الجمعة، سبتمبر 28، 2012

الصين.. وحصاد الخيبات الأميركية


صحيفة السفير اللبنانية
محمود ريا
21-9-2012

قام المأتم في واشنطن، فدارت الأعراس في بيجينغ.
بهذه الكلمات يمكن تلخيص حالة الشماتة التي سادت الأوساط الصينية مع ورود خبر مقتل السفير الأميركي في ليبيا، حيث لم تتوقف منذ ذلك الحين التحليلات والتعليقات التي تتناول هذا الحدث، وفي حنايا كل منها جرعة ـ تكبر باطّراد ـ من الشماتة والتشفّي، مغلّفة بالدعوة إلى أخذ العبر والتبصّر ومراجعة السياسة التي تعتمدها الولايات المتحدة تجاه المنطقة العربية.
وإذا كانت الصين، كدولة، قد نأت بنفسها عن الخوض في حفل الشماتة هذا، فإن ما أقدمت عليه وسائل الإعلام الصينية المختلفة، وفي مقدمتها الصحف اليومية، من تناولٍ لهذا الحدث بطريقة أقرب ما تكون إلى السخرية، لا يمكن أن يكون بمبادرة إعلامية فردية، وإنما هو تعبير عن إيحاء لا يخفى، أوعزت به جهات سياسية عليا.
وحفل قاموس التعليقات الصينية بعبارات ترى أن «مقتل سفير دولة كبيرة هو من الأحداث المتطرفة من الناحية الديبلوماسية، وهذا غالباً ما يضع السياسة الخارجية للدولة المتضررة في خانة الفشل الكبير» كما رأت صحيفة الشعب الرسمية الصينية في أحد تعليقاتها.
وإذ سارت صحف ووسائل إعلام أخرى في المسار نفسه، وهي تلاحظ أن «مقتل سفير الولايات المتحدة الدولة التي نادت بالثورة في ليبيا في مدينة بنغازي ـ بؤرة الثورة التي شهدها ليبيا ـ هو رمز سياسي خطير»، فإن مجمل الخطاب الصيني حاول تظهير حقيقة مفادها أن الولايات المتحدة تكتوي في منطقتنا بالنار التي أوقدتها هي.
ولا غرابة في هذه الاندفاعة الصينية باتجاه التعليق على هذا الحدث، وعلى ما رافقه من هجمات طالت السفارات الأميركية في المنطقة، فالصين ترى أن الولايات المتحدة وضعتها خلال فترة ما اصطلح على تسميته بـ«الربيع العربي» في موقف حرج، لا بل إن هناك من المحللين ـ الغربيين والأميركيين بالأخص ـ مَن روّج لانهيار الوجود الصيني في غرب آسيا وشمال أفريقيا، مستندين في تسويق هذه المقولة إلى رفض الصين مواكبة التحركات الشعبية التي شهدتها تونس ومصر، ومن بعدهما ليبيا، في مواجهة الأنظمة التي كانت حاكمة في البلدان الثلاثة.
لقد جاءت المواقف الصينية المعلنة من خلال الصحافة، والتي تضمر موقفاً رسمياً لا جدال فيه، لتقول للولايات المتحدة الأميركية إن كل محاولات «مصادرة المنطقة» وطرد القوى المنافسة منها باءت بالفشل، وان ما كان مقدّراً أن يحصل مع الصين في المنطقة، باتت واشنطن تتذوّق مرارته، وتعيش وقائعه المجبولة بدماء ديبلوماسييها، والمغطاة بدخان الحرائق المنبعثة من سفاراتها.
ولم تكتفِ بيجينغ بهذا القدر من التعنيف للإدارة الأميركية، بل برعت في تصوير الفشل الذي باتت واشنطن تعيشه، وهو فشل مثلّث الأضلاع، حسب صحيفة الشعب، يكمن في ما يلي:
ـ فشل الاستراتيجية الأميركية للتحول الديموقراطي في الشرق الأوسط على مدى السنوات العشر الماضية.
ـ فشل سياسة باراك اوباما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ عام 2011
ـ فشل حرب الولايات المتحدة على «الإرهاب».
إن ما أظهرته عملية قتل السفير الأميركي في بنغازي، وما واكبها من احتجاجات ضد الولايات المتحدة في المنطقة، عنى للصينيين في جانب من جوانبه «أن خطورة الصدام بين الحضارتين العربية والغربية ـ بما فيها الولايات المتحدة ـ لا تتلاشى بسبب الثورة. بالعكس، فإن السخط الشعبي العربي ضد الغرب فقد حاجز (الرجل السياسي القوي)، وأصبح من الصعب وقف التغيير الحالي، ما يزيد من فرص الصراع الحاد بين الحضارتين على وجه التحديد».
ولم تبخل الصين بإرشاد الولايات المتحدة إلى خطورة الوضع الذي وجدت نفسها فيه إزاء تطورات المنطقة.
فهذا (ياو كوانغي)، السفير الصيني السابق لدى تركيا والخبير في دراسات الشرق الأوسط، يرى أن «التظاهرات التي اندلعت في بلدان المنطقة تدق ناقوس الخطر أمام صناع السياسة الأميركية»، مؤكداً ـ حسبما نقلت عنه صحيفة الصين اليوم ـ «أن واشنطن تواجه مأزقاً عندما تتعامل مع شؤون الشرق الأوسط».
ولا يكتفي الخبير الصيني بالتوصيف بل هو يتقدم بنصائح للإدارة الأميركية، مشدداً على «أهمية أن تعيد الولايات المتحدة الأميركية النظر في سياستها تجاه العالم الإسلامي».
وليس هذا فحسب، فما يحصل في المنطقة ترى بيجينغ أنّ له صلة كبيرة بما يحصل في شرق آسيا. الصين لم توفر فرصة توجيه انتقاد حاد لاستراتيجية الولايات المتحدة الجديدة في المحيط الهادئ، عندما اعتبرت وسائل إعلامها أن «رفض الولايات المتحدة القيام بالاستثمارات الجديدة في الشرق الأوسط، في حين نقلت العديد من قواتها إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، أدى إلى التقليل من قدرة الولايات المتحدة الفعلية على التحكم بالوضع في الشرق الأوسط يوماً بعد يوم».
هي فرصة للصين لا تفوّت إذاً، وها هي تستغلّها إلى أقصى درجات الاستغلال، فتعيد مدّ أيديها إلى المنطقة لتعويض ما خسرته، والحفاظ على ما كانت تخشى أن تخسره، في خطوة يمكن أن يُطلق عليها «المدّ الصيني الجديد». هو مدّ تظهر تجليّاته في العديد من الأرقام الاقتصادية التي ظهرت في الفترة الماضية، وليس آخرها ما نُشر عن ارتفاع حجم التجارة بين الدول العربية والصين 22 في المئة في النصف الأول من هذا العام، مقارنة مع الفترة المماثلة من العام الماضي، ليصل إلى 111 مليار دولار. هذا الارتفاع يأتي بالرغم من كل الحديث الذي دار عن نيّة الدول العربية «معاقبة» الصين على موقفها السابق من الانتفاضات العربية، وعلى موقفها الحالي من الأزمة السورية.
إن هذا الواقع يشي بأن من حق الصين فعلاً أن تفرح، وهي تعاين التطورات التي تشهدها المنطقة، والتي تتمنى لها أن تستمر في الاتجاه نفسه، المعمّد بمزيد من الخيبات الأميركية المتتالية.

