الثلاثاء، سبتمبر 27، 2011

مجلس الأمن.. بين سوريا ولبنان



محمود ريا

جلوس رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان على مقعد رئاسة مجلس الأمن الدولي يثير مشاعر متناقضة في نفس الإنسان اللبناني.

لا شك أن هناك لحظة من مشاعر الفخر ترخي بظلّها على الإنسان، فلبنان هذا البلد الصغير، يقف في موقع "رئاسة العالم" ولو لشهر واحد، ويقدم رئيسه أفكاراً حول العدالة والسلام في سياق الترويج للدبلوماسية الوقائية.

إلا أن الإنسان العاقل لا بد أن يتراجع عن الشعور بالفخر، وينكمش الجو الإيجابي الذي يحيط به، عندما يتذكر أن مجلس الأمن هذا ليس هو المؤسسة التي يبحث عنها محبو العدالة والسلام في العالم، ولا هو المكان الذي يُنتظر أن يصدر عنه ما يحمل الفرح إلى الشعوب المضطهدة في أنحاء العالم.

فهذا المجلس، كان على مدى وجوده، "المطبخ" الذي يتم فيه رسم الخطط التي تؤدي إلى زعزعة الأمن والسلام في العالم، بدل أن يكون المكان الذي تجتمع فيه الدول من أجل إيجاد الحلول لمشاكلها والوصول إلى إقرار العدل وإحقاق الحق، ومن ثم تحقيق السلام.

إلا أنه وبقدر ما يحتويه واقع هذا المجلس من نقط سوداء، فإن لوجود لبنان فيه ـ وفي هذه المرحلة بالذات ـ فائدة أساسية لا بد من التوقف عندها وذكرها.
ولكن قبل ذلك لا بد من العودة بالذاكرة إلى ثماني سنوات إلى الوراء.

في العام 2003 كانت الولايات المتحدة تحضّر الأجواء لعدوانها على العراق، وكانت تريد استخدام مجلس الأمن الدولي كأداة لتبرير هذا العدوان.
في ذلك الحين شاءت الصدف أن تكون سوريا هي ممثل المجموعة العربية، لا غيرها من الدول، وقد اتخذت القيادة السورية موقفاً مشرّفاً في رفض المصادقة على العدوان الأميركي على العراق.

يومها كتبتُ في الانتقاد (وكانت ورقية حينها) زاوية عن الموضوع ختمتها بالقول:

"وتبقى الفضيحة لو أن الدولة العربية الموجودة في مجلس الأمن كانت تقف في مجموعة المؤيدين للموقف الأميركي أو المترددين بين هؤلاء وأولئك، لأنه حينها كان على العرب أن يدفنوا ما تبقى لهم من كرامة .. في الوحل".

ربما من أجل ذلك الموقف ـ وما يماثله من مواقف قومية ثابتة ـ تُعاقب سوريا اليوم وتُحاصر وتُهدّد في مجلس الأمن الدولي.

وبالرغم من أن سيف الهجوم على سوريا ما يزال مثلوماً بسبب الموقفين الروسي والصيني، إلا أن وجود لبنان كمساند وظهير لهذين الموقفين أمر لا يمكن إنكار فوائده.

فلنتصوّر أن حكومة عربية من هذه الحكومات التي تتآمر على سوريا اليوم، والتي تشارك في العدوان الغربي على سوريا (مهما كانت صيغة المشاركة) هي التي تمثّل المجموعة العربية في مجلس الأمن، ولنتصوّر أن هذه الدولة نفثت حقدها على سوريا، وسارت في مشاريع العقوبات، ومثّلت العرب بهذه الطريقة الشنيعة..

.. حينها كان على العرب أن يدفنوا ما تبقى لهم من كرامة، إذا تبقّى لهم شيء منها، في الوحل.

الجمعة، سبتمبر 16، 2011

الإعلام العربي... وأمثال عبد الله كمال



محمود ريا

قد يكون الخبر صدمة للبعض، وقد يسميه البعض الآخر وثيقة، وربما يحق لـ "بوابة الشباب" في صحيفة الأهرام المصرية أن تعتبره "انفراداً" يميّز أخبارها عن أخبار وسائل الإعلام المصرية الأخرى، إلا أنه لمتابع واعٍ يعتبر خبراً عادياً، أو على الأقل هو خبر متوقع.

عبد الله كمال، رئيس تحرير مجلة روز اليوسف بين عامي 2005 و2011 عميل للصهاينة.

عبد الله كمال، "الصحافي" الأشرس ضد حزب الله وحركة حماس وإيران، كان يتلقى أوامره من جهاز معلومات المخابرات والإرهاب التابع لمركز المخابرات الإسرائيلية الموساد، وكان ينفذ أوامر صهيونية من أجل تشويه صورة هذه القوى المقاوِمة في الإعلام المصري.
بل أكثر من ذلك، "لقد طلبت إسرائيل من عبد الله كمال الضغط بواسطة مقالاته بشكل غير مباشر على الحزب الذي ينتمي إليه (عضو لجنة السياسات في الحزب الحاكم سابقاً في مصر) حتى يدفعه للعمل ضد إيران وحماس وحزب الله في مصر ولكي يشكل بمقالاته ضغطا ثقافيا يساعد إسرائيل".

المعلومات تتوسع أكثر من ذلك في شرح تفاصيل التوجيهات الصهيونية وأهدافها، ولكن ما ذُكِر هنا يكفي لاستنتاج بعض الحقائق:

ـ ليس في انكشاف المعلومات عن عبد الله كمال جديد، فهو كان مكشوفاً لدى كل الشرفاء في أمتنا، ولم يكن ينخدع به إلا أولئك السذّج الذين كانوا يصدّقون مقالاته التي كان يتهجم بها على كل شريف ومقاوم في أمتنا.

ـ "إسرائيل" تخترق الجسم الصحافي المصري، وهذا ما تثبته واقعة عبد الله كمال، فهو ليس وحده من يعمل في خدمة الأجندة الصهيونية، وإنما هناك العشرات من مثله الذين يقدّمون "الخدمات الإعلامية" للعدو، طوعاً أو طمعاً.

ـ "إسرائيل" تخترق الجسم الصحافي العربي بمجمله، وهناك الكثير من المواضيع والتقارير والتحقيقات والتحليلات التي تُكتب في مطابخ الاستخبارات الصهيونية، ومن ثمّ تُنشر في وسائل الإعلام العربية، ممهورة بتوقيع صحافيين كبار أو صغار من عالمنا العربي.

ـ إن انكشاف عمالة عبد الله كمال لـ "إسرائيل"، وعمله وفق توجيهاتها، ليس نهاية المطاف، وإنما هو مجرد بداية لكشف حجم ارتهان بعض الأقلام العربية للإرادة الصهيونية، لا بل لأوامر الضباط الصهاينة المباشرة. وبناءً على ذلك فإن أسماءً عديدة تدّعي أنها عربية وتعمل في صحف عربية ستظهر حقيقة عمالتها خلال مرحلة مقبلة، ومن هذه الأسماء من يملك صحفاً يخصّصها للتهجم على القوى نفسها التي أمرت المخابرات الصهيونية عبد الله كمال أن يهاجمها في المجلة التي كان يصادر قرارها في مصر.

ـ إن عبد الله كمال هو "غراب في سرب من الكتّاب" الذين تخصصوا بمهاجمة قوى المقاومة في المنطقة، وبعضهم "نال شرف" نشر مقالاته على موقع وزارة الخارجية الصهيونية (التواصل)، وقد وصفت وزيرة الخارجية الصهيونية السابقة تسيبي ليفني هؤلاء الغربان في اجتماعٍ خاص بخلية أزمة تم تشكيلها في الوزارة خلال العدوان على غزة بالقول: "إن هؤلاء سفراء إسرائيل لدى العالم العربي، وأفضل مَن يُوصِّل وجهة النظر الصهيونية إلى الشارع العربي بشأن حركة حماس والمقاومة!".

ـ إن هؤلاء "الصحافيين" يعملون لدى رب عمل واحد متعدد الرؤوس، فمنهم من يخدم الاستخبارات الأميركية (سي آي أيه)، ومنهم من يخدم الاستخبارات الصهيونية (الموساد)، ومنهم من يعمل في خدمة أجهزة استخبارات عربية، هي بدورها تخدم الأميركيين والصهاينة.

ـ إن مبلغ الخمسمئة مليون دولار الذي تحدث عنه العرّاب الأميركي جيفري فيلتمان والذي فُرِز لـ "تشويه صورة" حزب الله في العالم العربي هو دفعة من مبالغ كبيرة توزَّع فُتاتاً على ممتهني تجارة الكلمة وحاملي أقلام الحقد المشحونة بلوثة الخيانة والعمالة لأعداء الأمة.

هناك الكثير من الحقائق والاستنتاجات التي يمكن استخلاصها من هذه الواقعة، ولكن لا بد من الاختتام بالقول إن أمتنا التي لفظت عبد الله كمال بعد انكشاف عمالته ـ بالوثائق والأدلّة ـ ستتمكن في المقبل من الأيام من فضح العملاء الآخرين ـ كباراً وصغاراً ـ وستضعهم في مكانهم الذي يستحقونه: مجرّد مخبرين عملاء يتقاضون ثمن الكلمة الآثمة دراهم معدودة، وستكون نهايتهم كنهاية كل عميل، مهما لمّعت أسماءهم وسائلُ الإعلام التي يموّلها البترودولار، والتي تعمل في خدمة الصهاينة والأميركيين.

الأربعاء، سبتمبر 14، 2011

إعلام الفتنة.. هل يذكر مساجد الضفة؟





محمود ريا


لم أعد أشاهد قنوات "الرأي والرأي الآخر" و"أن تعرف أكثر" منذ فترة طويلة، لأن ما تبثه من فتن ومن كيد سياسي، وما تقدمه من خدمة لمشاريع الأعداء التي تستهدف شعوبنا، بات أكبر بكثير من القدرة على التحمل.

بناءً على ذلك فأنا "لم أحظَ بشرف" معرفة كيفية تعاطي هذه القنوات مع جريمة استهداف المستوطنين الصهاينة لمسجد بلدة يتما في الضفة الغربية، وتدنيس حرمته.

وقبل ذلك ـ وللسبب نفسه ـ لم أعرف كيف تعاملت وسائل إعلامنا العربية ـ العالمية مع إحراق المستوطنين لمسجد النورين في قرية قصرة في الضفة أيضاً.


إلا أن تجربتي مع هذه القنوات لا تجعلني أميل كثيراً للتفاؤل في توقع كيفية تغطية هذين الحدثين الخطيرين واللذين ينذران بحرب عدوانية شاملة على المساجد في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ففي 18 آب الماضي، وبينما كانت معركة حقيقية تدور في جنوب فلسطين المحتلة، إثر عملية إيلات البطولية، كان لا بد من متابعة آخر التطورات من كل المصادر الممكنة، فوقفت آلة التحكم عند محطة "الرأي والرأي الآخر" في فترة حصاد اليوم التي تبث ليلاً، وكانت المفاجأة.

المعركة الكبيرة، والتي كانت لا تزال مستمرة، في إيلات لم تستأهل من فترة "حصاد اليوم" إلا دقائق معدودة في ربع الساعة الأخير من الفترة الممتدة على مدى ساعة كاملة.

أما الأرباع الثلاثة الأولى من الفترة فكانت ـ كعادة القناة هذه الأيام ـ مخصصة لمتابعة التطورات في سوريا، حيث مرت الدقائق والقناة تستعرض الأحداث الميدانية، وتصريحات المعارضين والمواقف الدولية، وآراء المحللين من واشنطن وباريس، وتقارير وثائقية وأخرى إخبارية، وكلّها "مزيّنة" بمشاهد مكررة معادة مستهلكة لصور بعضها يعود إلى أشهر، وبعضها الآخر تم تصويره قبل أيام.

ليس هنا مجال الحديث عن القنوات التي تضخ الفتنة وتروّج للشقاق، فهذه القنوات فقدت ثقة الجمهور الذي يريد أن يعرف ماذا يحصل في فلسطين، والذي يعتقد أن المواجهة الحقيقية هي مع العدو الصهيوني، وأن ما يحصل من مآسٍ في الدول العربية لا يجوز أن يُنسينا المأساة الكبرى والداهية العظمى التي تنتظرنا جرّاء التغوّل الصهيوني على فلسطين ومقدّساتها، وعلى القدس ومسجدها، وعلى الأقصى وقبّته، والأيام الماضية حملت المزيد من الأخبار عن الأنفاق التي تكاد تزلزل أساسات هذا المسجد العظيم.

على كل حال فإنني ـ كما قلت ـ لم أعد أتابع هذه القناة ومثيلاتها، حتى أعرف إن كانت قد سمعت بصيحات الإنذار عن الوضع الذي بات عليه المسجد الأقصى، وإن كانت بثّت الأخبار المتعلقة بالأنفاق التي تشق تحت أساساته مهددة بانهياره.


وحتى لو كانت هذه القناة قد ذكرت الخبر، فربما يكون ذلك من أجل استرجاع بعض مصداقية فقدتها يوم تحوّلت إلى نسخة من ذلك الذي يعلن عن قطع العلاقات مع "إسرائيل" في اللحظة ذاتها التي يوافق فيها على نشر الدرع الصاروخية على أراضي بلاده، لحماية أمن "إسرائيل" نفسها!

الاثنين، سبتمبر 05، 2011

فرار خمسة إرهابيين.. بين يوتوبيا وجمهورية الموز









محمود ريا



في دولة يوتوبيا صدف أن فرّ خمسة سجناء من السجن المركزي للدولة.

السجناء الخمسة هم إرهابيون خطرون، قاتلوا جيش دولة يوتوبيا وأسقطوا مع تنظيمهم الإرهابي مئة وواحد وسبعين شهيداً في صفوف جيش الدولة، إضافة إلى مئات الشهداء من المدنيين الذين سقطوا ضحايا القتال.

