الخميس، ديسمبر 30، 2010

لبنان يتوحّد على خبر



محمود ريّا
كانت صدمة للبنانيين عندما استيقظوا في صبيحة اليوم الفائت، ليجدوا أن الصحف الكثيرة الصادرة في بلدهم تحمل عنواناً واحداً على صفحاتها الأولى، أو ما اشتهر عندهم بتسميته بـ "المانشيت".
كان من الطبيعي أن تتفق الصحف اللبنانية على معالجة موضوع واحد في افتتاحياتها، وقد يحصل أحياناً (وإن نادراً) أن تكون المعالجة متقاربة وبكلمات فيها بعض التجانس.
ولكن أن تكون كلمات العنوان الرئيسي هي نفسها في كل الصحف، فهذا ما لا يتذكره كل اللبنانيين كباراً وصغاراً، لا بل هذا ما لم تشهده الصحافة اللبنانية في تاريخها الطويل.

لا بد أن شيئاً ما قد حصل، بل لا بد أن ترتيباً ما هو الذي يقف وراء توحد عناوين الصحف.
الحشرية التي استشرت بين اللبنانيين لمعرفة ما يقف وراء هذا الحدث الفريد، لم تستطع أن تحجب الحيرة التي نشأت بعد الاطلاع على العنوان، وعلى الموضوع الذي يعالجه.

لقد كان العنوان بكل بساطة: طائرات العدو الإسرائيلي تخرق الأجواء اللبنانية بوقاحة، ولبنان لن يسكت بعد الآن. لم يعتد اللبنانيون أن يأخذ هذا الموضوع حيّزاً كبيراً من الاهتمام في صحفهم، أو أن يقف محررو الصفحات المحلية عند البيانات المتلاحقة التي تصدرها قيادة الجيش بهذا القدر من الحماسة.
وكان متابعو الصحف اللبنانية ( السبع ـ العشر ـ التي لا تعدّ) يخجلون من أنفسهم وهم يرَون هذه البيانات مركونة في أسفل الصفحات الأخيرة من المحليات، مع أخبار أخرى من قبيل القبض على لص، أو تعثّر دابّة على طريق.
فما الذي حصل حتى يحتل خبر كهذا، الذي يتكرر كل يوم، الصفحة الأولى في كل صحيفة لبنانية، حتى غطى على زيارات المسؤولين اللبنانيين (مَن كان منهم في البلاد خلال عطلة الأعياد) إلى المناطق اللبنانية، شمالها وجنوبها وشرقها وغربها، وعلى كل أخبار الوساطات واللقاءات والمآدب والحفلات؟ لم يطل الوقت حتى بدأت الصورة تتوضح.
لقد كان عدد من المسؤولين في جولة خارج العاصمة، وهذا إنجاز بحد ذاته، وقد لَفَتهم أن الطائرات الحربية والتجسسية الصهيونية لم تغادر أجواء المناطق التي زاروها طوال وقت وجودهم فيها، ولما سألوا عن سبب هذا التحليق الكثيف للطائرات المعادية، وما إذا كان مرتبطاً بوجودهم في تلك المناطق، فوجئوا بأن هذا الوضع ليس جديداً، وأن كل يوم لبناني هو يوم حافل بتحليق طيران العدو بمختلف أشكاله في "السماوات" اللبنانية، مقلقاً الكبار ومرعباً الصغار، دون أي حسيب أو رقيب، وأن ما يصدر من بيانات رسمية حول هذا التحليق يحمل معلومات حقيقية ويتحدث عن وقائع يمكن تلمّس آثارها في أعصاب اللبنانيين.

عند هذا الحد، جمع المسؤولون أنفسهم، وعقدوا اجتماعاً شاملاً، كانت النتيجة الوحيدة له أنه لا يمكن السكوت بعد الآن عن هذا الخرق الفاضح للسيادة اللبنانية.
وبناء على هذه النتيجة صدرت القرارات:
ـ وزير الإعلام مكلف بتوحيد عناوين الصحف اللبنانية على لفت النظر إلى هذه الجريمة الصهيونية المتمادية.

ـ وزير الخارجية مكلف بإبلاغ دول العالم بأن لبنان سيقطع علاقاته الدبلوماسية مع كل دولة لا تدين الخرق الجوي الصهيوني بأقسى العبارات ولا تستخدم نفوذها لمنع الطيران المعادي من الدخول إلى الأجواء اللبنانية بعد الآن.

ـ وزير الدفاع مكلف بتأمين كل وسائل الدفاع الجوي للتصدي للطائرات المعادية حين اختراقها سماءنا.
ـ وزير الشؤون الاجتماعية مكلف بإقامة حلقات لأطفال لبنان تدعمهم نفسياً في مواجهة القلق الذي يسببه وجود طائرات العدو فوق رؤوسهم بشكل دائم.

ـ وزير الداخلية مكلف...
ـ وزير الاقتصاد..

ـ وزير ..

ـ ...
صار لا بد من الاستيقاظ من الحلم على صوت الطائرات المعادية وهي تخترق جدار الصوت فوق رؤوسنا.. وكل حلم وأنتم بخير.