اقعدوا عاقلين



محمود ريا
7-9-2012

تبدو الإجراءات التي أمر رئيس وزراء العدو بنيامين ناتانياهو باتخاذها لتحصين منشآت الطاقة في كيان العدو متأخرة جداً، فضلاً عن
كونها بلا قيمة، في مواجهة الخطر الذي يتهدد هذه المنشآت من ضربات المقاومة الإسلامية، فيما لو حاول العدو ارتكاب حماقته الكبرى.

هذه الإجراءات متأخرة لأنها تأتي بعد أن باتت كل المنشآت مكشوفة، بلا غطاء، وبلا إمكانية لتخبئتها، فهي في بؤرة الاستهداف، ولن ينفع كثيراً العمل على وضع بعض وسائل الحماية حولها، لأنها لن تحمي ولن تُغني.

كذلك لا ينفع نقل هذه المنشآت إلى "أماكن أكثر أمناً" لأن نقل منشآت كهذه يكلّف مبالغ طائلة ليس بمقدور كيان العدو تأمينها، فيما أن نقلها لن يجعلها بمنأى عن الخطر لأن الكلام واضح: كل نقطة في كيان العدو هي في مجال صواريخ المقاومة الإسلامية.

ما العمل إذاً؟

بالرغم من أنه ليس من واجبنا أن نفتش للعدو عن مخرج من مأزقه، ولا يُفترض بنا فعل ذلك، بل بالعكس، مطلوب تعميق هذا المأزق وتجذيره، إلا أنه لا بأس من بعض الاقتراحات التي قد تفيد في "إنقاذ" بنيامين ناتانياهو من هذه المتاهة التي أدخل نفسه فيها. يمكن لقادة العدو مثلاً أن يضعوا واقيات فولاذية شديدة الصلابة فوق منشآت الطاقة، فقد يقي ذلك هذه المنشآت من "غضب الصواريخ".ويمكن مثلاً حفر ملاجئ تحت الأرض تُخفى فيها منشآت الطاقة ولا تعود في مرمى "الغضب" ذاته.وقد يمكن نقل المنشآت إلى أقصى أقصى أقصى الجنوب، فقد ـ و"قد" قبل الفعل المضارع تفيد التقليل ـ يجعلها هذا بعيدة عن أغلب صواريخ المقاومة، بما يؤمن لها نوعاً من الحصانة.

وقد يكون من المفيد نقل هذه المنشآت إلى منصات في عرض البحر، عسى ولعل..
ولكن، مرّة أخرى، لا تبدو الحلول التي اقتُرحت قبل قليل قابلة للتطبيق، أو هي فعلاً غير نافعة. فنقل المنشآت مكلف، ووضع واقيات فولاذية مكلف أيضاً، وحفر مدن طاقة تحت الأرض أمر غير عملي، لأن الطاقة تستخرج من الأرض لتخزينها واستعمالها، وليس لإعادة "دفنها".

والمكلف هذه الأيام صعب، لا بل مستحيل، لأن الكيان لا يستطيع القيام بأَوَده في الحدود الطبيعية، فكيف وهو مضطر لدفع أضعاف الأضعاف لحماية منشآته من شر مستطير وداهم.


ومن يمدّونه بالأموال لتنفيذ مشاريعه الخرافية باتوا الآن في وضع عوز، يبحثون فيه عن "فلس الأرملة" ليسدوا عجزهم وينجوا بأنفسهم من المأزق الاقتصادي الذي يعيشونه.

ومنصات عرض البحر لا تفوتها صواريخ مخصصة، تحدث سيّدها عن حصار بحري خانق سيفرضه على موانئ العدو، فضلاً عن كل ما يبحر منها وإليها.

الوضع صعب ومعقّد فعلاً.. فما العمل إذاً.
بقي هناك اقتراح، لن نبخل به على العدو، بالرغم من أنه عدو، ويجب أن لا نخرجه من مأزقه.

