السبت، أكتوبر 03، 2009

بلا مواربة: الجيش الصيني. في الذكرى الستين

يثير الحديث عن الذكرى الستين لقيام جمهورية الصيبن الشعبية الكثير من الأسئلة حول المدى الذي تسير فيه هذه الجمهورية في استلهامها للمبادئ الأساسية التي حكمت انطلاقتها، من شيوعية الفلاحين إلى قيادة جيش التحرير الشعبي إلى تقديس القادة التاريخيين.
بالنسبة للنقطتين الأولى والثالثة يبدو أن هناك تغييرات ظاهرة في نظرة الشعب والقيادة الصينية إليهما.
فشيوعية الفلاحين باتت بعد التغييرات و"الإصلاحات" السياسية، التي شهدتها الصين في السبعينات من القرن الماضي، في خبر كان. وما يحكم النظام الاقتصادي الصيني اليوم هو اشتراكية السوق، وذلك في توليفة، ما تزال تنتظر الحكم على مدى نجاحها، بين الاشتراكية التي ما يزال الحزب الشيوعي يرفع لواءها، وآليات السوق الذي يحتاج الاقتصاد الصيني كثيراً إليها كي يستطيع استكمال النهوض الشامل الذي يشهده.
أما تقديس الزعماء التاريخيين فقد انتقل من إعطاء أهمية استثنائية للزعيم الحالي إلى تكريم الزعماء السابقين (مع ذكر محاسنهم فقط) مقابل انطفاء وهج الزعامة الحالية التي أخذت تبدو مثل كل الزعامات في الدول الأخرى، ولم تعد هناك هالات فوق التصور حولها ولا سيما الزعيم والقائد هو جين تاو، الذي يعامل في بلاده في صورة تشبه إلى حد كبير ما يعامل به الرئيس الأميركي أو الفرنسي أو غيرهما من رؤساء الدول في الغرب والشرق.
تبقى النقطة الثانية، وهي المتعلقة بجيش التحرير الشعبي. وهنا يبدو أن الأمور ما تزال على ما هي عليه منذ تأسيس الدولة الحديثة في الصين (وقبل ذلك بالنسبة لجيش الامبراطورية) وحتى اليوم.
من تابع العرض العسكري الذي شهدته ساحة تيان ان مين في العاصمة الصينية بكين يمكنه أن يلاحظ بسهولة الموقع المميز الذي يحتله جيش التحرير الشعبي في قلب القيادة الصينية وفي قلب الشعب أيضاً.
ربما يكون الجيش هو السند الخلفي الوحيد لكل ما تشهده الصين من تقدم، لأنه يعطي الدولة الاستقرار والاقتصاد الأمل بالتطور والناس الحماية التي لا يمكن أن يتخلوا عنها.
من أجل ذلك ينبغي النظر بدقة إلى ما يخطط له الجيش في الصين، لا ما يقوله السياسيون، لأنه بـ "القلم الأحمر" يرسم مستقبل الصين.. والعالم.
محمود ريا

الخميس، سبتمبر 24، 2009

بلا مواربة: هزيمة أميركية ـ صهيونية


لم تتأخر صيحات الانتصار في الخروج من أفواه قادة عدد من الدول بعد إذعان الرئيس الأميركي باراك أوباما وإعلانه تجميد مشروع الدرع الصاروخية في أوروبا.
صحيح أن بعض التصريحات المعبرة عن خيبة الأمل قد صدرت عن قادة الدول التي كانت الدرع الصاروخية ستحل فيها، نظراً لفقدان هذه الدول للاستثمارات الناجمة عن إنشاء هذه الدرع، ولكن الصحيح أيضاً أن الشعوب في تلك الدول كانت مرتاحة جداً للذي حصل، لأن استطلاعات الرأي العام فيها كانت تفيد بوجود نسبة تعادل ثلثي سكانها تعارض درع بوش الصاروخية.
إذاً لم يخسر في هذه الجولة من المعركة الصاروخية سوى الولايات المتحدة وقادة بولونيا وتشيكيا ـ هذا بالشكل الظاهر ـ فيما كان الرابحون كثراً، وعلى رأسهم روسيا التي استطاعت ان تفرض رأيها في هذا الموضوع وهي التي وصل بها الأمر إلى التهديد بإشعال حرب عالمية على غرار الحرب العالمية الثانية لمنع الإدارة الأميركية من إتمام درعها الصاروخية.
من الرابحين أيضاً كما يقولون إيران التي كانت الدرع موجهة رسمياً ضدها، فإذا بها تجد أن الولايات المتحدة الأميركية ومعها أوروبا باتت بلا درع ولا من يدرّعون.
أما الخاسر الأكبر في هذه المعمعة، وهو الخاسر المستتر على كل حال، فهو الكيان الصهيوني الذي أصيب قادته بالذعر وهم يرون الولايات المتحدة تتراجع أمام روسيا، في مسألة تخص إيران، ما يشير إلى سلسلة تراجعات أخرى قد تحصل في المستقبل في هذا الإطار، ما يعني فقدان الدعم الأميركي ـ والدولي ـ للموقف الصهيوني المتشنج تجاه الجمهورية الإسلامية.
ما حصل باختصار هو هزيمة مزدوجة أميركية صهيونية، وتداعياته ستكون قاسية على مسرح العلاقات الدولية في المرحلة المقبلة.
محمود ريا

الخميس، أغسطس 27، 2009

بلا مواربة: اللغة تختصر بمقطعين

محمود ريا

لمن لم يقرأ قصة الكاتب التركي المعروف عزيز نيسين (آه منا نحن الحمير) يمكن تلخيصها له ببعض عبارات تحمل في طياتها الكثير من المعاني.


تحاول القصة أن تشرح للبشر لماذا تقتصر لغة الحمير على مقطعين فقط هما (هـ...ا هـ...ااا) أو ما اعتدنا نحن البشر على أن نسميه بالنهيق.

ينقل الكاتب القصة عن لسان حمار يخاطب البشر ويروي لهم "حادثة تاريخية" حصلت في قديم الزمان، وحوّلت لغة الحمير من لغة غنية بالمفردات والأصوات (تماماً كلغة البشر) إلى لغة فقيرة يعبر من خلالها الحمير عن كل مشاعرهم بمقطعين فقط.

وباختصار شديد فإن "الحادثة التاريخية" التي أدت إلى "ربط ألسنة" الحمير هي أن حماراً عجوزاً كان يرعى في البراري وحده وهو يغني الأغاني الحميرية، فتناهت إلى أنفه رائحة ليست طيبة، هي رائحة ذئب.

لقد حاول الحمار العجوز تجاهل الرائحة، وكلما كانت الرائحة تقترب كان ينفي وجود الذئب، وهو يعلّل هذا النفي بشتى العلل، من دون أن يتحرك من أرضه بالرغم من الرعب العظيم الذي داخَلَه، والذي أنكره في الظاهر.

ولما أصبح الذئب قريباً جداً، ورآه الحمار المنكر له رأي العين، أراد الحمار العجوز الهرب دون أن يقر حتى تلك اللحظة بوجود الذئب بقربه، يهدده ويكاد يفترسه.. إلى ان وقعت الواقعة وعضه الذئب في أنحاء جسده.. عندها بدأ يصرخ:
"ـ هـ...ااا، إنه ذئب، هـ...ااا، هو... هـ...ااا.. هوووو.

الذئب يمزقه، وهو بسبب ارتباط لسانه لا يصرخ إلا:

ـ هـاااا.. هووو.. هااا، هـ....ااا، هـاااا.

سمعت الحمير كلها صراخ الحمار من الجيل القديم بآخر كلماته حيث كانت تردد أصداءها صخور الجبال، وهو يتمزق بين أنياب الذئب:

ـ هاااا، هااااا، هاااا.."

ويختم الكاتب القصة بالقول على لسان الحمار الذي يروي القصة: "ولو لم يخدع نفسه ذلك الحمار ابن الجيل القديم حتى وصل الخطر إلى تحت ذيله، كنا سنبقى على معرفة بالكلام".

بعد هذه القصة "الواقعية" يطرأ سؤال: متى ستتحول لغة بعض العرب إلى مقطعين فقط، وهم يرون الخطر الصهيوني تحت ذيلهم ثم ينكرونه متعللين بمختلف العلل؟

السبت، أغسطس 01، 2009

بلا مواربة: يأس.. ويأس


بعد صرخة القدس هاك صراخ كثير، وإذا كانت المدينة المقدسة لم تجد من يدافع عنها، فهل ستجد يافا وحيفا، ومعهما الجليل والنقب من يقف ليقول: كفّوا عن تهويد الأرض والبلاد وعن حرمان الناس من حقهم في الحياة؟


اليائس من ان تسمع الآذان الصماء صرخة مسرى الرسول، سيكون أكثر يأساً من سماع هذه الآذان لصرخة مدن اعترف عتاة العرب بأحقية الصهاينة بها، وهم يتواطأون مع حكومة العدو على محو هويتها التاريخية العربية والإسلامية للخلاص من "وجع الرأس" الذي يثيره النداء المنطلق من مئات الآلاف من الفلسطينيين العرب المسلمين والمسيحيين الذين لا يكفون عن الحراك منعاً لتهويد أرضهم وتاريخهم ومستقبلهم.


اليائس من ان يتحرك من فرضوا انفسهم زعماء على العرب كي ينقذوا المسجد الأقصى الذي باتت الأنفاق تحفر أرضه وتتركه خاوياً فوق خواء، سيكون أكثر يأساً من تحرك هؤلاء لإنقاذ أرض باتت بحكم استسلام العرب جزءاً من "دولة إسرائيل" المعترف بها من معظم الأنظمة التي باتت تتسابق للتطبيع معها وتقديم صنوف "الإغراءات" لها كي تقبل بـ"السلام".


إنه يأس كبير، إنه كيأس "الكفار من أهل القبور".


ولكن هناك بالمقابل يأس آخر.


إنه يأس الصهاينة والأميركيين ومن يقف معهم من القدرة على القضاء على الشعب الفلسطيني وإخراجه من الوجود، سواء داخل أراضي الـ48 أو في الضفة وغزة والقدس.


هذا اليأس هو الأمر الوحيد الذي ما زال يمنع الصهاينة من تنفيذ ضربتهم الكبرى في تهجير الفلسطينيين ومنعهم من التفكير بالعودة إلى هذه الأرض.


إنها إرادة المقاومة وإرادة الصمود التي لن يستطيع أحد القضاء عليها، ولا حتى العرب الذين يملأون الجرائد هذه الأيام بالحديث عن فوائد "التوطين".


محمود ريا

الانتقاد ـ العدد 1357 ـ 31 تموز/يوليو 2009

الاثنين، يوليو 27، 2009

بلا مواربة: التاريخ سيلعن صمتكم


هل سمع أحد منا بالقدس؟

هل مرّ اسمها على خاطره، أو رسمها في تخيّله؟

هل تذكّر قبابها المميزة ومساجدها المقدسة وكنائسها ومدارسها وأزقتها؟


هل طرق قلبه صياحها ونداؤها واستغاثتها؟

أم اننا "على قلوب أقفالها"؟

المدينة المقدسة، رمز عزتنا ومهوى أفئدتنا، تدنّس، تهوّد، تمسخ شخصيتها، تهدم منازلها، تقوّض أركان مسجدها، وأمتنا سابرة في غيّها، مغرقة في صمتها، سابحة في استسلامها، لا تحرّك ساكناً ولا تحقّ حقّاً أو تزهق باطلاً.

