الخميس، أبريل 30، 2009

البحرية الصينية: عيد.. ودور


افتتاحية العدد التاسع والثلاثين من نشرة الصين بعيون عربية الالكترونية الأسبوعية
محمود ريا

احتفلت البحرية الصينية خلال الأسبوع الماضي بذكرى تأسيسها الستين، في استعراض للقوة لم يحصل من قبل، ما حمل أكثر من دلالة على الاستراتيجية التي وضعتها الصين للمستقبل، ليس على مستوى القوة العسكرية فحسب، وإنما على مستوى التعامل مع العالم بشكل عام.
كانت دعوة قطع بحرية من أربعة عشر بلداً حول العالم إشارة لا بد منها إلى الدول القوية بوجوب أخذ القوة الصينية المتصاعدة بالحسبان، وفي هذا تخلّ عن مبدأ كانت الصين تعمل جاهدة على الحفاظ عليه، مبدأ "الاختباء" من وجه العالم حتى تحين اللحظة المناسبة.
هذا الاختباء كان يفترض أن الصين لم تحقق بعد القوة اللازمة كي تخرج على العالم بإعلان صريح يؤكد أنها قوة عظمى ولا بد من التعامل معها على هذا الأساس، لا بل إن القياديين الصينيين كانوا يصرون دائماً على أن الصين دولة من الدول التي لا تزال على طريق النمو، وإنها دولة لا همّ لها إلا أن تحمي أرضها من أي هجوم خارجي، في رؤية دفاعية لم تتغير منذ قرون ولم تشهد أي نقض لها من أي تصرف رسمي صيني تجاه دول الخارج.
اليوم تقول الصين: بالإذن.. نحن هنا، وقد اختارت البحرية في عيدها لتقول هذه الكلمة الجريئة، وليس هذا الاختيار نابعاً من فراغ، وإنما له عمق يتمثل في قيام البحرية الصينية خلال العام الماضي بمهمتين رياديتين يحملان "الرقم واحد" بكل جدارة: الأولى إلى مياه بحر عمان وخليج عدن للمساهمة في مكافحة مشكلة القراصنة الصوماليين، وذلك في أول تحرك عسكري ردعي تقوم به الصين في تاريخها، والثانية إلى جزر متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي حيث أكدت الصين بذلك قدرتها على فرض رأيها في قضايا الخلافات الحدودية المفتوحة في تلك المنطقة، عندما تشاء ذلك.
لقد حملت هاتان المهمتان رؤية "حماية المصالح" الصينية، ما يشكل افتراقاً عن السياسة التقليدية المتبعة والتي تنص على "حماية الأراضي" الصينية من الاعتداء.
البحرية الصينية اليوم أكبر وأقوى وأكثر فاعلية، تماماً كما هي الصين في أذهان العالم، وقد جاء احتفال هذا الأسبوع بمثابة إطلاق صافرة إنذار لا بد من سماعها جيداً.
هل تسرّعت الصين في إظهار نفسها، وهل تجاوزت برنامجها السابق الذي كان يقوم على الانتظار عشر سنوات أخرى قبل القيام بهذه الخطوة؟
هناك من يقول إن الصين أسرعت لتلاقي ظروفاً كانت تظن أنها متأخرة الحصول، ظروف انهيار القوة العالمية العظمى التي تمثلها الولايات المتحدة الأميركية، وانكفاء قوى دولية أخرى عن لعب دور القوة الكبرى. وبذلك وجدت الصين نفسها على حين غرة في موقع المطالب بموقف.. وهذا ما كان.