الاقتراح بسيط، ولا أحد يدري لماذا لم يفكر به العدو، بالرغم من أنه يحمي منشآته ومستوطنيه وكيانه كله.. ولو إلى حين. الاقتراح هو أن "يقعد قادة العدو عاقلين" وأن يمتنعوا عن القيام بأي خطوة مجنونة، وأن يكفّوا عن تفكيرهم الشيطاني بشن أي هجوم على لبنان، أو أي عبث بأمن المنطقة.

اقتراح بسيط وغير معقد، ولا يحتاج إلى عقول خارقة لاستيعابه والعمل به، بل إلى عقول عادية، لناس عاديين.. شرط ألا يكونوا من الحمقى.

فهل منكم يا قوم رجل رشيد؟

الخميس، أغسطس 16، 2012

لا تُقدموا على هذه الحماقة


إلى ماذا سيؤدي هذا الضغط، وهل يعرقل مشروع الانفلاش العسكري الصهيوني في المنطقة؟



محمود ريا
14-08-2012

"على سيرة" بضع مئات من القتلى، الذين قال قادة العدو إنهم سيسقطون في المواجهة بين الكيان الصهيوني وأعدائه الحقيقيين في المنطقة، فإن هذا الرقم لم يُعجب على ما يبدو المستوطنين الصهاينة، ولذلك هم نزلوا إلى الشارع ليعبروا عن عدم رضاهم عن تسخيف القادة السياسييين للمعاناة التي سيمرون بها في حال قرر مجانين القادة أن يحوّلوا جنونهم إلى فعل.

يقول المستوطنون إن الحكومة التي لا تستطيع إطفاء حريق صغير (نسبياً) في جبل الكرمل لن تكون قادرة بتاتاً على مواجهة الحرائق الكبرى التي سيخلّفها الرد على الحماقة التي يحضّر لها بنيامين نتانياهو وإيهودا باراك.

ولكن هذه "الانتفاضة الشعبية" على "قلّة العقل" عند القادة السياسيين الصهاينة ليست يتيمة أو بلا دعم من أماكن مؤثرة في مراكز القرار، ولا سيما في المؤسستين العسكرية والأمنية في الكيان الصهيوني.

قادة كبار في الجيش، وفي "الموساد" و"الشاباك" يرفعون صوتهم عالياً ويقولون: لا، لا تُقدموا على هذه الحماقة، فنحن (الصهاينة) لسنا قادرين على تحمّل كلفة أي رد على أي خطوة عسكرية من قبلنا.

وهؤلاء يعرفون أكثر من غيرهم، و"كلامهم ثقة"، وعندما يتحدثون عن "الثمن"، فإنهم يقرأون في أرقام دراسات وعمليات استقصاء علمية، ولا ينطلقون من منطلقات عاطفية أو من مصالح سياسية تحكم القادة "ذوي الرؤوس الحامية" الذين لا يحسبون حساباً إلا للمردود السياسي الذي يعتقدون أنهم سيجنونه من خطوتهم الجنونية.

وبناءً على ذلك يبدو أن هناك من يضغط فعلاً على هذه الرؤوس الحامية لمنعها من الاستفراد بالكيان الصهيوني وبالمنطقة ككل من خلال حملة عسكرية على إيران، وربما على غيرها من دول المنطقة، تحت حجة التصدي للبرنامج النووي الإيراني.

إلى ماذا سيؤدي هذا الضغط، وهل يعرقل مشروع الانفلاش العسكري الصهيوني في المنطقة؟

يبدو أن هناك سباقاً حقيقياً بين الطرفين المتقابلين، سباق يتجاوز حدود عملية تقسيم الأدوار واللعب على الحبال والتمهيد لفعلٍ ما عبر اعتماد لعبة الشد والجذب والتقدم والتراجع للتمويه على القرار الحقيقي، الذي يُفترض أن يكون متخذاً في غرفة الحسم الصهيونية السوداء.

ولا يخفى على أحد أن من أسباب الانقسام الحقيقي في مركز القرار الصهيوني تجاه الخطوة المقبلة إزاء المشروع النووي الإيراني هو العِبر التي استخلصتها القيادة الصهيونية من حرب تموز 2006، والهزيمة المنكرة التي تعرض لها جيش الاحتلال وجبهة العدو الداخلية في مواجهة المقاومين وصواريخهم.

طبعاً هذا ليس كلاماً عاطفياً، وإنما هو مستند إلى وقائع كشفها محللون صهاينة منهم ناحوم برنياع الذي تحدث في مقال موسع مشترك مع المحلل العسكري شمعون شيفر نشر الأحد في صحيفة يديعوت أحرونوت عن أن " العِبر من عام 2006 تخيّم على القيادة عام 2012".

الخلاصة من كل ذلك أن محاولة التذاكي التي قام بها قادة العدو من أجل طمأنة الصهاينة إزاء الخسائر التي سيتكبدونها في رد الفعل على هجوم صهيوني في المنطقة قد باءت بفشل ذريع.


فهل يكون هذا كافياً للجم الاندفاعة الصهيونية نحو الهاوية؟


لا أحد بإمكانه تقدير إلى أي حد صار المسؤولون الصهاينة مجانين فعلياً.

