الثلاثاء، مايو 29، 2012

المخطوفون.. وفشل الإنكار


 إزاء هذا الاعتراف، لم يعد ينفع أي إنكار، ولا حتى ينفع النفي الملحق والتبرؤ اللاحق من الضابط المعترف بالمسؤولية عن العملية.
محمود ريا
24-5-2012
كل حدث يترك آثاراً جانبية، فضلاً عن الأثر الرئيسي الذي يكون له.. وفي بعض الأحيان تكون الآثار الجانبية غير منظورة، أو غير متوقعة، أو غير محسوبة النتائج.

إذا تجاوزنا الأثر الرئيسي لعملية اختطاف الزوّار اللبنانيين في منطقة حلب، بانتظار "الفرج" المتوقع في أي لحظة، فإن بعض الآثار

يستوقف المتابع لما يحصل في هذا الموضوع، ويعطي إشارة واضحة لمسار معيّن في تفكير تيارات سياسية موجودة على الساحة اللبنانية.
من هذه الآثار مثلاً محاولة الإنكار، ومحاولة رمي التهمة على طرف آخر.
لم تكن هذه محاولة فردية أو تصرفاً عفوياً، وإنما كان واضحاً أنها ناتجة عن قرار.
منذ الدقائق الأولى لعملية الخطف، خرجت "آلة الإعلام المعهودة" بفرضية عملت على رفعها إلى مستوى المسلّمة التي لا تقبل الجدل:
ليس "الجيش السوري الحر" هو الذي خطف الزوّار.
في محطات التلفزة وفي الإذاعات وعلى مواقع الإنترنت كانت كلمة السر انتشرت: ليس "الجيش السوري الحر" من فعل ذلك.
بعد ذلك بفترة جاءت كلمة السر الأخرى: النظام هو من قام بهذه العملية من أجل تحقيق أهداف كبيرة وكثيرة.
بعد ذلك بدأت الاتصالات على "الشاشات المعروفة" تتوالى من قياديي الجيش المذكور، وكلّها تحمل تنصلاً من هذه العملية، ورمياً لها في ملعب النظام السوري.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى حد تجرؤ سياسيين، نوّاباً وغير نوّاب، على الجهر بهذا القول، وعلى تحميل النظام مسؤولية ما حدث، "بهدف بث الفتنة واستكمال مشروع التوتير"، وما إلى ذلك من اتهامات.
لم يترك هؤلاء مجالاً لأي احتمال آخر، لا بل بدأوا بالتشكيك في مواقف الناس المكلومين بفقد أحبّتهم وأبنائهم، وأخذوا يتهمونهم بالانسياق
في إطار "المشروع".
لم يكن ينقص هؤلاء سوى أن يتهموا المختطَفين بالتواطؤ مع الخاطفين، لا بل بالذهاب معهم بكامل إرادتهم، فيما أن عشرات النسوة اللواتي رُوّعنَ وشُرّدنَ عن مسارهنّ كدنَ أن يتحوّلنَ إلى "ممثلات ماهرات" لحالة التفجّع والأسى التي شاهدها العالم كله على وجوههنّ وهنّ عائدات من حلب إلى بيروت على متن طائرة قامت برحلة استثنائية لنقلهنّ.
اليوم (الخميس)، وبعد طول تهرّب، يخرج "ضابط من الجيش الحر" ليعلن بالفم الملآن ودون أي مواربة مسؤولية جماعته عن اختطاف
الشباب الأحد عشر.
وإزاء هذا الاعتراف، لم يعد ينفع أي إنكار، ولا حتى ينفع النفي الملحق والتبرؤ اللاحق من الضابط المعترف بالمسؤولية عن العملية.
فإذا كان الجيش الحر لا يعترف بالجيش الحر، وإذا كانت حالة الخلاف والشقاق بين "كتائب" هذا "الجيش" وصلت إلى حد عدم اعتراف إحداها بالأخرى، فهذا لا يُعفي "الجيش الحر" بكل تناقضاته من المسؤولية عمّا حصل.
وبغض النظر عن معنى ذلك فيما يتعلق بمصير المختطفين، فإن ما يجب التركيز عليه هو موقف أولئك اللبنانيين الذين سخّروا كل إمكانياتهم لتبرئة "الجيش الحر" مما اعترف بارتكابه "الجيش الحر".
لقد انتهت حملة إعلامية أخرى إلى الفشل، وظهرت الحقيقة مرة أخرى واضحة نقيّة، وتعرّض هؤلاء إلى خيبة قد تعلّمهم كيف يصوغون حملاتهم مرة أخرى، وقد لا تنفع.. وهذا هو الأرجح.

الاثنين، مايو 14، 2012

تفجيرات دمشق: نجاح.. وفشل


 لقد نجحت السلطة السورية في امتحان المصداقية الذي خاضته منذ اللحظات الأولى لانطلاق الأحداث في سوريا

محمود ريا 
10/5/2012  

تفجيرات دمشق اليوم ـ بغض النظر عن المناظر المرعبة التي تركتها ـ هي دليل نجاح، ودليل فشل.