الاثنين، ديسمبر 27، 2010

ليو شياو باو: على السلام.. السلام



محمود ريا

لعل الكثيرين لم يعودوا يتابعون "مسرحية جائزة نوبل للسلام" منذ حصل عليها أشخاص لا يوجد أي صلة بينهم وبين السلام في العالم، كالمجرم مناحيم بيغن والقاتل شمعون بيريز ومكسّر عظام الأطفال إسحاق رابين، وكذلك أشخاص باعوا أوطانهم ومبادئهم من أجل قطعة ورق وبضعة دراهم، وبينهم من هم "من عندنا". كان الشعور ـ وما يزال ـ لدى فاقدي الاهتمام بهذه "الجائزة العالمية" أن القائمين عليها أضاعوا البوصلة وخانوا المبدأ الذي أطلقت من أجله هذه التظاهرة العالمية، وباتوا يعطون هذا الوسام لمن لا يستحقه، انطلاقاً من أجندة سياسية نابعة من إرادة القوة الكبرى في العالم، وليس انطلاقاً مما قدمه هذا الشخص للسلام العالمي. ولعل النماذج التي وردت آنفاً تدل على مدى بُعد الحاصلين على الجائزة عن السلام، وحجم الفظائع التي ارتكبوها ـ هم وغيرهم ـ بحق الأمم والشعوب على مدى العقود الماضية. إلا أن الوضع هذه السنة اختلف قليلاً، فقد شدّت الجائزة بعض الاهتمام، ولا سيما أن الحاصل عليها شخص يقبع في السجن، ما يعني أنه يضحي من أجل قضية عادلة، ولا يرتكب الجرائم. ولذلك بدأ المتابعون يسألون عن السبب الذي دفع لجنة جائزة نوبل إلى الالتفات إلى المقهورين والاهتمام بهم وبقضاياهم. ومع قليل من البحث اتضحت الصورة. ليو شياو باو، الصيني المعارض والمسجون، حاز جائزة نوبل لأنه أعلن مواقف مناهضة للحكم في الصين، وأصرّ على رفع صوته في وجه قمع الحريات في الصين. إلى هنا قد يبدو الأمر عادياً، فالحريات في الصين، كما في الكثير من بلدان العالم ليست مضمونة كما يجب، والنضال من أجل تحقيقها قد يكون تضحية من أجل قضية مبدئية شريفة لا غبار عليها. ولكن، لم تقف الأمور عند هذا الحد. فالرجل لا يريد الحرية للصينيين كما يدعي، وإنما هو يكره الصين ويكره تاريخها ويريدها في مستقبلها كالدول الغربية تماماً دون أي فرق. وليس هذا كل شيء، فالرجل معجب بالولايات المتحدة وبمعالجتها للقضايا العالمية بشكل يفوق الوصف. ولا يقتصر هذا الإعجاب على طريقة العيش في نيويورك أو لوس انجلوس، ولكنه يتعداه إلى تأييد كل الحروب التي شنّتها الولايات المتحدة ضد دول العالم، في الماضي البعيد وفي الحاضر أيضاً، كحروب فيتنام وكوريا، وغزوات أفغانستان والعراق، مع ما شهدته هذه الحروب الفظيعة من جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية. وفي مقال له بعنوان "دروس من الحرب الباردة"، يقول ليو إن "العالم الحر الذي تقوده الولايات المتحدة قد حارب تقريباً كل الأنظمة التي انتهكت حقوق الإنسان.. والحروب الكبرى التي أصبحت الولايات المتحدة مشاركة فيها هي كلها يمكن الدفاع عنها من الناحية الأخلاقية". هذا هو ليو شياو باو الذي حصل على جائزة نوبل للسلام، فهو من التبريريين الذين تحتاجهم واشنطن للدفاع عن نهجها السياسي في العالم. ولعلّ جورج بوش هو الأكثر سعادة بالمنشق الصيني "النوبلي"، فشياوباو يرى عام 2004 أنه "لا يمكن إلغاء الإنجاز الرائع الذي حققه جورج بوش في مكافحة الإرهاب لمجرد افتراءات (المرشح الديموقراطي حينها جون) كيري.. ومع ذلك فمهما كان حجم الخطر الذي يجب تحمّله في سبيل إسقاط صدام حسين، فاعلم أنه ليس هناك أي عمل من شأنه أن يؤدي إلى خطر أكبر. ويثبت ذلك كل من الحرب العالمية الثانية والحادي عشر من سبتمبر! وبغض النظر عن أي شيء فإن الحرب ضد صدام حسين هي حرب عادلة! وقرار جورج بوش هو قرار صحيح!". ولكن هناك من يحتاج ليو شيا باو كذلك، فهو يثني بشدة على موقف إسرائيل في صراع الشرق الأوسط، وهو يلقي اللوم في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على الفلسطينيين، الذين يرى أنهم هم "غالبا المستفزون". هل اتضحت الصورة؟ ليو شياباو هو نسخة صينية للفاشية الأميركية، وللعربدة الصهيونية، ولذلك حاز جائزة نوبل للسلام. هو صورة طبق الأصل لمناحيم بيغن وشمعون بيريز، ولهنري كيسنجر وجيمي كارتر، ولكل المجرمين الذين قتلوا بأيديهم أو بأفكارهم، والذين ارتكبوا الفظائع خدمة لـ "المؤسسة الأميركية" التي باتت هي من يصدر القرار بمن يحصل على جائزة نوبل للسلام. وعلى السلام.. السلام.