هذه الأمة، المترامية الأطراف، المتعددة الدول والرؤوس والمقامات، المالكة لما لا يحصى من الثروات، إن لم تتحرك الآن فمتى تتحرك؟ "إن لم تغضب الآن، فمتى تغضب؟"

هذه الشعوب التي تهتم بأي شيء إلا بمصيرها وبمستقبلها، متى تلتفت إلى قدس أقداسها وهو يوجّه إليه الضربة الأخيرة.. القاصمة؟

يا ناس، أيتها الشعوب، أيها القابعون في دهاليز التاريخ وعلى رفوف الحاضر وفي غياهب المستقبل، استفيقوا، أرض الميعاد توجه كلمتها الأخيرة إليكم، بعدما يئست من سماعكم لنداءاتها، وأيقنت عجزكم عن السعي لاستنقاذها.

قدس أقداسكم تقول لكم:

أيها النائمون في زمن أقل ما يُطلب فيه هو الاستيقاظ، أيها التاركون مسرى نبيكم في أيدي اللئام، يقسّمون ويهدمون، ولمستوطناتهم على أرضها يبنون، أيها الفاشلون في اتخاذ زمام المبادرة والعمل على تحرير المسجد الأقصى وقبّة الصخرة وكل ما يحيط بهما...

قدس أقداسكم تقول لكم: التاريخ سيلعن صمتكم... الحاضر سيدين عجزكم، والمستقبل في صفوف المنقرضين الخانعين الخائفين سيدرجكم.


إن لم تتحركوا الآن.. فالقدس ستلعنكم.


محمود ريا
الانتقاد ـ العدد1356 ـ 24 تموز/يوليو 2009

الثلاثاء، يوليو 21، 2009

بلا مواربة: كفرشوبا تؤكد عهدها


في مهمة صحافية قمت بها إلى كفرشوبا بعد تحريرها، كان لي لقاء مع رئيس بلديتها في أحد طرق البلدة، في جلسة ربيعية على كراسي صغيرة، أمام أحد الدكاكين التي يلتقي بقربها أبناء البلدة، الكبار والشباب، للحديث في شؤون بلدتهم والتذكير بضرورة العمل لتحرير ما تبقى من تلالها محتلاً من العدو الصهيوني الغاصب.
يومها كان الشعور بالاعتزاز بالمقاومة وجهادها وعملياتها أكبر من أن يوصف، وكان التصميم على الوقوف بجانب المقاومة في سعيها لتحرير الأرض أكثر ثباتاً من الصخور التي اقتحمتها البلدة لتقيم حصنها فيها.
في كل تصريح قرأته على لسان رئيس البلدية وأبناء بلدته خلال السنوات التي تلت، كان هذا التصميم يزداد وضوحاً، ولم تؤثر الخلافات التي ذرّت بقرنها في الساحة اللبنانية على هذا الموقف، ولم تحوّله إلى موقف بلون مناقض، أو حتى بلون مغاير عن اللون الناصع الذي تميّز به.
وحتى في حرب تموز 2006، التي نعيش ذكرياتها البطولية اليوم، وبرغم تعرض البلدة لهمجية العدو الصهيوني البربرية، لم يغيّر أهالي كفرشوبا موقفهم هذا، وبقوا يؤكدون أن المقاومة هي التي تحرر أرضهم وتعيد لهم المقدّس من تلالهم.
اليوم، مرة أخرى قرن أهالي كفرشوبا القول بالفعل، وانتفضوا على محاولات الصهاينة توسيع رقعه احتلالهم لأراضي البلدة، ولو كان هذا التوسع بمساحة شبر واحد، فاقتحم الأهالي الأبطال الساتر التي أقامه جيش الاحتلال على تلال البلدة ورفعوا عليه أعلام لبنان والمقاومة.
إنها الروح المقاوِِمة التي عاشت في البلدة منذ بداية وجود الكيان الغاصب على أرضنا العربية الإسلامية، وبجوار بلدة كفرشوبا، وهي روح عجزت كل صروف الدهر في الماضي عن إخراجها من تلك الأرض الطيبة، وستعجز كل الخلافات والمؤامرات عن اقتلاعها من أرواح المجاهدين أبناء الشهداء حاملي راية المقاومة على الدوام.
محمود ريا
الانتقاد/ العدد1355 ـ 18 تموز/ يوليو 2009

الخميس، يوليو 16، 2009

أزمة شينجيانغ بين الحقوق المحلية المشروعة والتدخلات الدولية المكشوفة


محمود ريا

أن يغادر الرئيس الصيني هو جينتاو إيطاليا على جناح السرعة، تاركاً قادة العالم مجتمعين في قمة الثماني الاقتصادية، ليعود إلى بلاده إثر الاضطرابات التي تشهدها منطقة شينجيانغ غرب الصين، فهذا يعني واحداً من أمرين: إما أن الرئيس الصيني غير مهتم بقمة الزعماء الاقتصاديين في ظل معلومات عن عجزها عن اجتراح حلول للأزمة الاقتصادية العالمية، أو ان الوضع في منطقة شينجيانغ خطير فعلاً إلى درجة جعلت قائد ثالث أكبر اقتصاد في العالم يتخلى عن كل شيء للعودة إلى «قواعده» من أجل معالجة ما يحصل هناك.
المواقف التي أعلنها أكثر من مسؤول صيني توحي بأن الصين مهتمة فعلاً بالقمة الاقتصادية العالمية، فهي ناضلت كثيراً للوصول إلى المشاركة في القمة، بالرغم من الوزن الاقتصادي الذي تشكله على المستوى العالمي، وبالتالي فالقيادة الصينية لا تفرط بسهولة بحضور هذه اللقاءات التأسيسية التي تحمل تأثيراً استراتيجياً على الاقتصاد العالمي، ولا سيما أن هذه القمة التي تحتضنها مدينة أكويلا تشهد مشاركة العديد من رؤساء الدول النامية بما يشكل منتدى اقتصادياً عالمياً لا يمكن تفويته.
يبقى الاحتمال الآخر، وهو أن الصين تعيش وضعاً خطراً حقاً، وهذا ما دفع الرئيس الصيني إلى ترك التفكير بالعالم وأزماته الآن، لينصرف إلى إيجاد حل للأزمة الحقيقية التي تعيشها بلاده، حيث تنتشر على امتداد مليون وستمئة ألف كيلومتر من ملايين الأرض الصينية التسعة فتنة تكاد تطيح الأخضر واليابس.
صحيح أن الصين ستتغلب على هذه الأزمة التي تفجرت بشكل يعتبره المراقبون مفاجئاً وسريعاً، ولكن الصحيح أيضاً أن هذه الأزمة ستترك ندوباً عميقة على جبهتين:
ـ جبهة العلاقات العرقية بين القوميات الصينية المختلفة، ولا سيما بين قوميتي الهان والإيغور اللتين خاضتا في هذه الأحداث حتى سالت من الطرفين بحور الدم.
ـ وجبهة صورة الصين التي تبذل الحكومة الصينية جهوداً جبارة لجعلها صورة مشرقة ومعبرة عن قوة تسعى بشكل حثيث كي تحمل لقب قوة عظمى في السنوات المقبلة، لتأتي أحداث جسيمة من هنا وهناك، فتعيد تلويث هذه الصورة وتفرض على المؤسسة الصينية العمل لجلائها من جديد.
وإزاء هذا الواقع تبدو عودة الرئيس الصيني إلى بيجينغ تصرفاً بعيداً عن العشوائية، وخطوة مطلوبة بقوة من أجل توحيد كل الجهود داخل الإدارة الصينية للخروج من هذا المأزق الذي ضُبط الصينيون فيه دون سابق إنذار.
مما لا شك فيه أن الأحداث الدائرة في إقليم شينجيانغ هي نتيجة سنوات طويلة من الاحتقان الذي تعيشه تلك المنطقة نتيجة حالة الانقسام العرقي الشديد الذي يذر بقرنه بين قوميتي الهان والإيغور، هذه الحالة التي عززتها إجراءات قامت بها السلطة الصينية من أجل فرض قومية على أخرى بشكل فجّ في أحيان كثيرة، وهذا ما أدى إلى شعور القومية الأخرى بأنها مستهدفة بتاريخها وبإيمانها وبثرواتها وبمستقبلها.
وقد تراكمت هذه الأحاسيس على مدى عقود، لتعيد إحياء أحلام قديمة وإيقاظ أحقاد أكثر قدماً، في ظل غياب معالجة ناجعة من قبل المسؤولين الصينيين الذين يُشهد لمتأخريهم بالعمل على تخفيف الإجراءات التعسفية بحق المواطنين الإيغوريين.
إلا أن ما لا يمكن إنكاره بالمقابل هو حجم الرعاية الخارجية لعملية إيقاظ المشاعر الدفينة لدى الأقليات في الصين، تماماً كما يحصل في كل منطقة يكون فيها للأصابع الغريبة وجودها النابع من مشاريع بعيدة كل البعد عن مصالح السكان الأصليين.
وقد كان وجود «قيادة الانتفاضة» الإيغورية في الولايات المتحدة الأميركية بالتحديد مثيراً للكثير من الأسئلة لدى المتابعين لشؤون الصين، وعلى رأسها السؤال الأكبر: إلى أي مدى يتمتع المقيمون في العاصمة الأميركية باستقلالية الحركة التي تسمح لهم باتخاذ قرارات كبيرة بحجم تفجير الوضع في منطقة شاسعة مثل إقليم شينجيانغ دون تدخل من الموسوسين الدوليين والغربيين؟
إن الإجابة عن هذا السؤال تفتح المجال للإجابة عن أسئلة أخرى من قبيل: هل كان التحرك الشعبي الإيغوري عفوياً، وهل كان مجرد ردة فعل على قتل مواطنين إيغوريين في أحد المصانع من قبل مواطنين آخرين من قومية الهان؟
هل هذا التحرك معزول تماماً عن مشاريع إلهاء الدول التي تشكل خطراً على الولايات المتحدة، أو التي ستشكل خطراً في المستقبل، في مشاكل داخلية حادة يمكن من خلالها لواشنطن إعادة موازنة دورها ووجودها في العالم في ظل النكسات الشديدة التي تعرض لها هذا الدور خلال السنوات الماضية؟
وهل الصين هي الضحية الجديدة لما يراه بعض المتابعين للشؤون الدولية سياسة أميركية جديدة في التعاطي مع قضايا العالم، بعد فشل السياسة الحمقاء التي كانت الإدارة الأميركية السابقة تعتمدها؟
وأي دور لعبه الإعلام الجديد في تفجير الانتفاضة الإيغورية بعد أن قام بدوره كاملاً في مناطق أخرى من العالم خلال الأشهر الماضية، قبل أن تجد «الدول المعنية» وسائل ناجعة للعمل على إسكاته وإفشال المخططات الموضوعة له؟
هذه الأسئلة وغيرها لا تنفي أبداً المسؤولية الصينية عما يحصل داخل الصين، ولا عما يجب أن تقوم به حكومة بكين لإيجاد صيغة سحرية تجمع بين الحفاظ على وحدة البلاد والسعي لإعطاء الأقليات المزيد من الحقوق الأساسية التي لا يمكن العيش بدونها، ولكنها تفتح المجال أيضاً للبحث في الكيفية التي يقود بها بعض المتنفذين الدوليين لعبة بناء مستقبل جديد للعالم في ظل التنوع على مستوى الثقافات، وعلى مستوى مراكز السيطرة والتحكم في الوقت نفسه.
هذا المقال نشر في صحيفة السفير اللبنانية، صفحة قضايا وآراء يوم الجمعة 10/7/2009 تحت عنوان: مـن أضـرم النـار فـي الصيـن؟ وذلك على الرابط التالي:
http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=1283&articleId=1106&ChannelId=29637&Author

بلا مواربة: عام لإزالة الأنقاض


في اللحظة التي انتهى بها عدوان تموز عام 2006 على لبنان، تحركت آلة جبارة تعمل على رفع الأنقاض التي خلّفتها الهمجية الصهيونية في الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع والشمال، وكل لبنان، وذلك من أجل إزالة وشم العدوان عن جسد المقاومة وأهلها، ومن أجل التأكيد على إرادة الحياة التي ما خَبَت في عيون أبناء الأحياء والقرى حتى تشع من جديد.