الأحد، أبريل 26، 2009

بلا مواربة: إنهم ليسوا منا


كُتب كثيراً عن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، وقيل الكثير بالإيجاب والسلب عن شخصيته وعن مواقفه وعن كل شيء حوله.
وكُتب الكثير أيضاً عن وقفته أمام العالم، سواء في الأمم المتحدة، أو في مؤتمر مناهضة العنصرية، أو في أي مؤتمر آخر يشارك فيه، إذ يقول كلمته بلا تزويق وبلا دبلوماسية.. وبلا نفاق.
وما وقفته في مؤتمر ديربان ـ2 في جنيف قبل أيام إلا واحدة من تلك الوقفات، لم يزد ما قاله فيها عمّا قاله في مكان آخر.. إنه ـ ببساطة ـ الحقيقة حول الجرائم الصهيونية التي يراها العالم كله ولا يجرؤ على انتقادها إلا النزر اليسير من الناس.
ما يجب التوقف عنده ليس خطاب أحمدي نجاد الذي رأى فيه الإعلام الدولي شيئاً عجباً، في الوقت الذي يعرف مفردات هذا الخطاب كل طفل وكبير وصغير في منطقتنا، إلى درجة أن الكثير منا كان يظن أن أحمدي نجاد يتحدث عن معاناته الشخصية مع الاحتلال الصهيوني العنصري في كل فقرة من الخطاب.
ما يجب التوقف عنده فعلاً هو المظاهر التي رافقت الخطاب في مؤتمر دولي عالمي له أصوله وبروتوكولاته الدقيقة والمحددة، حيث كانت حالة الهرج والمرج التي سادت القاعة بمثابة خطة مبرمجة من قبل منظمات وجهات محددة، سواء لجهة محاولات "التهويش" على الخطاب، أو لجهة انسحاب العديد من الوفود "الغربية" من القاعة "احتجاجاً" على الاتهامات التي وجهها أحمدي نجاد لـ"إسرائيل"، وإعادته التأكيد على كون الصهيونية وجهاً من وجوه العنصرية.
حتى هذه الحالة يمكن إمرارها، فالأمر الطبيعي هو أن تقوم القوى المتضررة من الخطاب بمحاولة التشويش عليه حفظاً لصورة "إسرائيل" التي باتت مشوّهة أمام العالم إلى درجة مثيرة للقلق لدى الحلفاء والأصدقاء.
ما أثار العجب لدى البعض من أبناء أمتنا هو انسحاب وفود تمثّل دولاً عربية مع الوفود الأوروبية احتجاجاً على اتهامات أحمدي نجاد، وهي دول تعرّض أبناؤها للكثير من الجرائم الصهيونية المنطلقة من مواقف عنصرية واضحة للعيان.
لهؤلاء المتعجبين يمكن القول: لا تتعجبوا فهؤلاء المنسحبون ليسوا منا، ولا يمثلون شعوباً عربية، وإنما يمثلون بقايا الغرب المتسلطين على رقاب هذه الشعوب.. وسيأتي اليوم الذي يرحلون فيه.. كما رحل أسيادهم.
محمود ريا
الانتقاد/ العدد1343 ـ 24 نيسان/أبريل 2009

الخميس، أبريل 23، 2009

مؤتمرات إقليمية لأزمة عالمية


افتتاحية العدد 38 من نشرة "الصين بعيون عربية" الالكترونية

محمود ريا

تشهد مدن العالم الكبرى العديد من المؤتمرات التي تنعقد على خلفية الأزمة الاقتصادية العالمية التي تضرب كل مكونات الاقتصاد وتهدد بانهيار القواعد التي تقوم عليها الحركة الاقتصادية العالمية إضافة إلى انهيار امبراطوريات كبرى والكثير من الدول الصغرى.
وإذا كان بعض هذه المؤتمرات التي تنعقد هي ذات طبيعة دورية ، بحيث أن انعقادها يحصل كل عام أو أكثر، إلا أن هذا لا ينفي كونها باتت منحصرة في البحث عن علاج ما للورطة التي وقعت فيها دول العالم والتي بدأت معالمها بالظهور في أكثر من منطقة.
فبعد مؤتمر العشرين الذي انعقد في بداية شهر نيسان/ أبريل الحالي ومؤتمر الآسيان الذي كاد أن يتحول إلى كارثة دولية بعد مهاجمة المتظاهرين للمؤتمرين في العاصمة التايلندية بانكوك، جاء مؤتمر بواو في جزيرة هاينان الصينية ليعبر عن التوجه الذي بات يسود في العالم، حيث ضم المؤتمر الذي انعقد هذا العام تحت عنوان: "الأزمة الاقتصادية وآسيا" أكثر من 1600 شخصية من جنوب شرق آسيا بينهم زعماء عشر دول من آسيا.
والمعروف أن منتدى بواو يقدم موقع حوار رفيع المستوى لتشاور شخصيات مختلف الأطراف حول قضايا التنمية الاقتصادية والسكان والبيئة بآسيا، ويعكس المطالب العصرية لطموحات مختلف الدول الآسيوية في تعزيز الحوار والبحث عن التعاون لتحقيق التنمية المشتركة في ظروف العولمة الاقتصادية.
وقد أظهرت المناقشات التي جرت في المؤتمر هذا العام مدى حاجة الحاضرين إلى مناقشة هذه القضايا
بشكل معمق على ضوء التطورات الدراماتيكية التي يشهدها الاقتصاد العالمي.
رئيس الوزراء الصيني ون جياباو قدم صورة مختلفة قليلاً عندا قال إن إجراءات التحفيز الصينية
"ستظهر القدرة الكامنة للنمو الاقتصادي الصيني باستمرار، وأثناء تحسين معيشة الشعب الصيني، ستتوفر المزيد من الفرص التجارية والاستثمارية لدول العالم."
إلا أن هذه النظرة الإيجابية لم تخف اعتراف جياباو بأن "الأزمة المالية الدولية ما زالت تنتشر، وأن الوضع الأساسي لركود الاقتصاد العالمي لم يتغير، وتجاوز تدهور الكيانات الاقتصادية التوقعات، وقد يشهد انتعاش الاقتصاد العالمي عملية طويلة ومعقدة".
فهل نجح مؤتمر بواو الذي أسس ليكون النسخة الآسيوية من مؤتمر دافوس العالمي في تقديم بعض العلاجات لأزمة قد لا ينفع معها إلا الكي؟
على الصين أن تبرهن للعام أنها قادرة على إعطاء الأمل بتحقيق ذلك، وإلا فإن العالم يسير بالفعل إلى المجهول.

