الخميس، أكتوبر 30، 2008

ليس غيمة صيف



أيام قلائل تفصل العالم عن محطة مهمة، وأشهر أخرى تفصلهم عن محطة أكبر، وبين هذه الأيام والأشهر تبقى الشعوب على كف عفريت منتظرة ما يمكن ان يطرأ على عقول مجموعة من البشر من عوارض جنون ويأس واكتئاب وإجرام.

الأيام تقترب ومعها موعد الانتخابات الأميركية، حيث سيكون لهذه الانتخابات تأثير كبير على التوجه الذي ستسلكه الأوضاع في المنطقة والعالم. وإن كان لا يؤمل من مسؤول أميركي خير، فإن المحللين يرون في مرشحٍ شراً أقل سوءاً من مرشح آخر، وعلى كل حال فإن التبديل بحد ذاته أمر جيد، فما هو موجود الآن سيئ جداً لدرجة يرجى معها أن يكون القادم أقل شراً.

ولكن من الآن وحتى تحصل الانتخابات في الأيام المقبلة، وبعدها الفترة الفاصلة بين الانتخابات والتسلم والتسليم في كانون الثاني/ يناير القادم، تبقى نذر الشر محيطة بكل مفاصل الكرة الأرضية، ولا سيما أن الذين انتهى دورهم لن يسلّموا بسهولة أنهم فشلوا فشلاً ذريعاً كاملاً مطلقاً في كل المشاريع التي قاموا بها، وعلى رأسها مشروع "الشرق الأوسط الجديد".

ما حصل في البوكمال ليس صاعقة في سماء صافية ولا غيمة صيف عابرة، وإنما هو إشارة إلى ما يمكن أن يحصل في الأيام القادمة فيما لو حسمت عصبة السوء المقيمة في البيت الأبيض ترددها، وقررت القيام بشيء كبير "تخلّد" فيه ذكراها قبل رحيلها.

لا يجب أن يخاف العالم، ولكن يجب أن يكون حذراً أمام تمكّن مجموعة من البهلوانيين أصحاب الأفكار المتحجرة بأزرار القوة العسكرية الهائلة، وتسخيرها لخدمة مشاريع شخصية ضيقة يزعمون انها مشاريع تهدف إلى خدمة الأمة الأميركية.

إذا مرّت هذه المرحلة على خير، يكون العالم قد نجا من كارثة مهولة.. وبأعجوبة.

محمود ريا

السبت، أكتوبر 25، 2008

العرب والفضاء


تأتينا الأخبار من كل حدب وصوب، فنتلقاها ونهضمها ونسمعها، ولا نفعل أي شيء إزاءها.
تطيّر الصين مركبة فضائية مأهولة، فيخرج ملاحوها في جولة في الفضاء الخارجي، ونحن نتفرج!
تطلق الهند مركبة نحو القمر، ونحن "نراقب"!
تتهيأ هذه الدولة أو تلك لاختبار طاقاتها العلمية وتفجير مواهب شبابها في كل اتجاه، ونحن نقف على قارعة التاريخ، نشحذ نصراً مرّ قبل ألف سنة، ونستعير عالماً برز في الخارج لنقول: إنه عربي! ونتسوّل اختراعاً لم تكن لنا فيه يد، إلا أن الذي قام به يحمل اسماً مؤلفاً من حروف عربية!
أمر مؤلم هو الذي نعيشه، والأكثر إيلاماً أن المسببين به يظنون أنفسهم أنهم يرفعون الشمس أو يكتبون أسماءهم بنجوم السماء.
تتابع عيوننا الدخان المنبعث من الصاروخ المنطلق نحو الفضاء والدموع تنهمر منها، لا لأننا قريبون من هذا الدخان، بل لأننا بعيدون عنه آلاف الكيلومترات، وربما عشرات السنوات، فلا نحلم بصناعة فضائية عربية، ولا نرجو مركبات تطير وتعود، أو حتى تذهب بلا عودة.
أي خجل ورثناه من أهالينا على تخلف بلداننا، ونحن حَمَلة العلم؟! بل أي خجل نورثه لأطفالنا ونحن نمر في هذه الحياة، فلا نجد إنجازاً واحداً يمكن لنا أن نبرر به وجودنا أمام أولادنا.
عندما نفتقد وجود جامعة عربية واحدة في اللائحة التي تضم أفضل مئتي جامعة في العالم، وعندما يطل الدكتور فاروق باز (المصري مولداً) من مقعد رئاسة برنامج الفضاء في وكالة ناسا الأميركية، وعندما تطير الهند والصين ـ ومعها إيران قريباً ـ إلى الفضاء، بينما نحن نخلد الى الأرض، يصبح السؤال عن مستقبل هذه الأمة مطروحاً بقوة، ويصبح البحث عن حل أمراً أكثر إلحاحاً من التفتيش عن جنس الملائكة أو الفوارق بين المذاهب أو الغزوات المتبادلة بين القبائل.
يا عرب، قد لا يجدي فيكم ـ فينا ـ إلا قول الشاعر: أيا أمة ضحكت من جهلها الأمم.
محمود ريا