السجن الذي فروا منه هو السجن الرئيسي في البلاد، ويفترض أن يكون تحت حماية مشددة نظراً لأنه يضم أخطر المجرمين وأكثرهم أذيّة ووحشية.

ولكن.. بالصدفة.. فرّ هؤلاء السجناء الخمسة.

لم يكن فرارهم نتيجة تراخي الإجراءات الأمنية في السجن، والتي يتولاها جهاز الأمن الداخلي في الدولة.

ولا تسرّب أن الفرار كان بسبب تواطؤ أحد فروع الأمن، والذي تضخّم حتى بات يظن نفسه شعبة، فبدأ بالاستقواء على الناس، في حين هو يضعف أمام الإرهاب والإرهابيين.

ولا كان فرار الإرهابيين مثل الفرار "الجيمس البوندي"، المليء بالمستحيلات والقائم على مصادفات عجيبة لا يمكن إلا أن تكون نتيجة متعمّدة لخطة مرسومة.
ولا قيل إن أحد أبرز الفارين، وهو من جنسية دولة أخرى، قد ركب طائرة إلى بلاده، متمتعاً بخدمات الدرجة الأولى، مسافراً إلى حيث منبع الإرهاب وعائداً إلى حضن التطرف والجهالة.

ولا تداولت الأخبار أنه تم رصد فار آخر قرب المنطقة التي حارب فيها التنظيم الإرهابي جيش الدولة، ما يعني أنه عاد، ربما هو ورفاقه الفارين، إلى قواعده سالماً، وربما غانماً.

في يوتوبيا، كل هذا لم يحصل.

كل الذي حصل أن السجناء الخمسة تمكنوا من الفرار.

وبالرغم من ذلك فإن الدولة هناك لم تنم، حتى مع مرور خمسة عشر يوماً على عملية الفرار، ووسائل الإعلام ما تزال تضع هذا الموضوع على رأس أولوياتها، وذلك لعدة أسباب:

ـ لقد رصدت الدولة اليوتوبية مكافأة كبرى لمن يساهم في إعادة هؤلاء الإرهابيين إلى السجن.

ـ شنّت الدولة حملة إعلامية كبرى للتحذير من خطر هؤلاء الإرهابيين، ولتعريف الناس بحجم الجرائم التي ارتكبوها، ولتحذيرهم من أي محاول للتستر عليهم، مع ما يؤدي إليه ذلك من تحمل مسؤوليات جزائية كبرى.

ـ تمت إقالة مسؤول جهاز الأمن في البلاد، وأحيل إلى المحاكمة، نظراً لكون السجن وحمايته من اختصاصه، وبالرغم من أنه ليس هناك أي مؤشرات على التعمّد في عملية الإهمال التي أدت إلى فرار هؤلاء السجناء.

ـ أقيل مسؤول أحد الفروع الأمنية التابعة لجهاز الأمن من موقعه، لأنه نصّب نفسه في فترة من الفترات مسؤولاً عن الاستخبارات في البلاد. لقد ُوضع قيد الاحتجاز، وأُحيل إلى المحكمة، بالرغم من أنه ليس هناك قرائن تفيد بعلاقته بعملية تهريب السجناء الإرهابيين. (عدم وجود القرائن هو في يوتوبيا حصراً)
ـ تم الاتصال بكل الدول "الشقيقة" والصديقة لسؤالها عن أي معلومات قد ترشح حول فرار أي من الإرهابيين الفارين إليها، كما تم تشديد الإجراءات الأمنية في كل موانئ البلاد ومطاراتها، ليس حرصاً على الأمن في يوتوبيا فقط، ولكن أيضاً حرصاً على أمن وسلامة الدول الأخرى، التي قد يقوم الإرهابيون الفارون بارتكاب جرائم إرهابية فظيعة على أرضها.

كل هذا حصل هناك، في يوتوبيا، لأن هناك دولة، وهناك شعب يقف وراء الدولة، وهناك من يحاسب ومن يراقب، ومن يضرب على يد المسؤول الأمني إذا ارتكب.

أما في مكان آخر من العالم، في جمهورية موز لا يكاد يُذكر اسمها، فإن فرار خمسة إرهابيين خطيرين مرّ وكأن شيئاً لم يحصل، لأن لا أحد يحاسب ولا أحد يراقب ولا أحد يعاتب.

بئس جمهوريات الموز، ولتحيا يوتوبيا الدولة.

هؤلاء هم العدو؟!







محمود ريا

تثير الأخبار أحياناً الغصة، وفي أحيان أخرى تثير شعوراً بالسخرية، ولكن بعض الأخبار لها مفعول آخر، إنها بالفعل تثير الغثيان.

يخرج عمرو موسى لتهديد الرئيس السوري بشار الأسد بأن الوقت ينفد أمامه، ويتنطّح أمير قطر لعرض خطة لسوريا وُصفت بأنها أسوأ من المشاريع الأوروبية المقدمة إلى مجلس الأمن، ويقوم ملك السعودية (نعم هو نفسه طويل العمر الحاكم بأمره بلا حسيب ولا رقيب) بتوجيه خطاب يتحدث فيه عن حقوق الشعب وضرورة احترامها.

لولا أن المثل الذي يقول: "اللي استحوا ماتوا" بات مستهلكاً بشكل كبير لكان مكانه هنا، فهؤلاء الذين يعصرون القرائح ويبدون النصائح كان أفضل لهم أن يصمتوا صمت أهل القبور، وأن يبلعوا كلماتهم التي لا يمكن تحمّل آثارها، لأنهم ليسوا أهلاً للحديث عن الحرية وعن الديموقراطية وعن... حقوق الإنسان.

وليس الوقت وقت تعداد "مزايا" هذا وذاك، ولا وقت تكرار المثالب التي تعتري شخصية كل واحد منهم، وإلا لكان الكلام يطول، ولكان الحديث يجر بعضه بعضاً، من الانسحاق تحت قدمي حسني مبارك، إلى الانقلاب على الوالد وطرده من بلاده شر طردة من أجل استلام الحكم جَبراً وبلا أي مسوّغ شرعي وقانوني، إلى حكم دولة من خلال جعل كل أبنائها تبعاً لعائلة، سيطرت على كل شيء، حتى على اسم الأرض التي يقيم عليها ملايين الأشخاص.

إلا أن ما ينبغي السؤال عنه هو: هل يصدّق أحدٌ كلام هؤلاء؟

وكلا الإجابتين تثير في النفس الحزن والأسى.

فإن كان الجواب بـ"لا"، أي أن كلام هؤلاء يمر مرّ الريح، لا يترك أثراً ولا يغيّر شيئاً، فهذا يعني أن المسؤولين العرب وصلوا إلى الدرك الأسفل من الانحطاط، وأنهم ينفذون رغبات أسيادهم الغربيين بلا تفكير ولا تدبير ولا انتظار إلى أين المصير.

أما إذا كان الجواب بـ"نعم"، أي أن هناك من ينساق وراء كلام هؤلاء ويصدّقهم ويبني على مواقفهم، فساعتئذ يمكن القول: على هذه الأمة العفى، وهي تنساق وراء بضعة منفذين للأوامر الخارجية واللاعبين بدماء أبناء أمتنا تحقيقاً لرغبات خارجية وتنفيذاً لأوامر أميركية.

إن أشخاصاً مثل هؤلاء هم سبب البلاء، ومن يسمعهم ويطيعهم ويسير على نهجهم هم البلاء نفسه، لتصبح الأمة مبتلاة من جانبين.

إن تطاول هؤلاء على سوريا، وذر المزيد من الرماد في عيون العالم إزاء ما يحصل هناك، واستخدام الأبواق الإعلامية الناطقة باسمهم من أجل تأجيج التوتر

وتعميم الفتنة وتسعير نار الاحتراب الداخلي، كل هذا يضع هؤلاء في خانة العدو لشعوبنا، وفي خانة المؤتمِر بأوامر ظالمينا وناهبي حقوقنا والمتآمرين على مستقبلنا.

إن هؤلاء هم العدو، فلنحذرهم، ولنعمل على شطبهم من تاريخنا ومنع أمثالهم من العودة إلى الظهور.

إعلامكم.. ليس منا




محمود ريا
أي جريمة أكبر من الجلوس أمام مجرم كبير كشمعون بيريز، والاستماع إليه وهو يطلق مواقف سياسية من قضايا المنطقة، في حين أن يديه تقطران دماً من شرايين الأطفال والنساء الذين قتلهم كيانه على مدى السنوات الماضية.

قد لا يكون هناك أكبر من هذه الجريمة، إلا أن تستضيف قناة فضائية عربية تحمل اسماً عربياً رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين ناتانياهو في لقاء خاص كي يرغي ويزبد ويطلق تهديداته ووعيده بحق أبناء منطقتنا.

بين هذه الجريمة وتلك يبدو واضحاً مدى النجاح الذي حققه العدو في اختراق إعلامنا، وفي وضع يده على مفاصل أساسية فيه، مستنداً إلى دعم كامل من مسؤولين في هذا الإعلام، ومن مسؤوليهم، الذين يمدّونهم بالمال ويصدرون لهم الأوامر، ويطلبون منهم السير في مسار التطبيع إلى منتهاه.

إنه العصر العربي الأسود، الذي يسمح لبيريز وناتانياهو أن يخرجا على وسائل إعلام عربية كي يقلبا الحقائق ويهاجما القادة العرب وينفيا وجود خلاف بين العرب وإسرائيل، ويعملا على تحويل المشكلة في المنطقة إلى صراع بين العرب ـ ومعهم إسرائيل ـ وبين إيران.

بل إنه العصر الكالح الذي يجعل من الخبر الفلسطيني خبراً صغيراً محشوراً في ختام نشرة أو في صفحة داخلية في وسائل الإعلام العربية ـ العالمية، في حين تفرد صدارة النشرات لتأليف أخبار وتركيب فيديوهات، والعمل على إثارة النعرات بين أبناء الوطن الواحد والأمة الواحدة.

إنها المنظومة الإعلامية العربية التي باعت نفسها لأنظمة الاعتلال العربي وعملت تحت لواء المصالح الشخصية لأمراء وملوك امتهنوا تطبيق أوامر السيد الأبيض، دون الوقوف عند ما يريده أبناء الأمة، أو البحث عما فيه مصالح الناس ومستقبل الشعوب.

هو يوم أغبر، ذلك اليوم الذي تتحول فيه قنوات إعلامية تدّعي المهنية، وتزعم أنها تتمتع بالمصداقية، إلى أبواق للقادة الصهاينة، يمررون من خلالها حقدهم ولؤمهم وسمومهم ومشاريعهم الإرهابية ومخططاتهم الفتنوية.

إنه إعلام مسخ، مهما تطاول، ورفع شعار العالمية والحداثة والتطور والسير في ركاب المستقبل، إنه إعلام ساقط في نظر كل من يحمل في نفسه حب الأمة والسهر على آمالها والإحساس بآلامها.

وإذا كان الإعلاميون الذين حضروا مجرمين بحق أمتهم، فهم مجرد وكلاء لمجرمين أكبر أعطوهم الإذن، ووفروا لهم الأجواء، وفتحوا لهم دهاليز الخيانة والارتهان للعدو، وهؤلاء وأولئك هم خدم عند خدم للعدو الصهيوني، ولراعيه الأميركي الذي يفرض عليهم خط سيرهم، وطريقة مشيهم، لا بل يفرض عليهم لون عيونهم وساعة نومهم.

ليس هذا الإعلام منا، مهما حاول أن يتلوّن بالألوان العربية، لا يمثلنا ولا يعبر عنا، حتى ولو لبس مئة "شماغ"، ووضع ألف "عقال" ونادى باسم العرب عند كل منقلب.

إنه ليس منا، إنه إعلام غير صالح، غير ناجح، لا نرتجي منه أن يحمل قضايانا، حتى لو غشّ البعض منا في يوم من الأيام.

يا أيها المطبّعون العرب.. لكم إعلامكم.. وللعرب إعلامهم.

الأصابع الأميركية في الحرب الفايسبوكية: روبرت دانين مثالاً(2)



كيف تستغل الخبريات المفبركة لبث الفتن وإمرار المشاريع الصهيونية؟



محمود ريا ـ خاص الانتقاد
في تعليق على خبر التصريح الذي أدلى به المعارض السوري مأمون الحمصي لقناة العربية بتاريخ 20 آذار/ مارس الماضي، والذي زعم فيه "نقلاً عن شهود عيان من الأطباء المعالجين لجرحى الاشتباكات التي دارت قبل ذلك بأيام في الجامع الأموي أنهم قالوا إن بعض الجرحى لهجتهم لبنانية وهم تابعون لحزب الله"، كتب روبرت دانين ـ روبرت داني هذه المرة ـ بلغة عربية عاميّة يبدو "اللحن" وعدم التمكن فيها ما يلي: "هالكلام صحيح أنا عندي معلومات انه من ثلاث اسابيع وصل 1500 مقاتل من حزب الله اللبناني على سوريا (مرتزقا) لدعم بشار الأسد".

لم يكتفِ روبرت داني (أو دانين) بهذه "الخبرية" التي أطلقها على "حائط" صفحة "الحرية لشعب سوريا ـ نستحق العيش بكرامة، وإنما "أكمل معروفه" متطوعاً بنقل ما كتبته صحيفة "السياسة" الكويتية حول الموضوع نفسه، وصحف عربية أخرى تشرب من النبع الأميركي الصهيوني، وذلك في محاولة لتأكيد "معلومته" التي رماها في بداية النقاش حول هذا الموضوع.

