السبت، أكتوبر 20، 2007

العيد الثامن والخمسون


افتتاحية العدد التاسع عشر من نشرة "الصين بعيون عربية"
الفرح الظاهر في عيون الصينييـن وهـم يحتفلون بالذكرى الثامنة والخمسين لقيام جمهوريتهم الجديدة، لا يخفي حرصهم على التذكير بشكل دائم بالحقيقة التي يحرصون على الاحتماء خلفها، والتي يخافون منها في الوقت نفسه، وهي حقيقة أن الصين بالرغم من كل الانجازات الكبرى التي حققتها في ”مسيرتها الطويلة“ ولا سيما في السنوات العشرين الأخيرة، ما تزال دولة نامية.
هذا الواقع الذي لا يمكن الفرار منه يساعد الصين على تجاوز الكثير من العقبات التي تعترض مسيرتها الاقتصادية، إذ تسمح لها بالتهرب من مسؤوليات يفترض أن تضطلع بها الدول الاقتصادية الكبرى، وتساعدها على الاحتفاظ بالكثير من الامتيازات التفضيلية في التجارة الدولية، وتعطيها فرصة الدفاع عن تطورها الاقتصادي بالتأكيد على أن كل ما حصل حتى الآن هو مجرد خطوات صغيرة على طريق طويلة لا بد من الجدّ والاجتهاد قبل الوصول إلى نهاياتها.
هذا الواقع المريح على هذا الجانب، يعتبر حقيقة مقلقة من جانب آخر، حيث تقف الصين ـ الدولة العملاقة في كل شيء، من عدد السكان المهول إلى المساحة الكبرى إلى الاقتصاد الذي ينمو بنسبة لا مثيل لها عالمياً ـ عاجزة أمام وجود مئات الملايين من المواطنين الذين يعيشون بأقل من دولار يومياً، ووجود مناطق واسعة تحتاج إلى تنمية، ودخول عشرات الملايين من القوة العاملة سنوياً إلى سوق العمل بحيث ينبغي تأمين فرص العمل لها، إضافة إلى خطر التلوث الذي يهدد البلاد كلها.
أمام هذه المنغّصات لفرحة الاحتفال لا يجد الصينيون إلا الأمل بالمستقبـل الذي يتحدثون عنه وهم يرون بلادهم تتحضر لتجاوز ألمانيا ـ إن لم تكن تجاوزتها فعلاً ـ والتحول إلى القوة الاقتصادية الثالثة في العالم، وهم يسمعون باسم بلادهم تلهج به الألسنة بمختلف لغات العالم، وهم يملكون قوة عسكرية تتحول إلى قوة مهابة الجانب وقادرة على حماية البلاد من أي خطر خارجي.
هذا المستقبل بالضبط هو الذي يقلق الدول الكبرى التي باتت تخشى من التوجه الذي تسير فيه الصين والذي يجعل منها منافساً حقيقياً للدولة الكبرى على مستوى العالم من الناحيتين الاقتصادية وربما العسكرية.
من هنا تتكثف الدراسات والأبحاث التي تحاول الإجابة على سؤال خطير: الصين إلى أين؟
قبل مئتي سنة حذر نابليون من ”الخطر“ الكامن وراء استيقاظ ”العملاق النائم“، واليوم يتحقق ”الخطر“ بعد استيقاظ هذا العملاق، فهل تتحقق التوقعات التي ترى الصين القوة الأولى اقتصادياً ومن ثم سياسياً وعسكرياً بعد أقل من ثلاثين سنة؟
هذا ما يصبو إليه الصينيون، وهذا بالضبط كابوس غيرهم.
