الأحد، سبتمبر 18، 2005

صحافة الكويت وتطورات الوضع في لبنان



يلاحظ المراقب للتغطية الصحافية العربية لأحداث لبنان والتطورات التي حصلت فيه منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وربما قبل ذلك، حماوة خاصة في تغطية الصحف الكويتية لهذه الأحداث، إلى الحد الذي جعل البعض يتساءل عن السبب في هذه الحماوة، وعن مغزى كون الصحافة الكويتية "تحمل السلّم بالعرض" كما يقال عندنا في لبنان، فتصبح الباب الأكثر طرقاً لتسريب "المعلومات" والشائعات والأخبار ـ التي يتبين بعد ذلك أن معظمها غير صحيح ـ حول عملية الاغتيال أولاً، ومن ثم حول التحقيقات المحلية ومن بعدها التحقيقات الدولية والتي يصول نجمها ديتليف ميليس ويجول، تاركاً الصحافة تلحق بها، إلا بعض الصحف المختارة التي تحصل على معلومات فتنشرها ثم يصدر نفي لها.
وبعد متابعة شبه يومية للصحافة الكويتية يمكن للمراقب أن يستنتج وجود شيء ما في طريقة تعاطي هذه الصحف مع حدث التفجير، ما يدفع للتساؤل ما إذا كانت بعض هذه الصحف تملك الحقيقة الكاملة فعلاً عما حدث، أو أنها تستخدم كمنبر لتمرير رؤية معينة تهدف إلى توجيه أصابع الاتهام في اتجاه معين، أو كجسر يتم من خلاله تسريب معلومة معينة ـ بغض النظر عن صحتها ـ ومن ثم يتم استعمالها على أساس النقل عن صحيفة عربية، وليس على أساس التبني لهذه المعلومة.
وإذا كانت كل الصحف الكويتية "غير مقصرة" في هذا المجال ـ ومن بينها صحف يفترض أن تكون متمعة بنوع من المصداقية والموضوعية ـ فإن صحيفة واحدة تبرز من بين الصحف الكويتية لتعلن عداءها المطلق لكل الجو السياسي الحاضن للمقاومة، والمروج للمنطق الأميركي الغربي في التعاطي مع الجريمة ومع التداعيات المفترضة لها على المستوى اللبناني، وهذه الصحيفة ـ ولا أظن أن القارئ المتابع سيفاجأ ـ هي صحيفة السياسة الكويتية .
ولمن لا يعرف هذه الصحيفة ورئيس تحريرها أحمد الجار الله يمكن القول إنها تمثل الحامل لفكر الرضوخ عند أعتاب أميركا والمروج لفكرة التطبيع مع إسرائئيل والساعي إلى إجهاض فكر المقاومة والجهاد والمطلق الاتهامات والإهانات لكل محاولة رفض للعصر الأميركي الإسرائيلي الذي يحاول فرض نفسه على المنطقة كلها.
إن حمل هذه الصحيفة للواء بث الإشاعات وتسريب المعلومات حول عملية التحقيق بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري يطرح ألف سؤال عن الرابط بين الترويج للا منطق الانبطاح أمام العدو الصهيوني والسعي إلى توجيه الأنظار نحو المقاومين لهذا العدو وداعميهم على الساحة العربية في عملية الاغتيال، ويفتح المجال للشك في وجود خطة مبرمجة تستخدم فيها هذه الصحف الصفراء من أجل تشويه الأحداث ولوي عنق الحقيقةوتحويل مسار التحقيقات، ومن ثم رمي الاتهامات والشبهات على المقاومين والمجاهدين.
والقارئ لافتتاحية أحمد الجار الله أمس السبت بالذات
يشعر بمدى الانحراف الفكري والسياسي الذي يعشش في رأس هذا الرجل وهو يمتدح الرئيس المصري الأسبق أنور السادات على وضعه كل البيض في السلة الأميركية وشده على يد وزير خارجية قطر الذي دعا للإنحناء للعدو الصهيوني ولملاقاة "إسرائيل" في منتصف الطريق
ولإقامة علاقات معها حتى قبل التوصل إلى "سلام" معها.
إذاً، هذه هي المنظومة الفكرية التي تقود الهجمة على لبنان وعلى مواقفه وعلى مقاومته، وهؤلاء هم الأشخاص الذين يدّعون الحرص على الرئيس رفيق الحريري، فيما هم يهدفون إلى القضاء على كل نقاط القوة التي ما زالت تزخر بها أمتنا وعلى رأسها "التنظيمات الأصولية المسلحة كحركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي وحزب الله" على حد قول صحيفة السياسة الكويتية نفسها.
محمود ريا


ملاحظة: أعدت نشر افتتاحية أحمد الجار الله في صحيفة السياسة الكويتية لإظهار الفكر المنحرف والدعوات الاستسلامية التي يملكها والتي يروج لها في عالمنا، ما يظهر استغلاله لأزمة لبنان من أجل تمرير أفكاره الداعية إلى الانهزام والتطبيع.