بضع مئات من القتلى؟




 إن الصهاينة يلعبون اليوم بالنار، وحاجتهم إلى اتخاذ قرار مصيري تضغط على عقولهم، وتدفعهم إلى هاوية الوقوع في الخطأ

محمود ريا
03-08-2012
ماذا يعني سقوط مئتين أو ثلاثمئة قتيل في عملية استراتيجية كبرى، لها تأثير مصيري على المستقبل؟
إنه "ثمن زهيد"، فتعالوا لندفعه في أقرب وقت، كي نتخلص من التهديد الحيوي الذي نتعرض له.
معادلة بسيطة جداً، يقدمها قادة العدو الصهيوني في هذه الأيام، ويساعدهم في ترسيخها في أذهان المستوطنين الصهاينة "إعلام مضبوط"، يدّعي الاستقلالية، فيما هو في الواقع من أسوأ أنواع "إعلام النظام" في العالم.
هذا التوجه الجديد لدى قادة العدو، وفي إعلامهم، يشير لشيء ما، لا يخلو من الخطورة، ويوحي بأن هؤلاء القادة بدأوا بالتحضير العملي لخطوة تنفيذية في المنطقة.
ولكن هل هذا الأمر صحيح؟
إن قراءة متأنية لأسباب الانخفاض المفاجئ في تقديرات أعداد القتلى نتيجة مواجهة عسكرية محدودة ـ أو شاملة ـ في المنطقة ـ يوضح حجم "التلاعب بالعقول" الذي يمارسه قادة العدو، تجاه المستوطنين أولاً، وتجاه الآخرين بشكل عام.
ففي حسبة سريعة، يقول بعض قادة العدو إن إيران لن تطلق كل صواريخها ـ التي يبلغ عددها مئات ـ باتجاه فلسطين المحتلة. والصواريخ التي ستنطلق، ستتمكن الصواريخ المضادة من إسقاط بعضها. والتي ستصل لن تصيب كلّها أهدافها، وإنما سيسقط بعضها في مناطق مفتوحة، ما يعني أن الحديث بات هنا عن بضع عشرات من الصواريخ التي قد توقع مئتي قتيل في صفوف المستوطنين، في أقصى حد؟
ولكن ماذا عن ترسانة حزب الله الصاروخية؟
هذه الترسانة أمرها بسيط أيضاً، فهي لا تحتوي إلا على مئات من الصواريخ القادرة على الوصول إلى قلب الكيان الصهيوني، ويمكن معالجة هذه الترسانة من خلال ضربات جوية، ومن خلال هجمات برية، ما يؤدي إلى عدم انطلاقها ـ كلها ـ إلى أهدافها في مدن العدو. وما ينطلق من هذه الصواريخ لن يوقع أكثر من مئة قتيل في أقصى التوقعات.
باختصار شديد، يقول أحد القادة العسكريين الصهاينة: نحن لا نواجه مئة ألف صاروخ، وإنما ألفاً أو ألفي صاروخ فقط.
الأمر بسيط أيها المستوطنون، أرأيتم، ضرب المنشآت النووية الإيرانية أمر بسيط جداً. سننفذ عمليتنا، ونعود بهدوء، لنتسلى في إحباط مفعول الصواريخ التي توجّه إلينا.. وينتهي الأمر.
ولكن ماذا لو لم يكن الأمر كذلك؟
ماذا لو كان عدد الصواريخ أكبر، وقدرتها على التدمير أكثر، وأدت إلى سقوط الآلاف المؤلفة من القتلى في صفوف المستوطنين، فضلاً عن تدمير المنشآت الحيوية في كيان العدو؟
ماذا لو كان ما يقوم به قادة العدو الآن لتبرير جموحهم باتجاه توجيه ضربة للمشروع النووي الإيراني هو مجرد تسويق لوهم آخر، ينضم إلى "الأوهام النوعية" الأخرى التي سوّقوها في الغابر من الأيام؟
ماذا سيفعل القادة الصهاينة عندها؟ وأي تبرير سيقدمونه لمن سيتبقى من المستوطنين الخارجين من الملاجئ ليشاهدوا منظراً ما كانوا يحلمون برؤيته، حتى ولو في أسوأ الكوابيس؟
إن الصهاينة يلعبون اليوم بالنار، وحاجتهم إلى اتخاذ قرار مصيري تضغط على عقولهم، وتدفعهم إلى هاوية الوقوع في الخطأ.
لقد تراجع العدد المتوقع للقتلى الصهاينة الذين سيسقطون نتيجة مواجهة جديدة في المنطقة من مئة ألف إلى مئتين أو ثلاثمئة قتيل فقط، ما يعني أن هذا الرقم هو آلة طيّعة بيد القادة العسكريين والأمنيين، يمكنهم الصعود به إلى أقصى الحدود، ومن ثم الهبوط به إلى أدناها، وفقاً لرغباتهم السياسية ومشاريعهم العسكرية وتحضيراتهم الميدانية.





 فلننتظر أن يخطئ الصهاينة الخطأ المميت.. وعندها سيكون الرقم الحقيقي بين أيدي الجميع

وهذا يعني أن هذا الرقم غير علمي، وغير مبني على معطيات وتقديرات ميدانية حقيقية، وأنه رقم مزيّف.
ما هو الرقم الحقيقي إذاً؟
لماذا العجلة، فلننتظر أن يخطئ الصهاينة الخطأ المميت.. وعندها سيكون الرقم الحقيقي بين أيدي الجميع.
معظم المؤشرات تدل على أن الصهاينة يعرفون هذه الحقيقة "الحقيقية" ولذلك هم سيفكرون جيداً، جيداً جداً، قبل القيام بخطوة مجنونة.

الخميس، أغسطس 02، 2012

ما مصلحة لبنان في افتعال مشكلة مع سوريا؟



 
 ماذا عن الدولة اللبنانية نفسها؟ هل يُسمح لها أن تتعامل مع ملف العلاقات اللبنانية السورية بخفّة ودون دراسة وبعيداً عن تقدير العواقب؟

محمود ريا
30-07-2012

 

لندع المبادئ جانباً، فهي باتت منبوذة في هذا العالم.

ولنترك الاتفاقيات والمعاهدات، فهذه ـ كما يقول البعض ـ تم توقيعها كي تُخرق، وليس للالتزام بها.


ولنفكر بالمصلحة وبالمصلحة فقط، حتى ولو كانت مصلحة اليوم بعيدة كل البعد عن حقيقة الوضع في المستقبل


ما هي مصلحة لبنان في افتعال مشكلة مع سوريا؟


هناك تيارات سياسية تتخذ موقفاً سلبياً من النظام في دمشق، وهذا يدخل في إطار حرية الرأي، بغض النظر عن مدى صوابية هذا الموقف والمنطلقات التي ينطلق منها.