الطريف أن إدارة المجموعة (الحرية لشعب سوريا ـ نستحق العيش بكرامة) اهتمت بشدة بأخبار السيد روبرت داني، فعلّق مدير المجموعة قائلاً بتعجب واضح: "العمى. صار بشار بيلزمه حزب الله؟ ليش وين الجيش؟ ولا خايف ينقلب الجيش ضده هذا الـ....؟".

إذاً، لقد فعلت "خبرية" روبرت دانين فعلها في أصحاب المجموعة، وربما في أعضائها أيضاً، ما يشير إلى حجم الدور التحريضي الخطير الذي يلعبه هذا الشخص في المجموعات التي يشارك فيها والتي تتركز كلها على قضية الاضطرابات الدائرة في سوريا.

هذا "الحريص" على حرية الشعب السوري هو من المعادين صراحة للأمة العربية ولقضاياها، ومن العاملين على الترويج لوجهات النظر الصهيونية من قضايا المنطقة، وهذا ما يظهر من كتاباته الأكاديمية ومن الأدوار السياسية والاستخباراتية والأمنية التي لعبها خلال حياته المهنية.

فمن هو روبرت دانين؟

بعد رصد للمراكز التي شغلها هذا الشخص خلال حياته يمكن إيراد المعلومات التالية عنه:

دانين هو قنصل أميركي سابق في القدس، نائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون التخطيط الاستراتيجي للمفاوضات الإسرائيلية العربية، مسؤول القسم الإسرائيلي الفلسطيني في مجلس الأمن القومي الأميركي، مسؤول فعلي في مجال الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ورئيس الهيئة السياسية لقضايا الشرق الأوسط في وزارة الخارجية.

اللافت أن دانين كان أيضاً باحثاً في شعبة الاستخبارات التابعة لوزارة الخارجية الأميركية، وكان أيضاً باحثاً في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.

المهمة الدبلوماسية الأبرز التي تولاها دانين هي منصب رئيس طاقم مبعوث الرباعية الدولية طوني بلير، ويعمل حالياً كباحث كبير في مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن، وقد وصفته صحيفة هآرتس الإسرائيلية بأنه إحدى الشخصيات المفتاحية في "طاقم السلام" في الشرق الأوسط.




ومن "مآثر" دانين ورود اسمه في إحدى وثائق ويكيليكس التي نشرتها صحيفة هآرتس أيضاً، حيث نقل عن أحد قياديي حزب العمل الصهيوني، إيتسحاق هرتسوغ، أقوالاً عنصرية ضد رئيس حزب العمل في حينه عمير بيريتس، كون الأخير يهودياً شرقياً. لكن دانين نفى لوسائل الإعلام العبرية ما ورد في الوثيقة، وقال إنه لم يسمع مطلقاً كلاماً من هرتسوغ ضد اليهود (المغاربة) أو انتقاداً ضد عمير بيريتس.

هذا في ما هو منشور عنه من معلومات، أما إذا أردنا متابعته على شبكة الإنترنت، ولا سيما على موقع فايسبوك، فيمكن اكتشاف أن روبرت دانين (أو داني) لا يملك الكثير من "الأصدقاء" في شبكته الاجتماعية، فهو لديه عشرة أصدقاء فقط، وجلّهم من الإسرائيليين، ما عدا اثنين من الولايات المتحدة الأميركية، يعمل أحدهما في الجيش الأميركي، وينتمي إلى "قناة الجيش الأميركي".

ويعتبر الدخول إلى هذه القناة محصوراً بأفراد الجيش الذين يمتلكون مهمات تتعلق بالإنترنت.

كم دوراً يلعب روبرت دانين على مسرح الأحداث، وأي "صفقة" دفعته إلى أحضان الصفحات السورية المعارضة للدولة والمشاغبة عليها على موقع فايسبوك، ولماذا اختصر اسمه من روبرت دانين، كما هو في حياته الرسمية، إلى روبرت داني على موقع فايسبوك. هل هو يتهرب من تحميل حياته الدبلوماسية (وهي ليست مشرّفة على أي حال) أوزار ما يقوم به من أدوار أمنية خبيثة في "حياته الفايسبوكية" المليئة بعمليات التحريض وبث الفتن والشائعات.

أسئلة تبقى عرضة للبحث والمتابعة، وأسئلة أكبر منها يمكن طرحها حول الأدوار التي تقوم بها الاستخبارات الأميركية في استهداف قوى المقاومة والممانعة والتحريض عليها ومحاولة الإيقاع بها.

أما السؤال الذي لا يمكن طرحه، فهو حول كيفية انسياق بعض أبناء أمتنا وراء شخصيات مثل روبرت دانين وغيره من دهاقنة المخابرات والأمن الأميركيين والصهاينة، من دون الالتفات إلى الأهداف المبيتة التي تحرك هؤلاء الغربيين، لأن سؤالاً كهذا سيفتح الجراح التي نرغب جميعاً أن تبقى ملتئمة، جراح انقياد بعض أبناء أمتنا وراء الغرب، والسير في ركابه، والعمل على تحقيق مصالحه، ولو أدى ذلك إلى تفتيت بلداننا ونزع عوامل القوة من أيدينا.


الأصابع الأميركية في الحرب الفايسبوكية: روبرت دانين مثالاً (1)

عندما يصبح الأميركي المتصهين مبشّراً بـ "الثورة السورية"



محمود ريا ( خاص ـ"الانتقاد")

بعض القضايا لا بد من التوقف عندها ملياً، قبل الخوض فيها، لأن الموضوع المطروح يحمل سهام الشك فيه بذاته، قبل أن تطلق عليه من الخارج.
بعض القضايا خطير لدرجة تجعل متناولها يراجع ما لديه من وثائق مرة بعد مرة، ويتأكد من المعلومات التي حصل عليها من أكثر من مصدر، نظراً لاقتراب ما هو موجود بين يديه من الخيال.
كيف يمكن مثلاً توقع أن يكون مستشار للشؤون الإسرائيلية، وعاملٌ "من أجل السلام" بين لبنان و"إسرائيل"، ومحرّك لـ " الثورة السورية" على شبكة الإنترنت، ولا سيما على موقع فايسبوك للتواصل الاجتماعي، ورئيس طاقم مبعوث اللجنة الرباعية (طوني بلير)، وعامل في شعبة الاستخبارات التابعة لوزارة الخارجية الأميركية، وغير ذلك، وغير ذلك، أن يكون كل هؤلاء شخصاً واحداً، يتكلم العربية ويفكّر بالمصلحة الإسرائيلية ويعمل في المؤسسات الأميركية!؟

قد تجد قلائل يملكون صفات مماثلة بشكل عام، ولكن أن تجد من يقوم بكل هذه المهام، ويبرز في صفحات الفايسبوك كمدافع عن "الثورة السورية" وكمروّج للشائعات التي تستهدف خلق العداء بين الشعب السوري وحزب الله، فهذا يعني أنك تتعرف الى شخص يستحق التوقف عنده طويلاً ومراجعة ملفه، والبحث في خلفيات تحركاته التي لا تنطلق إلا من حقد أعمى على العرب، تحت غطاء مساعدتهم في ثوراتهم.

والمثير في القصة أن "صاحبنا" لا يعمل وحيداً، ففي العديد من المحطات كان هناك لبنانيون وغير لبنانيين يتقاسمون معه الأفكار والنشاطات على الأرض على حد سواء، ما يكشف إلى أي حد استطاع هذا الأميركي المتصهين، ذو اللسان العربي، تحقيق اختراقات في عالمنا العربي.
في البداية، نحن نتحدث عن شخص باسمين، أو لنقل إنّ له كنيتين متشابهتين، ولكن ليستا متطابقتين.
إنه روبرت دانين، أو روبرت داني، لا فرق.
ولكن قبل التعرف الى هذه الشخصية المزدوجة، الغامضة والمثيرة للتساؤلات، لا بد من استعراض القصة من البداية، قصة اكتشاف عمل روبرت دانين على ترويج الأفكار المؤيدة للكيان الصهيوني والمحققة لأهدافه في الأوساط العربية.





في العام 2008 برزت على موقع فايسبوك مجموعة تدعى: "مجموعة الصداقة اللبنانية ـ الإسرائيلية Lebanese and Israeli friendship" وهي مجموعة تقول إنها تسعى إلى "تحقيق السلام بين لبنان وإسرائيل، البلدين اللذين كانا صديقين على مدى التاريخ، وصولاً إلى ما قبل ألفين وخمسمئة عام على الأقل، على زمن الملك سليمان والملك حيرام".
وكانت الصفحة بإدارة ثلاثة أشخاص، يمثّل أحدهم لبنان والآخر "إسرائيل" والثالث من الولايات المتحدة الأميركية.
تعرضت المجموعة للاختراق، وتم تخريبها من قبل بعض الناشطين على الإنترنت، بعد أن كانت تضم أكثر من أربعة عشر ألف عضو.

بعد الهجمات التي تعرضت لها المجموعة جرى تغيير إعداداتها أكثر من مرة، كما جرى تغيير حسابات مديريها، وأصبح حساب الفايسبوك الذي يديرها تابعاً لفتاة لبنانية ناشطة على فايسبوك، تدعى تيا سركيس Tia Sarkis، وهي معروفة على الموقع بأنها ناشطة عاملة في صفوف القوات اللبنانية!
ونظراً لضغط الهجوم المتواصل التي عانت منه الصفحة فقد جرى تغيير حساب الـ "فايسبوك" الذي يديرها، كما عدّل اسمه عدة مرات، كما عدّلت "إعدادات الخصوصية" فيه بحيث أصبح الحساب مخفيّا لا يمكن تعقب نشاطه.
بعد مرور سنوات على ظهور هذه المجموعة، رصد ناشطون على شبكة الإنترنت حركة لافتة لأحد الأشخاص الذين كانوا فاعلين فيها، ولكن نشاط هذا الشخص كان على الفايسبوك باللغة العربية.
ولن يكون مفاجئاً القول إن النشاط المكثّف لهذا الشخص هو في الصفحات المؤيدة لـ "الثورة السورية"، لا بل يمكن التأكيد إن هذا الشخص موجود ومشارك وفاعل وناشط في جميع الصفحات التي أقامها مؤيدو التحركات في الداخل السوري على موقع فايسبوك.
أما هذا الشخص فهو بلا شك... روبرت دانين.

شخص بهذه الخلفيات، والتي سنكشف المزيد عنها في ما يأتي، ماذا يفعل في صفحات تحمل العناوين التالية:
ـ الحرية لشعب سوريا ـ نستحق العيش بكرامة (تضم نحو 20 ألف عضو)
ـ تنسيقية الثورة السورية في حلب
ـ أنا سوري أرفض أن أكون جائعاً أو لصاً
ـ حملة أنا سوري
ـ ثورة الشعب السوري، ثورة الحرية والكرامة
ـ الثورة السورية ضد بشار الأسد في أميركا
ـ الثورة السورية ضد بشار الأسد
ـ سوريا نحو الحرية
ـ ثورة الساحل السوري والعلويين
ـ يوم الغضب السوري
ـ ثورة شباب شمال ريف دمشق ضد النظام الحاكم (مضايا... سرغايا... الزبداني وما جاورها).
إنه بكل بساطة يقوم من خلال هذه الصفحات بالتحريض على القيام بالتظاهرات وبث الشائعات، ووصل إلى درجة إدارة بعض التظاهرات إلكترونياً على الفايسبوك.
ليس هذا فقط، وإنما هو يقوم بدور أكثر خطورة، إنه دور تحريض الشعب السوري على حزب الله، فهو مثلاً الذي روّج لكذبة أن حزب الله "يشارك في قمع التظاهرات التي يقوم بها الشعب السوري"، وهو صاحب رقم "الألف وخمسمئة مقاتل" الذين زعم أن حزب الله أرسلهم إلى سوريا لهذه الغاية.
هذا ما يقوم به روبرت دانين باختصار على شبكة الإنترنت وعلى موقع فايسبوك تحديداً، فمن هو فعلاً هذا الشخص، وما هي خلفياته، وما هي نشاطاته بالتفصيل؟
الحلقة التالية تجيب عن كل هذه الأسئلة.

تحرك شعبي ضد "وكر الجاسوسية" في عوكر



محمود ريا
أحدث الخطاب الذي ألقاه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله مساء الجمعة انعكاسات عديدة وفي أكثر من مكان، ولعلّ رد الفعل الفوري والانفعالي والمأزوم للسفارة الأميركية في بيروت من أول انعكاسات هذا الخطاب.

إلا أن هناك ترددات أخرى كان للخطاب الفضل في إطلاقها، في "الفضاء الافتراضي"، ولا سيما في مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً "الفايسبوك".
لقد تابع المئات من أعضاء الموقع الخطاب ونقلوا محتواه إلى "أصدقائهم" ونشطت التعليقات والردود، أو ما يسميه أهل الفايسبوك بـ"البوستات" والكومنتات" بحيث أنه جرى تسجيل الآلاف منها خلال مسار الخطاب وبعد انتهائه.

وقامت المجموعات المتعددة على الموقع بتقديم تحليلات وأفكار حول ما قاله "السيد"، وفي مكان ما، كانت الإشادة كبيرة بالجرأة والقدرة على الوقوف في وجه "المحن" دون التهرب والانزواء.

وكل هذا يمكن اعتباره نشاطاً عادياً على موقع بات يشكل عالماً موازياً حقيقياً "يعيش فيه" الآلاف من الناس، ويقضون أيامهم في رحابه وعلى "مائدته".
إلا أن ما يمكن اعتباره نشاطاً مميزاً هو تلك الدعوة التي انطلقت عبر "الفايسبوك"، والتي باتت بسرعة تضم العشرات من "شباب الفايسبوك" والتي تحمل اسم "التحرك الشعبي ضد السفارة الأميركية ـ الهيئة التنظيمية".