كانت عملية إزالة الأنقاض تحمل صورتين متقابلتين:


الأولى: هي صورة الكشف عن حجم الحقد الصهيوني الذي عبّر عن نفسه تدميراً للحجر وقتلاً للبشر. وإذا كانت المعلومات عن القصف تتواتر في كل لحظة خلال العدوان، فإن حجم الدمار الذي تركته القذائف والصواريخ الصهيونية بدا بشكل واضح مع كل يوم كانت تتقدم فيه عملية إزالة هذه الآثار، فـ"الصورة من فوق غير الصورة من تحت"، ومشاهدة صاروخ يسقط على مبنى عبر شاشة التلفزيون أو عند الوقوف على تل بعيد لا تشبه بحال من الأحوال "التجول" في الشوارع التي لم يعد من الممكن سلوكها بسبب كتل الأسمنت وقطع الحديد التي ملأت كل مكان، إلا أمكنة المباني التي كان يفترض أن تكون هذه القطع فيها.


والثانية: هي صورة الناس الذين كانوا يتحدّون كل هذا القهر للبحث عن شيء قد تبقى من أثاث منازلهم المهدمة، لا طمعاً بالقيمة المادية لهذه المقتنيات، ولكن تأكيداً على الارتباط بما كان موجوداً، والعهد بالعمل على الحفاظ عليه، بما يؤكد فشل الصهاينة في دفع الناس لترك كل شيء والاستسلام للعدوان ونتائجه وأهدافه.


بالأمس قيل إن رفع الأنقاض في غزة يتطلب عاماً كاملاً. ما حصل هناك عام 2009 هو نسخة مكررة عما حصل في لبنان عام 2006، وتلقي الأهالي لما حصل مشابه في المنطقتين، ومهما طالت عملية رفع أنقاض العدوان الصهيوني، فإن النتيجة هي واحدة: العدوان فاشل وأهدافه ساقطة، ومنفذوه يعرفون مكانهم على صفحات التاريخ.


محمود ريا

السبت، يونيو 27، 2009

بلا مواربة: تويتر.. والفرص المتكافئة


وصلتني رسالة على حسابي في موقع فايسبوك تتحدث عن وقف إدارة الموقع لحسابات عدد من الأصدقاء بتهمة "خرق قوانين".


و"للصدفة" فإن الحسابات الملغية عائدة كلها لأشخاص يدافعون عن المقاومة ويقفون موقفاً معادياً للعدوان الأميركي على أمتنا، ويعلنون ذلك بأقوى كلمة، ولكن دائماً بالكلمة، في موقع يدار من دولة تدعي تقديس الكلمة والدفاع عن حرية الرأي.



وصول الرسالة التي تحمل هذا الخبر تزامن مع متابعتي الدقيقة لموقع "تويتر" وما يجري فيه من "تحركات" لا يمكن وصفها إلا بكونها اجتماعات لـ"مجلس قيادة الثورة" على الثورة الإسلامية في إيران.



المتابع لصفحة "الانتخابات الإيرانية" على "تويتر" يفاجأ بكمّ التفاصيل و"المعلومات" التي يلتقطها، إلى الحد الذي جعل من هذه الصفحة مصدراً لأخبار بعضها يمكن تصديقه، وبعضها الآخر "لا يدخل في عقل" نظراً لما يحمله من مبالغات وتهويل، ولما يضخه من كراهية ودعوة إلى العنف والاضطراب وهزّ حبل الأمن.



هذه المفارقة في التعامل مع "حرية الرأي" تدفع للسؤال: أية معايير تحكم إدارة المواقع العالمية، ومن يتحكم بقرارها السياسي، وكيف يمكن أن نصدق أن هذه المواقع "مستقلة" كما تدعي، وأنها تؤمن بتكافؤ الفرص وتسمح للجميع بالتعبير عن آرائهم.



المفروض ان تكون إدارة هذه المواقع ذكية بما يكفي، فتقوم بالتعمية على انخراطها في إطار الآلة السياسية الدعائية الغربية، وتلعب دورها بشكل خفي، لإقناع العالم باستقلاليتها، ولإبقائها مصدراً محايداً يعتمد عليه، ولكن هناك ما دفع هذه الإدارات إلى اتخاذ مواقف حاسمة.. والانحياز بشكل علني وفاضح.



هل هو الاستخفاف بالذين لا يوافقهم هذا الانحياز، أو هو الخوف على من يوافقهم؟



مهما كان السبب، فالواضح أن الحديث بعد الآن عن فرص متكافئة بات خلفنا، ومن يُرد فرصة التعريف بما لديه، عليه ان يخلقها بيديه، إذا لم يكن ممن ترضى عنهم آلة الإعلام الغربية.



محمود ريا



الانتقاد/ العدد 1352 ـ 26 حزيران/ يونيو 2009

السبت، يونيو 20، 2009

بلا مواربة: فصل الخطاب


الخطاب مهم في كل مفاصله، وقاطع بمضمونه، وهو مثير للانطباعات بشكله وبما رافقه من مظاهر تؤكد أن كل ما يرسمه الاستكبار الأجنبي من سيناريوهات هو مجرد توهمات.

ملايين من هنا وملايين من هناك كانت في الشارع، وفي أثناء هذا الخطاب، كانت هذه الملايين وتلك مع بعضها، تسمع الكلمات نفسها، وتهتف الهتافات نفسها: الموت لأمريكا الموت لـ"إسرائيل" والموت لمعادي ولاية الفقيه (مرك بر ضد ولايت فقيه).

إذاً، هناك ما يجمع بين هؤلاء وأولئك، هناك ما هو أقوى من أسباب الفرقة والخلاف، والقاعدة المشتركة أقوى من أن تهزها خلافات على موقع وعلى صندوق.. وعلى صوت.

أما الكلام، فهو ما يجب أن يسمعه هؤلاء وأولئك، صرخة بوجه المستكبر من جهة، ودعوة إلى التوحد من جهة أخرى، وقرار بأن تسير الأمور بمسلكها الدستوري، من دون تهويل أو تعطيل.

إنه مسار يجب أن تسلكه الأمور، والكل سيلتزم به بلا تردد، وسيتقيد به بلا تشكيك، وسيكون فيه شفاء من داء التفرقة والانقسام الذي أريد له أن يذر قرنه بين أبناء الشعب الإيراني.

أما من لا يلتزم، إذا كان هناك من سيفعل، فهو يضع نفسه في مواجهة الأربعين مليوناً من أبناء الشعب الإيراني الذين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات، وفي مواجهة الإيرانيين السبعين مليوناً الذين يهتفون بكل قوة بحياة الجمهورية الإسلامية وبسيادة ولاية الفقيه.

خطاب الجمعة الذي ألقاه الإمام السيد علي الخامنئي كان حاسماً في كل شيء، في الشكل وفي المضمون، في ما قرره وفي ما حذر منه، في ما لفت إليه، وفي ما غضّ النظر ـ مرحلياً ـ عنه، بانتظار أن يطرأ ما يوجب الحديث عنه، وعندها قد تنكشف الكثير من المعطيات التي ما تزال خافية حتى اليوم.
إنه خطاب تاريخي.. إنه فصل الخطاب.