هذه التيارات تطلق التصريحات وتوجه الدعوات وتنظّم التظاهرات، والبعض يتهمها بأنها لا تكتفي بتقديم المساعدات للمعارضة السورية، وإنما تتطرف إلى حد تقديم السلاح والعتاد.. وحتى المقاتلين.


وهذه التيارات، وللّه الحمد، ليست في السلطة الآن.


وهذا يعني أن هذه التيارات لا تمثّل الدولة اللبنانية، ولا تشكّل جزءاً من قرارها، وهذا ما يُعفي ـ إلى حدّ ما ـ هذه الدولة من تحمّل تبعات مواقفها وتصرفاتها.. وجنونها.


فأن يرفع قادة هذه التيارات أصواتهم، ويطلقوا تصريحاتهم، يبقى أمراً مفهوماً، وإن لم يكن مبرراً.


ولكن ماذا عن الدولة اللبنانية نفسها؟ هل يُسمح لها أن تتعامل مع ملف العلاقات اللبنانية السورية بخفّة ودون دراسة وبعيداً عن تقدير العواقب؟


إن نظرة سريعة إلى واقع لبنان تكشف مدى خطورة عدم التعقّل في التعاطي مع الملف اللبناني السوري، نظراً للأخطار التي يفرزها هذا الانزياح عن جادة الصواب على لبنان أولاً، قبل أي أحد آخر.


وهذا التقييم نابع من مصلحة لبنان، وفقط من مصلحة لبنان، بعيداً مرة أخرى عن المبادئ، وعن الاتفاقيات والمعاهدات.


هل نظر مطلقو التصريحات ومتخذو المواقف إلى موقع لبنان وإلى واقع المصدّرين وإلى الجغرافيا والديموغرافيا وما تعكسانه من ظلال على واقع لبنان في ظل خلاف محتمل بين البلدين؟


هل درس البعض معنى الاحتجاج، ومعنى المذكرات، ومعنى الاتهام؟


إذا بقي النظام السوري في موقعه، فإن خطوة كهذه ستؤثر ـ حتماً ـ بشكل سلبي على لبنان.


فهل إن التغيير في "مزاج" التعاطي مع الأزمة السورية مرتبط بمعلومات دقيقة بأن النظام بات على وشك الانهيار، وبالتالي فإن هذا التغيير لن ينعكس سلباً على اللبنانيين، بل إنه سيترك آثاراً إيجابية عليهم؟


من باب المصلحة، بعيداً عن المبادئ والاتفاقيات والمعاهدات، هذا أمر جيد، ودليل على مرونة في التعاطي مع المتغيرات في المنطقة، والانسجام مع النهج السائد في العالم.
ولكن، ماذا لو لم يسقط النظام السوري؟


ماذا لو لم تنجح كل هذه الحملة العالمية العربية في الفتّ من عضد القيادة السورية، واستطاع الجيش السوري تحطيم التنظيمات المسلّحة التي تقاتله كما فعل في دمشق؟
ماذا لو تم التوصل إلى اتفاق ما، في لحظة ما، بقي بنتيجتها الرئيس الأسد رئيساً، ولو تغيّرت كل التركيبة التي تليه؟








كيف سيواجه اللبناني شقيقه السوري، وكيف سيبرر احتجاجاته، وهو الذي يعرف أن الردود السورية ما كانت لتحصل لو لم يكن هناك أفعال لبنانية؟

هذا من باب المصلحة فقط، وليس أكثر، ومن باب البحث عن امكانية انتهاز الفرصة، ومن باب ما هو مشهور عند اللبنانيين من خبرة في "معرفة كيف تؤكل الكتف".


إن وجود شخص في قصر بسترس يعرف مصلحة لبنان أكثر من البعض الآخرين في قصور أخرى أمر يستحق الثناء، في عصر صار منح الثناء فيه يتطلب الكثير من التأني.

السبت، يوليو 21، 2012

إسرائيل "تقتنع".. خوفاً من الثمن

 

أي بركان ستفجره "إسرائيل" في وجهها، وأي زلزال ستعرّض كيانها له إن فعلت ما تقول إنها ستفعله؟