الثلاثاء، ديسمبر 21، 2010

المريخ ـ الصين.. والأرض ـ أميركا



محمود ريا

سادت السينما الأميركية موجة من الأفلام التي تنتمي إلى فئة الخيال العلمي والتي تقوم على فكرة غزو المخلوقات الفضائية للأرض. وتنوعت المعالجات الهوليودية لهذا السيناريو، باختلاف المخرجين والأفلام التي خرجت من تحت أيديهم.
إلا أن الفكرة الأكثر تردداً بين تلك الأفلام كانت الفكرة التي تقوم على "الغزو الناعم" من قبل المخلوقات الفضائية للأرض، بحيث يأتي الفضائيون بصفة أصدقاء مسالمين، وعندما يبنون علاقة طيبة مع سكان الأرض ويتغلغلون في مفاصل الكرة الأرضية يظهرون صورتهم الحقيقية كغزاة محتلين يسعون للسيطرة على الأرض وإبادة الجنس البشري، أو استعباده على الأقل.
ولعلّ فيلم "غزاة المريخ" المنتج عام 1996 هو من أكثر الأفلام تعبيراً عن هذه الأفلام وعن هذه الفكرة الخيالية التي يحاول السينمائيون الأميركيون التعبير عنها من خلال هذه النوعية من الأفلام.
إلا أن وضع هذا النوع من الإنتاج في فئة الأفلام الخيالية لا يعني أن الواقفين وراءه لا يريدون من خلاله التعبير عن فكرة واقعية تسيطر على عقول الأميركيين، وهي فكرة الخوف من الغزو الخارجي، الغزو الذي يريد أن يسلب الأميركيين (بصفتهم الطبقة الأرقى بين البشر الأرضيين) ما يملكونه من حياة رغيدة، ويهدف إلى السيطرة على بلادهم ومنعهم من البقاء القوة العظمى (الخيّرة) على مستوى العالم.
وهذا الخوف يتملّك الأميركيين ليس من المخلوقات الفضائية فقط، وإنما من البشر الآخرين أيضاً، ولا سيما البشر الأقوياء، الذين يملكون القدرة على أن يكونوا مستقلين عن الأميركيين، والذين يحملون تطلعات التخلص من الهيمنة الأميركية على العالم.
ومن أوجه هذا الخوف ذلك الذي يسيطر على الأميركيين كلما ذكرت أمامهم كلمة الصين.
وآخر مظاهر البارانويا الأميركية تجاه الصينيين عبّر عنه كاتب أميركي قدير، له باعه في التحليل السياسي، ويُحسب حسابه بين المفكرين الذين يرسمون من خلال مقالاتهم آفاقاً للسياسة الأميركية لا بد من احترامها.
الكاتب هو توماس فريدمان، الذي نشر مقالاً في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في الثاني من الشهر الحالي، ركب من خلاله موجة تسريبات ويكليكس، ولكنه قاد الأمور باتجاه مختلف عن ذلك الذي تسلكه البرقيات المسرّبة، حيث لعب لعبة "اكتشاف" برقية متخيّلة مرسلة من السفارة الصينية في واشنطن إلى وزارة الخارجية في بكين، يضع فيها كل أوهامه حول مساعي الصين للسيطرة على الولايات المتحدة، التي يعترف أنها باتت دولة ضعيفة منقسمة تتوهم نفسها دولة عظمى، بينما هي أصبحت لقمة سائغة في فم التنين الصيني الذي يوشك على التهامها في أي لحظة.
ولعل أقسى عبارة في "البرقية المتخيّلة" التي تحمل عنوان ـ كل شيء في الولايات المتحدة يسير كما نرغب (في الصين) ـ قول فريدمان في ختامها على لسان الدبلوماسي الصيني الذي "كتبها": يدرس رقم قياسي من الطلاب في المدارس الثانوية الأميركية الآن اللغة الصينية، ما سيزوّدنا بمخزون متواصل من اليد العاملة الرخيصة التي تتقن لغتنا في حين نستخدم احتياطنا البالغ تريليونين و300 مليار دولار لشراء المصانع الأميركية في الخفاء.
إنها الصين التي تستحوذ على عقول الأميركيين وتستحوذ على أموالهم أيضاً، وهي الدولة التي يرون فيها القدر القادم لسلب أميركا تفوقها ورفاهيتها وحتى مستقبلها. وإذا كان فريدمان ينقل عن "الدبلوماسي الصيني المتخيّل" قوله: نحمد الله لأن الأميركيين يعجزون عن قراءة برقياتنا الدبلوماسية، فإن "النوايا الصينية الشريرة" لا تبدو خافية على الأميركيين، لا بل ها هي تتحول إلى كوابيس تؤرقهم.
مقال فريدمان يستحق القراءة فعلاً، لا بل يستحق تحويله إلى وثيقة (وإن لم تكن رسمية وحقيقية) تفضح النظام الأميركي بمجمله، كما تكشف الرؤية الأميركية الحقيقية للعالم كله، بأرضه وبفضائه.