محمود ريا

الانتقاد/ العدد 1351 ـ 19 حزيران/ يونيو 2009

الجمعة، يونيو 19، 2009

ماذا تريد الصين من العرب؟.. ماذا يريد العرب من الصين؟

محمود ريا
مع الصعود السريع للصين على مسرح العلاقات الدولية.. والحجم الكبير الذي يأخذه الاقتصاد الصيني على الخارطة الاقتصادية العالمية، يصبح السؤال عن فحوى العلاقات بين العرب والصين وما هو مطلوب لها وما هو مطلوب منها أكثر مشروعية من أي وقت مضى، فالصين هي ثالث اقتصاد في العالم الآن، وربما تصبح الاقتصاد الأول عالمياً قبل عام 2020، مع ما يعنيه ذلك من وزن سياسي واقتصادي للعملاق الأصفر في المرحلة القادمة.
إلا أن السؤال حول طبيعة العلاقات العربية الصينية يحمل في طياته عدة أسئلة اخرى: هل الصين واحدة في النظرة إلى العرب، وهل العرب يحملون نظرة واحدة لما يريدونه من الصين؟
أحد الخبراء العرب بالشؤون الصينية عاد منذ فترة من بيجينغ حاملاً نصف إجابة للسؤال الأول، ويبقى المطلوب السعي للوصول إلى استكمال الإجابة على هذا السؤال، ومن ثم الإجابة على السؤال الثاني بما يحمله من احتمالات وتعقيدات.
في دردشة، أرادها خاصة، وحاول أن ينطق بالكلمات خلالها بشكل هامس يدل على خطورة ما يقول، تحدث الخبير العربي (الذي يزور الصين أكثر من مرة في السنة) عن وجود تيار من الجيل الجديد في القيادة الصينية يطرح سؤالاً يشغل بال الجميع: ما هي العناصر المطلوبة للحفاظ على النمو المتصاعد للاقتصاد الصيني، وأين يمكن إيجاد هذه العناصر؟
يرى المنتمون إلى هذا التيار أن الحاجة ماسة إلى ثلاثة عناصر أساسية لاستمرارية نمو الاقتصاد الصيني هي المال والطاقة والتكنولوجيا العالية (الهايتيك)، ويتابعون أن الموجود في العالم العربي هو الطاقة والمال. ويبقى العنصر الثالث المطلوب، وهو التكنولوجيا العالية.
وهنا يقف أعضاء هذا التيار أمام سؤال عن الأماكن التي يمكن الحصول منها على هذه التكنولوجيا، فلا يجدون إلا مصدرين أساسيين لها: المصدر الأول هو الولايات المتحدة الأميركية، وهذه الدولة تضع عقبات كثيرة أمام "نقل التكنولوجيا" إلى الصين خوفاً من المنافسة الشديدة التي يشكلها الاقتصاد الصيني للاقتصاد الأميركي. أما المصدر الثاني الذي يمكن الحصول منه على هذه التكنولوجيا العالية فهو إسرائيل.
وأمام هذه "المعادلة" ينطلق المنتمون إلى هذا التيار ليقولوا إن كلاً من المال المطلوب للاستثمارات، والطاقة اللازمة لتحريك عجلة الاقتصاد يمكن الحصول عليهما من مصادر أخرى غير الدول العربية، حيث أن النفط والغاز متوافران في دول كثيرة غير الدول العربية، كما أن الأموال المخصصة للاستثمارات ليست موجودة عند العرب وحدهم، ولا يتحكم بها العرب بشكل مستقل.
بالمقابل فإن التكنولوجيا العالية (وهي حاجة حيوية للاقتصاد الصيني) لا يمكن توفيرها إلا من إسرائيل ـ بعد الولايات المتحدة الأميركية ـ ويصلون إلى مفاضلة لا بد منها تقوم على قاعدة وجوب الوقوف إلى جانب إسرائيل والانسحاب من الموقف التقليدي الذي تقفه الصين إلى جانب العرب في منطقة الشرق الأوسط.
ينطق الخبير العربي هذه الكلمات ببطء ليضيف بعدها أن "السلطة الحاكمة" في الصين ترفض التسليم بالخلاصة التي يصل إليها "التيار الإسرائيلي" في القيادة الصينية، مشيراً إلى أن الشخصيات الأكثر بروزاً في القيادة الصينية تقرّ بأهمية العلاقة مع إسرائيل ولكن ليس على حساب العلاقات مع العرب، وتصرّ على الاحتفاظ بموقف متوازن من الصراع في المنطقة، حفاظاً على المصالح الاقتصادية الصينية من جهة، وتعزيزاً للدور الصيني المتنامي في السياسة الدولية من جهة أخرى.
هذا هو "نصف الجواب" الذي يقدمه الخبير العربي في الشؤون الصينية على سؤال: ماذا تريد الصين من العرب، ولكن هناك نصفاً آخر لم يتطرق إليه، وهو موقف القيادات "الأكثر تشدداً" في السلطة الصينية، سواء كانوا في الحزب الشيوعي أو في القيادة العسكرية الصينية.تفيد معطيات مستقاة من أكثر من مصدر صيني أن القيادات الأكثر راديكالية في المؤسستين العسكرية والإيديولوجية الصينية لا تزال تنظر إلى العالم على قاعدة الصراع القادم لا محالة مع الولايات المتحدة الأميركية، وترى هذه القيادات في العالم العربي (بغض النظر عمّا يراه هو في نفسه) نقطة ارتكاز أمامية في أي نزاع قد يحصل مع واشنطن، أو حتى في أي حرب تندلع معها في المستقبل.
وبناءً على هذه الرؤية، يصر كبار الحاملين لهذه الأفكار على فرملة أي اندفاعة صينية واسعة النطاق باتجاه إسرائيل التي يعتبرونها حليفة لأميركا إن لم تكن جزءاً منها في المواجهة القادمة. ويعبر هؤلاء عن مواقفهم من خلال التعاون العسكري غير الخفي مع دول عربية بعينها، ومع دول أخرى في المنطقة لا تقيم علاقات جيدة مع الولايات المتحدة وعلى رأسها إيران، ومن خلال تحصين المحيط الصيني من خلال المنظمات الإقليمية كمنظمة شنغهاي وآسيان، أو من خلال علاقات أكثر حميمية مع دول مؤثرة كروسيا.
وإذا كانت الصين، الدولة الواحدة، تحمل ثلاث رؤى متباينة حول العلاقة مع العالم العربي، فكيف ينظر العرب، بعالمهم المترامي الأطراف ودولهم المتنافرة الوجهات ومصالحهم المتناقضة، إلى الصين وما يريدونه منها؟
يمكن القول إن هناك ثلاثة تيارات أيضاً تحتوي النظرة العربية إلى الصين:
ـ التيار الأول: هو تيار ما يسمى بدول الممانعة، والتي لم يبقَ منها على ما يبدو إلا سوريا وحلفائها في المنطقة، وهذه الدول تريد الصين التي تقف إلى جانب القضايا العربية بقوة، وترغب في تحقيق تعاون عميق مع بيجينغ قد يصل إلى حد التحالف، وهي لا تخفي سرورها بأي تطور تشهده العلاقات مع الصين في أي مجال من المجالات، وبالمقابل فهي تنظر بريبة واستئياء إلى كل تطور تشهده العلاقات الصينية الإسرائيلية.
ـ التيار الثاني: هو التيار الرئيسي السائد في العالم العربي والذي اصطلح على تسميته بتيار "الدول المعتدلة"، وهذا التيار يرغب في علاقات جيدة مع الصين، ويحاول الحصول من القيادة الصينية على مواقف متفهمة للمبادرات والتحركات العربية الهادفة إلى تحقيق السلام في المنطقة، ولا تمانع في قيام علاقات صينية إسرائيلية قوية، لأنها تعتبر أن الصين قد تتمكن من خلال هذه العلاقات من الضغط على إسرائيل بشكل أو بآخر للسير في عملية السلام دون تاخير. كما ان هذه الدول تريد من الصين الوقوف إلى جانب الدول العربية في مجلس الأمن، ولا سيما في ظل سيطرة الفيتو (والقرار) الأميركي على هذا المجلس في كل ما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي.
ـ ويبقى التيار الثالث من الدول العربية، وهو تيار الدول التي تريد الصين كاقتصاد، وتتعامل معها على أساس الفرص المتوافرة، بغض النظر عن الموقف السياسي، وهذه الدول تقع في شرق العالم العربي وغربه، ولا تتوقف كثيراً عند ما تقوم به الصين أو تفعله، إلا لجهة كونه يشكل مجالاً للاستثمار أو للحصول على دعم أو مساعدة صينية في هذا المجال أو ذاك.
إن نظرة سريعة إلى أرقام التبادل التجاري بين العالم العربي والصين (133 مليار دولار عام 2008) مقارنة بحجم التبادل التجاري بين الصين وإسرائيل (4.5 مليار دولار عام 2007) توحي أن الصين لن تتخلى عن علاقاتها مع العرب بسهولة من أجل علاقة أكثر قوة مع إسرائيل، ولكن هذا التصور يفترض أن يكون لدى العرب كلمة واحدة يقولونها للمسؤولين الصينيين، ويتطلب أن يستطيع المسؤولون العرب إقناع الصينيين بالتعامل معهم كفريق واحد، وليس كدول متفرقة كل واحدة منها لها مصالحها وتطلعاتها ونظرتها إلى الأوضاع في المنطقة والعالم
* هذا المقال نشر مع بعض الاختصار في صحيفة السفير اللبنانية في صفحة قضايا وآراء يوم الثلاثاء 16/6/2009 تحت عنوان:
هل تستبدل الصين العرب بإسرائيل؟
وهذا رابط الموضوع في صحيفة السفير
http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=1261&ChannelId=29108&ArticleId=1635&Author=محمود%20ريا

السبت، يونيو 13، 2009

بلا مواربة: الطرد الملغوم.. والعدو المكلوم


بين الطرد المفخخ الذي اكتشف في مبنى الإدارة العامة للأمن العام في بيروت، والمقابلة ـ مع قناة المنار ـ التي تحدث فيها رئيس جهاز الأمن العام وفيق جزيني عن شبكات التجسس التي اكتشفها الجهاز (وتلك التي ينوي الإعلان عنها) ما لا يزيد عن اثنتي عشرة ساعة، وهذا في علم الجريمة قرينة كافية للحكم على أن الطرد المكتشف (الذي لم ينفجر لخلل تقني) هو رسالة لمن يهمهم الأمر.
المرسل ليس بحاجة إلى اكتشاف، فهو واضح وضوح العيان، والمستهدف ظاهر من عنوان استقبال الطرد، أما الرسالة فلها عدة مضامين، منها مثلاً التهديد: إياكم أن تتمادوا أكثر، ومنها الانتقام: لن نسكت على ما فعلتم، إضافة إلى ما يمكن أن يكون قد ورد في ذهن المرسل من معانٍ تحتاج إلى وقت للظهور الى العلن.

عندما تحدث اللواء جزيني عن شبكات أخرى سيتم الكشف عنها لم يكن يتحدث عن فراغ، وعندما جاء الطرد الملغوم إلى المديرية تبين أن ما قاله سعادة اللواء ينطوي على خطورة كبيرة، دفعت المجرم إلى الخروج من مخبئه والمبادرة إلى إرسال إشارة التحذير.

موسم الانتخابات انتهى، بكل ما فيه من كدر وصفو، وباتت الآن الحركة أكثر سهولة، ولم يعد هناك من اتهام بالعمل من أجل صناديق الاقتراع أو من أجل تحصيل أصوات هنا أو هناك. لقد صار العمل الآن صافياً من أجل الحفاظ على أمن لبنان واللبنانيين من الذين اخترقوه وسلموا أنفسهم للعدو الصهيوني، ينفذ بهم الجرائم ويرتكب من خلالهم ما عكّر صفو اللبنانيين وخلخل أمنهم خلال السنوات الماضية.

الرسالة المتفجرة قاسية، ولكن يجب أن يكون الرد عليها أقسى، بالاستمرار في كشف خلايا التجسس، مهما بلغ شأن المنتمين إليها، وأياً كانت أسماؤهم والمواقع التي يحتلونها.

يجب أن لا ينسينا الطرد الملغوم واجب البحث عن عملاء العدو المكلوم.

محمود ريا

الانتقاد/ العدد 1350 ـ 12 حزيران/ يونيو 2009

الجمعة، يونيو 05، 2009

بلا مواربة: الانتخابات.. وقلق الانتظار


صعب أن تكتب عن الانتخابات قبل يومين من حصولها.
صعب أن تحاول استقراء الصورة وأنت تغرق في هذا الكم الهائل من التحليلات والتوقعات والتنجيمات التي تتدفق عليك كالطوفان.
صعب أن تصدق أياً من "المحللين" و"الخبراء"، وأنت تتذكر التعريف الطريف للخبير، الذي يقول إن الخبير هو الذي يقول لك اليوم لماذا لم يحصل ما قال لك بالأمس إنه سيحصل!
تنطلق الأرقام، تتصادم ببعضها، تتضارب التوقعات، في هذه الدائرة ستدور الدوائر على هذا، وفي تلك على ذاك. وأنت في وسط الأمواج المتلاطمة، ترغب في أن يسرع الزمن، فتنقضي هذه الساعات الثماني والأربعون، لتتخلص من هذه الجعجعة التي تجعل من مطلقيها نجوماً لامعة لن تلبث أن تنطفئ بسرعة بعد صدور نتائج الانتخابات.
لا يمكن أن تصدق هذا وتكذّب ذاك، وأنت تعلم أن الكثير من هذه "التوقعات" هي "غب الطلب"، تعطى لمن يريدها، مدفوعة الثمن ومعروفة النتيجة مسبقاً، وأن الكثير منها مبني على تخيلات وتحليلات، وأن البعض منها مبني على عيّنات.. تبقى عيّنات لا تستطيع أن تقدم صورة يقينية عن الواقع على الأرض.
من تصدق إذاً، وكيف تعرف النتيجة وأنت الذي تتحرق للوصول إلى ما لم يحصل بعد؟
لعل الأفضل في هذا المجال هو أن تقوم بدورك خلال الساعات القادمة، تجهّز نفسك للقيام بواجبك، وتقدّم خيارك للناس من حولك، عسى أن تقنع أحداً بأن يسير في مسارك، وأن تنتظر يوم الأحد، فهو قادم إن شاء الله، ومن بعده الاثنين ومعه النتائج.
المهم في الموضوع هو أنه بعد النتائج ستحصل تغييرات، ولكن لن تنقلب الدنيا، ولن يكون التغيير سلباً أو إيجاباً هو نهاية المطاف.
المهم أن يترك الجميع صناديق الاقتراع تتكلم، فعندها يكون الخطاب الفصل والقول اليقين.
المهم أن تكون مقتنعاً بخياراتك، وأن الشعب سيعرف ماذا سيختار، قبل الانتخابات وبعدها.. وعندها سترتاح من قلق الانتظار.