محمود ريا
الولايات المتحدة "أقنعت" إسرائيل بعدم مهاجمة ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية.
هذا الخبر الذي ورد في رسالة قصيرة من أحد مزودي الأخبار المحليين فتح الأفق على أسئلة كثيرة، تزيد عن عدد الكلمات القليلة التي تحملها الرسالة.
ولعل السؤال الأكبر هو كيف يمكن لطرف ما أن يقصف مخازن الأسلحة الكيماوية في بلد آخر، دون أن يحسب حساب الأضرار التي ستلحق بالمدنيين الموجودين في مناطق قريبة من أماكن هذه المخازن؟ ألا يمكن اعتبار هذا القصف جريمة إبادة جماعية وجريمة ضد الإنسانية؟
إن استهداف "مخازن الأسلحة الكيماوية" يؤدي إلى سقوط عشرات آلاف الضحايا في مساحات شاسعة من الأراضي، أفلا يحسب القاصف حساب ذلك؟
والجواب عن هذا السؤال يبدو بسيطاً بالرغم من فجاجته: من يأمن العقاب لا يحسب أي حساب.
وإذا كان هذا السؤال المركزي والمهم يحمل جوابه في طيّاته فإن هذا لا ينفي أنه يولّد أسئلة أخرى لا بد من الوقوف عندها:
أيّ عقاب مثلاً تأمن منه "إسرائيل" عند ارتكابها لهذه الجريمة المحتملة؟
هي طبعاً تأمن عقاب الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتأمن عقاب الولايات المتحدة والغرب، وتأمن عقاب جامعة الدول العربية والأنظمة العربية، وربما تأمن عقاب الشعوب العربية التي بات الضياع يأكل الكثير من قدرتها على ملاقاة العدوان الصهيوني بالغضبة الكبرى.
مقابل هذه الضربة الإسرائيلية المفترضة ليس هناك حرب عربية على المعتدي، وليس هناك عقوبات دولية عليه، ولا هناك إدانة ولا تنديد، وربما لا تظاهرة غاضبة أو تصريح منتقد.
الجو كله مطبّع، الأمور كلها مرتّبة، وسائل الإعلام لعبت دورها.. وليس هناك أي خشية من هذا الأمر.
إلا أن ذلك لا يُعفي من عقاب آخر، هو ماثل وممكن، لا بل مرجح ومؤكد.
أي بركان ستفجره "إسرائيل" في وجهها، وأي زلزال ستعرّض كيانها له إن فعلت ما تقول إنها ستفعله؟
إذا ذهب آلاف الضحايا في سوريا نتيجة عدوان صهيوني من هذا النوع، فكم سيكون الثمن الذي سيدفعه المستوطنون الصهاينة جرّاء ذلك؟
أي كابوس ـ فوق مستوى التخيّل ـ سيُطبق على من اتخذ قرار الضربة، وعلى من نصّبه عليه، ومن ثم على كل من وافق على هذه الخطوة الخرقاء المجنونة؟
بعيداً عن "الثمن الأخلاقي" الذي قد لا يدفعه الصهاينة (في عصر لا أخلاق فيه)، فإن هناك ثمناً آخر، حقيقياً ودموياً وداهماً، سيكون على الصهاينة تأديته منذ اللحظة الأولى لانطلاقهم في مسيرهم نحو المجهول.
يصبح مضحكاً حديث الأميركيين عن "إقناعهم" قادة العدو بأن لا يضربوا مخازن الأسلحة الكيماوية السورية"
إزاء هذا الواقع، يصبح مضحكاً حديث الأميركيين عن "إقناعهم" قادة العدو بأن لا يضربوا مخازن الأسلحة الكيماوية السورية".
ومع أن وجود أسلحة من هذا النوع في سوريا يبقى في إطار الافتراض، ولا دليل عليه، وهو في موقع النفي من القيادة السورية، فإن "العقاب" لن يتوقف عند كون الضربة موجهة إلى مخازن الكيمياويات، بل هو سيكون الرد على أي ضربة من أي نوع ومن أي حجم داخل سوريا أو في المحيط.
مضحك تبجّح الأميركيين بقدرتهم على إقناع الصهاينة، بينما الواقع يدعوهم إلى تذكيرهم بالثمن فقط، كي يتحوّلوا من سباع ضارية، إلى ثعالب، تضع أذيالها بين أرجلها، وتولّي الأدبار.

الجمعة، يوليو 13، 2012

استثمار في مستقبل الصين

 
يعمل العدو الصهيوني على التغلغل بهدوء وبشكل متصاعد في المجتمع الصيني، عبر الكثير من الوسائل، ومنها مراكز الدراسات


محمود ريا

خلال متابعة مراكز الدراسات العاملة في الصين، كانت المفاجأة.

في هذا البلد الكبير أكثر من عشرة مراكز دراسات تعنى بالشأن اليهودي، وبعلاقات الصين مع "إسرائيل"، وباليهود في الصين، وبكل ما له علاقة بما هو عبري، ثقافةً وسياسةً واقتصاداً وتاريخاً ومستقبلاً.

وتتمدد مراكز الدراسات هذه على بقعة جغرافية كبيرة جداً، متخذةً من الجامعات الكبرى في الصين مهداً لها.


فهذا معهد الدراسات اليهودية في جامعة مدينة نانكين، يقول التعريف عنه إنه درّب الكثير من الأشخاص الذين يحملون رتبة بروفسور، وهم يعلّمون الآن في مختلف أنحاء الصين. والمهم أن المعهد يملك حق منح شهادات الدكتوراه لطلابه.


أما مركز الدرسات اليهودية في شانغهاي فهو واحد من أهم المراكز الفاعلة في اختصاص "الثقافة اليهودية، التاريخ، و"إسرائيل المعاصرة".

وهناك مدرسة الدراسات اليهودية في جامعة هينان التي تمنح شهادات الماستر، ومركز الديانة اليهودية والعلاقات بين الأديان في جامعة شاندونغ الذي نشر أكثر من سبعين كتاباً وأربعمئة وأربعين ورقة بحثية وترجم حوالي ثلاثين كتاباً في اختصاصه المتركز على "الدراسات اليهودية"، خلال حوالي عشر سنوات.

وفي السياق نفسه يأتي مركز الدراسات اليهودية والصينية في جامعة سيتشوان للدراسات الدولية، والذي يعمل على "تقديم فهم أفضل للشعب اليهودي والثقافة اليهودية في الصين" كما يقول تعريفه.

يضاف إلى هذه المراكز مركز الدراسات حول العلاقات الدولية في جامعة يوننان، ومركز اللغة العبرية والدراسات الثقافية في مدرسة اللغات الشرقية في جامعة بكين، ومركز الدراسات اليهودية في أكاديمية هيلونغجيانغ للعلوم الاجتماعية، وغيرها الكثير من مراكز الدراسات.