هؤلاء الشباب انتظموا في مجموعة "غروب"، من أجل التباحث في كيفية الرد المتكامل على الاختراق الأميركي الفاضح للسيادة اللبنانية، من خلال تحول السفارة الأميركية في بيروت إلى وكر للتجسس، يضم ضباطاً مهمتهم العمل على تجنيد عملاء والحصول على معلومات تخدم عدو لبنان الأول والوحيد: العدو الصهيوني.

"الشباب" ما يزالون في بداية تحركهم، فالخطاب لم يمضِِ عليه ساعات، وكذلك هبّتهم من أجل عمل شيء ملموس، ليس على الانترنت فقط، لإظهار رفض الشعب اللبناني لبقاء هذا الوكر على حاله، يهدد أمن اللبنانيين ويخترق سيادتهم ويخدم عدوّهم دون حسيب أو رقيب.

"الغروب" مقفل حتى الآن، وكان لي شرف الانضمام إليه من خلال دعوة وُجّهت إليّ من مؤسسيه، ومن خلال متابعة الأفكار التي تُطلق على "حائط" الغروب يظهر أنها أفكار لامعة ومبدعة وفي حال بقيت الهمّة على ما هي عليه ـ وستبقى على ما يبدو ـ فهي "ستصنع فرقاً" فعلاً، وستحدث تأثيراً "على الأرض" سيساهم في كشف حقيقة "وكر التجسس"، وفي إظهار حجم جرائمه أمام اللبنانيين والعرب وكل العالم.

بالمناسبة، "الشباب"، من الجنسين، لا ينتمون إلى حزب واحد أو إلى توجه محدد، وإنما بينهم من ينتمي إلى أحزاب، وبينهم من هم غير منتمين، وإنما هم من اتجاهات وطوائف وتوجهات مختلفة، جمعهم حبّهم لمقاومة لبنان في وجه أعدائه، ورفضهم لأساليب الإدارة الأميركية وممثليها في لبنان، التي تقوم على "دس الدسائس والتآمر لمصلحة العدو".

إنه إنجاز يُفترض متابعته ودعمه، كما يُفترض المشاركة في النشاطات التي سيقرّها، والتي ستظهر قريباً جداً على "الفايسبوك"، وعلى الإنترنت وعلى مساحة لبنان كلّه أيضاً.

إنترنت.. "متل العالم"؟






محمود ريا
لم أتوجه إلى حديقة السيوفي كي أتمتع بخدمة الإنترنت المجانية التي أمّنتها وزارة الاتصالات في الحديقة، ولكن قد أتوجه إلى أي حديقة عامة قريبة للاستفادة من هذا الإنجاز التقني، لأن الوزارة وعدت ـ ويبدو أنها تفي بوعودها ـ بأن هذه الخدمة ستعمّم قريباً على كل الحدائق العامة، في بيروت ومحيطها على الأقل.
وإن كنت لم أستفد من هذه الخدمة، فأنا موعود بإنترنت أسرع ثلاثماية وخمسين مرة عمّا هو موجود اليوم، عند بدء تشغيل الخدمة الجديدة للإنترنت، ابتداء من شهر أيلول/ سبتمبر المقبل.

طبعاً هذه خدمة تبقى متواضعة مقارنة بما هو موجود في العالم، ولكنها مذهلة وفعّالة جداً قياساً إلى المعاناة التي نعانيها مع خدمة الإنترنت السلحفاتية والمتقطعة التي نحصل عليها اليوم.

ومن يطّلع على "قصة" تحقيق هذا التقدم يمكنه أن يشعر بحجم الحرب التي تعرض لها "الوزير الأحمر"، قبل أن يتمكن من تنفيذ إرادته التحديثية، من قبل المتضررين والمنتفعين وأصحاب العمى السياسي الذين يبدون استعداداً لتدمير كل جميل، طالما إنه صدر من يد أخصامهم (مع العلم أنه لم يصدر من أيديهم هُم أي جميل).

إنه إنجاز آخر لوزارة الاتصالات، بعد أن "وقعت" في أيدي وزراء تطويريين متطلعين إلى المستقبل، راغبين في خدمة الناس، وفي رفع مستوى الخدمات في بلدهم، وبعد أن خرجت من أيدي وزراء (وزير) احتكاريين نفعيين يبحثون عن مصالحهم ومصالح أبنائهم ومصالح الشركات الخاصة المحتكرة والهرمة، على حساب مصلحة المواطن.




طبعاً ليس هذا هو الإنجاز الوحيد، فهناك الكثير من التطورات الأخرى التي شهدناها في قطاع الاتصالات خلال السنتين الماضيتين، من توفير خطوط الهاتف الخلوية بأسعار أقل بكثير، إلى تأمين الإنترنت عبر الـ DSL، إلى غيرها من التطورات.

ومع تشكيل الحكومة الجديدة، ونيلها الثقة قريباً كما هو مفترض، فإن الوزير الجديد سيكمل ما أنجزه الوزير السابق، تأسيساً على ما بناه الوزير الذي سبقه، أي أن مسيرة "التغيير والإصلاح" التي تشهدها وزارة الاتصال ستظل مستمرة حتى تؤمن للبنانيين، الراغبين والكارهين على حد سواء، خدمة اتصالات تليق بهم وببلدهم الذي تركه وزراء اتصالات العهد البائد عاجزاً متخلفاً متأخراً سنوات عن دول العالم، حتى تلك الدول البدائية منها.

لقد بتنا نحلم أن نستفيد من الإنترنت، بدل أن يستفيد أطباء الضغط والأعصاب منا، كلما قررنا أن "نتورط" في استعمال شبكة الإنترنت للحصول على المعلومات أو لتحقيق التواصل مع الآخرين في لبنان والعالم.

كان هذا الحلم ممنوعاً، بحجة الحفاظ على مالية الدولة، وكان هذا الحلم مقموعاً بهدف تكديس الأرباح لدى الشركات الخاصة، وشركات الأولاد والأحفاد.
نقلة نوعية نشهدها في قطاع الاتصالات، نأمل أن تطال القطاعات الأخرى كلها، بعد الانطلاق في إبعاد يد التعطيل والتخريب والنهب والزبائنية عن مفاصل الدولة، ولاسيما تلك المفاصل الأكثر حساسية والأدق من الناحية التقنية.

الاثنين، مايو 16، 2011

مجلس التعاون... أي تعاون؟



محمود ريا

تنتاب المراقبين الحيرة وهم يقلّبون وجوه القضية، فلا يصلون إلى جواب شافٍ.

المسألة معقدة فعلاً، وتستحق كل هذا الوقت من التفكير.

فأيّ اسم يمكننا أن نطلق على هذا التجمّع الجديد؟

بالأمس عندما التقت المصلحة على تجميع مصر والعراق واليمن والأردن، اهتدى الدبلوماسيون إلى اسم: مجلس التعاون العربي.

وعندما اجتمع الخليجيون لسبب، وهم ما كانوا ليجتمعوا من أجل مصلحتهم ومصلحة أمّتهم، سمّوا أنفسهم باسم مجلس التعاون الخليجي.

ولكن اليوم ماذا نسمي التجمع الجديد؟

كيف يمكن أن نجمع الدول الخليجية مع الأردن مثلاً، تحت اي مظلة؟ وأي تسمية نطلقها لجمع هذه الدول كلها مع المغرب؟

هل سيبقى المجلس يحمل اسم "مجلس التعاون لدول الخليج العربية"؟ وبأي حق؟

هل سيجد جهابذة الدبلوماسيين العرب صيغة تجمع كل هذه المتناقضات الجغرافية تحت مسمى جديد؟

أم سيتركون المهمة للذين أوعزوا إليهم بتشكيل هذا الكيان الغريب، كي يقوموا هم أيضاً بتسمية المولود الجديد؟

بعد كل هذه التساؤلات، حول الاسم والشكل، يأتي السؤال الحقيقي حول المضمون وحول الهدف وحول التوقيت.

ما الذي استدعى هذه الحماسة لـ "توحيد الطاقات العربية" بعد عقود من العمل السري والعلني لإحباط أي مسعى توحيدي عربي، وبعد دفع مليارات الدولارات لتقسيم المقسّم وتفتيت المفتّت، وتدبير المؤامرات التي تستهدف الدول ذات التفكير الوحدوي والمشروع القومي؟

أي "وحي" هبط فجأة على أمراء القبائل والعشائر وشيوخ الأجباب والأفخاذ والعوائل كي يبدأوا بطرح المشاريع العابرة للأقاليم والمتجاوزة حتى للقارات؟

هل فكّر هؤلاء الملوك والأمراء مثلاً أن ملياراتهم تسمح لهم بحفر فروع للخليج تصل بمياهه الدافئة إلى شرق الأردن، أو شق قنوات بين هذا الخليج والبحر المتوسط، بما يسمح لمياههما بالاختلاط والامتزاج، فيغسل ملك المغرب رجليه بالمياه الخليجية، ويصبح أهلاً للانضمام إلى هذه التجربة التعاونية؟

أيّا كان السبب، فإنه بلا شك سبب وجيه هو ذاك الذي يدفع مشايخ الخليج إلى إضافة المزيد من عناصر التأزيم والاضطراب والاختلاف إلى سلّة المشاكل والمخاطر التي تعيشها دول الخليج، وهي سلّة مترعة أصلاً بالقضايا الكبرى التي لم ينجح المجلس الخليجي في حلّ أيّ منها في يوم من الأيام.

وحتى عندما أراد المجلس أن يتدخل بقضية ما، فإنه تدخل بغباء وبقصر نظر وبعنف في مسألة البحرين، ليحوّل مشكلة داخلية إلى أزمة إقليمية، وليخلّف آثاراً سلبية وعوامل اضطراب كامنة في المنطقة كلها.

كل هذه الوقائع تشي بأن "فكرة" توسيع مجلس التعاون لدول الخليج العربية ليست فكرة محلية، وليست من بنات أفكار الملك الفلاني أو الأمير العلاّني، وإنما هي "من فوق"، أي من دوائر السياسة الغربية ـ والأميركية تحديداً ـ ومن اقتراحات الذين يريدون تجميع طاقات الملوك في خدمة المشروع الأميركي في المنطقة.

إذا كان من تعاون يريد الأميركيون لدول مجلس التعاون أن تتعاون فيه على شيء ما، فهو بالتأكيد ليس تعاوناً على البر والتقوى، وإنما هو تعاون على الإثم والعدوان.

السبت، مايو 07، 2011

وهم الغادري... وتوهم المعارضات



محمود ريا

لم يكن ما قام به فريد الغادري غلطة، وإنما هو أمر مخطط ومدروس... والدليل أن حديثه الفجّ حول رفع العلم الإسرائيلي في سماء دمشق جاء في مقابلة صحافية "فعلية" مع موقع "إيلاف" المعروف.

يريد الغادري، وتريد "إيلاف" معه، تحقيق أهداف محددة من هذه المقابلة اللافتة:

أولاً: هما يريدان ـ بالتكافل والتضامن ـ كسر حاجز الرفض لـ"إسرائيل" في عالمنا العربي (وهذه مهمة يجهد موقع إيلاف لتحقيقها منذ سنوات) من خلال دفع الخيال إلى تصوّر صورة العلم الصهيوني يرفرف في دمشق، عسى أن يأتي يوم يتحول فيه هذا الخيال إلى واقع.

وللعلم فإن هذا المشهد هو حلم صهيوني بقي قادة العدو يركضون وراءه لسنوات، ودائماً كان هذا الحلم يتحول إلى سراب.

ثانياً: يريد الغادري من هذا الطرح أن يقدّم اوراق اعتماد أكثر تماسكاً لدى قادة العدو الصهيوني اولاً، ولدى الإدارة الأميريكة وقيادات الدول الغربية ثانياً، لتبنيه كمكوّن أساسي في "المعارضة السورية"، بما يسمح له بلعب دور أساسي في المستقبل السوري كما يتخيله هو ومن يقف معه وحوله ووراءه.

ثالثاً: يريد الغادري أيضاً أن يترك أثراً طيباً لدى الشعوب الغربية التي يوجهها قادة الرأي فيها (ليسوا كلهم) لخدمة " إسرائيل" والدفاع عنها... فهذا الوجه الشاب والمنفتح والمحب للسلام والمؤيد للصداقة مع "إسرائيل" سيصبح نجمة الشاشات الغربية ويلقى كل تعاطف ودعم من قبل الميديا الغربية وربما العربية المتغربة أيضاً.

رابعاً: تريد "إيلاف" عثمان العمير أن تكرّس صورتها المعروفة كراعية لكل غريب وشاذ في عالمنا العربي، بما يعطيها ترتيباً أعلى في موقع ألكسا لترتيب المواقع، وهذا ما يسمح لها بأن تعزز دورها الاختراقي التغريبي الصهيوني في أمتنا.
وإذا كانت التصريحات الغادرية ليست جديدة ومفاجئة، فهو قال مثلها وأكثر في قلب الكنيست الصهيوني، فإن صدورها في هذا الوقت بالذات يجعل منها "برنامج عمل" لوجه من وجوه المعارضات السورية التي تحمل لواء إسقاط النظام في دمشق.

ومع أن تصريحات الغادري فجّة ومباشرة، وقد تكون غير مقبولة لدى قطاع واسع من المعارضين السوريين، إلا ان هذه التصريحات ليست إلا الوجه الظاهر من مواقف قد تكون أكثر خطورة، كدعوة المعارض هيثم المالح مثلاً، الولايات المتحدة لضرب سوريا دعماً لـ "الثورة" فيها، أو تعاون عبد الحليم خدام مع جماعة 14 آذار/ مارس اللبنانية الملتحقة بالمشروع الأميركي في المنطقة، أو حتى في حماية رفعت الأسد وأولاده لشهود الزور الذين عملوا على تلبيس القيادة السورية تهمة اغتيال رئيس الحكومة اللبناني السابق رفيق الحريري.