محمود ريا

الجمعة، مايو 29، 2009

بلا مواربة: الانتخابات.. ومحاولات الإلغاء


من يرغب بتأجيل الانتخابات النيابية في لبنان، من يحاول تعطيلها، من ضغط في الداخل والخارج من أجل تمرير يوم السابع من حزيران/ يونيو دون "شرب الكأس المرة"؟


ما يتسرّب من الجلسات المغلقة والاجتماعات التي تعقد خلف الأبواب المقفلة يشي بأن هناك من يعمل فعلاً من أجل سحب الاستحقاق الانتخابي من روزنامة الأحداث السياسية في لبنان، متوسلاً من أجل ذلك كل ما لديه من وسائل، باذلاًَ كل ما يملكه من مال، ومن ماء وجه (إذا وُجد) ومن طاقة في هذا المجال.


ولا يكتفي هؤلاء بالسعي الداخلي، أي على مستوى لبنان لتحقيق هذا "الهدف النبيل" وإنما هم "يتوسطون" لدى قوى إقليمية ودولية من أجل الموافقة معهم على هذه الخطوة. وقد تسرب من أكثر من مصدر أن هذا الطرح عُرض فعلاً في الاجتماعات مع أكثر من زائر أجنبي، وليس آخر مطّلع على هذا الطلب نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن الذي زار لبنان في الأسبوع الماضي.


يتبدى من هذه الوقائع أن الداعين إلى السير في هذا الخيار هم من أطراف فريق الرابع عشر من آذار، وإذا كان الأقطاب الفاعلون يعلنون تمسكهم بإجراء الانتخابات في موعدها، فإن "الصغار" لا يتورعون عن ترديد كلام يسمعونه من كبارهم، حتى ولو أدى ذلك إلى تعرضهم للتكذيب من الكبار في العلن.


ولكن لماذا يخاف هؤلاء من الانتخابات ومن حصولها ومن نتائجها؟


السؤال يحمل إجابته داخله. هم متوجسون فعلاً من أن تأتي النتائج كما بات الجميع مقتنعاً بانها ستأتي عليه: انتصار مدوّ للمعارضة الوطنية بكل أطيافها وفي مختلف المناطق، بما يمحو صورة الأكثرية التي تحكمت بالبلد من خارطة الفعل السياسي التي كانت سائدة في السنوات الماضية.


هل سينفع صراخ هؤلاء في منع حصول الانتخابات؟


يفترض أن يكون ما يفعله هؤلاء صراخاً في وادٍ أو زوبعة في فنجان، لولا أن البعض منهم لديه "قدرات تنفيذية" نرى بعض صورها لدى شبكات التجسس التي تنهار في لبنان.


محمود ريا
الانتقاد/ العدد 1348 ـ 29 أيار/ مايو 2009

الجمعة، مايو 22، 2009

بلا مواربة: بالأمس نتساريم.. وغداً اورشليم


هل يذكر أحد آرييل شارون؟

هذا الغارق في غيبوبة العجز منذ سنوات بات خارج إطار التذكر كشخص، إلا أن جرائمه التي ارتكبها على مدى سنوات حياته ستبقيه على لائحة المكروهين في تاريخ البشرية، وفي موقع متقدم جداً.

إلا أن هناك شيئاً آخر يمكن تذكر آرييل شارون به، فهو الذي قال في أوائل الألفية إن مستوطنة نتساريم في قطاع غزة تماثل بالنسبة له تل أبيب في الأهمية، وهو الذي عاد بعد سنوات قليلة لرسم خطة الانسحاب من قطاع غزة وتركه للشعب الفلسطيني دون قيد أو شرط.

هذا يعني أن من أُطلق عليه "آخر أنبياء إسرائيل" اضطر صاغراً وخلال سنوات من المقاومة أن "يلحس وعوده التوراتية" وأن يترك قطاع غزة ليتحول إلى شوكة قاسية في خاصرة الكيان الصهيوني.

وهذا يعني أيضاً أن كل شبر من فلسطين ومن الأراضي المحتلة من قبل الصهاينة، يمكن ان يتحرر بالطريقة نفسها، حتى لو كانت تل الربيع (تل أبيب) ذاتها.

وهذا يعني أن احتفال الكيان الصهيوني هذه الأيام بالذكرى الثانية والأربعين لضم القدس التي احتلت عام 1967 (شرقي القدس) إلى الكيان الصهيوني وإعلانها عاصمة أبدية لهذا الكيان، هو مجرد احتفال بشيء مرّ، ولا يمكن أن يرتّب آثاراً أبدية في الواقع ما دام أن هناك من يقاوم ومن يرفض الاستسلام للواقع الصهيوني مهما كانت التضحيات.

لقد كان معبّراً جدا استسلام الصهاينة في السابق في نتساريم، لأنه يعني ان الصهاينة سيتخلون لاحقاً عن حلم "أورشليم"، لتعود المدينة قدساً عربية لأهلها الذين ما يزالون يتمسكون بها بالرغم من فرض الصهاينة اكثر من مئتي ألف من المستوطنين في قلبها وعند محيطها.

سيكون الصهاينة يائسين جداً وهم يرددون شعار: بالأمس نتساريم.. واليوم أورشليم.

محمود ريا
الانتقاد/ العدد1347 ـ 22 أيار/ مايو 2009

السبت، مايو 16، 2009

تعالوا اخرقوا لائحتنا!


كيف تستطيع أن تسير وراء الذي لا يفي ولا يلتزم بعهد، ولا يقف عند وعد؟
كيف تقبل بأن تولّي عليك من يرفع يدك في النهار ويطعن ظهرك في الليل؟
كيف تضع مستقبلك بين يدي من لم يصدق في الماضي، ولا هو صادق في الحاضر، ولا يتوقع أن يصدق في المستقبل؟
إنها أحجية حقيقية، تلك التي تنتج عن انتظار الأمان ممن لا أمان له مع الصديق والحليف، وبشكل أولى مع المواطن والمخالف.
بالأمس وقفوا أمام الجماهير رافعين الأيدي في عهد ووعد، مؤكدين على السير معاً إلى الاستحقاق، مصدرين البيانات الرسمية التي تدعو إلى التصويت للائحة "زي ما هي".
واليوم ينبري جهابذتهم للدعوة إلى خرق اللائحة، جهاراً نهاراً، على صفحات الجرائد، دون خوف أو خشية.
أعلنوا اللائحة في طرابلس، وطلبوا من المواطن أن ينتخبها، ثم طلبوا منه مرة أخرى أن يخرقها، وأن يشكل لائحته الخاصة، وأن يضع على رأسها فلاناً، في نقض صريح وواضح للموقف العلني الرسمي الذي صدر في بيان عليه الختم والشعار.
وفي الشوف، يتعاهدون مع فريق، ثم يتركون مرشحهم للتصويت له، في نقض صريح وواضح للتعاهد مع فريقهم، ولا يرون في ذلك بأساً، ولا يعتبرون ذلك خيانة وخروجاً على المعهود من الالتزام بالعهود.
وفي مناطق أخرى، يتباحثون مع مجموعة لها حضورها، فيأخذون ويعطون، ويتوافقون ثم ينقضون، ويتحالفون ثم يتراجعون، وبالنهاية يتركون شركاءهم على قارعة الطريق كالمخدوعين.
كيف يمكن إيداع المستقبل بين يدي من ينسى في لحظة ما قاله، في حين أن شعاره أنه لن ينسى "والسما زرقا"؟
لقد برهن هؤلاء مرة بعد مرة أنهم لا مستقبل عندهم إلا لهم، في حين أن من يسير معهم وبجانبهم وخلفهم وتحتهم يبقى خارج المستقبل، بل ربما يصبح خارج الوجود.
محمود ريا
الانتقاد/ العدد 1346 ـ 15 أيار/ مايو 2009

السبت، مايو 09، 2009

العملاء: الاجتثاث.. الاجتثاث

تساقط شبكات العملاء في لبنان قد يثير اهتمام المراقبين من اكثر من وجهة نظر. فهو قد يشير إلى قدرة الأجهزة الأمنية اللبنانية، وقد يستعمله البعض الآخر قرينة لإعطاء شهادة "البراءة" لأجهزة أخرى (هي بحاجة إليها)، فيما قد يرى فيه بعض ثالث دلالة على هشاشة الشبكات الصهيونية وسرعة تساقطها عندما يجدّ الجدّ.

ولكن بغضّ النظر عن وجهات النظر المختلفة هذه، لا بد من الوقوف عند المعنى الحقيقي الذي لا بد أن يثير كل الاهتمام، أكثر من أي معنى آخر في هذا الموضوع: إنه حقيقة وجود عدد كبير من شبكات العملاء التي تعمل للعدو الصهيوني على الأراضي اللبنانية.

هذه الحقيقة تتفرع عنها حقائق أخرى ربما تكون أكثر خطورة: "إسرائيل" تضع لبنان في رأسها، وهي لم تنسحب منه عندما سحبت قواتها، أو بشكل أكثر دقة، هي لم تسحبه من جدول أطماعها وطموحاتها ومشاريعها، وإنما سحبت الجزء الظاهر من وجودها على الأرض، وتركت ما تبقى من جنود مخفيين يعملون من أجل تحقيق مشاريعها بطريقة اعتبرتها أكثر ذكاءً وأقل إثارة للضجة.

هذا يعني أيضاً أن المخاطر التي يشكلها هذا الجيش العرمرم من العملاء ـ الموجودين سابقاً أو المجندين لاحقاً ـ هي مخاطر حقيقية وفعلية وداهمة، وهي مخاطر لا يمكن تجاهلها أو القفز عنها أو إخفاء الرأس في الرمال إزاءها، بل لا بد من التعاطي معها بما تستحق من أهمية.

لا يجب أن يلهينا أي شيء، مهما كان، عن هذه المعركة المصيرية، معركة مواجهة العملاء والقضاء عليهم واجتثاث جذورهم، ولا يجب أن تفتر الهمم في هذه المعركة التي لا يرى خطرها أولئك الذين يظنون ـ عن قناعة أو بناءً على ما يتلقونه من تلقين ـ أن لبنان يمكن أن يكون حيادياً في الصراع الدائر في منطقتنا مع الكيان الصهيوني.