الأحد، أكتوبر 24، 2010

كي لا تودوا بأنفسكم إلى التهلكة

محمود ريا
يبدو أن للطريقة الجديدة التي تعمل بها السيارات الحديثة دوراً أساسياً في الازدياد المخيف في حوادث السير في العالم، وفي لبنان أيضاً، حيث تم تسجيل مئات الحوادث التي أدت إلى مقتل المئات من الأشخاص.
صحيح أن وزارة الداخلية تكرّمت بإصدار بيان يعتبر أن عدد قتلى حوادث السيارات ما زال أقل من عددهم في السنوات الماضية، ولكن الجمعية اللبنانية المتخصصة بمتابعة شؤون السير والحوادث ( اليازا) لديها رأي آخر، وهو يقوم على أن عدد ضحايا حوادث السير هو ضعفا العدد الذي أعلنته وزارة الداخلية.
وبغض النظر عن صحة الرقمين (350 أو 700) فإنه يبقى رقماً مرتفعاً، فهو يحصي أرواح الناس، وهذه الأرواح ليست رخيصة أبداً، سواء كانت روحاً واحدة أو ألف روح.
وبناءً عليه فإن الأمر يعتبر كارثة حقيقة: هو كارثة على الوطن الذي يخسر أبناءه شباباً وشيباً لأسباب يمكن معالجتها، وهو كارثة أكبر على العوائل التي تخسر أفرادها وتترك وحيدة مع حزنها، دون أن تكون عقوبات هذه الجرائم المرتكبة بحق الإنسانية من مستوى ما يرتكبه كل قاتل، إلا اللهم من يذهب ضحية تهوّره أو عدم اهتمامه بقوانين السير، فيكون الثمن الذي يدفعة كبيراً جداً جداً، إنه حياته التي يفقدها في طرفة عين، أو قدرته على الحركة نتيجة الأضرار الجسدية التي تلحق به.
لقد أصبحت أخبار حوادث السير مثل أخبار البورصة التي تتكرر في النشرات الإخبارية كل يوم، إلا أن الألوان المستخدمة هي بعكس تلك التي تستخدم في لعبة الأسهم للتعبير عن ارتفاعها أو انخفاضها، فـ "هناك" تكون الألوان خضراء كلما ارتفعت قيمة السهم، و"هنا" يكون اللون أحمر قانياً كلما كانت بورصة قتلى حوادث السير أكثر ارتفاعاً.
وبالعودة إلى بداية هذا الحديث يمكن القول إن "التطورات" التي طرأت على تصنيع السيارات في العالم لها دور كبير في ارتفاع حوادث السيارات، دون أن ننسى الاختلالات التي تكتشف في السيارات الحديثة والتي تدفع الشركات المصنّعة للسيارات إلى سحب الآلاف (وأحياناً الملايين) منها دفعة واحدة، نتيجة اكتشاف خلل في المكابح أو في تصميم السيارة أو في مقودها أو في أجهزة أخرى فيها.
إلا أن الاختلالات ليست هي السبب الوحيد لهذه الحوادث، فهناك أصل تصنيع السيارة الذي يلعب دوراً كبيراً في هذا المجال.
فسيارات هذه الأيام تشبه الصواريخ التي تمشي على الأرض. وعندما يسلّم مراهق مقود سيارة قوّتها تقدّر بمئات الأحصنة، ويمكن استخدامها كسيّارات للسباق في "الفورميلا وان"، دون وجود ضوابط تمنعه من استخدام كل هذه القوة الجبارة للتباهي وللتنفيس عن الغضب ولتفريغ شحنات المراهقة التي تجتاحه، ودون أن يكون حاصلاً على رخصة سوق قانونية وحقيقية تعرّفه على المخاطر التي تواجهه خلال القيادة، فإن النتيجة ستكون كما نرى الآن: ارتفاع حوادث السير وتصاعد عدد القتلى، وطوفان الدموع التي تذرفها عيون أهالي الضحايا في كل لبنان.
أمام هذا الواقع المؤلم، وبعد النظر إلى ما يحصل على الساحة اللبنانية، فإن الإقتراح الأول الذي يطرأ على البال، هو عدم تسليم أي مراهق مقود سيارة يعمل على الزيت، حتى التأكد من قدرته على التحكم به، حتى لا يؤذي نفسه ويؤذي الآخرين، ويودي بما يقوده إلى التهلكة.
فهل من يسمع؟