هذه هي القيادات التي تقدم نفسها للسير في طليعة التظاهرات التي خرجت في عدد من المدن السورية مطالبةً بالاصلاح والتغيير، وهي ـ إلى جانب العصابات المسلحة والمجموعات التي ترفع الشعارات التكفيرية من دون خجل ـ تشكل بطاقة فشل أي مشروع يستهدف القيادة السورية، لأن الشعب السوري الذي رفع دائماً لواء معاداة "إسرائيل"، والذي لا يمكن أن يغفل عمّا حل بالعراق الجار الشقيق من جرّاء الاحتلال الأميركي لأراضيه، والذي يرى ما فعلته وتفعله جماعات 14 آذار بالمواطن اللبناني، والذي يعرف مدى حقد شهود الزور ومن يحميهم، وكذلك الذي يرفض التعصب والطائفية، ويأبى ان يتحول الاستقرار الذي يعيشه إلى فوضى مسلحة يقتل فيها الأخ أخاه، هذا الشعب وقف وسيبقى في وجه هذه القيادات لتبديد أوهامها وتسفيه أحلامها وتوهماتها.

إن بضاعة الغادري كاسدة وفاسدة، ولن تجد من يشتريها من أبناء الشعب السوري، وكذلك كل "البضائع المستوردة" من قريب أو بعيد.

الثلاثاء، مايو 03، 2011

العرس الملهاة.. وواقع المأساة




محمود ريا

انشغل العالم لساعات بالاحتفال الذي أقامته بريطانيا احتفاء بزواج الأمير ويليام من إحدى الحسناوات البريطانيات.. وبعد مرور الموجة الأسطورية التي ولّدها هذا العرس التاريخي، والذي كان أشبه بلوحة من الزمن الغابر تتجدد في العصر الحالي، صار لا بد من طرح بعض الأسئلة التي ترد على ذهن المتابع، حتى ولو لم يرَ إلا مشهداً واحداً من هذه اللوحة، كما حصل معي انا.

لماذا يهتم البريطانيون، ويدفعون العالم كله معهم للاهتمام بزواج شخصين، أيّا كان هذين الشخصين، بحيث تصبح كل الأحداث الأخرى في المرتبة الثانية، وتنقل محطات التلفزة في أنحاء العالم هذا الحدث بكل اللغات، ولماذا ينساق العالم معهم في هذه اللعبة الخيالية التي تحوّل بشراً عاديين إلى ما يشبه الأيقونات المقدسة التي تكاد تُعبد من دون الله.

هل وصل الفراغ في نفوس البشر إلى حد البحث عن وهم لملء لحظات من أيامهم التي تشهد الموت والدمار، ولا تعرف الفرح أو الاكتفاء اللذين يجب أن يكونا حقاً طبيعياً حقيقياً يلمسه كل واحد منهم في حياته اليومية؟

وهل أن ركوب شخصين في عربة ملكية تجرها الأحصنة يعيد إلى الشعوب المظلومة ما فقدته من موارد ومن طاقات خلال أيام الاستعمار البريطاني البغيض الذي رزح على صدور هذه الشعوب؟

وهل أن مشهد طفل يبلغ من العمر سبع سنوات أو أكثر قليلاً وهو يستقل سيارة رولز رويس ويلوّح بيد بشكل متكلّف للآلاف الذين يصطفون في الشوارع يستطيع أن ينسي البشر ملايين الأطفال الذي يموتون في أنحاء العالم بسبب الجوع والأمراض التي تفتك بهم دون أن يتنطّح أحد لمدّهم بالقليل القليل من احتياجاتهم؟

أم أن توجيه الكاميرات إلى ملكة (تملك ولا تحكم) يظلّل الواقع المرّ لمئات الملايين من البشر الذين يعانون من السياسات الإجرامية التي تغطيها هذه الملكة وتقدم كل الدعم لها، سواء كانت هذه السياسات أميركية أو بريطانية تقرّها "حكومة صاحبة الجلالة"؟

إن هذا الاهتمام الذي لقيه عرس الأمير ويليام هو إهانة حقيقية لمشاعر البشر الذين يعانون دون أن يلتفت إليهم أحد، والإهانة الأكبر جاءت من بعض الكتّاب الذين مجّدوا "الحدث" البريطاني، واعتبروه دليلاً على "مشروعية" شعبية تمتلكها العائلة المالكة البريطانية، في حين أنهم يغضّون النظر عن معاناة ملايين المشردين في بريطانيا نفسها، فضلاً عن المليارات من البشر الذين تسببت لهم هذه العائلة نفسها بالألم والمعاناة على مر القرون.

لقد كان العرس الإمبراطوري ملهاة حقيقية يلعبها ممثلون ملكيون لإخفاء المأساة الكونية التي يعيشها البشر في هذا العصر.

الحملة الإعلامية المضادة... والوقائع الدامغة



محمود ريا

الحملة المضادة التي يقوم بها المتورطون في تخريب الداخل السوري على الساحة اللبنانية هي دليل إضافي على مدى انخراط هؤلاء في التدخل في الأحداث الجارية، أو لنقل إنها تجسيد لتلك الحكمة العربية المشهورة: " كاد المريب أن يقول خذوني".

لم يبقَ شخص أو تنظيم أو حركة أ
و مجموعة إلا وأصدر بياناً يعلن فيه مبررات الرفض لفكرة تدخل أحد من اللبنانيين في الشؤون السورية.

منهم من رأى أن لبنان أضعف من أن يتدخل في الشؤون السورية، ومنهم من ردّ الأمر إلى تعفف عن التدخل في شؤون بلد مجاور، إذ كيف نتدخل في شؤون دولة أخرى ونحن نطلب منها أن لا تتدخل في شؤوننا. ويبقى التعليق الأطرف هو ذاك الذي تحدث عن رغبة ذلك الفريق في رؤية سوريا مستقرة ومزدهرة من دون أي اضطرابات أو مشاكل.

لنترك مسألة الأمنيات جانباً، فوثائق "ويكيليكس"، وفضائح "الحقيقة ليكس" (على تلفزيون الجديد)، لا بل التصريحات والمقابلات العلنية، كشفت عن مدى "غرام" ذلك الفريق بسوريا وباستقرارها وازدهارها، وأظهرت للعلن كم كان هذا الفريق يرغب في رؤية سوريا مدمرة محطمة مشرذمة مقصوفة من الخارج، تماماً على طريقة ما أعلنه أحدهم من العاصمة الأميركية أوائل الثمانينيات حين أكد أنه سيقصف العاصمة السورية بالمدفعية.
ولنأتِ الآن إلى الوقائع.

إن ما عرضه التلفزيون السوري من وقائع حول تورط هذه المجموعة في الشؤون الداخلية السورية يكفي لوضع هؤلاء تحت مقصلة الإدانة وليس في قفص الاتهام فقط، لا بل إن الدولة السورية قادرة بناءً على الاعترافات التي أفرج عنها إعلامياً فقط أن تطلب من الانتربول الدولي أن يضع قيادات هذه المجموعة، فضلاً عن المنفذين فيها، على لائحة المطلوبين تمهيداً لمحاكمتهم قضائياً بتهمة التآمر على الإخلال بأمن سوريا.



ويدخل في إطار هذه الوقائع الزوارق التي نقلت الأسلحة (والتي تبيّن أنها حقيقة بالرغم من محاولات إعلام هذه المجموعة تحويلها إلى وهم)، والاعترافات بتجهيز هذا النائب أو ذاك للإرهابيين بأسلحة تصلهم إلى داخل سوريا، واعتقال لبنانيين مدسوسين من الفئة نفسها يقومون بإطلاق النار في شوارع المدن السورية وتحريض بعض المواطنين السوريين على التخريب وخرق القوانين والخروج على النظام العام.

أما ما لم يُكشف بعد فإنه الأكثر خطورة، وهو لو قدّر له الظهور إلى العلن فإنه بالتأكيد سيضع النقاط على الحروف وسيكشف المخطط كاملاً من الرأس ـ إلى أصغر عنصر تم التغرير به ليلعب على حبال الأوضاع السورية من دون تقدير لمخاطر هذا الفعل الإجرامي الشنيع ـ .

إذا كانت الحملة المضادة التي يشنّها هؤلاء قادرة على إثارة بعض الغبار الإعلامي هنا وهناك للتهرب من المسؤولية، فإن الوقائع الميدانية كفيلة بجلاء كل هذا الغبار، وبوضع الأمور في نصابها، وبتوجيه الاتهام الخطير إلى لبنانيين بأنهم انخرطوا في مؤامرة إقليمية دولية كبيرة لهزّ الاستقرار داخل سوريا، وهذا فيه ما فيه من انقلاب على اتفاق الطائف، وعلى علاقات حسن الجوار، وعلى مشاعر الأخوّة بين اللبنانيين والسوريين.

فهل يعرف هؤلاء ماذا يفعلون؟

الثلاثاء، أبريل 19، 2011

صفوف الشاحنات.. وسلاح الشحن



محمود ريا
من ينظر إلى صفوف الشاحنات على المنافذ الحدودية اللبنانية نحو سوريا يدرك أن الاتهامات السورية لفصيل لبناني بمدّ أصابع يده الطويلة إلى الداخل السوري ليست مزحة، وأن القيادة السورية تراقب بدقة كل ما يصدّر من لبنان إليها، لأن هناك من يحاول العبث بأمن الدولة الشقيقة ويعمل على بذر الشقاق بين أبنائها، وينفذ مخططاً هادفاً لإثارة النعرات الطائفية في مختلف المناطق السورية.

عندما نقلت القناة الإخبارية السورية قبل أيام معلومات على شاشتها عن تورط فريق لبناني محدد بالاضطرابات التي تشهدها سوريا، رفض هؤلاء أن يصدقوا أنهم انكشفوا وباتوا تحت عين الرصد الدقيقة، ولجأوا ـ كما النعامة ـ لاتهام وسائل إعلامية لبنانية بأنها "تلفّق" اتهامات لذاك الفريق.

واليوم عندما خرج عملاء هذا الفريق من الإرهابيين والمخربين على شاشة التلفزيون السوري ليلدلوا باعترافاتهم المفصلة والدقيقة حول دورهم في الشحن المذهبي والتخريب المنهجي في سوريا، جنّ جنون قادة الفريق، ولم يجدوا أمامهم إلا أن يقولوا إن هذه الاتهامات "مفبركة" في لبنان ومقدّمة من جهات لبنانية.

وغداً، إذا خرج مسؤول سوري رفيع ـ وحتى لو كان الرئيس السوري نفسه ـ ليكشف الحقائق، ويضع هذا الفريق أمام بشاعة ما يرتكبه بحق سوريا وأمنها ومستقبلها، لربما يقول هؤلاء إن هذا المسؤول "صنع في لبنان"، وإن تصريحاته هي نتاج مؤامرة داخلية على فريق ناصع البياض وشديد البراءة.

إلا أن تصنّع البراءة و"الآدمية" لا ينفي أن مئات الشاحنات باتت تقف على الحدود اللبنانية السورية كي تخضع لتفتيش دقيق بحثاً عن السلاح والأموال والتعليمات التي ترسل إلى الداخل السوري من أجل تحويل احتجاجات شعبية مشروعة إلى محاولة تفجير الداخل السوري خدمة للمشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة.

وتوقف الشاحنات بهذا الشكل فيه ضرر شديد للاقتصاد اللبناني ككل، هو أكبر من أي ضرر آخر، لا بل قد يكون سبباً في انهيار هذا الاقتصاد، لأن سوريا هي الخط الوحيد لتواصل لبنان مع الدول العربية، وعندما يضيّق على هذا الخط فإن هذا يعني ضربة قاصمة لكل الصلات التجارية اللبنانية مع العالم.

والأمر لا يقتصر على الشاحنات، فزحمة الناقلات الثقيلة تؤدي بدورها إلى زحمة شاملة في النقل البري بين البلدين، مع ما يعنيه ذلك من خنق لكل البلد وعرقلة لمقومات استمراره فضلاً عن نهوضه وتطوره.

وكل هذا لماذا؟

لأن فريقاً لبنانياً يدّعي أنه يعمل من أجل "لبنان أولاً"، يقوم بتقديم مصلحة خليجية صهيونية أميركية على المصلحة اللبنانية والعربية، ثم يأتي للمحاضرة في عفاف الموقف الذي يجب أن يكون لبنانياً صرفاً بعيداً عن خدمة المحاور والمشاريع الأجنبية.

هذا الفريق يضع لبنان أمام مفترق خطر، ويحمّل اللبنانيين مسؤولية العداء لسوريا، بما تمثله من عمق استراتيجي وجغرافي وتاريخي ومستقبلي للبنان، فقط لأن رغبة الأمير هي الحاكمة، وعبارة "أمرك سيدنا" هي الفيصل في التعامل مع رغبات الإمارة التي تتحول فوراً إلى أوامر.

متى يفهم هؤلاء أن الأمور لا تسير "على ذوقهم فقط"، وأن هناك من يرفض أن يكون عبداً لـ "طويل العمر"، لأن هذا الرافض حريص على مصالح لبنان ومستقبله.