محمود ريا

الانتقاد/ العدد 1345 ـ 8 أيار/ مايو2009

السبت، مايو 02، 2009

ما بعد إطلاق الضباط الأربعة

الآن وبعد أن بلغت الفرحة مداها بإحقاق الحق وظهوره ناصعاً أبلج، وبعد خروج من كان معتقلاً بلا أي جريرة، صار يمكن الحديث بهدوء وبعيداً عن قيمة اللحظة، التي كانت على كل حال قيمة كبيرة، بكبر الظلم اللاحق بالضباط الأربعة على مدى السنوات الأربع الماضية، وبكبر المشروع الذي وقف وراء اعتقالهم، وكان يهدف إلى تغيير طبيعة لبنان التي تتسع للجميع، ووجهه المقاوم للمشروع الصهيوني الأميركي في المنطقة.

لقد سبب الحدث الذي شهده يوم الأربعاء 29 نيسان/ أبريل زلزالاً لا تقتصر آثاره على وجه واحد من وجوه الحياة السياسية في لبنان، وإنما هي آثار تمتد إلى عمق الصورة التي ترتسم لهذا البلد، وتغوص عميقاً في التوجه النهائي الذي يراد له أن يسلكه.

وإذا كان لهذا الحدث انعكاسات على مستوى الانتخابات النيابية القادمة في السابع من حزيران/ يونيو القادم (وهو سيكون له انعكاسات حتماً)، فهي لن تكون الانعكاسات الوحيدة على الواقع السياسي المحلي والإقليمي على حد سواء.

فلنقرّ قبل ذلك بأن هذا الحدث ليس قائماً بذاته، أي أن بداياته ونهاياته لا تقف عند حدود الظواهر الخارجية للقضية، من استلام المحكمة الدولية الملف، إلى اتخاذ الإجراءات القضائية المناسبة، إلى الإفراج عن الضباط المعتقلين.

القضية لها ما قبلها، وهذا الـ"ما قبل" بعيد الغور، لا يقف عند حدود اعتقال الضباط، وإنما يصل إلى لحظة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وربما يكون له جذور أبعد، وصولاً إلى القرار 1559، وحتى إلى لحظة سقوط بغداد.

بناءً عليه يمكن القول إن إطلاق الضباط الأربعة هو الحلقة الأخيرة في سلسلة أحداث ترجمت سقوط هذا المشروع الخطير الذي كاد يحقق أهدافه لولا العناية الإلهية أولاً، ولولا موازين القوى الراسخة على الأرض ثانياً، ولولا وجود رجال رجال في هذا المقر الرسمي والقيادي أو ذاك، لا يرهبهم الترهيب ولا يفت في عضدهم التهويل.

لحظة إطلاق الضباط الأربعة هي تكثيف لعشرات المشاهد التي شهدها لبنان، من 14 شباط/ فبراير 2006 عندما فشل مشروع إسقاط قصر بعبدا، إلى 14 آب/ أغسطس 2006 عندما فشلت حرب الشرق الأوسط العدوانية على لبنان، إلى أواخر كانون الثاني/ يناير 2009 عندما بقيت غزة واقفة وانحنى العدو الصهيوني أمامها.

إنها لحظة كبيرة جداً، وإذا كان الـ"ما قبل" بهذا الحجم، فإن الـ"ما بعد" سيكون حتماً أكبر.

محمود ريا
الانتقاد/ العدد 1344 ـ 2 أيار/ مايو 2009

الخميس، أبريل 30، 2009

البحرية الصينية: عيد.. ودور


افتتاحية العدد التاسع والثلاثين من نشرة الصين بعيون عربية الالكترونية الأسبوعية
محمود ريا

احتفلت البحرية الصينية خلال الأسبوع الماضي بذكرى تأسيسها الستين، في استعراض للقوة لم يحصل من قبل، ما حمل أكثر من دلالة على الاستراتيجية التي وضعتها الصين للمستقبل، ليس على مستوى القوة العسكرية فحسب، وإنما على مستوى التعامل مع العالم بشكل عام.
كانت دعوة قطع بحرية من أربعة عشر بلداً حول العالم إشارة لا بد منها إلى الدول القوية بوجوب أخذ القوة الصينية المتصاعدة بالحسبان، وفي هذا تخلّ عن مبدأ كانت الصين تعمل جاهدة على الحفاظ عليه، مبدأ "الاختباء" من وجه العالم حتى تحين اللحظة المناسبة.
هذا الاختباء كان يفترض أن الصين لم تحقق بعد القوة اللازمة كي تخرج على العالم بإعلان صريح يؤكد أنها قوة عظمى ولا بد من التعامل معها على هذا الأساس، لا بل إن القياديين الصينيين كانوا يصرون دائماً على أن الصين دولة من الدول التي لا تزال على طريق النمو، وإنها دولة لا همّ لها إلا أن تحمي أرضها من أي هجوم خارجي، في رؤية دفاعية لم تتغير منذ قرون ولم تشهد أي نقض لها من أي تصرف رسمي صيني تجاه دول الخارج.
اليوم تقول الصين: بالإذن.. نحن هنا، وقد اختارت البحرية في عيدها لتقول هذه الكلمة الجريئة، وليس هذا الاختيار نابعاً من فراغ، وإنما له عمق يتمثل في قيام البحرية الصينية خلال العام الماضي بمهمتين رياديتين يحملان "الرقم واحد" بكل جدارة: الأولى إلى مياه بحر عمان وخليج عدن للمساهمة في مكافحة مشكلة القراصنة الصوماليين، وذلك في أول تحرك عسكري ردعي تقوم به الصين في تاريخها، والثانية إلى جزر متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي حيث أكدت الصين بذلك قدرتها على فرض رأيها في قضايا الخلافات الحدودية المفتوحة في تلك المنطقة، عندما تشاء ذلك.
لقد حملت هاتان المهمتان رؤية "حماية المصالح" الصينية، ما يشكل افتراقاً عن السياسة التقليدية المتبعة والتي تنص على "حماية الأراضي" الصينية من الاعتداء.
البحرية الصينية اليوم أكبر وأقوى وأكثر فاعلية، تماماً كما هي الصين في أذهان العالم، وقد جاء احتفال هذا الأسبوع بمثابة إطلاق صافرة إنذار لا بد من سماعها جيداً.
هل تسرّعت الصين في إظهار نفسها، وهل تجاوزت برنامجها السابق الذي كان يقوم على الانتظار عشر سنوات أخرى قبل القيام بهذه الخطوة؟
هناك من يقول إن الصين أسرعت لتلاقي ظروفاً كانت تظن أنها متأخرة الحصول، ظروف انهيار القوة العالمية العظمى التي تمثلها الولايات المتحدة الأميركية، وانكفاء قوى دولية أخرى عن لعب دور القوة الكبرى. وبذلك وجدت الصين نفسها على حين غرة في موقع المطالب بموقف.. وهذا ما كان.

الأحد، أبريل 26، 2009

بلا مواربة: إنهم ليسوا منا


كُتب كثيراً عن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، وقيل الكثير بالإيجاب والسلب عن شخصيته وعن مواقفه وعن كل شيء حوله.
وكُتب الكثير أيضاً عن وقفته أمام العالم، سواء في الأمم المتحدة، أو في مؤتمر مناهضة العنصرية، أو في أي مؤتمر آخر يشارك فيه، إذ يقول كلمته بلا تزويق وبلا دبلوماسية.. وبلا نفاق.
وما وقفته في مؤتمر ديربان ـ2 في جنيف قبل أيام إلا واحدة من تلك الوقفات، لم يزد ما قاله فيها عمّا قاله في مكان آخر.. إنه ـ ببساطة ـ الحقيقة حول الجرائم الصهيونية التي يراها العالم كله ولا يجرؤ على انتقادها إلا النزر اليسير من الناس.
ما يجب التوقف عنده ليس خطاب أحمدي نجاد الذي رأى فيه الإعلام الدولي شيئاً عجباً، في الوقت الذي يعرف مفردات هذا الخطاب كل طفل وكبير وصغير في منطقتنا، إلى درجة أن الكثير منا كان يظن أن أحمدي نجاد يتحدث عن معاناته الشخصية مع الاحتلال الصهيوني العنصري في كل فقرة من الخطاب.
ما يجب التوقف عنده فعلاً هو المظاهر التي رافقت الخطاب في مؤتمر دولي عالمي له أصوله وبروتوكولاته الدقيقة والمحددة، حيث كانت حالة الهرج والمرج التي سادت القاعة بمثابة خطة مبرمجة من قبل منظمات وجهات محددة، سواء لجهة محاولات "التهويش" على الخطاب، أو لجهة انسحاب العديد من الوفود "الغربية" من القاعة "احتجاجاً" على الاتهامات التي وجهها أحمدي نجاد لـ"إسرائيل"، وإعادته التأكيد على كون الصهيونية وجهاً من وجوه العنصرية.
حتى هذه الحالة يمكن إمرارها، فالأمر الطبيعي هو أن تقوم القوى المتضررة من الخطاب بمحاولة التشويش عليه حفظاً لصورة "إسرائيل" التي باتت مشوّهة أمام العالم إلى درجة مثيرة للقلق لدى الحلفاء والأصدقاء.
ما أثار العجب لدى البعض من أبناء أمتنا هو انسحاب وفود تمثّل دولاً عربية مع الوفود الأوروبية احتجاجاً على اتهامات أحمدي نجاد، وهي دول تعرّض أبناؤها للكثير من الجرائم الصهيونية المنطلقة من مواقف عنصرية واضحة للعيان.
لهؤلاء المتعجبين يمكن القول: لا تتعجبوا فهؤلاء المنسحبون ليسوا منا، ولا يمثلون شعوباً عربية، وإنما يمثلون بقايا الغرب المتسلطين على رقاب هذه الشعوب.. وسيأتي اليوم الذي يرحلون فيه.. كما رحل أسيادهم.
محمود ريا
الانتقاد/ العدد1343 ـ 24 نيسان/أبريل 2009