في البداية لا بد من التأكيد على فظاعة الجريمة ووحشيتها، فهي خبطت خبط عشواء، وأدّت إلى استشهاد وجرح العشرات من المدنيين، وتركت دماراً لا يمكن تصوّره، وما نقلته شاشات التلفزة لا يعبّر إلا عن قليل من الواقع، فالواقع في هذا النوع من التفجيرات يكون أقسى وأكثر إيلاماً، لا بل يصبح فوق المتخيّل.

السوريون لم يعتادوا على مثل هذه المشاهد، ولكن هناك من العرب من صارت هذه الصور طيفاً في خيالهم، يُستدعى فترة بعد فترة، ليذكّرهم بحبيب قضى، وأخ أُعيق، وجرح لا يزال جاثماً على وجه صديق.

وإذا كانت هذه التداعيات إلى الذهن لا تقف عند حدود الذكرى لتتجاوز إلى التخوّف من عودة هذا النوع من الإجرام ليتغلغل هنا وهناك، نتيجة تعاظم إجرام الجهات التي تقف وراءه، فإن الإنصاف يقتضي التوقف عند النجاح، وعند الفشل، اللذين يثيرهما تفجيرا دمشق اليوم.

البداية من عند النجاح، لنقدّم صورة أقلّ قتامةً تنبثق من صور الدم والدمار التي تتوارد على شاشات التلفزة.

لقد نجحت السلطة السورية في امتحان المصداقية الذي خاضته منذ اللحظات الأولى لانطلاق الأحداث في سوريا.

على مدى الأشهر الماضية، كانت القيادة السورية أمام تحدي إثبات مقولتها عن وجود إرهابيين تكفيريين تفجيريين يقودون الأحداث التي تجري في مختلف المناطق، ويوجّهون الأمور باتجاه العنف الدموي الذي يهدف إلى تخريب سوريا وليس لطلب الإصلاح فيها.

ومع كل تفجير كانت تتعرض له العاصمة السورية، أو المدن الأخرى، ولا سيما حلب وإدلب، كانت الصورة تتظهّر أكثر فأكثر. أما اليوم، وبعد التفجير الذي استهدف رئيس بعثة الأمم المتحدة في درعا، والتفجيريين الدمويين في القزّاز، فإن الإثبات بات بين أيدي من يعقل، أو يُلقي السمع وهو شهيد.

لم يعد هناك من شك في أن الإرهابيين هم الذين يسوقون الأحداث في سوريا، وهم الذين يرسمون وجهتها، وأن كل الحديث عن معارضة، وعن مطالب، وعن إصلاح، هو مجرّد “ديكور” فيما الأصل هو غير ذلك تماماً.

إذاً، المعركة في سوريا باتت واضحة تماماً، هي معركة بين الشعب السوري وقيادته من جهة، وبين مجموعات تسلّطت على حراك شعبي بريء، بدأ في البداية باحثاً عن إصلاح منشود ومطلوب من الجميع، ليصل الآن إلى حرب كونية عظمى، تُشنّ على سوريا كلها، بأيدي إرهابيين قَتَلة، لا يوقفهم وازع من ضمير.

هذا هو النجاح، أما الفشل، فهو مكمل له.

الفشل هو لمشروع القوى التي تقف وراء هؤلاء الإرهابيين.

لقد حاولت هذه القوى الغربية والعربية استغلال الحركة الشعبية المطلبية السورية من أجل تمرير مشاريعها الهادفة إلى القضاء على صمود سوريا في وجه المشاريع الغربية، فسارت وراء شعارات السلمية حتى أثبتت فشلها في تأمين غالبية شعبية تطالب بإقصاء القيادة السورية، عندها حاولت هذه القوى الانتقال إلى مشاريع العسكرة والمناطق الآمنة والاستيلاء على أراضٍ لتحويلها إلى بنغازي جديدة، ولمّا فشلت هذه المشاريع أمام صمود القيادة والجيش والشعب في سوريا، كان لا بد من تفجير كل شيء، تفجير يحمل معاني الانتقام واليأس من تحقيق الأهداف.




 سوريا اليوم مجروحة، مدمّاة، ولكنها سوريا المنتصرة على المؤامرة، ويوماً بعد يوم تتأكد مقولة أن “سوريا تعاني.. عند نهاية النفق”.

وهنا يبدو الفشل الغربي العربي الإرهابي جليّاً.

تفجيرات اليوم، وما سبقها من تفجيرات إرهابية، هي إعلان لهذا الفشل في الفتّ من عضد الشعب السوري وقيادته، وإظهار لحجم الانهيار الذي أصاب مشروع التغيير بالبلطجة والتشبيح.