الجمعة، أبريل 17، 2009

بلا مواربة: آمون في مصر


قرأت لصديق يكتب في "شبكة فلسطين للحوار" مقالاً يتحدث فيه عن انتشار "عبادة إله جديد" في صفوف النخبة الحاكمة في بعض الدول العربية وعلى رأسها مصر. و"الإله الجديد" يحمل اسم "آمون قومي"، وهو اسم مشتق من اسم "الإله الفرعوني" القديم آمون، يضاف إليه الإشارة إلى القوم الذين باتوا يعبدونه من دون الله، ويطيعون أوامره أكثر من أوامر رب العالمين.
والنسخة الجديدة من "الإله القديم" يلفظ اسمها بشيء من التخفيف، فيصبح الاسم بدل "آمون قومي" هو "أمن قومي" تؤدى له الطقوس، ويُركع أمامه ويُسجد، ولا يخالف له أمر، ولو كان أمره قتل الشقيق ومحاصرة الصديق وقطع يد المحتاج، و ـ أيضاً ـ قطع اليد التي تمتد لمساعدته.
هذا "الإله المطاع" بات حبه يتسرب من قلب الأقليات الحاكمة إلى قلوب بعض الجماهير الذين استخفهم الطيش، وباتوا يسيرون على دين ملوكهم، يعبدون ما يقولون لهم أن يعبدوا، ويجعلونهم يرون ما يرونه هم، دون بحث عن دليل عقلي أو نقلي، ودون التفتيش عن رؤية الله تعالى في هذا الأمر وذاك.
و"الإله الجديد" له "أصدقاء" في الجانب الآخر من الحدود المصرية، يستخدمونه كعامل لديهم من أجل تحقيق أهدافهم في السيطرة على الأرض التي وعدهم بها "إلههم الحربي"، والتي يقيم عليها أناس ابتلوا بكثرة من الفراعنة الذين يفرضون سيطرتهم في هذه المنطقة او تلك.. باسم السلطة التي استمدوها من "الإله" الجديد.
إنه "إله" مطواع للغرباء، قاس على الذين يعبدونه، يجعلهم يدخلون في كل مدخل دخل فيه أعداؤهم ولو كان جحر ضبّ.
بئس "الإله" هو هذا الإله الذي يحمل اسم "الأمن القومي"، وبئس العابدون له من الفراعنة المحنطين، وكهنتهم نافشي الشعور ومادّي اللسان، ومن الناس الذين استهواهم الطيش فتركوا عبادة الرب الواحد إلى عبادة آمون وشارون فباتوا على ما فعلوا نادمين.
محمود ريا
الانتقاد/ العدد 1342 ـ 17 نيسان/ أبريل 2009

