الجمعة، مارس 09، 2007

لا حكم عليه

كان سؤال يثور في ذهني كلما قال أبي إنه ذاهب إلى المدينة القريبة من بلدتنا ليحصل على ورقة (لا حكم عليه)، ولم أكن أعرف ماذا يقصد بذلك، ولماذا كان يسعى
لتحصيل ورقة كهذه عندما أراد أخي أن يهاجر للعمل في الخارج، أو عندما حاول أخي الآخر "الدخول في وظيفة" في الدولة، لم تكن إلا الانخراط في الجيش الذي لا يطمح أبناء قرانا بأكثر منه "انخراطاً" في دولتهم.‏
كانت عبارة "لا حكم عليه" كافية في ذهن أبي للتعبير عما عرفت بعد ذلك أنه يعني "السجل العدلي" لأن طبيعة المحيط عندنا كانت كلها هكذا: لا مشاكل، لا جرائم ومجرمين، وبالتالي، "لا حكم عليه".‏
كان الاستحصال على هذه الشهادة يثير الارتياح في النفوس، فهي شرط ضروري لتحصيل منفعة مشروعة، في الخارج وفي الداخل.‏
اليوم بات التدافع للحصول على هذه الورقة الزرقاء يثير القلق.‏
هناك من يريدها من أجل "وظيفة أمنية" يتطلب الحصول عليها السفر إلى الخارج لمدة أسبوعين من أجل التدرب في معهد عسكري يشرف عليه ضباط ليسوا أمينين على مصلحة هذه الأمة.‏
هل من يحصل على ورقة كهذه ـ لهذا الهدف ـ يعرف أنه لن يحصل بعد الآن على شهادة "لا حكم عليه" من التاريخ ومن الضمير، ومن مستقبل الأمة؟‏
حتى هذه اللحظة، لا يزال المجال مفتوحاً للتراجع.‏