مشروعهم، تماماً كما هو الشعب الفلسطيني في غزة محاصر بلقمة عيشه.

هل هناك من مهزلة أكبر من أن نكون، نحن العرب، من يمنع الآخرين من التضامن مع قضايانا؟

هل هناك من مأساة أكبر من كوننا نقتل أنفسنا بأيدينا.. خدمة لعدونا؟
محمود ريا

الأحد، سبتمبر 07، 2008

الشمس طالعة والناس (قاشعة)

ظن البعض أنهم من فصيلة الفيلة، وأنهم بإمكانهم أن يحجبوا نور الشمس بحجمهم، وأنهم يقبضون على القدر، فيسيّرونه كما يشاء، فانتفخوا.. وانتفخوا.. وانتفخوا.. حتى انفجروا، وعادوا كما هم بحجمهم الحقيقي، غير مرئيين، أو غير محسوبين.

قد تكون هذه مصيبة، ولكنها تبقى مصيبة سهلة ومحمولة أمام المصيبة الأكبر، وهي أن هؤلاء لم يروا حجمهم الطبيعي.. وما زالوا يعتقدون أنهم قادرون على إخفاء الشمس برؤوس أنوفهم.
يطلقون كلمات هي كالنكات، و"يقبضونها جد"، ويا ويل من لا يتعامل مع كلامهم على أنه جزء من المقدسات، بل يا ويل من يجرؤ على القول لهم: يا جماعة، أنظروا إلى الشمس فهي مشرقة، وانظروا إلى الناس فإنها ترى كل شيء (رحمك الله يا جدتي، فقد كنت ترددين دائماً: الشمس طالعة والناس قاشعة).

تلقوا الصفعة تلو الصفعة، و"شربوا المقلب" وراء المقلب، ولكنهم لم يرعووا بعد، ولم يعرفوا حقيقة أنهم بكل ما يقومون به لا يمكن أن يغيروا حرفاً من المكتوب، فـ(المكتوب ما منه مهروب).

أجمل نكاتهم تلك التي تعتبر أن لا شيء يتحرك في الكرة الأرضية إلا بإذنهم، أو بعد رضاهم، وبعد أن حصلت العواصف حولهم أحسوا ببعض ريحها، فصاروا يعتقدون ان لا شيء يتحرك في الكون.. إلا بعد أخذ رأيهم.

تلقوا الصفعة تلو الصفعة، وما زالوا غافلين، كأنهم مخدرون، أو كأنهم ينتظرون.

ماذا ينتظرون؟

لو أن لديهم القليل من الإدراك لاستقرأوا الماضي البعيد والماضي القريب.. السنوات الماضية والأسابيع الماضية، ولعرفوا أن ما ينتظرونه ليس أكثر من وهم، من سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً.

لو أن لديهم قليلاً من الواقعية لعرفوا أن وزيراً فرنسياً لن يأتي إلى لبنان ليسألهم رأيهم في ما سيفعله رئيسه في دولة أخرى، لأن رئيسه ذهب إلى هناك بحثاً عن مصلحة بلاده، وليس من أجل مصلحة أحد، أياً كان، وبالتحديد هؤلاء الواهمين.

لو كانوا يعلمون أن جدتي قالت منذ زمن (من جرّب المجرب كان عقله مخرّب).
محمود ريا

الأربعاء، سبتمبر 03، 2008

الشهر الكريم و"السياسة"


هل من المسموح الحديث عن شهر رمضان في زاوية "سياسية"؟

سؤال تبادر لذهني وأنا أحضّر لكتابة هذه الزاوية، فإذا الصور تتداعى إلى ذهني، عن أهم الإنجازات التي حققها المسلمون في هذا الشهر المبارك بالتحديد، ما يجعل الحديث عن "التوقيت" وحده يدخل في إطار الترابط بين الشهر الكريم و"السياسة"، فكيف إذا كان الحديث عن الدور الذي كان لهذا الشهر في تحقيق هذه الإنجازات، والمعنويات التي يزرعها في نفوس المبادرين لتحقيق نقاط مضيئة في تاريخ الأمة، والفرص الروحية التي تنطلق منها النفوس المؤمنة لجعل بعض المستحيل ممكناً، لا بل جعله أسهل من السهل الذي يمكن تحقيقه في الشهور الأخرى.

هذا الترابط بين الشهر الكريم وانتصارات كبرى عاشتها الأمة يدفع إلى السؤال: لماذا لم تتعدد الإنجازات التي شهدناها في هذا الشهر، وهل ما حصل فيه كان استثناءً للقاعدة التي تقول بأن شهر الصيام يفرض نفسه جوعاً وعطشاً وربما كسلاً على الناس.. فتخفت أصواتهم وتخفّ إنجازاتهم؟

أم أن المشكلة في الناس الذين يستفيدون من الفرصة المعنوية والروحية ـ وحتى الجسدية ـ التي يؤمّنها هذا الشهر للذين يعيشونه كما يجب، فينجحون أحياناً باستغلال هذا الدفق الخارج عن المعروف، ويفشلون أحياناً أخرى.

إن معركة كمعركة بدر، والإسلام كان ما يزال غريباً في تلك الصحراء الشاسعة، وفي شهر رمضان المبارك بالذات، تدفعنا إلى البحث بجدية عن انعكاسات كون حصولها في هذه الأيام الربّانية سبباً في النتائج التي وصلت إليها.

ومع اليقين الذي يجب أن يكون متوافراً بهذا الترابط، يصبح التقصير في دراسة كل الفرص المتاحة لربط هذا الشهر المبارك بمصير الأمة (بما يحويه هذا المصير من معانٍ عديدة منها المنحى السياسي) جريمة كبرى لا يمكن قبولها.

شهر رمضان فرصة إلهية للأمة الإسلامية، فليكن شهر البحث عن مصيرها المشرق، وشهر الانتصار لقدسها ولمقدساتها، حتى نكون من العقلاء الذين لا يضيّعون ما لديهم من قوة وهبها الله لهم.
محمود ريا