متى يفقهون أن لبنان لا يمكن أن يتحوّل إلى إمارة من إمارات المملكة، وأنه سيبقى لبنان الشقيق لأشقّائه، العامل من أجل مصلحتهم، حفاظاً على مصالحه.
متى يقتنع هؤلاء أنهم لا يحتكرون تمثيل اللبنانيين مهما رفعوا من شعارات التلبنن، ولا يمتلكون المستقبل، ولا يتحكمون بمصير الحقيقة؟

الثلاثاء، أبريل 05، 2011

ثورات العرب.. والمسجد.. والزلزال



محمود ريا

كان العرب قد اعتادوا أن يسمعوا كل يوم نبأ استشهاد فلسطيني أو اثنين أو أكثر في قصف أو اعتداء أو اشتباك.
اعتادوا الخبر إلى درجة أن عرضه كخبر أول في نشرات الأخبار كان يدفعهم دائماً إلى انتظار الخبر الذي يليه، لأنه قد يكون أكثر جِدّةً وإثارةً. وسار الأمر على هذه الحال، أجيالاً وراء أجيال، إلى أن وصلنا في هذه الأيام إلى ما هو أسوأ بكثير من هذه الحال.

لقد وصلنا إلى لحظة بات فيها الخبر الفلسطيني ملحقاً بنشرات الأخبار، فيقتل الواحد والخمسة والعشرة، فلا يجد هذا الحدث مكاناً له في نشرة الأخبار كلها، فضلاً عن وجوب احتلاله صدر النشرات في المحطات التلفزيونية والإذاعية وعلى صفحات الصحف ومواقع الإنترنت.

صحيح أن اهتمامات العرب تنوعت وتشعبت خلال الفترة الماضية، وصحيح أن الكثير مما يحظى بالاهتمام هو مهم فعلاً، ولكن هذا لا يعني أن تطمس أخبار هذا البلد أو ذاك، وهذه الثورة أو تلك، أخبار فلسطين، وهي أخبار تتجدد كل يوم، لا بل كل ساعة لمن لا يعرف ذلك، أو لمن يريد تجاهل ذلك.


كم مواطناً فلسطينياً مثلاً استشهد خلال الأسبوع الماضي؟ كم طفلاً قتلوا وهم يلعبون بكرة القدم (هل سمع أحد بأن أطفالاً قتلوا وهم يلهون في قطاع غزة قبل أيام)؟ كم مستوطنة بنى الصهاينة في الضفة وحول القدس، وكم بيتاً فلسطينياً هدموا؟ كم قانوناً عنصرياً أقرّوا بهدف تشريد ما تبقى من مواطني الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1948؟ أكثر من ذلك...

هل سمع أحد بالخبر الذي مرّ بخجل في شريط الأخبار في إحدى المحطات التلفزيونية ومفاده أن المسجد الأقصى سيكون عرضة للانهيار بشكل كامل إذا ضربت هزة أرضية قوتها أربع درجات فقط على مقياس ريختر الأراضي الفلسطينية؟


وإذا كان أحدنا قد سمع الخبر، فهل يعرف لماذا سيكون مصير المسجد الأقصى التهديم نتيجة هزة أرضية تعتبر بسيطة جداً إذا ما قورنت بالزلازل العظمى التي ضربت اليابان في الفترة الأخيرة؟


لمن لا يعرف، فإن السبب ببساطة هو الأنفاق التي شقّها ويشقّها الصهاينة الغاصبون تحت أساسات المسجد، والتي أدت إلى خلخلة هذه الأساسات وإلى تحويل المسجد إلى مبنى هشّ لا يمكن أن يصمد حتى أمام عاصفة عاتية تضرب الأراضي الفلسطينية.


السبب هو السرطان الصهيوني الذي تغلغل في مفاصل البنى الفلسطينية وفي حياة الفلسطينيين ويكاد يدمر مستقبلهم تماماً كما هو يهدد بتدمير المسجد الأقصى، إما انهياراً بهزّة أرضية، أو مباشرة عبر اعتداءات ينفذها المستوطنون غير آبهين بكل الاحتجاجات اللفظية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.


الثورات التي تحصل في عالمنا العربي مهمة جدا، ومن الضروري الاهتمام بها، ولكن هذه الثورات تستحق أن تكون في مركز الرؤية بقدر ما تقرّبنا من فلسطين، وبقدر ما تقدّم من دعم للمجاهدين من أجل تحرير القدس والأقصى، لأن أي دولة عربية لن تبقى بخير، ولن تحقق آمال شعوبها، ما دام كيان الاحتلال في ساحة الوجود.

الخميس، مارس 31، 2011

اللعب بالداخل السوري: لبنانيون يرتكبون جريمة لا تغتفر


محمود ريا
لم يكن الخبر الذي وضعته محطة "الإخبارية السورية" على شاشتها عشرات المرات خلال الأيام الماضية خبراً عادياً، وإنما يحمل في طياته الكثير من المؤشرات التي لا بد من الوقوف عندها في ظل ما تعيشه سوريا من أجواء متحركة ومفتوحة على تطورات كثيرة.

يقول الخبر الذي كان يرد مرة كل حوالي ربع ساعة ضمن سلة من الأخبار التي كانت تكتب على الشاشة تحت عنوان"هام": أنباء عن حجز سفن محمّلة بالأسلحة وقادمة من طرابلس لبنان إلى اللاذقية، والسوريون يشكّون بمساهمة تيار المستقبل بما يجري في بلادهم".

هذا الخبر الصادر عن وسيلة إعلام رسمية سورية، مهما حاولت هذه الوسيلة التركيز على الاستقلالية التي تتمتع بها، يؤكد أن هناك ما هو ملموس ومسجّل وموثق حول هذا التدخل المباشر والخطير لتيار لبناني في شؤون دولة عربية أخرى هي سوريا.

وربما تكشف الأيام المقبلة الكثير من المعطيات التي تؤكد الحديث عن وجود مؤامرة خارجية تستهدف سوريا وقيادتها، مؤامرة جرى التخطيط لها في بلاد ذات رمل، وتنفذها أيدٍ وأرجل موزعة هنا وهناك، ومنها ما هو موجود في لبنان.

المهم في موضوع إشتراك تيار لبناني في اضطرابات سورية أن هذه المشاركة تنفي بشكل مطلق الطهورية الوطنية التي يدّعيها هذا التيار من خلال رفعه شعار "لبنان أولاً"، كما تسقط حملته الدعائية التي ينفذها هو وحلفاؤه حول "تأثير" الوقوف إلى جانب الانتفاضة البحرانية على اللبنانيين المقيمين في الخليج.

إلا أنه وبالرغم من الأهمية التي تمثلها العلاقات اللبنانية الخليجية على الوضع الاقتصادي اللبناني، فإن "اللعب" في الداخل السوري له آثار تدميرية تتجاوز الاقتصاد اللبناني لتصل بخطورتها إلى تهديد أصل وجود لبنان وتضع مستقبله في دائرة الخطر.

إن قيام تيار لبناني بالتحريض على القيادة السورية، ومدّ المتمردين على النظام هناك بالأسلحة وتوفير منصة إعلامية مرئية وإلكترونية لهم للقيام بحملاتهم التحريضية يشكّل زجّاً للبنان في أتون مشكلة داخلية سورية لن يخرج لبنان منها سالماً بأي حالٍ من الأحوال، عندما تتمكن القيادة السورية من إنهاء الإشكالات التي تعيشها سوريا.

لقد خرق تيار "المستقبل" كل محظور من خلاله انسياقه وراء قوى مخابراتية غربية وعربية متأمركة والقيام بتحريك أصابع الفتنة داخل سوريا، لأنه بذلك وضع لبنان كله في معرض رد الفعل السوري على من يهدد الأمن والاستقرار في سوريا.

وفضلاً عن خرق كل قواعد التعامل مع الدول الشقيقة والصديقة، والأقرب منها إلينا بشكل خاص، فتيار "المستقبل" خرق كل محرّمات البلد، وانتهك مقررات اتفاق الطائف، وعلى رأسها مبدأ عدم تحول لبنان إلى مقر أو ممر لأي مؤامرة تجاه سوريا.

ليست سوريا في موقع الخليج بالنسبة للبنان، وليست في موقع أي دولة أخرى في العالم، فهي الطريق وهي الرئة وهي المجال الاستراتيجي والسياسي، وهي الدولة التي تملك التأثير الأكبر على الواقع في لبنان، ووضع بلدنا في موقع العداوة معها، يجعل الفريق الذي يقوم بهذا العمل مغامراً بكل ما في كلمة مغامرة من معنى، لا بل هو متآمر على البلد وعلى مستقبله، بهدف تحقيق أهداف تخدم مشروعاً أجنبياً يظن أن من خلاله يمكن أن يحقق مكاسب ذاتية على مستوى الحكم والتحكم.

إن تأييد ثورة هنا وإعلان موقف مناصر لشعب مظلوم هناك هو موقف يدخل في دائرة التفهّم، أما تحريك أصابع العبث وإرسال السلاح والمسلّحين إلى داخل دولة من أجل تقتيل الناس وإثارة الفتنة والتخريب فهو جريمة كاملة الأوصاف لا يجب أن يسكت عليها أحد، ولا سيما بعد ظهور الدلائل التي ستكشفها التحقيقات الجارية مع المجرمين في الداخل السوري، وما سيقولونه عن مموليهم ومحرّكيهم.

الثلاثاء، مارس 22، 2011

الشعب يريد هنا.. والشعب يريد هناك

محمود ريا
لما مات الموات الذي هيمن لعقود على أمتنا، عاشت الحياة في شرايينها، وعشنا معها لحظات ما كنا لنحلم بها، وما كانت لتخطر في ظنون من سبقنا، ممّن "هرموا" وهم ينتظرون فرجاً لم يكونوا يعرفون من أين سيأتي.
فجأة، لم نعد نكره الخبر العاجل، ولا عدنا نسأم نشرات الأخبار، وتلاشت الابتسامة الصفراء التي كانت تعلو شفاهنا ونحن نتابع ما يحصل هنا وهناك.
الاندهاش الذي كنا قد فقدنا طعمه ونحن نرى سنيّ الأمة تمر مرّ السحاب العقيم، بلا برق يضيء الظلام، ولا رعد يهزّ عروش الظلاّم، بلا مطر يسقي العطشى، ولا سيول تزيل الفساد والفاسدين، هذا الاندهاش بات اليوم سمة تفرض نفسها على عيون الجميع، الكبار والصغار، الرجال والنساء، بعد أن تكاثرت الأحداث التي تدعو فعلاً إلى فتح العيون على وسعها تلقفاً للآتي.
عادت أسماء مثل بغداد وطرابلس، مثل القاهرة وصنعاء، مثل السويس والرباط، عادت تعني لنا الكثير، بعدما انحصر اهتمامنا بأسماء زواريب تضغط علينا بصراع الديكة الذي كان يسود بين زعمائها.
لقد تعرّفنا إلى أنفسنا من جديد، وعاد الواحد منا يتطلّع إلى عيون صاحبه، فيرى فيها جذوة انطفأت أو كادت، وليشعر بأن "الآخر" هو الذات، وبأن البعيد هو الأنا، وبأن ما يفصل بين المنامة وطرابلس الغرب لا يزيد عن الذي يفصل بين بيروت وطرابلس الأخرى: الهموم نفسها، والتطلعات نفسها، والشعارات هي هي، الشعب يريد هنا، والشعب يريد هناك.
أليس هكذا تكون الأمة الواحدة؟ ألم نتعلّم أن ما يجمع بين أبناء الأمة هو الماضي المشترك واللغة الواحدة والآمال المشتركة؟
إن هذه أمتنا أمة واحدة، بلغتها وبشبابها وبشعاراتها وبدمها المسفوح في كل الشوارع، ريّاً لزرع كانوا يقولون إنه مات منذ زمن بعيد.
وما يجب أن يبقى في البال أن انبهارنا بروح الشباب التي دبّت فجأة في عروق الأمة لم يجعلنا ننسى أن هذه الثمار هي نتيجة لبذار سكن الأرض منذ سنين، فأنتج نبتاً عرفناه باسم التحرير في عام 2000، وشهدناه يتخطى"العواصف الخمس"، ويسقى دماً قانياً في تموز عام 2006، وفي كوانين ما بين عامي 2008 و2009، فاهتزّت أرض هذه الأمة ورَبَت، لتخرج أُكُلَها في كل حين وفي كل مكان.
كنا في في موقع الانتظار، وها نحن الآن في موقع الفعل، مع صرخة تمتد من مصر إلى عدن، ومن الشام لتطوانِ،.. ها هي فعلاً.. بلاد العُرب أوطاني.