الثلاثاء، أكتوبر 05، 2010

الصين واليابان: التأزم يتصاعد



إفتتاحية العدد الثالث والأربعين من نشرة الصين بعيون عربية

كانت العلاقات الصينية اليابانية متأزمة على امتداد السنوات المئة الماضية، وهي متأزمة الآن، ولا يبدو أن المرحلة المقبلة ستكون مختلفة.
ليس في ما تشهده العلاقات الصينية اليابانية من توتر ما يفاجئ، فالبلدان يخوضان منذ عقود صراعاً أسهله يترجم نفسه علاقات باردة، وأصعبه يعبر عن نفسه بحرب دامية لا تبقي ولا تذر، لا تزال آثارها حتى اليوم تعتمل في نفوس الصينيين الذين لا يمكن أن ينسوا احتلال أرضهم ومحاولة تقسيم بلادهم (جمهورية منشوريا) ولا الجرائم الفظيعة التي ارتكبت بحقهم(مجزرة نانكين كمثال).
واليوم وبعد فترة من الهدوء اللافت بين البلدين، والذي استفاد منه الاقتصادان الصيني والياباني، تعود نبرة الاختلاف إلى الارتفاع، وصولاً إلى إطلاق تهديدات ناعمة (حتى الآن) تتراوح بين التلويح بعقوبات اقتصادية متبادلة والحديث عن الزوارق الحربية والأراضي التي لا بد أن تستعاد من جهة أخرى.
وليست مسألة الجزر المتنازع عليها بين البلدين (تسميها الصين دياويو واليابان سينكاكو) إلا شرارة إطلاق السباق نحو التصعيد المتبادل، فالحادث البسيط الذي حدث عند هذه الجزر بين قارب صيد صيني وزورقي دورية يابانيين كان يمكن أن يعالج بكل هدوء لـو أن هنـاك نيـة حقيقية بعدم إثارة القضايا الخلافية المتعددة التي تحكم العلاقة بين البلدين.
وإذا كانت الجزر المتنازع عليها تملك قيمة اقتصادية عالية لجهة كون محيطها غنياً بمصائد الأسماك من جهة، وبالبترول والغاز من جهة أخرى، فإن الخلاف عليها يظل واحداً من الملفات السياسية والاقتصادية والتاريخية المفتوحة بين البلدين.
وفي نظرة إلى ما خلف الظواهر والأسباب المعلنة للخلاف، يبدو للمتابع أن هناك نوعاً من الكباش المعنوي بين البلدين، أو لنقل إنه صراع على إثبات الوجود لكل طرف في وجه الآخر.
اليابان تريد أن تقول إنها ما تزال تلك الدولة الكبرى التي احتلّت في الماضي وأقامت الإمبراطورية العسكريتارية الكبرى التي لا يمكن أن تمحى بصماتها عن التاريخ، وإنها الدولة التي حققت نهضة كبرى خوّلتها الوصول إلى المرتبة الثانية على المستوى الاقتصادي في العالم، وإنها ما تزال في تلك المرتبة ولا يمكن أن تتخلى عنها بسهولة.. وخصوصاً لجارتها القريبة البعيدة.
والصين تريد أن تأخذ من جزر دياويو ذريعة لإطلاق صافرة الإعلان عن وجودها كدولة عظمى في شرق آسيا، ومن ثم في العالم ككل، وترغب في جعل قضية هذه الجزر الإشارة المطلوبة لليابان كي تتنحى عن دورها التاريخي في المنطقة، وكذلك كي تتراجع عن موقعها الاقتصادي المميز بين دول العالم، ولا سيما إن الصين تجاوزت العام الماضي ألمانيا وباتت الدولة الثالثة على المستوى الاقتصادي في العالم.
ولكن إلى أين سيوصل هذا التصعيد؟
لا أحد يعتقد أن الحرب ستدور بين البلدين، فالروابط الاقتصادية بينهما قوية جداً، والمنطق لا يسمح لأي منهما باستعادة مراحل الحروب العالمية ومآسيها، ولكن هذا لا يمنع من تصور تصاعد التوتر بين الطرفين إلى مستوى محسوب، يعطي لأحد الطرفين (والأرجح أنه الصين) الفرصة لتأكيد نوع من الهيمنة على البحر الفاصل بين البلدين، وإظهار صورة الصين الجديدة التي لم تنسَ دعوة الزعيم التاريخي دينغ سياو بينغ للتخفي، ولكنها ترغب في إظهار بعض القدرة المتوافرة لديها بين الحين والآخر.