سوريا اليوم مجروحة، مدمّاة، ولكنها سوريا المنتصرة على المؤامرة، ويوماً بعد يوم تتأكد مقولة أن “سوريا تعاني.. عند نهاية النفق”.

متى ستقع الحرب؟



اليوم يقف الكيان الصهيوني في موقع العاجز. ولأنه كذلك، فإن المشاكل بدأت تذرّ بقرنها بين مسؤوليه، الذين يتهمون بعضهم بعضاً بأبشع الاتهامات التي لا تخلو من تعبير النباح والخيانة، وغير ذلك من الصفات المتبادلة.


محمود ريا
2/5/21012

 

يقولون في بلادنا: "القلّة تولّد النقار".

وفي الشرح أن الإنسان عندما يكون عاجزاً عن تلبية الحاجات المطلوبة منه فإنه سيكون أسرع غضباً، وهذا ما يولّد المشاكل بينه وبين محيطه المباشر أولاً، قبل أن تنتقل المشاكل إلى علاقته مع الآخرين.

اليوم يقف الكيان الصهيوني في موقع العاجز. ولأنه كذلك، فإن المشاكل بدأت تذرّ بقرنها بين مسؤوليه، الذين يتهمون بعضهم بعضاً بأبشع الاتهامات التي لا تخلو من تعبير النباح والخيانة، وغير ذلك من الصفات المتبادلة.

أما الأمور التي يعجز عنها العدو، والتي انعكست على علاقات مسؤوليه فيما بينهم فهي كثيرة، وإن كان التصوّر الأول الظاهر يتمثل في العجز عن التعامل مع “الملف النووي الإيراني”.

وهذا الملف بات جزءاً من يوميات الصهاينة، كبارهم وصغارهم، وتحوّل إلى وحش خيالي، صنعوه بأنفسهم وضخّموه بإرادتهم، فإذا به يبدأ بالتهامهم واحداً تلو الآخر، يحطّم أعصابهم، ويثير الخلافات بينهم، وربما يودي بهم إلى حيث لا يتوقعون.

وبين مؤيد لضرب إبران للقضاء على برنامجها النووي مرةً واحدة وللأبد، ورافض لهذه الضربة التي لن تقضي على البرنامج، لا بل ستتّسع خطواته، بات الصهيوني “العادي” واقعاً في “حَيص بَيص”، لا يعرف من يصدّق ولا يدري أيّ المصائب سيجرها عليه الذين يتحكّمون بمصيره.

ومع العجز المطبق عن استقراء المستقبل فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي، هناك العجز في التعاطي مع ملف المقاومة في لبنان وفلسطين، حيث تتوسع الترسانة الصاروخية هنا وهناك، ويشتدّ عضد المقاومين، ولا يدري قادة العدو أي سبيل يسلكونه في مواجهة هذا الخطر الوجودي.

وفوق ذلك، يُطبق الإحباط بشكل كامل على قادة العدو، وعلى الصهاينة بمجملهم، نتيجة عجز الحملة الدولية الإقليمية العربية عن إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، هذا النظام الذي يرى قادة العدو (غابي أشكنازي) أن أي نظام آخر غيره هو “أفضل لإسرائيل”

إن هذا العجز المطبق، والشلل المطلق، يفسّر السُّعار الذي ترتفع حدّته يوماً بعد يوم في كيان العدو، والذي باتت وسائل الإعلام في كل أنحاء العالم تتحدث عنه، وينفي عمّا يحصل صفة “التدبير”، و”الخطة المدروسة”، ليضعه في موقعه الحقيقي: تخبّط، وفشل في التعاطي مع الأحداث، وعجز.. و”قلّة” تودي إلى “النقار”.






في ظل هذا الواقع يقفز إلى الواجهة “السؤال الوجودي” الذي تعيش المنطقة تحت وطأة الإجابة عليه خلال المرحلة القادمة: هل ستقع الحرب، وربما يسأل آخرون: متى ستقع الحرب؟





 في ظل هذا الواقع يقفز إلى الواجهة “السؤال الوجودي” الذي تعيش المنطقة تحت وطأة الإجابة عليه خلال المرحلة القادمة: هل ستقع الحرب، وربما يسأل آخرون: متى ستقع الحرب؟

هذا السؤال لم تتراجع أهميته مع تصاعد العجز الصهيوني، لا بل يُفترض أن يصبح أكثر إلحاحاً، والجواب عليه تجاوز البحث عن مدى جنون نتانياهو وفريقه، الذي يدفعهم إلى إطلاق الطلقة الأولى، ليصل إلى الاستفسار عن مدى قدرة بعض مَن في الإدارة الصهيونية على حبس نتانياهو في قفص قوي، بعيداً عن زر الإطلاق، أم أن صراخهم الذي يطلقونه كل يوم هو مجرد صراخ استغاثة، لمن يقف على شفا حفرة، ويجد نفسه مُساقاً إلى هوّة سحيقة، ليس لها من قرار؟