الثلاثاء، أكتوبر 21، 2008

صرخة في واد؟

هل دخلنا في المحنة الحقيقية؟

قد لا يصدق أحدنا أننا وصلنا فعلاً إلى مرحلة الحضيض على المستوى الأخلاقي، وقد يقول أحد آخر ـ ومعه حق ولا شك ـ إن ما حصل حالة فردية لا يمكن أن تعمم.

ولكن مجرد حصول مثل هذا الأمر يدفع إلى دق ناقوس الخطر والتفكير ألف مرة بالوضع الأخلاقي الذي وصلنا إليه.
شاب حباه الله بنعمة البصيرة وحرمه نعمة البصر، يذهب يومياً إلى جامعته بسيارة الأجرة، فيجد من يساعده بالوصول إلى مدخل كليته، وهكذا يحصل كل يوم، إلا منذ أيام عندما "رماه" سائق سيارة أجرة على الجانب الآخر من الطريق، فارضاً عليه أن يقطع الطريق مع كل المخاطر، بعد أن خدعه، فأخذ منه ورقة من فئة الخمسة آلاف ليرة، وورقة من فئة الألف، بدل أن يأخذ ورقتين من فئة الألف، لتصبح الجريمة مزدوجة، تحصل في وقت واحد، وبحق شخص واحد.

هذه القضية الشخصية قد لا تكون أكثر من حادثة فردية، ولكنها أيضاً حادثة أرجو أن تكون فريدة، وهي تناقض كل ما تعلمناه وكل ما ينص عليه ديننا وأخلاقنا وإنسانيتنا في التعامل مع الناس ذوي الأوضاع الخاصة الذين ابتلاهم الله تعالى بفقدان أحد الأعضاء، أو إحدى الحواس.

لا يمكن السكوت أمام حالة من هذا النوع، بل ويجب التشهير بالفاعل لولا أنه لم يتم التعرف اليه، وقد لا يمكن أن يحصل ذلك عما قريب.

إلا أن عدم التعرف الى الشخص لا ينفي وجوب إنكار هذا الفعل، وكل فعل آخر ينافي الأخلاق التي كانت وما تزال، ويجب أن تبقى أساس التعامل بين البشر.

لقد بُعث رسول الله (ص) ليتمم مكارم الأخلاق، والشاعر قال: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فهل سنذهب بعد أن تذهب أخلاقنا أم سنقف وقفة تعيد الأمور إلى نصابها وتعيد إيقاظ الفطرة السليمة فينا؟

هي صرخة.. حمّلني إياها صديقي الطالب الجامعي، وأحببت نقلها.. بلا مواربة، فأرجو أن لا تكون صرخة في واد.

محمود ريا

الاثنين، أكتوبر 20، 2008

خير على خير

انعقدت النية مراسيم واتفاقات، وصارت الرغبات تواقيع وتحضيرات، وبات لبنان وسوريا على أهبة الاستعداد لقص الشريط الافتتاحي في دمشق وبيروت، معلنا هنا وهناك عن فتح السفارات وانطلاق العلاقات.

جميل جداً، لا بل هو فوق الجمال بمراحل، أن تصبح العلاقات بين الدولتين منظمة عبر بروتوكولات ومراسيم تجعل هذه العلاقات رسمية ومقوننة.