العربي بين مستحيلين


محمود ريا
سألني صديق من تونس كان من المحاورين الدائمين لي خلال أحداث الثورة التونسية وما تلاها: "هل نفرح أم نحزن لما يحصل في ليبيا في هذه الساعات؟"
وبغض النظر عن التقييم الذي يمكن أن يصدر عن شخص مثلي، وبعيداً عن التسرع بالإجابة وإصدارموقف، فإنه لا بد من التوقف عند السؤال نفسه وحجم الإشكالية التي يطرحها على مستوى الشارع العربي.
لقد وضعت تطورات الأحداث التي تجري في ليبيا المواطن العربي بين خيارين أحلاهما مرّ: إما ان يكون مع مبدئه الرافض لأي تدخل أجنبي في أي بلد عربي، وبالتالي يقف متفرجاً على إبادة أبناء الشعب الليبي، وإما أن يصفّق لقصف الطائرات الأميركية والغربية لكوامن القوة الليبية وصولاً إلى قتل المدنيين الليبيين في مختلف المدن.
طبعاً، ليست هذه المرة الأولى التي يوضع المواطن العربي في هذا الموقف المحرج، فهو كان يقف بين هذين الخيارين الصعبين عندما كان يرى بغداد تقصف من الطائرات الأميركية فيما كان نظام صدام يقتل شعبه وينكّل به بلا هوادة، وكان السكوت على عملية الإبادة الصدّامية المنظمة للمواطنين العراقيين والانتهاك المتواصل لحقوقهم مستحيلاً، فيما كان قبول قيام الولايات المتحدة بدور المنقذ فيما هي تعمّق جراح العراقيين وتحتل أرضهم مستحيلاً آخر لا يمكن قبوله.
وإذا تجاوزنا الحرج الأخلاقي الذي يقع فيه الإنسان العربي وهو يسمع أخبار قصف الطائرات الأميركية للقدرات العسكرية الليبية التي يستخدمها القذافي بحق المواطنين الليبيين، فإن السؤال الأساسي الذي يطرأ على الذهن هو عن المسؤول عن وصول الأمور إلى هذه الحال، ولماذا يضطر العربي إلى انتظار الأميركي والغربي للقيام بمهمة "إنقاذه" من براثن النظام الذي يحكمه.
السؤال بمعنى آخر هو عن عجز الدول العربية عن القيام بدور حقيقي وفعال في حماية الشعوب من البطش، وهو عجز مركب ما يزيد من خطورته وآثاره السلبية:
ـ هو عجز النظام في الدولة نفسها عن تقديم نموذج ديموقراطي حقيقي يقدم لشعبه الحقوق الأساسية التي ينبغي أن تتوفر لكل إنسان، ما يجعل النظام آلة قمع حقيقية تخنق أنفاس المواطنين وتذلّهم وتدفعهم إلى الثورة.
ـ وهو عجز الدول العربية الأخرى عن القيام بدور فعال في معالجة أي أزمة تقع في دولة عربية، بحيث تتدخل هذه الدول بالطريقة المناسبة لحل هذه الأزمة، ابتداء من القيام بدور الوسيط، وصولاً إلى حد التلويح باستخدام القوة، وحتى القيام باستخدامها من أجل وقف قمع النظام وحماية المدنيين عندما تقتضي الضرورة. وهذا التدخل الفاعل هو السبيل الأنجع لمنع أي تدخل أجنبي في شؤون الدول العربية.
ولعلّ الأخطر في الموضوع أن الحالة الوحيدة التي "تجرأ" فيها العرب على التدخل في شؤون دولة عربية أخرى كان النموذج الذي قدموه خلالها من السوء بحيث جعلت المواطن العربي يتمنى أن يبقى العرب على عجزهم، وأن لا يشربوا حليب السباع في تعاطيهم مع القضايا المطروحة.
والمقصود هنا هو تدخل دول الخليج عسكرياً في البحرين، فقد جاء هذا التدخل ليشكل دعماً للنظام الذي يقمع الشعب، وليساعده في عملية القمع هذه، بما يشكّل عبئاً مضاعفاً على المواطن البحراني المسالم، ويعقّد عملية حل الأزمة في ذلك البلد بدل أن يسهّلها.
من أجل ذلك، وبعد استعراض كل هذه الأفكار في رأسي، كان الجواب البديهي الذي قدّمته لصديقي التونسي الذي سألني إن كان علينا أن نفرح أو أن نحزن لما نراه من تدخل عسكري غربي في ليبيا: ربما كان علينا أن نفرح وأن نحزن في الوقت نفسه، وهذا هو المستحيل بعينه، تماماً كما هي استحالة الأمل بقيام دور عربي فعّال ومنصف في آن واحد.

الخميس، فبراير 24، 2011

أمة واحدة تبحث عن إعلامها

محمود ريا
تزداد حماوة الأحداث في مناطق مختلفة من عالمنا العربي، ومع ارتفاع حماوة التطورات، تصبح وسائل الإعلام بمختلف أشكالها حاجة حقيقية عند ابناء الأمة الذين باتوا ينتظرون " الخبر العاجل" القادم من أربع رياح الأرض العربية كما ينتظرون الخبر المتعلق ببلدهم، أو حتى بمنطقتهم.
لقد بات اللبناني ينتظر الخبر التونسي كما ينتظر البحراني الخبر المصري وكذلك الحال مع المغربي الذي لا يستطيع أن ينام قبل أن يطمئن على آخر ما جرى في الكويت أو ليبيا.
لقد حقق الشهران الماضيان من التواصل بين أبناء الأمة ما لم تستطع تحقيقه عقود كثيرة من الحديث النخبوي عن الأمة الواحدة والحلم المشترك ووحدة المصير.
وفي ظل هذا التواصل الحقيقي النابع من اهتمام حقيقي بما يجري عند الشقيق، تصبح وسائل الإعلام هي الوسيلة للحصول على المعلومات.
وإذا كانت وسائل الإعلام الجديد تلعب دورها الحاسم في تحريك الأحداث وتحقيق التواصل لتنسيق الفعاليات، فإن المحطات التلفزيونية ما تزال بدورها تأخذ حيّزاً هاماً من اهتمام المواطنين العرب، بحيث تتسمر الأعين على ما تنقله هذه المحطات من صور، وإن كانت قليلة، من هذا البلد أوذاك، وتتابع الأسماع بكثير من الاهتمام آخر المعلومات التي يقرأها مذيعون ومذيعات صاروا بشهرة نجوم الفن والأدب.
وفي ظل هذه الطفرة التلفزيونية يتم تقاسم حصص المشاهدة بنسب تقوم على أساس مدى اهتمام هذه المحطة وتلك بإعطاء المشاهدين صورة متكاملة عن الأحداث في مختلف المدن العربية.
وإزاء هذا الواقع يمكن القول إن المحطات التي تهتم بقضايا قُطرية ضيقة، والتي تتعامل مع الأحداث الجارية في عواصم عربية أخرى على أنها أحداث تجري في "الخارج" باتت محطات غير محسوبة في خريطة المشاهدة التلفزيونية، لأنها لا تتحسس حقيقة اندماج اهتمامات المشاهدين الذين باتت الأخبار المحلية آخر همّهم.
إن الأحداث التي نراها أمامنا حوّلت الدول العربية المتباعدة إلى نطاق عمل واحد، إن لم نقل إلى دولة واحدة ـ بكل ما في الكلمة من معنى ـ بحيث توحدت الاهتمامات وتماهت التطلعات مع بعضها البعض، إلى درجة تتجاوز كل الشعارات التي أطلقها عتاة المنظّرين بالوحدة، لا بل ربما إلى درجة فاجأت حتى أولئك الذين كانوا يرفعون شعار الوحدة العربية وبنوا كل منظومتهم الفكرية على أساس هذا الشعار.
إن المحطة التلفزيونية التي ما زالت تتعامل مع تشكيلة وزارية محلية هنا، أو اجتماع رئيس مع مرؤوس هناك، أو التي تتعاطى مع الأحداث بشكل بارد مقتضب، صارت في هذه الأيام خارج المسار المتحرك للتاريخ العربي، ولا بدّ لها من إعادة تقييم وضعها، قبل أن تتحول عند المشاهدين إلى محطة لا لزوم لها، أو على الأقل قبل أن توضع في مصاف المحطات الهامشية التي تهتم بإضحاك المشاهدين أو عرض آخر الوصفات المطبخية لهم.
إن أمة حيّة، واحدة بآمالها وآلامها، كالأمة العربية في مرحلتها المتقدمة هذه، تحتاج إلى إعلام حي ومتحرك يتابع ما يجري فيها من أحداث من منطلق شامل وبنظرة واسعة، لا أن تبقى بعض وسائل الإعلام تتعامل مع الأحداث على قاعدة ما قبل كانون الثاني/ يناير 2011، لأنها حينها ستكون قد ذهبت مع الذين ذهبوا من الطواغيت الذين كانت بعض وسائل الإعلام هذه تسبّح بمجدهم ليلَ نهار.

الثلاثاء، فبراير 08، 2011

إعلام النظام المصري وسناريوهات التدخل الخارجي





محمود ريا
من يراقب الفضائيات المصرية، سواء منها التابعة للنظام مباشرة، أو التي تهيمن عليها الرؤية الرسمية للأحداث طوعاً أو كرهاً، يمكنه استخلاص حقيقة أكيدة وهي أن رجال النظام القائم قد فقدوا صوابهم وباتوا يتخيلون أنّ كل صرخة هي عليهم وعلى رأس نظامهم.
ومع تكاثر الأدلّة على هذا الواقع الذي بات المسؤولون يتخبطون فيه، فإن نغمة التدخل الأجنبي في الأحداث التي تقع في مصر كشفت أكثر من غيرها عن فقدان المنطق والرؤية الصحيحة للأمور، وبالتالي المسارعة إلى إطلاق الأحكام جزافاً وبشكل هستيري، دون أدلّة، أو من خلال اختراع سيناريوهات وهمية يبدو الاصطناع فيها فجّاً ومثيراً للسخرية.
فقد تناسى رجال النظام كل الأسباب التي أدّت إلى قيام الشعب المصري، بكامل فئاته، بالنزول إلى الشارع وتقديم أنفسهم شهداء من أجل الحرية، وتجاوزوا مطالب الجماهير التي تعتصم منذ أيام في الميادين والساحات، في القاهرة والاسكندرية والسويس ومختلف المدن الأخرى، وتوقفوا عند الحديث على تدخل الدول الأجنبية في الشؤون المصرية، مصوّرين الملايين الذين انتفضوا كأطفال قصّر لا يستطيعون التصرف من أنفسهم، وإنما تحركوا بناء على "أجندات خارجية"، وانصاعوا لأوامر صدرت من وراء الحدود.
ولو أن السيناريوهات التي وضعها "جهابذة" النظام تملك ذرة من المنطق والواقعية لاستطاعت إقناع البعض، ولكن التخبط الذي ضاعت فيه هذه السيناريوهات جعل ترديدها من قبل السياسيين والإعلاميين التابعين للنظام بمثابة نكتة سمجة لا يمكن حتى الاستماع إليها.
فقد أطلق أحد المنتفعين على التفزيون المصري تصوراً مفاده ان هناك اتفاقاً بين الولايات المتحدة وإيران و"إسرائيل" وقطر على تخريب الاستقرار في مصر، وأن اجتماعات عقدت قبل فترة من أجل وضع الخطط المناسبة لإطلاق الفوضى في شوارع مصر!
"خبيرعسكري" من جماعة النظام اختصر هذه التوليفة، واقتصر في السيناريو الذي قدّمه عبر شاشة تلفزيونية مصرية ـ تقول عن نفسها إنها مستقلة ـ على اجتماعات بين مسؤولين قطريين ومسؤولين من الموساد الصهيوني لتحضير خطة هدم الاستقرار في مصر، مع رسم دور أساسي في هذه الخطة لقناة الجزيرة الفضائية، التي ستقوم بتهييج الشعب المصري ودفعه إلى النزول إلى الشارع!
شخص آخر ذهب إلى تحميل إبران كل المسؤولية، وجعل كل ما يحصل في الشارع المصري نتيجة لخطة جهنمية إيرانية تهدف إلى القضاء على مصر لأنها "المنافس الاستراتيجي" لإيران في المنطقة.
ومع غرابة هذه السيناريوهات وبعدها عن المنطق، بقي هناك سيناريو هو الاكثر إثارة للأسئلة حول مدى الصحة العقلية لمطلقي هذه التصورات، وهو يقوم على رواية مفادها أن الولايات المتحدة هي التي درّبت الشباب المتفتّح الذي دعا للانتفاضة من خلال وسائل الإعلام الحديثة وعلى رأسها الفايسبوك والتويتر وغيرها. هذه الرواية كانت خرافية لدرجة تفوق التصوّر، لذلك عمل أزلام النظام على ابتكار رواية مكمّلة لها، عسى أن تعطيها بعض المصداقية، فتم تسويق "اعتراف" من إحدى الفتيات يفيد أنها تدرّبت لدى الأميركيين بهدف إسقاط النظام في مصر!
وبالرغم من أنه لا يمكن تبرئة الإدارة الأميركية من التدخل في شؤون الدول الأخرى، فإن رواية تدريب الأميركيين لشباب مصريين كي يقلبوا نظام حسني مبارك ترتقي إلى مستوى الكوميديا السوداء التي يبرع بها الخيال الأمني المتحكم بالمؤسسة الحاكمة المصرية، إذ ان النظام المصري هو من أكثر عملاء واشنطن إخلاصاً وأهمهم نفعاً للسياسة الأميركية في المنطقة، ولم تسحب الإدارة الأميركية دعمها له إلا بعد أن استشرفت واشنطن المستقبل الأسود لهذا النظام، إثر الانتفاضة الشعبية المليونية.
لقد تناست هذه المؤسسة كل الأسباب الموجبة للنقمة التي تسود الشعب المصري إزاء النظام وحيتانه والمتحكمين بالسياسة والاقتصاد والأمن، وإزاء البلطجية والزعران الذين عاثوا في البلاد فساداً ، وتناست انحيازها إلى جانب الكيان الصهوني في مواجهة الشعوب العربية، وتناست عمالة النظام للولايات المتحدة وتنفيذه كل ما تطلبه منه واشنطن على مستوى الداخل والخارج، كي ترفع عقيرتها بالحديث عن تدخل خارجي بالشؤون المصرية،.
ومقابل هذه السخافة الحكومية التي وصلت إلى حد اتهام الكيان الصهيوني بالتآمر على النظام العربي الأكثر خدمة لهذا الكيان العدو، يبقى الشعب المصري المتحصن بحقه وبشرعيته الجماهيرية مقيماً في الشارع، غير مكترث بما تبثه آلة الإعلام الرسمية الصدئة من تهويلات وسيناريوهات مفضوحة وبائخة ومكررة لا تؤثر في معنويات الجماهير التي نزلت بملء إرادتها من أجل تحقيق التغيير الحقيقي، التغيير الذي يلبي آمال وتطلعات الشعب المصري أولاَ، ومن ثم آمال وتطلعات الأمة العربية والإسلامية بكاملها.

الاثنين، يناير 31، 2011

الانتفاضة المصرية في نظرة استراتيجية



محمود ريا

ربما من الصعب القول إن النظام المصري سيسقط خلال الأيام أو الساعات المقبلة، ولكن هذا التوقع لم يعد مستحيلاً، وهذا ما يعتبر تحولاً استراتيجياً بكل معنى الكلمة.
إن لتحوّل النظام المصري من موقعه كفاعل على مستوى المنطقة إلى موقع المنتظر للفعل من خارجه آثاراً كثيرة على التطورات في المنطقة ربما العالم.