محمود ريا

القاعدة العسكرية الأميركية في لبنان : المخطط مرسوم.. والفشل بالانتظار

مطار القليعات: مركز القاعدة المنتظرة

لم تعد القصة مجرد معلومات صحافية تنقل عن مصادر أجنبية، وإنما أصبحت مجموعة معطيات متواترة ومتناسقة يمكن من خلالها الوصول إلى قصة متكاملة تؤكد ما يحاول البعض إنكاره: الولايات المتحدة تستعيد مشروعها الدائم الذي يقضي بتحويل لبنان إلى قاعدة عسكرية أميركية.‏
المعلومات التي وردت من أكثر من مصدر وعبر اكثر من وسيلة تكشف أن المشروع الأميركي بات في مراحله التنفيذية، وإذا كانت قاعدة القليعات الجوية هي بؤرة التركيز الأميركية لأكثر من سبب، فإن هذا لا يعني أن العسكريتاريا الأميركية غير مهتمة بمختلف المناطق اللبنانية الأخرى، بما يجعل لبنان كله مستعمرة عسكرية أميركية.‏
في إطار هذه "الرغبة الأميركية" الشرهة يضع الكثير من المراقبين كل ما جرى ويجري من احداث يشهدها لبنان في هذه الفترة، كما كان الأمر دائماً، حيث يمكن القول إن المحرك الحقيقي لكل التطورات العسكرية والسياسية التي شهدتها الأراضي اللبنانية هي مجرد مدخلات ثانوية في المشروع الاستراتيجي الكبير المتعلق بجعل لبنان قاعدة الانطلاق الأميركية نحو المنطقة.‏
وفي سياق هذا المشروع الأميركي المتكامل يمكن وضع تحركات ومواقف بعض القوى اللبنانية الداخلية التي يبدو أنها باتت جزءاً من هذا المشروع، سواء برضاها واختيارها وانطلاقاً من رؤية استراتيجية، أو مجبرة ومضطرة للحفاظ على وجودها السياسي وحتى المادي.‏
الحديث عن القاعدة الأميركية في الفترة الأخيرة ليس جديداً، وربما يمكن التذكير بما أشيع في اليوم التالي لاغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط/ فبراير عام 2005 حيث أكد أكثر من مصدر أن الرئيس الحريري رفض السير في المشروع الأميركي لإقامة قاعدة جوية في القليعات في شمال لبنان، وقد أعلن رفضه النهائي لهذا المشروع نظراً لعلمه بالمخاطر التي سيجلبها على الوضع اللبناني. وقالت المعلومات حينها إن اغتيال الرئيس الحريري جاء بعد إبلاغه الأميركيين هذا الرفض.‏
حينها لم يتوقف أحد عند هذه المعلومات نظراً للجو السياسي والإعلامي الضاغط الذي مورس على اللبنانيين بهدف تحويل أنظارهم في اتجاه واحد في عملية الاغتيال ومن يقف وراءها.‏
إلا أن الحديث عن إقامة القاعدة العسكرية الأميركية في الشمال عاد للظهور في السنة الحالية مع ورود أكثر من معلومة ومن أكثر من مصدر تتحدث عن هذا الموضوع، ولا سيما بعد ما حصل في مخيم نهر البارد الذي نظر إليه المراقبون على أنه "عملية تنظيف" لمحيط القاعدة الأميركية المفترضة بالتواطؤ بين من كان داخل المخيم ومن سهّل دخولهم إليه.‏
الضابط السابق في الاستخبارات الأميركية، واين مادسن، أكد أن أحد الأهداف الأساسية الاميركية من وراء الفتنة في مخيم نهر البارد هو "استخدامها غطاء وذريعة كي تفسح الحكومة اللبنانية للقوات العسكرية الاميركية وقوات حلف الناتو انشاء منصة انطلاق من قاعدة القليعات الجوية" القريبة من مدينة طرابلس.‏