هذا الشعور بالراحة إزاء ما حصل، قد لا يكون نتيجة اطمئنان الى أن العلاقات بين لبنان وسوريا سوف تتطور، لأن تبادل السفارات واعتماد السفراء لا ينشئ علاقة بين دولتين، وإنما هو يعبر عن متانة هذه العلاقة وعن الرغبة في تطويرها وجعلها أكثر قوة وعمقاً.

بين دولتين مثل لبنان وسوريا هناك من العلاقات والوشائج ما لا تقويه إقامة علاقات دبلوماسية، ولا يضعفه عدم وجود هذه العلاقات. ما بينهما وصل منذ القدم إلى الحد الأقصى، فلا ينخفض نتيجة إجراء قانوني ولا ينهار بسبب موقف سياسي.

هذان البلدان هما معا، بغض النظر عن الظروف هنا والظروف هناك، ومن يرد أن يخضع العلاقة بين الدولتين إلى ميزان العلاقة بين الدول الأخرى، لا يعلم ماذا يعني كل بلد بالنسبة الى الآخر، ولا كل شعب بالنسبة الى الآخر.

العلاقات الدبلوماسية بين لبنان وسوريا هي أمر جيد، جيد فحسب، قد يكون من التطرف وصفها بأنها "لزوم ما لا يلزم"، ولكن قد يكون من التطرف بالمقابل إعطاؤها وصف أكبر من أنها "خير على خير" تزيد الألفة وترفع نسبة المحبة.. وحسب.

عندما يكون التاريخ واحداً، والجغرافيا واحدة، والآمال واحدة، والمخاطر واحدة، والمستقبل هو نفسه، والشعب هو الشعب، والفرح لا يقسّم والحزن لا يُجزّأ، يصبح الحديث عن العلاقات الدبلوماسية من نافلة الحديث، ويصبح المطلوب الانطلاق إلى الأمام بسرعة للبحث في كيفية مواجهة التحديات، والاستفادة من الفرص التي تكون بيد واحدة أو لا تكون.
محمود ريّا

الثلاثاء، أكتوبر 14، 2008

لا للتعميم


أصعب ما مرّ على أمتنا أن العالم، وبتحريض من قوى مسيطرة فيه، أخذ هذه الأمة بجريرة بعض أبنائها، فصار كل المسلمين إرهابيين وكلهم انتحاريين، وكلهم تحت الشبهة الأمنية والمراقبة الدقيقة، بما يحرمهم حقوقهم المدنية ويضعهم في موقع الملاحق دائماً.
ليس من المستساغ أن نطبّق هذه السياسة على أنفسنا، فنقوم بعزل منطقة من المناطق اللبنانية، أو نسم أهلها بتهمة الإرهاب، بجريرة بعض الأشخاص الذين لا يمكن إلا أن يكونوا خارج الإجماع الديني والوطني، كما كانت القوة التي عملوا في إطارها وهم عملوا بالجرائم التي ارتكبوها على "الثأر" لها.
العناصر الفاسدة هي عناصر، محددة ومشخّصة، وهم لا يعبرون عن أي توجه أياً كان، ولا يمكن أن نضع منطقة بكاملها في موقع الاتهام لأن البعض من أبنائها قاموا بأعمال كلها إجرام باعتراف القريب قبل الغريب.
ومع الاقتناع الكامل بهذه الجزئية من المعادلة، لا بد من النظر إلى الجزئية الأخرى، وهي التي تقوم على مبدأ إعلان أهل المنطقة التي خرج هؤلاء الإرهابيون منها بشكل واضح وصريح، وبشكل عملي وملموس أنهم يعارضون كل ما قام به هؤلاء المجرمون، وأنهم يدينون قتل الأطفال وقتل المدنيين، وقتل الجنود اللبنانيين، الذين هم أبناء هذا الشعب وأخوة المواطنين وليسوا أعداءهم.
لقد صدرت العديد من التصريحات التي تؤكد هذا المعنى، وهي تصريحات مطلوبة ومقدّرة، وما هو مطلوب بعدها هو بذل كل جهد ممكن من أجل تسهيل عمل القوى الأمنية المعنية في اعتقال المشبوهين، والإشارة إلى أي بقعة مظلمة قد تشكل بؤرة حماية ونصرة ومساندة لهذه العمليات الإرهابية التي تترك آثارها السلبية على البلد كله، وليس فقط على منطقة واحدة فيه.
المطلوب أن نكون كلنا اليوم في موقع واحد، كي يكون الإرهابيون وحدهم في موقع آخر، فيسهل تحديدهم وتشخيصهم ومحاصرتهم.. والقضاء عليهم.
محمود ريا