وبالرغم من الحديث الذي ساد في الفترة الأخيرة عن ضعف الدور المصري في المنطقة وعن تقلص تأثير النظام في الأحداث التي تدور على امتداد الرقعة الجغرافية للإقليم، فإن هذا النظام حافظ على أدوار شديدة الحساسية وبالغة الفعالية، لم يكن غيره ـ ولن يكون ـ قادراً على القيام بها.
فالنظام المصري كان ـ وما يزال ـ يشكل على مدى العقود الماضية الركن الذي ترتكز عليه الإستراتيجية الأمنية الإسرائيلية، وهو بذلك يلعب دوراً خارج إطار المنافسة بين أقرانه من الأنظمة القائمة. ويضاف إلى ذلك أن هذا النظام هو رأس جسر الإستراتيجية السياسية والعسكرية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، وهذا دور فعّال أيضاً ولا يمكن الإنقاص من أهميته بأي حال من الأحوال.

واستناداً إلى قيامه بهذين الدورين المحوريين، كان النظام المصري ينام على حرير الكثير من الأدوار الأخرى التفصيلية، والتي جعلت منه وكيلاً للإدارة الأميركية في الكثير من قضايا المنطقة، ومنفذاً للإستراتيجية الإسرائيلية على أكثر من ساحة.

وفي استعراض سريع لهذه الأدوار (الثانوية) يمكن التوقف عند الدور المصري في القضية الفلسطينية مثلاً، حيث كانت السياسة المصرية ولا تزال تمثل العصا التي ترفعها الإدارة الأميركية، والحكومة الإسرائيلية، في وجه السلطة الفلسطينية لمنعها حتى من التفكير في التراجع عن السير في عملية التسوية، وفي وجه المقاومة الفلسطينية من خلال حصار غزة والتعاون مع المؤسسات الأمنية الصهيونية والأميركية لمحاصرة الحركات المقاومة وإضعافها.

وفي لبنان كان الدور المصري دائماً يكمّل الدور الأميركي في الضغط على القوى الرافضة للانصياع لرغبات الإدارة الأميركية، وفي تقديم الدعم المطلق على مختلف المستويات السياسية والأمنية والعسكرية للقوى السائرة في المشروع الأميركي والمعادية للمقاومة.

وعلى المستوى الإقليمي أيضاً كان النظام المصري رأس حربة أميركية صهيونية في مواجهة المشروع النووي الإيراني وفي الترويج للخطر الإيراني المزعوم على المنطقة.
لكل ذلك، ولغيره، كان النظام المصري يلعب دوراً استراتيجياً حساساً لا يمكن إنكاره، وإن كان هذا الدور مخالفاً لرغبات شعوب المنطقة ولتطلعات أبناء أمتنا العربية والإسلامية.

اليوم، بات النظام المصري في موقع صعب، وسواء سقط بشكل كامل، أو سقط رأسه مع بقاء هيكله قائماً من خلال تسليم الحكم لآخرين فيه، أو حتى مع بقاء رأسه مع بعض التعديلات التي قام ـ وسيقوم ـ بها، فإن هذا النظام قد تعرض لضربة قوية جداً، وهذه الضربة ستنعكس على دوره الاستراتيجي في مختلف الساحات التي كان "يلعب" عليها.

ومع أن كل احتمال من الاحتمالات الثلاثة سيترك آثاراً مختلفة عن الآثار التي يتركها أي احتمال آخر، فإن المشترَك بين مختلف هذه الاحتمالات هو أن هذا النظام يترنّح وهو بحاجة لفترة طويلة جداً لكي يتمكن من استعادة موقعه الجيواستراتيجي، بما يسمح له بلعب الأدوار المطلوبة منه من جديد (هذا مع احتمال بقائه)، وهذا سيترك بدوره آثاراً سلبية قاسية جداً على المشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة، هذا المشروع الذي سيفتقد وجود الحليف الأقوى في المنطقة، وسيفتقد أيضاً التدخلات التي كان يقوم بها هذا الحليف لمصلحة واشنطن وتل أبيب.

إن مرحلة ترنّح النظام المصري قبل سقوطه هي المرحلة الأنسب للتفكير بالخيارات الاستراتيجية التي تمنع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة من استعادة توازن مشروعهما الاستكباري، بما يؤدي فعلاً إلى دفع هذا المشروع قدماً نحو الانهيار، تمهيداً لتحرير أمتنا من ربقته، وتحقيق أهداف الحرية الحقيقية للأمة كل الأمة، بما فيها فلسطين المغتصبة.

إن ما قام به شباب مصر حتى الآن يصنع جزءاً مشرقاً من تاريخ أمتنا، وإذا تمكن هؤلاء الشباب من إتمام المهمة المقدّسة الملقاة على عاتقهم، فهم سيرسمون فعلاً الخريطة الجديدة للمنطقة، وربما للعالم كله.

الجمعة، يناير 28، 2011

ماذا فعل بك؟



محمود ريا

جاء وقت الحساب، وصار لا بد من السؤال: ماذا فعل بك؟
لقد قادك من بين أبناء أمتك، ساقك في المرة الأولى، وعاد في مرة أخرى... وما يزال.
في كل مرحلة من المراحل كنتَ بين خيارين، إما أن تقف إلى جانب الذين يرغبون في الوقوف معك لبناء وطن واحد، انطلاقاً من موقع الشراكة الذي لا يمكن أن يتجاوزه أحد، أو أن تقف إلى جانبه، محرّضاً لك على أهلك وأبناء وطنك، واعداً إياك بجنّة الحكم الذي لا ينتهي، وبين هذا الخيار وذاك، كنت تختاره هو.
كم مرة كادت الأمور تصطلح، وكان الحل قاب قوسين أو أدنى، وكان أبناء بلدك يستبشرون بأن أوضاعهم ستتحسن بعد أن ينتهي الاضطراب وتروق النفوس وتهدأ التوترات، فنعود إلى البناء معاً، بدل تضييع الوقت والغرق في متاهات التفاصيل، وعند وصول الأمور إلى خواتيمها كان يأتي إليك زائراً، بفحيح يحدّثك، وبهمس يوقر أذنيك، فتنكص، وتعود الأوضاع إلى التشنج والتوتر؟
ألا تتذكر اتفاق الرياض أوائل بروزك، عندما تم الاتفاق مع المشايخ، فواجهته أنت وعرّابك بالرفض، بعدما أوعز لكم صاحبكم بوجوب الرفض؟
أوَتذكر غيره وغيره من الاتفاقات والتفاهمات والتسويات منذ ذلك الحين إلى آخر "غطّة" خاطفة له على أرضنا، فخرّب ما خرّب، وأنت أدرى بما خرّب؟
وفي نيويورك، كان "حاضراً ناظراً"، وما كنت قد وافقتَ عليه هنا (ولو بطلبك أثماناً باهظة) ذهبتَ إلى هناك، والتقى بك، ومنعك من تنفيذ الاتفاق، بالرغم من أن المشايخ كانوا يقودونك بطريق آخر.
هل غاب عن ذهنك كل هذا؟
عليك أن تتذكره جيداً اليوم.. كي ترى نتيجة الطريق الذي سيّرك به.
لقد قادك إلى هذه النهاية السوداء، لقد قادك إلى خسارة "ملك" لم تستطع الحفاظ عليه.
ماذا سيفعل من أجلك اليوم؟
لا شيء.. صدّق.. لا شيء.
سينتقل للبحث على طريقة يلتفّ بها على خليفتك، وليرتّب أمور بلاده في بلادنا دونك، دون الاهتمام بحزنك، ودون الالتفات لمصيرك.
هل علمت إلى أين ينبغي أن توجّه غضبك وحنقك، لتعبّر عن يأسك؟
هل علمت ماذا فعل بك فيلتمان.. يا سعد الدين؟

الأربعاء، يناير 12، 2011

دعونا ندخل إلى الموقع

محمود ريا
بشّرت وزارة الداخلية المواطنين بأن عدد مخالفات السير التي سجّلتها الرادارات الثابتة والمتنقلة لقوى الأمن الداخلي على مختلف الطرق اللبنانية قد تجاوز 67 ألف مخالفة خلال شهر ونصف، وصولاً إلى نهاية العام المنصرم.
عدد المخالفات لافت، فهو يدل على مدى انفلات اللبنانيين وتحلّلهم من الالتزام بقوانين السير، هذا مع وجود رادارات تراقب حركتهم، وتحصي عليهم أنفاسهم ولا سيما على الطرقات الرئيسية، فكيف الأمر بهذا اللبناني وهو متروك "على راحته" يفعل ما يشاء حيث يشاء، دون حسيب أو رقيب.
لا شك أن كل واحد من السائقين على الطرقات قد لحظ حالة "الانسياب" والسكون التي تسيطر على السيارات، بحيث أنه يمكن تصوّر أن السيارات مربوطة ببعضها، فلا تتحرك الواحدة أسرع من الأخرى، وهذه ظاهرة لم نعتد عليها في هذا البلد، حيث كان السائق لا يستطيع توقع اللحظة التي تمر بجانبه "سيارة طائرة" تكسر كل حدود السرعة، وتحطم بدربها ما يعترضها من سيارات ومواطنين وأبنية وغير ذلك.
الآن يمكن أن يشهد كل واحد منا أن هدوءاً غريباً يتحكم بحركة السيارات، وبالرغم من ذلك نجد أن عدد المخالفات وصل إلى الرقم الذي ذكرته وزارة الداخلية، والأمل أن لا يزداد هذا الرقم بسرعة، وأن ينخفض معدل السيارات المضبوطة، ليس بسبب تعطل الرادارات، وإنما نتيجة اقتناع المواطنين بأن دفع الغرامة المقررة على كل مخالفة أمر مرهق، ويستحق أن يخفض المرء سرعته خلال القيادة تجنباً للوقوع في مطب مخالفة قانون السير.
ولا بد هنا من الإشارة إلى بعض الملاحظات التي تشوب عملية ضبط حركة السيارات عبر الرادارات، وأبرزها اثنتان:
ـ الأولى هي أن عدداً كبيراً من السيارات في لبنان تباع وتشترى من خلال وكالات البيع ووكالات السوق، وشئنا أم أبينا هناك عشرات الآلاف من السيارات التي لا تزال دون تسجيل على اسم صاحبها الحالي، بالرغم من مرور سنوات على شرائها، وبالرغم من تنقلها من شارٍ إلى شارٍ.
وهذا الواقع يدفع إلى التساؤل عن موقف مواطن باع سيارته قبل عشر سنوات مثلاً، ليفاجأ بموظف من شركة ليبان بوست يدق بابه ليسلّمه مخالفة سرعة، دون أن يعرف هو أين هي السيارة الآن ومع من؟
هل يدفع المخالفة، أم يضع نفسه تحت طائلة التعرض للتحويل إلى المحاكمة؟
هذا الواقع يتطلب من وزارة الداخلية استكمال آلية المحاسبة من خلال التشديد على المواطنين بضرورة "ملاحقة" السيارات المسجلة على اسمهم ومتابعة مصيرها، كي لا يكونوا عرضة لهذه المفاجآت السارة في يوم من الأيام.
ـ الملاحظة الثانية تتعلق بكيفية الاطلاع على مخالفات السير من خلا ل الموقع الإلكتروني لقوى الأمن الداخلي على شبكة الإنترنت.
إن المهتم بمعرفة واقع العلاقة بين عدّاد السرعة في سيارته وصور الرادارات على الطرقات سيجد صعوبة كبيرة في تأمين تواصل حقيقي وفعّال مع هذا الموقع، حيث تشكل عملية الدخول إلى الموقع معاناة حقيقية لكثرة ما يظهر من فشل في إمكانية الوصول إلى الموقع ومعلوماته.
قد يكون هذا الفشل ناجماً عن ضعف الموقع، أو عن ضيق سعة النطاق الممنوح له من أجل الدخول إليه، أو بسبب الضغط الكثيف لطلبات الدخول.
"أظهرت إحصاءات وزارة الداخلية اللبنانية ارتفاعا في عدد السيارات والمركبات المسجلة في لبنان حيث بلغ عددها مليونا و720 ألف سيارة للعام 2010 في لبنان عامة منها 900 ألف في العاصمة اللبنانية بيروت".
إذا كان هذا هو عدد السيارات كما ذكره خبر منشور في حزيران/ يونيو من العام الماضي، وإذا كان هناك خمسون بالمئة فقط من اللبنانيين مهتمين بمعرفة ما إذا كان عليهم مخالفات سرعة أم لا، وإذا أخذنا بالاعتبار أن المواطن سيدخل مرة في الأسبوع على الأقل للاطلاع على "صفحة سوابقه" المرورية، فإن هذا يعني أن لدينا مئات الآلاف من النقرات على موقع قوى الأمن الداخلي يومياً، فهل أمّن المختصون في المعلوماتية في المديرية العامة البنية التقنية اللازمة لتلقي هذا العدد من النقرات؟
لا يبدو ذلك. والدليل هو الفشل في الدخول إلى الموقع، الذي يعاني منه المواطن مرة بعد مرة، ما يجعله بعد فترة يائساً من التجربة، ويضعه أمام خيار إهمال الإطلاع على ما يمكن أن يطرأ من مخالفات على سيارته، ويقلّل من جدوى إجراء وضع الرادارات على الطرقات.
فيا وزارة الداخلية، يا أيها المعنيون في موقع قوى الأمن الداخلي، نحن، المواطنين اللبنانيين، نرجوكم أن تسمحوا لنا بالدخول بسهولة إلى موقعكم.