الخميس، أبريل 23، 2009

مؤتمرات إقليمية لأزمة عالمية


افتتاحية العدد 38 من نشرة "الصين بعيون عربية" الالكترونية

محمود ريا

تشهد مدن العالم الكبرى العديد من المؤتمرات التي تنعقد على خلفية الأزمة الاقتصادية العالمية التي تضرب كل مكونات الاقتصاد وتهدد بانهيار القواعد التي تقوم عليها الحركة الاقتصادية العالمية إضافة إلى انهيار امبراطوريات كبرى والكثير من الدول الصغرى.
وإذا كان بعض هذه المؤتمرات التي تنعقد هي ذات طبيعة دورية ، بحيث أن انعقادها يحصل كل عام أو أكثر، إلا أن هذا لا ينفي كونها باتت منحصرة في البحث عن علاج ما للورطة التي وقعت فيها دول العالم والتي بدأت معالمها بالظهور في أكثر من منطقة.
فبعد مؤتمر العشرين الذي انعقد في بداية شهر نيسان/ أبريل الحالي ومؤتمر الآسيان الذي كاد أن يتحول إلى كارثة دولية بعد مهاجمة المتظاهرين للمؤتمرين في العاصمة التايلندية بانكوك، جاء مؤتمر بواو في جزيرة هاينان الصينية ليعبر عن التوجه الذي بات يسود في العالم، حيث ضم المؤتمر الذي انعقد هذا العام تحت عنوان: "الأزمة الاقتصادية وآسيا" أكثر من 1600 شخصية من جنوب شرق آسيا بينهم زعماء عشر دول من آسيا.
والمعروف أن منتدى بواو يقدم موقع حوار رفيع المستوى لتشاور شخصيات مختلف الأطراف حول قضايا التنمية الاقتصادية والسكان والبيئة بآسيا، ويعكس المطالب العصرية لطموحات مختلف الدول الآسيوية في تعزيز الحوار والبحث عن التعاون لتحقيق التنمية المشتركة في ظروف العولمة الاقتصادية.
وقد أظهرت المناقشات التي جرت في المؤتمر هذا العام مدى حاجة الحاضرين إلى مناقشة هذه القضايا
بشكل معمق على ضوء التطورات الدراماتيكية التي يشهدها الاقتصاد العالمي.
رئيس الوزراء الصيني ون جياباو قدم صورة مختلفة قليلاً عندا قال إن إجراءات التحفيز الصينية
"ستظهر القدرة الكامنة للنمو الاقتصادي الصيني باستمرار، وأثناء تحسين معيشة الشعب الصيني، ستتوفر المزيد من الفرص التجارية والاستثمارية لدول العالم."
إلا أن هذه النظرة الإيجابية لم تخف اعتراف جياباو بأن "الأزمة المالية الدولية ما زالت تنتشر، وأن الوضع الأساسي لركود الاقتصاد العالمي لم يتغير، وتجاوز تدهور الكيانات الاقتصادية التوقعات، وقد يشهد انتعاش الاقتصاد العالمي عملية طويلة ومعقدة".
فهل نجح مؤتمر بواو الذي أسس ليكون النسخة الآسيوية من مؤتمر دافوس العالمي في تقديم بعض العلاجات لأزمة قد لا ينفع معها إلا الكي؟
على الصين أن تبرهن للعام أنها قادرة على إعطاء الأمل بتحقيق ذلك، وإلا فإن العالم يسير بالفعل إلى المجهول.

الجمعة، أبريل 17، 2009

بلا مواربة: آمون في مصر


قرأت لصديق يكتب في "شبكة فلسطين للحوار" مقالاً يتحدث فيه عن انتشار "عبادة إله جديد" في صفوف النخبة الحاكمة في بعض الدول العربية وعلى رأسها مصر. و"الإله الجديد" يحمل اسم "آمون قومي"، وهو اسم مشتق من اسم "الإله الفرعوني" القديم آمون، يضاف إليه الإشارة إلى القوم الذين باتوا يعبدونه من دون الله، ويطيعون أوامره أكثر من أوامر رب العالمين.
والنسخة الجديدة من "الإله القديم" يلفظ اسمها بشيء من التخفيف، فيصبح الاسم بدل "آمون قومي" هو "أمن قومي" تؤدى له الطقوس، ويُركع أمامه ويُسجد، ولا يخالف له أمر، ولو كان أمره قتل الشقيق ومحاصرة الصديق وقطع يد المحتاج، و ـ أيضاً ـ قطع اليد التي تمتد لمساعدته.
هذا "الإله المطاع" بات حبه يتسرب من قلب الأقليات الحاكمة إلى قلوب بعض الجماهير الذين استخفهم الطيش، وباتوا يسيرون على دين ملوكهم، يعبدون ما يقولون لهم أن يعبدوا، ويجعلونهم يرون ما يرونه هم، دون بحث عن دليل عقلي أو نقلي، ودون التفتيش عن رؤية الله تعالى في هذا الأمر وذاك.
و"الإله الجديد" له "أصدقاء" في الجانب الآخر من الحدود المصرية، يستخدمونه كعامل لديهم من أجل تحقيق أهدافهم في السيطرة على الأرض التي وعدهم بها "إلههم الحربي"، والتي يقيم عليها أناس ابتلوا بكثرة من الفراعنة الذين يفرضون سيطرتهم في هذه المنطقة او تلك.. باسم السلطة التي استمدوها من "الإله" الجديد.
إنه "إله" مطواع للغرباء، قاس على الذين يعبدونه، يجعلهم يدخلون في كل مدخل دخل فيه أعداؤهم ولو كان جحر ضبّ.
بئس "الإله" هو هذا الإله الذي يحمل اسم "الأمن القومي"، وبئس العابدون له من الفراعنة المحنطين، وكهنتهم نافشي الشعور ومادّي اللسان، ومن الناس الذين استهواهم الطيش فتركوا عبادة الرب الواحد إلى عبادة آمون وشارون فباتوا على ما فعلوا نادمين.
محمود ريا
الانتقاد/ العدد 1342 ـ 17 نيسان/ أبريل 2009

السبت، أبريل 11، 2009

بلا مواربة: الحقيقة.. حتى للميت


يقول إخواننا المصريون: "الضرب في الميت حرام".
وهذا القول ينبع من روحية طيبة تسود أبناء هذا الشعب العريق الذي يأبى أن يوجه انتقادات قاسية إلى الميت ومن هو بحكمه، كالمريض الذي يوشك على الالتحاق برحمة ربه. واقتداءً بالأخوة المصريين يصبح من اللائق عدم الدخول في سجال مع الاتهامات التي أطلقها البعض في النظام المصري حول مقاومين لبنانيين وفلسطينيين وعرب. ما يمكن الحديث فيه هو بعيد عن الاتهامات بحد ذاتها وعن مطلقيها وعن الأهداف الكامنة وراءها.. فهذا ربما ليس وقته الآن.. وهنا. الحديث ممكن عن الاغتراب القائم بين بعض الأنظمة العربية وبين الوقائع الميدانية على الأرض، ما يدفع هذه الأنظمة إلى تبني خيارات يتبين فسادها بعد حين، ولكن القيّمين على هذه الأنظمة يضيعون بين الاعتراف بالحقائق من جهة، والمكابرة تجاهها من جهة أخرى، فإذا بهم يتخبطون كأن بهم مسّاً في التعاطي مع القضايا المطروحة.
وهذه المعضلة التي تحكم العلاقة بين الأنظمة العربية والواقع تدفع إلى السؤال عن الطريقة التي يمكن اعتمادها لإعادة التواصل بين بعض سكان البروج العاجية، وبين من يتولون أمورهم في الشارع العادي الذي ينتظر الكثير من أناس لا يبدو أنه يمكن المراهنة عليهم.
هنا تأتي الدعوة إلى الناس العاديين ليقولوا كلمتهم، وهي ليست دعوة للثورة أو الانقلاب أو التوتير، كما يحلو للبعض أن يفهمها، وإنما هي دعوة لقول كلمة صادقة وصريحة ومحبة لأولئك الذين ما يزالون يعتبرون أنهم يمكنهم أن يبنوا أمجادهم على قاعدة الظن بأن الجهل يعمّ الناس، وأنه يمكن الضحك عليهم ببعض الممارسات "الرامبوية" التي يتضح خواؤها عند أول مواجهة للحقيقة.
الضرب في الميت حرام.. ولكن قول الحقيقة أمر واجب، حتى لو كان من لا يريد سماعها ميتاً.. أو من هو في حكمه.
كتب محمود ريا

الانتقاد/ العدد 1341 ـ 10 نيسان/ أبريل

السبت، أبريل 04، 2009

بلا مواربة: شافيز.. وروح الثورة العربية


عندما يرفع هوغو شافير كتاب الثورة العربية في "قمة عربية" لا يعترف معظم قادتها بأحد قادة هذه الثورة ـ الراحل جمال عبد الناصر ـ يحس الواحد منا بصدمة حضارية لا يمكنه تجاوزها بسهولة.

هذا القادم من منطقة لطالما اعتبرتها الولايات المتحدة حديقتها الخلفية يعلن بوضوح انحيازه لنهج الممانعة في وجه المشروع الأميركي الغربي الذي يريد إطباق هيمنته على العالم بشكل كامل، يرافقه في ذلك ثلّة من قادة الدول الأميركية اللاتينية التي مشت على نهجه وصمدت كما صمدت ملهمتها كوبا في وجه الامبريالية الغربية على مدى عشرات السنين.

ربما لم يكن غريباً أن يغادر عدد كبير من "القادة" العرب الدوحة قبل بدء أعمال القمة العربية اللاتينية، فهؤلاء "القادة" غير معنيين بالوقوف بوجه الهيمنة الأميركية، لا بل هم جزء أساسي من آلية الهيمنة على المنطقة، فكيف يمكن أن يحضروا قمة قد تؤسس لنهج يسمح بتحرر دول منطقتين أساسيتين في العالم من هذه الهيمنة؟

وكما العرب كذلك اللاتينيون، فالذين لم يحضروا من القادة هم ـ بمعظمهم ـ من الذين ما زالوا يرزحون تحت السيطرة الأميركية عليهم وعلى بلادهم، وبالتالي فهم كهؤلاء العرب بعيدون عن البحث عن طريق خلاص.

هنا تبدو الصدمة النفسية عند المواطنين العرب في أعلى تجلياتها: أناس يأتون من أقاصي الأرض، ومما كان يسمى جمهوريات الموز، جاؤوا ليذكّروننا بأننا نحن أول من ثار على الهيمنة الأميركية، وليعلّموننا أن نستفيق لنستعيد ريادتنا في مواجهة الإمبريالية.

عجيب هذا الزمان.. هو عجيب إلى درجة جعلت هوغو شافيز يترك القمة العربية اللاتينية سريعاً غير آسف ليقوم بزيارة إلى.. إيران.

هناك، في طهران، يوقن شافيز أنه يجد آذاناً صاغية لـ"الثورة العربية" بعيداً عن الذين ينطقون العربية.. بروح أميركية.

محمود ريا


الانتقاد/ العدد 1340 ـ 3 نيسان/ أبريل 2009

السبت، مارس 28، 2009

اقترب يوم حسابهم

كيف يمكن أن تعطي صوتك لمن يتركك عند أول محطة ويغيّر مساره في لحظة ليسير في طريق غير طريقك؟

كيف يمكن أن تمحض ثقتك لمن يجعل أولوياته خدمة المستثمرين والمتعهدين وأصحاب الملايين، ومن أجلهم يصدر المشاريع ويسن القوانين، فيما هو يهرب عندما يصل النقاش إلى قانون المعوّقين أو تحرير سعر البنزين أو الالتفات إلى شؤون المواطنين المسحوقين؟
كيف يستقيم أن تمنح صوتك لمن لا يمنحك صوته، ويفضل خدمة السلطان على الالتفات إلى شؤون الناس، ويقدّم عليك كل قضايا الكون، ويريد إقامة الدولة ـ الغول على حساب الدولة ـ المواطن والمؤسسات والقانون؟

كيف يمكنك أن تنظر مرة أخرى في وجه صاحب الابتسامة الصفراء الذي يسير حسب "الغمزة" ويتحرك على وقع الضحكة، ولا يقف عندما تتطلب مصلحتك الوقفة الصعبة؟

أي مجلس كان، صوّتَّ له، وأي مجلس سيكون إذا أنتجته من جديد؟

إنه يوم وقفتك مع قضاياك، ويوم صرختك في وجه الذين يمالئون مصّاصي دمائك، ويوم كلمتك التي تقولها في وجه الجائرين على حقوقك، ويوم صوتك الذي تربح به، أو تبقى رهين جلاديك.