الاثنين، سبتمبر 13، 2010

إيران والصين.. علاقة ثابتة على الدوام



إفتتاحية العدد الثاني والأربعين من نشرة الصين بعيون عربية


سأل كثيرون عن السبب الكامن وراء موافقة الصين على قرار مجلس الأمن رقم 1929 الذي يفرض عقوبات جديدة على إيران، واعتبرت تحليلات عديدة أن إيران والصين باتا في موقعين متعارضين، متوقعة أن يتسع الشرخ أكثر فأكثر بين بكين وطهران، بما يؤدي إلى اندثار العلاقة المميزة التي تجمع بينهما.
بعد مرور ثلاثة أشهر على القرار يبدو مما يرد من أخبار أن العلاقة بين الصين وإيران هي أقوى اليوم مما كانت عليه قبل إصدار القرار الدولي، بما خيّب آمال الكثيرين في الغرب والشرق على السواء.
تقدّم الصين الدليل تلو الآخر على أنها لا يمكن أن تتخلى عن أصدقائها بسهولة، ولا سيما إذا كان هؤلاء الأصدقاء يمتلكون وزناً استراتيجياً كذلك الذي تملكه إيران، في حين أن طهران لا يمكن أن تضحي بعلاقة تاريخية ومصيرية كتلك التي تجمعها بالصين.
مشاريع تلو أخرى يتم التوقيع عليها بين البلدين، ليس آخرها مشروع مد خط قطار بين طهران والحدود العراقية بقيمة مليار ونصف مليار دولار ستتولى الصين تنفيذه في القريب العاجل، كما ذكرت صحيفة دايلي تلغراف البريطانية.
المهم في الخبر أن هذا المشروع هو جزء من "خط حرير جديد" يربط الصين بالشرق الأوسط عبر دول آسيا الوسطى ومن خلال المرور بطهران ليكون خطاً تجارياً يملك مواصفات وقدرات دولية فائقة.
إن المتتبع لمسار العلاقات الصينية الإيرانية يكتشف يوماً بعد يوم صدق النظرة التي تعطي لهذه العلاقة بعداً حضارياً تاريخياً يعود إلى آلاف السنوات، بما يشير إلى أن علاقة مستمرة على امتداد الزمن لا يمكن أن يعرقلها حدث هنا أو مشكلة هناك.
لعل أفضل من أرّخ لتاريخ العلاقات الإيرانية الصينية وحاضرها ومستقبلها هو الكاتب الأميركي جون جارفر في كتابه: "الصين وإيران: شريكان قديمان في عالم ما بعد الإمبريالية" والصادر معرّباً عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية.
يقول الكاتب في آخر عبارة من كتابه الذي يحوي أكثر من 500 صفحة: "بالرغم من أن سبل التعاون بين الصين وإيران وقنواته ستتغير بتغير المصالح المتبادلة، إلا أن الحوافز التي تقف وراءه ستظل ثابتة على الدوام".
إن هذه العبارة تحكم في الحقيقة العلاقات المستمرة بين البلدين والتي شهدت الكثير من التحولات على مدى الإمبراطوريات الماضية، وقبل انتصار الثورة الإسلامية وبعدها، فالصين ترى في إيران ركناً من أركان سياستها الخارجية ومتنفساً لها إلى الخليج و "قلب العالم"، وإيران ترى في الصين عمقاً لا تنضب إيجابياته، ولذلك فإن ضغوطاً من هنا وهناك لن تترك على هذه العلاقات إلا ندوباً طفيفة ما أسرع ما تندمل لتعود هذه العلاقات إلى طبيعتها المشرقة.
كانت موافقة الصين على العقوبات فرصة للتخلص من الضغوط الأميركية الشديدة، لتعاود بكين ترتيب ملفات علاقاتها مع طهران، وما رفض القيادة الصينية لتصعيد العقوبات وتشديدها من خلال قرارات أميركية أحادية إلا دليل على أن الصين جارت واشنطن إلى حدود معينة، وذلك بعد أن بذلت جهودها لإفراغ العقوبات من تأثيراتها القاسية على طهران، وذلك كما فعلت تماماً عام 1997، وهي ستستمر في السير في هذا الطريق حفاظاً على الروح الحقيقية للعلاقة مع إيران والتي يصفها الكاتب جون جارفر في كتابها بأنها تقوم على عنصرين: الحضارة والقوة.