حرية من نوع آخر


الإنسان حرّ في أن يبدّل البذلة التي يلبسها مرتين في اليوم، مختاراً في كل مرة لوناً مختلفاً عن الآخر، وحر في أن يأكل الطعام مالحاً صباحاً وحامضاً في المساء، وحر أن يذهب شمالاً قبل الظهر، ثم يذهب جنوباً بعد الظهر، وربما يكون حراً في تبديل ولاءاته وتغيير مواقفه بالنسبة نفسها التي يغيّر فيها ثيابه وذوقه في الطعام ووجهة السير التي يسلكها في الوقت الذي يراه مناسباً.
ولكن أن يقول له أحد حقيقة أنه غيّر وبدّل، وتلوّن وتحوّل، فهذا يمكن اعتباره مساً بالحرية وتضييقاً لها، وخروجاً على القانون وتجاوزاً لقواعده.
الإنسان حر في أن يفعل ما يشاء، وليس لأحد حرية ان يقول أي شيء عن حريته هذه، فحرية الآخرين غير موجودة، ولا يمكن السماح بها ويجري التعرض لها ونقضها وحتى سحقها، ما دام أنها تمس حرية الشخص القادر على أن يمارس الحرية من دون حساب، نتيجة ظرف طارئ أو ركوب ناجح للموجات المرتفعة مع ترك الموجات التي تكاد تهمد من دون أي شعور بالذنب، أو بحث عن فضل الموجة التي أوصلته إلى هذا المكان أو ذاك.
حرية المرء لا تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، لأن لا حرية للآخرين ما دام أن هذا المرء قادر على استخدام القوانين وصرف النفوذ والتلاعب بالأنظمة خدمة لحريته في أن يفعل ما يشاء بحق من يشاء ساعة يشاء.
إنها حرية من نوع آخر، حرية لبنانية، "ماركة مسجّلة"، قادرة على أن تضرب الإعلام وحرية التعبير عن الرأي، وجاهزة لإتلاف كل الوثائق والمستندات، خدمة لنافذ، وتنفيذاً لرأي زعيم يرى مصلحة في تحريك قوى تنفّذ القانون هنا، وجعلها تنام "نومة أهل الكهف" هناك وهنالك.
إنها حرية من نوع آخر، بل هي ليست حرية إلا بالاسم، ولا يعرفها أحد في العالم كما يعاني منها اللبنانيون الذين ليس لهم من يقف وراءهم و"يعطيهم حريتهم".
هي الحرية التي ترتكب الجرائم باسمها وتحت لوائها.
محمود ريا