هل من جديد في هذه المعلومات المفاجئة؟

لا يبدو أن هناك أمراً جديداً بشكل فعلي، فالصهاينة يجدون موطئ قدم في كل مكان، فلماذا لا يكون لهم ذلك في الصين؟


يعمل العدو الصهيوني على التغلغل بهدوء وبشكل متصاعد في المجتمع الصيني، عبر الكثير من الوسائل، ومنها مراكز الدراسات، وهذا ما عبّرت عنه الصفحة المخصصة بعرض عناوين مراكز الدراسات المتخصصة بإسرائيل واليهود في الصين. وتقول هذه الصفحة "إن قطاع الدراسات اليهودية في الصين ما يزال صغيراً، ولكنه مجال يتوسع بشكل دائم".

وليس أمراً مثيراً للدهشة القول إن الكيان الصهيوني يبذل جهوداً جبارة من أجل تنمية هذه المراكز ودعمها وتقديم كل التسهيلات لطلابها من الصينيين كي يتابعوا دراساتهم، أو كي يقوموا بدراسات تطبيقية في فلسطين المحتلة، في سياق دراساتهم في هذه المعاهد.

إنه بناء يقوم على مهل، دون ضجة، وبلا توقف، لجيل من الأكاديميين الصينيين الذين يتحوّلون إلى جزء من آلة دعائية كبرى للصهاينة في بلد المليار والنصف مليار نسمة، فضلاً عن إمكانية تحوّل هؤلاء الأكاديميين إلى موظفين ومن ثم مسؤولين في إدارات الدولة الصينية.

وهذا شيء طبيعي جداً.

الأمر غير الطبيعي موجود في مكان آخر، على الضفة الأخرى من الشرق الأوسط، عند العرب تحديداً.






 أي مراكز دراسات عربية موجودة في الصين، أو تنسّق مع الصينيين، وأي جيل صيني جديد متفهّم للقضايا العربية تبنيه هذه المراكز؟

أي مراكز دراسات عربية موجودة في الصين، أو تنسّق مع الصينيين، وأي جيل صيني جديد متفهّم للقضايا العربية تبنيه هذه المراكز؟

أي فرصة نضيّعها نحن العرب، بأموالنا وطاقاتنا، من أيدينا، من خلال استمرار تجاهلنا للعملاق الصيني الذي بدأ بالاستيقاظ؟

ألا يدري المتحكمون بالعالم العربي أن من يستثمر في مراكز الدراسات والأبحاث في الجامعات الصينية، هو يستثمر في مستقبل الصين، وبالتالي في مستقبل العالم ككل؟

هلاّ تعلّمنا من عدوّنا؟

تمنيات الغرب الروسية: مجرد دعابة


الدليل على هزء سيرغي لافروف بنظرائه الغربيين هو الجملة المفيدة الأخرى التي أتبع بها حديثه عن الدعابة والمازحين

محمود ريا
6-7-2012

 

يتطلب المزاج الرائق "فضاوة البال" والخلو من المشاكل والفراغ من الاستحقاقات الطارئة والبعد عن المحطات التي تقرر المصير.
فإذا كان الواحد منا مبتلى بكل هذه العقبات دفعة واحدة، فكيف له أن يكون قادراً على المزاح، وإلقاء الدعابات؟
في أميركا اليوم كل هذه المشاكل دفعة واحدة:
انتخابات رئاسية مصيرية بعد أشهر، تراجعات هنا وهناك في أنحاء العالم، تنّين صيني ودب روسي يتهجّمان على "أطراف المملكة الأميركية العظمى" ومشاكل إقليمة ومحلية لا تُعدّ ولا تُحصى؟
وفوق ذلك هناك اقتصاد يتداعى، يخرج من أزمة ليدخل في أزمة أكبر، والمديونية تتصاعد، وطبع الدولارات بلا حساب لم يعد ورقة رابحة في أيدي الرأسماليين الأميركيين.
في أوروبا الوضع صعب أيضاً:
الأزمات الاقتصادية تكاد تودي بالكثير من البلدان إلى الإفلاس. وليس المقصود "بلدان الأطراف" فقط، وإنما حتى البلدان المركزية، وصولاً إلى بريطانيا وفرنسا، ولا تبقى إلا ألمانيا ـ إلى حد ما ـ فوق الغربال.
هذه الوقائع تكشف حقيقة واحدة: ليس عند أحد من هذه الدول "مزاج المزح والتنكيت وإلقاء الدعابات".
ما بال وزير الخارجية الروسي إذاً يرمي بعض الدول الغربية بتهمة إلقاء الدعابات في هذا الوقت العصيب؟
ما باله يقول إن طرح هذه الدول بأن تستقبل روسيا الرئيس السوري بشار الأسد كلاجئ سياسي هو مجرد دعابة.
إن ما يقوله المسؤول الروسي (المغضوب عليه غربياً) لا يمتّ إلى المزاح بأي صلة.
إنه كلام يهزأ من دول الغرب أكثر مما يعبّر عن انسجامه مع "المزاح" الذي يطلقونه بين حين وآخر.
الدليل على هزء سيرغي لافروف بنظرائه الغربيين هو الجملة المفيدة الأخرى التي أتبع بها حديثه عن الدعابة والمازحين.
لقد قال بصراحة إن الذين يغذّون الأزمة السورية يقودون الأمور إلى حرب كبيرة جداً.
وعندما تنطلق من شفاه الروس كلمة حرب، يجب على كل الوجوه أن تشدّ قسماتها، وأن تمتنع حتى عن وضع شبح ابتسامة على الشفاه.
 