الاثنين، مارس 15، 2010

استراتيجية الصمت الصيني تستفز واشنطن

محمود ريا
نشر في صحيفة السفير اللبنانية يوم الخميس 4/3/2010 على الرابط التالي:
هنا
تضرب الصين بقوة، وتُضرب بقوة. هذا هو قدر المتحفز ليأخذ دوراً على الخارطة العالمية، فكيف إذا كان هذا الدور بحجم عملاق كالتنين الأصفر الذي يثير خشية الكثيرين، كما يثير خيال الكثيرين أيضاً، وخصوصاً أولئك الذين يبحثون عن بديل ما للنظام الكوني الذي يتحكم بالحركة السياسية منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة.
الضرب الصيني يستمر في أخذ جانب النعومة التي اعتادت الصين على اعتمادها كوسيلة أساسية في علاقاتها مع الدول الأخرى، وهي نعومة ناشئة عن قرار مركزي ـ وتاريخي في الآن نفسه ـ بوضع المصلحة الصينية فوق أي اعتبار، وفي المرحلة الحالية، فإن المصلحة الاقتصادية تعلو على أي مصلحة أخرى، حتى ولو كانت مصلحة «تحرير الأرض» (تايوان مثلاً) أو مصلحة لعب دور يتوازى مع الحجم الكبير في السياسة الدولية.
من أجل ذلك تواصل الصين العمل بصمت، والسعي إلى تكديس المزيد من القوى الاقتصادية والمالية والعسكرية والبشرية، وتكريسها لخدمة النمو الاقتصادي والتقدم العلمي والتكنولوجي، إلى حد جعل البعض يتساءل بشكل جدي: هل إن هذا الصمت الصــيني ناجم عن عدم الاقتناع بالقدرة على إحداث تغيير ما في الواقع العالمي، أم إنه ناشئ عن قرار واعٍ ومشروع يرتكز على مخطط مسبق، يهدف إلى الاستمرار باعتماد سياسة «الصعود السلمي» وصولاً إلى امتلاك القدرة على قلب الطاولة على الجميع دون استثناء وخلق نظام جديد تكون الكلمة فيه للصين وحدها أو ذات وزن حاسم من بين كل الكيانات السياسية الأخرى في العالم.
والصين التي تحقق إنجازات تخرج عن القدرة على الرصد والإحصاء في مختلف المجالات الاقتصادية (صناعة وتجارة وخدمات) والتي تدق أبواب الفضاء بقوة، وتضرب صواريخها إلى ما بعد طبقات الغلاف الجوي للكرة الأرضية، هذه الصين العملاقة تتعرض للضرب.
حتى هذه اللحظة لا تزال الضربات الموجهة إلى الصين تتم من خلال قفازات تختلف ألوانها وأنواعها بحسب نوع الضربة، لكن الضاربين ـ على رأسهم ضارب واحد في الواقع يحمل على صدره نجمة المارشال السائب في الغرب الأميركي ـ لم يجرؤوا على خلع قفازاتهم، وعلى وضع أصابعهم في العين الصينية، كما فعلوا سابقاً مع الاتحاد السوفياتي في لحظات ضعفه.
لا يزال الغرب، برأسه الأميركي، يوجه الإنذارات للصين، أو إنه يقول لها إنه يراها وهي تسير في الخفاء، لتكون القوة الاقتصادية الأولى بعد أقل من عشر سنوات، ويرصد حركتها وهي تعمل على الاستحواذ على الكثير من الموارد الطبيعية في مختلف القارات، ولا سيما في أفريقيا وأميركا الجنوبية، ويعرف مخططاتها التي تمررها تحت ستار اعتماد سياسة «التطنيش» تجاه الكثير من الأحداث العالمية والهرب من اتخاذ موقف إزاء الكثير من التطورات، في حين هي تعمل على تحقيق الهدف الأول الذي وضعته، وهو التحول إلى قوة عظمى حقيقية، قوة عظمى لا تنفع كل محاولات القوى الأخرى في الوقوف بوجهها.
لكن، إلى متى ستبقى هذه الدول الكبرى صامتة على ما تقوم به الصين، وإلى متى أيضاً يستطيع بعض الصينيين الصمود في مربّع التخلي عن الدور العالمي والتهرّب من الإعلان الصريح عن حجم القوة الصينية.
تبدو التحرشات الأميركية بالصين في الفترة الأخيرة مؤشراً على بدء نفاد الصبر تجاه الصعود الصيني الصاروخي. استقبال الرئيس الأميركي باراك أوباما للدالاي لاما، وصفقة الأسلحة الأميركية المتطورة لتايوان، ووقوف مؤسسة الدولة الأميركية بقوة إلى جانب شركة غوغل في مواجهتها مع بكين، إضافة إلى التهديد بفرض غرامات اقتصادية على الصين بسبب ما قيل إنه إخلال بالالتزام بمبادئ التجارة الحرة، والضغوط التي تمارس على الصين للسير في مشروع العقوبات الأميركية على إيران، تبدو كلها مؤشرات على أن الولايات المتحدة ـ ومعها الغرب بالتأكيد ـ بدأت تهزُّ العصا بشكل أو بآخر للصين، أو انها بدأت تلوّح بنزع القفاز وخوض كباش حقيقي مع الصين قبل أن تصبح قوة لا مجال لضبطها وترويضها.
في المقابل هناك في الصين من لا يعجبه الاستمرار في سياسة النفس الطويل، لا بل إن هناك من يعتبر أن الصين تصمت على الإهانات التي تتعرض لها من الغرب دون أن ترد بالشكل الملائم.
يتزامن هذا الشعور الذي يعززه صعود ايديولوجي في صفوف مجموعات كبيرة من التيارات السياسية داخل الحكم الصيني مع المؤشرات التي تتوالى صعوداً على المستويين العسكري والاقتصادي.
وفي حين تصر الصين على اعتبار نفسها دولة نامية، تؤكد دراسة للاكاديمية الصينية للعلوم (CAS) نشرت مؤخراً أن الصين باتت دولة نامية من المرتبة الأولى، وهي تسمية ملطفة للتعبير عن تحول الصين إلى قوة كبرى حقيقية. في الوقت نفسه تقول دراسة للاكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية (CASS) إن الصين أصبحت بما لا يقبل الجدل القوة العسكرية الثانية في العالم، أي إنها تخطت كل الدول الأخرى ـ بما فيها روسيا ـ ولم يبقَ أمامها إلا الولايات المتحدة الأميركية.
إن هذا الشعور الصيني بالقوة الفائضة دفع إلى واجهة الضوء تياراً كبيراً في الصين بات يطلق عليه وصف «تيار ايديولوجيي بكين» مقابل التيار المسيطر على اللعبة السياسية في الصين حالياً الذي يصطلح على تسميته بـ«تيار اقتصاديي شانغهاي».
وبينما يصر التيار الاقتصادي على التعامل مع القضايا العالمية بكثير من التوافق مع قرارات الولايات المتحدة، فإن معلومات وردت من روسيا ونشرتها وكالة أنباء نوفوستي الروسية تفيد أن تيار ايديولوجيي بكين، أرسل موفدين إلى موسكو ليطالبها باتخاذ موقف أكثر حزماً في مواجهة الضغوط الأميركية تجاه فرض عقوبات على إيران.
وقالت الوكالة الروسية في تقرير بثته يوم الجمعة (19/2): لقد «وصلت أصداء المواجهة بين «الكومسوموليين البكينيين» و«رجال الأعمال الشنغهاويين» إلى العاصمة الروسية موسكو، إذ توافدت اليها وفود صينية لتستطلع رأي القيادة الروسية وتعرف مع مَن تقف موسكو: بكين أم واشنطن».
وإزاء هذا الوضع المتداخل، يصبح الحديث عن تشكّل صورة جديدة للعالم أمراً قريباً من الواقع، بغض النظر عن شكل هذه الصورة ومدى سوداويتها، لكنها صورة مرسومة بخطوط فيها الكثير من اللون الأصفر القادم من شرق آسيا، فيما تبدو سلسلة الضربات المتوالية بين الصين والغرب سائرة في متوالية هندسية لن تصل في المستقبل المنظور إلى المواجهة العسكرية، لكنها لن تيقي الأمور أبداً في خانة المسايرة الصينية للقرارات الأميركية، أو الصمت الأميركي عن الانجازات الصينية التي تكاد تقارب المستحيل.