الخميس، أكتوبر 09، 2008

المطالب العمّالية والديموقراطية الحقيقية

تحرك المواطنون احتجاجاً على ممارسات اقتصادية بحقهم، وللمطالبة بتحقيق ما يعتبرونه من حقوقهم.
لم يتهمهم أحد بأنهم يعملون لتحقيق أهداف سياسية خدمة لأجندات أجنبية.
نزل العمّال إلى الشوارع، قطعوا الطرقات، منعوا السيارات من الحركة، شلّوا النقل في العاصمة والمدن الكبرى.
لم يقل أحد إنهم يهدفون إلى تدمير التجربة الاقتصادية الناجحة التي تعيشها البلاد، ولم يُحمَّلوا مسؤولية الديون التي تثقل كاهل الخزينة منذ أكثر من عشرين عاماً.
أقفلوا المطار، ومنعوا إقلاع الطائرات وهبوطها وعزلوا البلاد عن الخارج، ولم يوجه لهم أي أحد تهمة العمل من أجل عزل الدولة والانقلاب على قيادتها وحكومتها خدمة لمصالح أجنبية.
عرقلوا بث المحطات التلفزيونية وأثّروا على وسائل الإعلام الأخرى، ولم يستطع أحد أن يقول إنهم معادون لحرية الإعلام، ولم تنطلق حملات التشويه والتشنيع لاستهدافهم واستهداف مطالبهم.
الكل اعتبر أن ما يقومون به مشروع وقانوني وضمن إطار الممارسات التي تكفلها الأنظمة الديموقراطية وحقوق الإنسان.
لم يطلق عليهم الرصاص ولم تُلقَ القنابل عليهم ولم يُمنعوا من سلوك هذا الطريق أو إقفال الطريق الآخر، لأنهم في بلد ديموقراطي له قوانينه وأنظمته واللوائح التي تحكم كل حركة وسكنة فيه.
لم تقم قائمة الحكومة ولا من يدعمها، ولم يقل أحدهم إنهم "يحتلون" وإنهم يعربدون وإنهم يتآمرون.
سبحان مغيّر الأحوال...
لماذا تغيّر التعاطي مع الأحداث، ولماذا تبدّلت الأحكام ولم تنطلق حملة التشكيك بالتحركات وإطلاق النعوت السلبية عليها، ولم يخرج حلفاء الحكومة هذه المرة لكيل كل أنواع الشتائم بحق تحرك المواطنين الديموقراطي للتعبير عن مواقفهم تجاه قضايا تهمهم، ولو بقطع الطرقات وشل الحركة الداخلية وإقفال المطارات والتأثير سلباً على وسائل الإعلام؟؟
المسألة لا تحمل أي مفاجأة، فكل ما ذُكر من تسامح مع الحركة العمّالية حصل في بلجيكا.. وليس في لبنان.
محمود ريا

السبت، أكتوبر 04، 2008

خطوة أخرى إلى الأمام


تم إقرار قانون الانتخاب أخيراً، وبات للبنان قانون، مهما قيل فيه، قادر على تنظيم العملية الانتخابية المنتظرة في صيف العام القادم.

ما حصل ليل الاثنين الثلاثاء هو إنجاز حقيقي، يضاف إلى عدة إنجازات حققها اللبنانيون لأنفسهم خلال المرحلة الماضية، بدءاً من انتخاب رئيس للجمهورية، مروراً بتشكيل حكومة وحدة وطنية ومنحها الثقة على أساس بيان وزاري واضح وموافق عليه من الجميع، وها هو قانون الانتخاب يشكل الركيزة الثالثة التي يمكن أن يقوم عليها مشروع "تطبيع" الوضع في لبنان وإخراجه من الدوامة التي دخل فيها منذ سنوات.

ليس هناك من يناقش في أن ما تم تحقيقه حتى الآن هو ثمرة لاتفاق الدوحة الذي شكّل مرحلة فاصلة في الحياة السياسية اللبنانية، وكسر الجدار الصلب الذي ارتطمت به الأحوال اللبنانية إلى درجة كادت معها هذه "الأحوال" أن تتحطم، ومعها لبنان واللبنانيون.
واتفاق الدوحة معروفة ظروفه، الداخلية والخارجية، ومعروفة الأجواء التي ساهمت في تحقيقه، وفي إخراجه إلى حيّز التنفيذ.
وإذا كان النظر إلى الخلف مفيداً في بعض الأحيان كي لا تغيب عن الأذهان بعض الظروف ولا تتكرر بعض الرهانات، فإن النظر إلى الأمام هو المطلوب الآن، وذلك من أجل تحويل الهيكلية الدستورية التي أعيد بناؤها في الأشهر الماضية إلى واقع ملموس على الأرض، يتحكم بمفاصل العملية السياسية ويقودها إلى المساق الطبيعي لها، ومعها ينقاد لبنان إلى بر الأمان.

ما نشهده بين الحين والآخر من عمليات إرهابية وممارسات إجرامية وخضّات أمنية هو ظواهر ترافق عادة عمليات التحول الكبرى، بغضّ النظر عن أسبابها والمسببين لها، ويبقى أن تماسك اللبنانيين وتمسكهم بالحل الذي ارتضوه لأنفسهم هو الممر الإجباري والوحيد لتجنبهم لهذه الهزات الارتدادية التي يتم صنع بعضها في الداخل، واستيراد بعضها الآخر من الخارج القريب والبعيد.

لبنان يثبت عملياً أنه قادر على تجاوز أزمته لو صفت النيات، والأمل بأن تكون مكدّراتها قد انتفت من النفوس قبل النصوص، حتى نستطيع التغلب على كل ما يعرقل مسيرة البناء والنهوض.
محمود ريا