ومضى موضحا في حديث نقلته أكثر من صحيفة عربية أن قاعدة القليعات بحلّتها الجديدة ستستخدم مقرا لقيادة قوات التدخل السريع التابعة لحلف الناتو، واسراب الطائرات السمتية ووحدات القوات الخاصة. كذلك ستستخدم القاعدة "المستحدثة" لاجراءات تدريب قوات "الجيش اللبناني والقوى الامنية" بإشراف القوات الاميركية.‏
مصادر أخرى ربطت بين هذه المعلومات وبين الزيارات المتكررة للوفود العسكرية الأميركية التي ترددت إلى مطار القليعات، والذي تحدثت أكثر من صحيفة أميركية عن نية الإدارة استخدامه قاعدة جوية آمنة في محيط غير معادٍ (إذا ما أزيلت نقطة المخيم) يمتد من ضواحي بيروت الشرقية وحتى الحدود السورية شمالاً.‏
صحيفة "الديار" اللبنانية كانت قد نقلت ـ من خلال مراسلها في باريس بدرا باخوس فغالي ـ أن قيادة حلف شمال الاطلسي بتوجيه ‏مباشر من الولايات المتحدة الاميركية حسمت قرارها بعد عامين من التردد وقررت ضم الاراضي ‏اللبنانية الى لائحة الدول الواقعة في الساحل الافريقي لاقامة قواعد عسكرية جوية.‏‏
المثير في هذا الخبر الذي نشر في 15 نيسان/ أبريل 2007، أي قبل أحداث مخيم نهر البارد ما جاء فيه من تفاصيل وأهمها أنه "تبين لهيئة أركان الجيوش الاعضاء في حلف الاطلسي أهمية إقامة قاعدة جوية في ‏مطار القليعات القريب من الحدود اللبنانية ـ السورية، ناهيك عن امكانية استخدام هذه ‏المنطقة الشاسعة المساحة كنقطة تمركز لقوات مجوقلة مخصصة للتدخل السريع".‏‏
وكان وفد عسكري اميركي - الماني - تركي قام بجولة استقصائية في منطقة عكار، وقال في ‏تقريره الذي رفعه الى مقر الحلف الاطلسي في بروكسيل، ان إقامة القاعدة العسكرية ستسهم في ‏الإنعاش الإنمائي والاقتصادي في هذه المنطقة الشمالية المحرومة التي لن تتأخر مع بدء توافد ‏عديد القوات الاطلسية في الازدهار على غرار ما تشهده غالبية القرى والمدن الجنوبية مع ‏انتشار قوات الطوارئ الدولية، وإن كان حتى الآن بصورة خجولة!‏‏
ورأى معدّو التقرير أن التركيز على الشق المالي وانعكاس الإيجابية على سكان المنطقة سيساعد ‏بدون شك الحكومة اللبنانية على تسويق هذا المشروع تمهيداً لإعطاء موافقتها على إقامة ‏القاعدة العسكرية الاطلسية، وان كان تحت عنوان "مركز دولي لتدريب الجيش اللبناني وأجهزته ‏الامنية".‏
وقبل ذلك وفي الثالث والعشرين من آذار/ مارس 2007 لفتت صحيفة "الأخبار" إلى "ورشة ترميم وتأهيل بدأت في قاعدة القليعات الجوية في سهل عكار لمدرجي القاعدة اللذين تعرّضا للقصف الاسرائيلي إبان حرب تموز، فقد شوهدت شاحنات وجبّالات تقوم بردم الحفر الكبيرة التي أحدثتها الصواريخ الاسرائيلية، وصبّها بالإسمنت، وكذلك شوهدت أعمال أخرى عند المدخل الغربي للمطار.‏
ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة توقفها "عند الحركة اللافتة للوفود العسكرية والأمنية للدول الغربية وخاصة الشرطة الفيدرالية والجمارك الألمانية في اتجاه المنطقة الحدودية بين العبودية والعريضة، التي توسّعت لتطال كل المنطقة الحدودية الشمالية مع سوريا البالغ طولها 90 كيلومتراً، من منطقة النبي بري في أعالي أكروم الى العريضة على الشاطئ، إضافة إلى الاجتماع الذي عقد في قاعدة القليعات وضم الوفد الألماني وضباطاً أمنيين لبنانيين، والمناورة التي جرت بالذخيرة الحية في حقل الرماية في قاعدة القليعات بحضور وفد أمني أميركي منذ أشهر قليلة"، و"تساءلت هذه المصادر عن الغاية من هذه التحركات، وما قد يتبعها من خطوات مرتبطة بالصراع الدائر إن في الداخل اللبناني وإن على المستوى الإقليمي".‏
بعد كل هذه التساؤلات والمعلومات جاء "الخبر اليقين" من "مصدره" حيث ذكر موقع "دبكا" الاستخباري الصهيوني في الرابع عشر من الشهر الحالي "أن قاعدة عسكريّة للقوّات الأميركيّة ستقام في منطقة "القليعات" الشمالية على بعد لا يتعدى الـ120 كلم من العاصمة السورية دمشق، والتي تشكل نقطة ارتكاز عسكرية مشتركة لكلّ من سوريا وايران".‏
وأضاف الموقع المذكور "ان هذه المنشأة الجوية للأميركيين تبعد 35 كيلومترا عن طرطوس، وعن القاعدة البحرية السورية الاولى ومركز القيادة البحرية الروسية في منطقة المتوسط"، مؤكّدا أن "أي طائرة ترسو في هذه القاعدة ستكون على مسافة دقائق معدودة عن مصانع الأسلحة والصواريخ المشتركة لسوريا وايران في مدينتي حمص وحماه".‏
ونقل الموقع عن مصادر استخباراتيّة "ان التغيير الجذري في سياسة ادارة الرئيس الأميركي جورج بوش تجاه لبنان، تم اقراره من خلال مشاورات جرت في البنتاغون ومجلس الامن القومي الاميركي، نتيجة للمحادثات التي قام بها القائد الاعلى للقوات الاميركية الأدميرال وليام فالون مع القيادات الحكومية في بيروت في 29 تموز/ يوليو الماضي".‏
ويشير الموقع الاستخباري الى أنه تم التأكيد على هذا الاتجاه الجديد بعد الغارة الجوية الصهيونية على سوريا في 6 أيلول الماضي، الأمر الّذي سيعيد احياء الوجود العسكري الاميركي في لبنان بعد 25 عاما من الغياب.‏
وأوضح الموقع ان "المرحلة الاولى من تنفيذ الإنشاء ستكون عبر اعادة تنشيط القاعدة الجوية الصغيرة وغير الفاعلة في القليعات في خطوة اميركية- لبنانية مشتركة".‏
وقال الموقع الصهيوني إن "مهندسين وتقنيين تابعين لسلاح الجو الاميركي بدأوا بالعمل على القاعدة الجوية الجديدة، وسوف يتم التوسّع بعد ذلك الى استخدام اميركا هذه القاعدة الجوية عسكريا".‏
بعد كل هذا يأتي ما كشفته صحيفة "السفير" أمس والذي يرقى إلى مستوى "المعلومات الرسمية" حول انتقال الإدارة الأميركية من مرحلة التنظير إلى مرحلة التطبيق في مشروع إنشاء القاعدة العسكرية في لبنان، وتحويل لبنان إلى محمية أميركية، ما يطرح الكثير من التساؤلات عن الدور الذي تلعبه قوى لبنانية في السلطة من أجل تمرير هذا المشروع الخطير الذي يترك تداعيات غير محمودة العواقب على مجمل الأوضاع في لبنان والمنطقة.‏
بعد كل هذا الاستعراض يبقى سؤال في أذهان كثير من المراقبين: هل يعتقد الأميركيون أنهم سينجحون الآن فيما فشلوا فيه على امتداد تاريخ علاقتهم بلبنان؟؟‏
وللإجابة عن هذا السؤال حكاية ـ طويلة ـ أخرى.‏
محمود ريا‏