الاثنين، يناير 11، 2010

الغزنوي وخان التتار الأعظم

محمود ريا
خلال مشاهدة نابعة من الصدفة لمسلسل "الفرسان" المصري على شاشة إحدى الفضائيات العربية وقعت على مشهد يحمل الكثير من الإسقاطات على واقعنا الحالي.
كان جنكيز خان، خان التتار الأعظم، يخوض حرباً ضد أحد سلاطنة المسلمين محمود الغزنوي، ولم يستطع هزيمته في معركة بينهما، فحمل ثأراً كبيراً عليه، وبدل أن يعدّ العدة لحربه الجديدة على الغزنوي، انقلب إلى الجانب الآخر من المنطقة التي يسيطر عليها، وأعطى أبناءه، قادة جيشه، مئات الآلاف من الجنود كي يهاجموا إمبراطور الصين ـ الذي لم يعاونه في حربه على الغزنوي ـ وأعطاهم مهلة سنة فقط ليحتلوا الصين، كي يعودوا بعد ذلك إلى المعركة الأساسية، معركة الثأر من السلطان المسلم.
لم نرَ، فيما شاهدناه، كيف كان الاستعداد في بلاط السلطان محمود لمواجهة خاقان التتار في الحرب المقبلة حتماً، ولكننا شاهدنا حجم الثأر الذي يعتمل في نفس الخاقان، والحقد الذي ينبع من عيونه، وهو يستعجل أبناءه العودة من أجل خوض المعركة الفاصلة.
اليوم،هناك عدو فشل في معركته تجاه بلدنا، ولم يحقق أهدافه بالرغم من كل الدمار الذي سبّبه إجرامه، وهو بعد كل هذه السنوات يفصح عمّا يدور في "بلاطه" من تحضيرات لـ "معركة الثأر"، فهل يعقل أن نسمع أصواتاً تدعو إلى التخلي عن الاستعداد لمواجهته، لا بل أن نتخلى عن كل ما نملكه من قوى يمكننا من خلالها أن نصد عدوانه.
قد لا يجرؤ العدو على ارتكاب فعل حماقة تجاه بلدنا، ولكن هل هناك من يجرؤ لأن يدعونا للركون إلى هذا الاحتمال، دون أن يسأل نفسه: لماذا يفكر العدو كثيراً قبل أن يقوم بأي خطوة عدوانية؟

الـ بي بي سي.. وكشف المستور

محمود ريا
من محاسن الإذاعات الأجنبية الناطقة باللغة العربية، والموجهة إلى منطقتنا (إذا كان لها محاسن) أنها تعطي صورة ولو أولية عن القضايا التي تهم الغرب والمسائل التي يركّز عليها القادة الغربيون في توجههم إلى الرأي العام لبلدانهم، بما يشكل مادة أولية تُزرع في أذهان الناس، لتترجم بعد ذلك في تحركات للرأي العام، تُستثمر في رسم سياسات يعمل هؤلاء القادة على إمرارها خدمة لأهدافهم.
والمتتبع لهذه الإذاعات يمكنه أن يعرف أين توضع العين الغربية في هذه الأيام، ويمكنه أن يتوقع أين سيكون التدخل الغربي التالي، أو أين سيكون العدوان المقبل، أو ربما أين يكون الغزو والحرب و...
في هذه الأيام، من المفيد ـ على ما يبدو ـ الاستماع إلى هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، التي تبث برامجها على إحدى موجات (الأف أم) في لبنان (لا أدري مدى قانونية هذا البث بالرغم من أنني أستمع إليه منذ فترة طويلة من دون أن يتدخل أحد لتحديد الطابع القانوني له).
والفائدة المحققة ليست أكثر من "كشف المستور" كما يقال، ومعرفة ما يدور في ذهن الغربيين من مخططات تجاه منطقتنا، والهدف المقبل للثنائية الأميركية ـ البريطانية الاستعمارية.
كان يوم السبت الماضي (2/1/2010) مثالياً لاختبار هذه التجربة "الاكتشافية": لقد كانت تقارير فترة الظهيرة الإذاعية الإخبارية في المحطة مكرّسة بشكل كامل ولأكثر من ساعتين للحديث عن.. اليمن.
بترايوس (قائد الجيوش الأميركية في المنطقة) في اليمن، إغلاق السفارة الأميركية في اليمن، بيان لرئاسة الوزارة البريطانية يطلب عقد مؤتمر دولي حول اليمن، إجراءات أمنية جديدة بعد القبض على نيجيري حاول تفجير طائرة أميركية، وهو قضى فترة من حياته في اليمن.. وهلم جرّا..
حمى الله اليمن من العين الأميركية والتقارير الإذاعية البريطانية.. والجيوش القادمة والمتحضرة للقدوم إلى اليمن السعيد الذي أحاله البعض إلى أتعس البلدان.. تحت وطأة الخوف من قدوم الأميركان.