السبت، أبريل 11، 2009

بلا مواربة: الحقيقة.. حتى للميت


يقول إخواننا المصريون: "الضرب في الميت حرام".
وهذا القول ينبع من روحية طيبة تسود أبناء هذا الشعب العريق الذي يأبى أن يوجه انتقادات قاسية إلى الميت ومن هو بحكمه، كالمريض الذي يوشك على الالتحاق برحمة ربه. واقتداءً بالأخوة المصريين يصبح من اللائق عدم الدخول في سجال مع الاتهامات التي أطلقها البعض في النظام المصري حول مقاومين لبنانيين وفلسطينيين وعرب. ما يمكن الحديث فيه هو بعيد عن الاتهامات بحد ذاتها وعن مطلقيها وعن الأهداف الكامنة وراءها.. فهذا ربما ليس وقته الآن.. وهنا. الحديث ممكن عن الاغتراب القائم بين بعض الأنظمة العربية وبين الوقائع الميدانية على الأرض، ما يدفع هذه الأنظمة إلى تبني خيارات يتبين فسادها بعد حين، ولكن القيّمين على هذه الأنظمة يضيعون بين الاعتراف بالحقائق من جهة، والمكابرة تجاهها من جهة أخرى، فإذا بهم يتخبطون كأن بهم مسّاً في التعاطي مع القضايا المطروحة.
وهذه المعضلة التي تحكم العلاقة بين الأنظمة العربية والواقع تدفع إلى السؤال عن الطريقة التي يمكن اعتمادها لإعادة التواصل بين بعض سكان البروج العاجية، وبين من يتولون أمورهم في الشارع العادي الذي ينتظر الكثير من أناس لا يبدو أنه يمكن المراهنة عليهم.
هنا تأتي الدعوة إلى الناس العاديين ليقولوا كلمتهم، وهي ليست دعوة للثورة أو الانقلاب أو التوتير، كما يحلو للبعض أن يفهمها، وإنما هي دعوة لقول كلمة صادقة وصريحة ومحبة لأولئك الذين ما يزالون يعتبرون أنهم يمكنهم أن يبنوا أمجادهم على قاعدة الظن بأن الجهل يعمّ الناس، وأنه يمكن الضحك عليهم ببعض الممارسات "الرامبوية" التي يتضح خواؤها عند أول مواجهة للحقيقة.
الضرب في الميت حرام.. ولكن قول الحقيقة أمر واجب، حتى لو كان من لا يريد سماعها ميتاً.. أو من هو في حكمه.
كتب محمود ريا

الانتقاد/ العدد 1341 ـ 10 نيسان/ أبريل

السبت، أبريل 04، 2009

بلا مواربة: شافيز.. وروح الثورة العربية


عندما يرفع هوغو شافير كتاب الثورة العربية في "قمة عربية" لا يعترف معظم قادتها بأحد قادة هذه الثورة ـ الراحل جمال عبد الناصر ـ يحس الواحد منا بصدمة حضارية لا يمكنه تجاوزها بسهولة.

هذا القادم من منطقة لطالما اعتبرتها الولايات المتحدة حديقتها الخلفية يعلن بوضوح انحيازه لنهج الممانعة في وجه المشروع الأميركي الغربي الذي يريد إطباق هيمنته على العالم بشكل كامل، يرافقه في ذلك ثلّة من قادة الدول الأميركية اللاتينية التي مشت على نهجه وصمدت كما صمدت ملهمتها كوبا في وجه الامبريالية الغربية على مدى عشرات السنين.

ربما لم يكن غريباً أن يغادر عدد كبير من "القادة" العرب الدوحة قبل بدء أعمال القمة العربية اللاتينية، فهؤلاء "القادة" غير معنيين بالوقوف بوجه الهيمنة الأميركية، لا بل هم جزء أساسي من آلية الهيمنة على المنطقة، فكيف يمكن أن يحضروا قمة قد تؤسس لنهج يسمح بتحرر دول منطقتين أساسيتين في العالم من هذه الهيمنة؟

وكما العرب كذلك اللاتينيون، فالذين لم يحضروا من القادة هم ـ بمعظمهم ـ من الذين ما زالوا يرزحون تحت السيطرة الأميركية عليهم وعلى بلادهم، وبالتالي فهم كهؤلاء العرب بعيدون عن البحث عن طريق خلاص.

هنا تبدو الصدمة النفسية عند المواطنين العرب في أعلى تجلياتها: أناس يأتون من أقاصي الأرض، ومما كان يسمى جمهوريات الموز، جاؤوا ليذكّروننا بأننا نحن أول من ثار على الهيمنة الأميركية، وليعلّموننا أن نستفيق لنستعيد ريادتنا في مواجهة الإمبريالية.

عجيب هذا الزمان.. هو عجيب إلى درجة جعلت هوغو شافيز يترك القمة العربية اللاتينية سريعاً غير آسف ليقوم بزيارة إلى.. إيران.

هناك، في طهران، يوقن شافيز أنه يجد آذاناً صاغية لـ"الثورة العربية" بعيداً عن الذين ينطقون العربية.. بروح أميركية.

محمود ريا


الانتقاد/ العدد 1340 ـ 3 نيسان/ أبريل 2009