نرجوكم أن تفهموا
القمة العالمية أطلقت جملة من الزلازل في كل اتجاه, سنتجاوز زلزال فتح الأسواق, سنتجاوز الموقف من سورية, سنتجاوز البرنامج النووي الإيراني واعتماد الديبلوماسية لإحالة الملف الى مجلس الأمن.. لنتجاوز كل هذا الى الشرق الأوسط بما هو قضية دولة عبرية موجودة بقوة الأمر الواقع وقوة وسلاح وقضية دول عربية معها لا تعترف بالأمر الواقع وليس لديها القوة لتغييره.
في القمة العالمية بذلت محاولتان من طرفي القضية, محاولة شارون الذي مد يد المصالحة وقيل أنه رجل سلام, ومحاولة وزير خارجيته سلفان شالوم الذي دعا الى رفع الهمس العربي الاسرائيلي المكتوم الى مستوى العدم, ومحاولة وزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم بن جبر الذي لاقى شالوم في منتصف الطريق وطالب بإقامة علاقات مع اسرائيل, وبجعل الاتصالات السرية معها ترقى الى مستوى العلن.
ما أوصل الأمور الى هذا الحد تناقض الخطاب العربي بين الحرب والسلام, وتناقض المفهوم الاسرائيلي بين السلام المعروض وفق قرارات الشرعية الدولية والسلام كما تراه إسرائيل, وتحديداً سلام المنتصرين كون اسرائيل انتصرت على العرب في كل حروبها.
وفي كل الأحوال فإن التباس المواقف وتناقضها لا يمكن أن يحل بعيداً عن طاولة المفاوضات, حتى لو سبقت العلاقات التوصل الى اتفاقات سلام معها.
هل هي الظروف الحاكمة? نحن نقول نعم, وهي ذاتها الظروف التي خلفتها تغيرات الزمن الذي تجمد عند العرب بذريعة المحافظة على المبادئ, حيث أصبحت هذه الذريعة بلا مفعول كونها مستعملة في زمان غير زمانها. ووحده الرئيس المصري الراحل أنور السادات أدرك لعبة تغير الظروف وربطها بتغير الزمن, فرأيناه يكتشف أن 99 في المئة من أوراق الحل بيد الولايات المتحدة وان القضية كلها موجودة في أميركا. طور سياساته, وأخرجها من الارتهان الى الزمن المتجمد, وقد كان زمناً سوفياتياً, وبدأ يتعامل بمقتضى الأشياء, ومقتنعاً ان السلام مع اسرائيل هو من أكبر المخاطر عليها, إلى جانب ان هذا السلام سيعيد اليه سيناء وقناة السويس وكل شبر احتلته اسرائيل من أرضه.
وبدلاً من فهم السادات قام العرب باتباع الحرمانية القومية عليه, وظلوا أمناء للزمن الجامد, الذي انسحب جموداً على سياساتهم وأحالهم الى وجود أصم في عالم متحرك يرى ويسمع ويتكلم. وبالتالي فشل العرب في إقامة جسر من التفاهم مع الغرب عموماً, ومع أميركا خصوصاً, وظلوا, في الاعتبار الأخلاقي, يرون أن هذا التعامل ينال من طهرانيتهم الوطنية, ومن سمعتهم القومية, ومن نضالهم الأرشيفي المنطوق.
بدوران الزمن وتغير الظروف, وبوجود حقائق دولية جديدة أصبحت قائمة على الأرض تفرغ العرب للقتال بين بعضهم البعض, وإشعال الحروب الأهلية بين بعضهم البعض, والطرف المهزوم دائماً كان الطرف الذي يدعي الحفاظ على المبادئ, وانكشف القناع عن وجهه ليبدو واحداً من أكبر أسباب التخلف, وواحداً من أقسى مظاهر البطش والتنكيل الموجه الى الشعب المحكوم الذي أصبح هو الآخر شعباً غير مسيس لا يفهم إلا لغة الغرائز, ولا عمل له سوى الجري وراء رغيف الخبز.
علينا أن نعترف الآن أن تحديات التنمية والسلام أصبحت مستحقة علينا, والأخطر مع ذلك ان من يتخلف عن التلبية والتناغم لن يبقى سعيداً في مكانه يعزف على أوتار المبادئ, لأن الزمن لا يستمع اليه ولا ينتظره.
أعجبنا الشيخ حمد بن جاسم حين دعا إلى الخروج من سراديب الريبة والكذب, الى نور اليقين والصدق, فلا بأس لو تلاءمنا مع الظروف الدولية, ولا بأس لو تخلينا عن المفاهيم الموروثة, ذلك ان شعرة واحدة لن تسقط من رؤوسنا, وأن سمعتنا الوطنية والقومية لن تمس, اضافة الى ان محصلات جديدة من حقائق السياسة قد تتكون بين أيدينا, وفي أولها الفهم بأن المتغير الزمني لا يلعب علينا وحدنا, بل على اسرائيل أيضاً. إذ ربما جاءت ظروف الزمن الآتي وجعل منها دولة ذائبة في محيط عربي لا تستطيع العيش بدونه أو مغادرته.
نرجوكم أن تفهموا ودعوا عنكم ضرب الدفوف ونفخ المزامير, واستجداء شعبوية ما عادت كما كانت قابلة للخداع والكذب.