 في الوضع الذي نحن فيه، تأخذ كلمة حرب معاني أكبر من أي تصوّر مسبق عند الجميع، فكيف إذا أتبعها المسؤول الروسي بوصف هذه الحرب بأنها "كبيرة جداً"

في الوضع الذي نحن فيه، تأخذ كلمة حرب معاني أكبر من أي تصوّر مسبق عند الجميع، فكيف إذا أتبعها المسؤول الروسي بوصف هذه الحرب بأنها "كبيرة جداً".
الروس الذي يسمعون "الدعابات الغربية" لا يضحكون لها، بل يواجهونها بعبارات صارمة جداً في الظاهر، تتوازى مع ضحك في الباطن.. على مطلقيها.
روسيا ليست في وارد التخلي عن الموقف المبدئي الذي اتخذته من الوضع في سوريا، وليست في مجال الاستغناء عن الموقع الاستراتيجي لسوريا على الخريطة العالمية.
إنهم لا يفهمون هذه الحقائق الثابتة، إنهم ـ ربما ـ لا يريدون أن يفهموها.
في كل يوم يخرج علينا مسؤول غربي، أميركي أو أوروبي، أو مسؤول إقليمي، عربي أو تركي، ليتحدث عن تغيير في الموقف الروسي.
وفي كل يوم يخرج لافروف، أو غيره من المسؤولين الروس، ليقولوا لهم: لا تغيير في الموقف الروسي.
ملّ الروس من تكهّنات وتمنيّات الغرب وأتباعه في المنطقة، فلم يجدوا حلاً إلا في اعتبار أن ما يقوله هؤلاء لا يتجاوز كونه.. مجرد دعابة.

السبت، يونيو 30، 2012

موعدنا "على العيد"



المعاناة كبيرة، ولكن الصمود أكبر، 
والمؤامرة مهولة، 
ولكن التصدي لها أكثر حزماً.


محمود ريا
تكثر المواعيد، وتتكرر كل يوم، ولعلّ أكثرها انتشاراً موعد اللقاء على "العيد".
هذا الموعد صار مثل أحجية، يسمعه الناس، فلا يعرفون هل المقصود به هو هذا العيد، أم العيد الذي سيأتي، أم هو عيد فقط في أذهان الذين يطلقون هذه المواقيت.
انتظروا العيد أول مرة، فمرّ، وانتظروه عيداً آخر، ومرّ هو أيضاً، وانقضى العام.. وما زالوا ينتظرون الموعد، وما زالت أصواتهم تردد: "على العيد".
إمّا أنّهم لا يملّون، وإما أن صدمة عدم تحقّق أمانيّهم تجعلهم يجترّونها، فيعيدون ويكررون، من دون أن يكون لديهم ما يحقق آمالهم، أو يُخرج الأحلام من دوائر الأوهام إلى أرض الواقع.
المعاناة كبيرة، ولكن الصمود أكبر، والمؤامرة مهولة، ولكن التصدي لها أكثر حزماً.
ليس في الأمر عواطف، وإن كانوا اعتمدوا على وعود أُعطيت لهم من أسيادهم، فربما عليهم أن يُدركوا بأن هذه الوعود هي التجسيد الحقيقي للسراب الذي يراه عطشان في الصحراء فيحسبه ماءً، فيلهث نحوه، معتقداً أنه الفرج، فإذا به لا يكسب منه إلا الخيبة والخذلان.
وهم كذلك.
وهذه هي مشكلتهم.
لا ينظرون إلى الوقائع، ولا ينطلقون من الحقائق، ولا يبنون تحليلاتهم على معطيات السياسة، التي يبني عليها كل من يريد الوصول إلى نتيجة منطقية في تحليله وتوقعه.
ولكن ربما لاينبغي لنا أن نظلمهم.
هم كذلك دائماً، وليس الآن فقط، هم لا يحللون ولا يتقصّون الحقائق ولا يبنون على الشيء مقتضاه.
هم يتلقّون، يسمعون من فلان وفلان، من هذه الدولة أو تلك، فيأخذون كلامها على محمل الجدّ، وتوهّماتها على مقياس الحقيقة.
المشكلة إذاً ليست فيهم، ما دام أنّهم لا يُعملون تفكيرهم. المشكلة في من يوسوسون لهم.
ولكن، هل هؤلاء المقيمون في عواصم الخواجات، يضحكون عليهم، يسخرون منهم، بتوقعات العيد، والعيد الذي يلي العيد، أم أنهم مثلهم، وقعوا في شرّ توقعاتهم؟
هناك من يرى أن "الأسياد" يلعبون بـ "الأولاد"، يضعون خططاً بعيدة المدى، ويتركون لمن معهم فتات العيش على انتظار الحسم السريع والتغيير الجذري.
وهناك من له رأي مخالف.
يرى هؤلاء أن الصدمة الكبرى ليست هي صدمة الأزلام، وإنما تلك التي أصابت "الكبار"، الذين كانوا يتوقعون انهياراً سريعاً، يحققونه بالتهويل والتقتيل، استناداً إلى مبدأ "الصدمة والرعب" الذي نجح معهم قبل ذلك في أكثر من مكان، وأكثر من زمان.
ولم يتحقق المأمول، لم تفتّ هذه الحملة ـ المدجّجة بمئات حاملات الطائرات الإعلامية، والمدمرات النفسية، وطائرات القصف بالأكاذيب، ودبابات الزحف بالتلفيق ـ في عضد شعب معتاد على مواجهة الحصار، ومرتاض على مقارعة "الكبار".


لم تفتّ هذه الحملة ـ المدجّجة بمئات حاملات الطائرات الإعلامية، والمدمرات النفسية، وطائرات القصف بالأكاذيب،  
ودبابات الزحف بالتلفيق ـ في عضد شعب معتاد
على مواجهة الحصار، ومرتاض على مقارعة "الكبار".


كان الحلّ بانتظار العيد التالي، ومرّ الموعد والحال هو الحال.
وجاءت مواعيد أخرى، تصاعدت قبلها ومعها الحملات، وتكاثرت الانفجارات، وصار القتل مثل شربة الماء، ومرّت المواعيد... وسوريا كما هي و"يا جبل ما يهزّك ريح".
اليوم، هناك موعد جديد، "على العيد".
هل يحققون حلمهم هذه المرة؟
"سراب بقيعة"...