هل شاهدتَ جلسة مجلس النواب بالأمس، هل سمعتَ ما حصل فيها، هل عرفت كيف "طيّر" نواب السلطة النصاب عندما كان الحديث يدور عن حقوق المعوّقين، وكيف هربوا قبل أن يبدأ الحديث عن تحرير سعر البنزين بما يكفل لك الذهاب إلى عملك دون أن تتكبد مصاريف لا طاقة لك بها.

لقد اقترب يوم حساب هؤلاء الذين لا ينظرون إليك إلا كورقة بيضاء يشوّهون بياضها بأسمائهم وبمصالحهم وبتواطئهم ضدك.

لا تسمح لهم.

حاسبهم.

قل لهم إنك لا تقبل أن تكون مطيّة لهم.. ليعودوا.. فيغلّبوا على مصالحك.. مصالحهم.


محمود ريا

الانتقاد/ العدد 1339 ـ 27 آذار/ مارس 2009

السبت، مارس 21، 2009

بلا مواربة: ثمار السلام



من يرغب في أن يرى "فوائد السلام" مع "إسرائيل"، عليه أن يراقب ما تقوم به "إسرائيل" مع المسلّمين لها.. أو المتسالمين معها.
الأمثلة كثيرة ومتعددة حول مدى "الاهتمام" الإسرائيلي بـ"الاصدقاء"، ولكن فلنكتفِ بالأكثر حداثة من هذه الأمثلة.. ولننطلق إلى الأردن.. "الجار" و"الحليف" و"الصديق" الذي لا يسمح نظامه بنسمة هواء ضارة بالمس بـ"صفاء" إسرائيل الصديقة.
من الأردن تأتي الأخبار متواترة حول تلويث "قناة الملك عبد الله" بالزيوت الصناعية من قبل الكيان الصهيوني، والتعامل باستخفاف مع الشكوى الأردنية.. واستكمال التلويث بالرغم من الوعد بوقف هذه الجريمة.
ولمن لا يعرف "قناة الملك عبد الله" يمكن القول له إن هذه القناة تشكل شريان الحياة للعاصمة الأردنية عمان، فعبرها تحصل المدينة على قسم أساسي من حاجتها اليومية من المياه، إضافة إلى أن مياه القناة تروي قسماً كبيراً من الأراضي الزراعية في الأردن.
من خلال هذه المعلومات المبسّطة يسهل التعرف الى حجم الجريمة التي ارتكبها الصهاينة بحق الأردنيين، من "كبيرهم" إلى "صغيرهم" من دون أن يرف لهم جفن، والأسوأ هو تمادي قادة العدو في جريمتهم بالرغم من الاحتجاج الأردني الذي لم ينجح في إيقاف التلويث الصهيوني إلا لفترات محدودة.
هذه الحادثة ليست فريدة، ولا هي استثناء في العلاقة بين الأردن و"إسرائيل"، وإنما هي تعبير عن مسار متطاول يشمل الكثير من حالات الاستخفاف بالشعب الأردني وبالحكومة الأردنية على حد سواء.
ماذا يمكن القول إزاء ذلك؟
إذا كانت هذه هي "نتائج" السلام، فـ"يا ما أحلى الحرب" كما يقولون في قريتنا، وبئس سلام تكون نتيجته استسهال تلويث كل شيء في بلادنا، حتى مصادر الشرب.



الأحد، مارس 15، 2009

بلا مواربة: صرخة احتجاج.. للتاريخ




في أحيان كثيرة يكون تعليق القارئ أهم بكثير من موضوع كامل لصحافي متمرّس.


ومع وجود أكثر من مثال على ذلك في عالم الصحافة، نقف اليوم عند تحقيق نشر الخميس 12/3/2009 في صحيفة بوسطن غلوب الأميركية يتحدث عن "فكرة ثورية" أطلقها مدير مستشفى "بيت إسرائيل" في مدينة بوسطن بول ليفي من أجل التخلي عن فكرة طرد عشرات العاملين في المستشفى الذي يديره، والذي تأثر كغيره من الشركات بالأزمة الاقتصادية العميقة التي تعيشها الولايات المتحدة الأميركية.


تقوم "الفكرة الثورية" على مبدأ بسيط هو تشجيع العمل التعاوني والمبادرات التطوعية والتنازل عن الامتيازات المادية والمعنوية التي يحصل عليها عاملون آخرون ذات مستويات متوسطة ومتقدمة في المستشفى بما يسمح بتخفيض الميزانية، وبالتالي الحفاظ على وظائف مئات العاملين من المستويات الدنيا، بدل طردهم ورميهم في الشارع.


التحقيق الذي كتبه كيفن كولن ـ وهو كاتب عمود في الجريدة ـ متخم بالتعابير الإيجابية التي يغدقها على فكرة ليفي الثورية (لا تنسَ أنه الرئيس التنفيذي لمستشفى بيت إسرائيل)، ويختم بالقول إن ليفي يحاول أن يقوم بشيء ثوري جذري وربما مستحيل، إنه يحاول أن يجعل كلمة "تنفيذي" في عبارة "الرئيس التنفيذي للشركة" تحمل شيئاً من التعاطف.


إلى هنا، تبدو الأمور وردية في ظل عاصفة سوداء من الأخبار السيئة، لولا تعليق وارد على الموضوع من قارئ رجع إلى مدوّنة السيد ليفي على شبكة الانترنت ووجد فيها اعترافاً واضحاً بأن "المدير الرحيم" يحصل على ملايين الدولارات كتعويضات سنوية من المستشفى، وهو حصل على علاوات كبيرة في الفترة الماضية.


ويقول القارئ الذي لم يذكر اسماً واضحاً له مما يدل على أنه ربما يكون من موظفي المستشفى الذين يُطلب منهم التضحية بامتيازاتهم رحمةً بإخوانهم العمال: لو أن كل واحد من الإداريين الكبار تنازل عن جزء من مدخوله لما اضطرت الإدارة لطرد أي موظف.


وتبقى الخاتمة موقعة بقلم ذلك القارئ الذي يقول: لقد تعبت أميركا من المديرين التنفيذيين الذين يغتصبون البلاد وينهبون اقتصادها.


ويختم بجملة أختم فيها هذا الموضوع حيث يقول: عندما يصبح عدد كافٍ من الناس على حافة الجوع فإن الشعب سيطلق صرخة الاحتجاج.. وادرسوا التاريخ.



محمود ريا
الانتقاد/ العدد1337 ـ 13 آذار/ مارس 2009

الجمعة، مارس 06، 2009

بلا مواربة: المنتحرون.. والمسؤولون

تتحدث الأرقام عن ارتفاع كبير في عدد الأشخاص الذين أقدموا على إنهاء حياتهم بأيديهم في لبنان خلال الشهرين الماضيين من عام 2009.
23 عملية انتحار حسب الأرقام الرسمية سجلت خلال هذين الشهرين، وإذا بقي المعدل على هذا الحال (نحو عشرة بالشهر) فيكون لدينا ألف ومئتا منتحر على أراضي الجمهورية اللبنانية.
وإذا كان عدد المنتحرين ارتفع من 54 حالة طوال عام 2007 إلى 114 حالة في العام 2008، وهو ارتفاع كبير يقترب من الضعفين تقريباً، فإن ارتفاع العدد إلى الرقم الذين افترضناه (أي حوالى الألف) في عام 2009 يعني ارتفاعاً عن عدد العام الماضي بنسبة عشرة أضعاف.
هل يمكن أن يحصل هذا؟
لنترك الأيام تكشف ما يمكن أن يحصل، ولكن ما تم تسجيله حتى الآن يكفي لكي نلتفت إلى هذه الظاهرة التي تحمل في طياتها العديد من المؤشرات التي ينبغي على المسؤولين والمختصين التوقف عندها.
لا بد من الاعتراف بأن المنحنى التصاعدي لارتفاع عمليات الانتحار في لبنان يتناسق مع المستوى العالمي، حيث تسجل الأجهزة الأمنية في معظم دول العالم حالات انتحار متزايدة، ولا سيما مع تفجر الأزمة الاقتصادية العالمية، والتي أخذت في طريقها ثروات وأعمال وأرواح ملايين البشر.
ولكن هل الأزمة الاقتصادية هي سبب ارتفاع أرقام المنتحرين في لبنان؟ أو بالأصح: هل هي وحدها السبب؟
لن تتمكن زاوية محدودة في عدد الكلمات من تفصيل أسباب الانتحار، ولكن إذا تجاوزنا مسألة بُعد الناس عن خالقهم، بما يدفعهم إلى طرح مسألة الانتحار على بساط البحث، فإن هناك العديد من الأسباب التي تتراكم والتي تدفع شخصاً ما إلى التفريط بحياته، والتي يفترض أن تكون أغلى شيء عنده.
فهل هناك من ينظر إلى الناس ويرى ما يمكن أن يبعدهم عن شرب هذه الكأس المرّة؟
أم أن المسؤولين مهتمون الآن بقضايا "أكثر أهمية" يعملون عليها؟
يبدو من المفيد التذكير بأن المنتحرين هم "أصوات فائتة" في الانتخابات النيابية القادمة، عسى أن يدفع هذا المسؤولين للتفكير في كيفية "استقطاب" هذه الأصوات، حتى حزيران المقبل على الأقل.

محمود ريا

الانتقاد/ العدد 1336 ـ 6 آذار/ مارس 2009

الجمعة، فبراير 27، 2009

بلا مواربة: "الله يتمم على خير"


إنها مسيرة طويلة بالفعل، وقد بدأها الجميع، وهذا هو الخبر.
ما يجري في القاهرة من لقاءات فلسطينية، وما بدأ يتسرب من معلومات عن نتائج هذه اللقاءات هما، والتصريحات التي تطلق على هوامش اللقاءات، نوافذ أمل ينظر من خلالها محبو المقاومة وحاملو لواء القضية الفلسطينية من العرب وغيرهم إلى أفق أرحب، أفق يحمل الخير المطلق للشعب الفلسطيني.
ليس مهماً التفاصيل، وما اتُفق عليه وما زال محط خلاف، هذا على الأقل بالنسبة للذين ينظرون إلى المفاوضات من خارجها، من الشارع والجامعة والمصنع والحقل، والذين يراقبون تباشير الراحة تطل من وجوه المفاوضين، حاملة البشرى بأن شيئاً ما قد يتحقق في القريب العاجل.
وليس مهماً ـ الآن على الأقل ـ معرفة من كان على صواب ومن كان على خطأ، لأن النتائج النهائية للقاءات الفلسطينية الفلسطينية هي التي ستظهر الأمر دون تصريح، وهذه النتائج ـ وإزاء ما يجري في المنطقة من تطورات ـ لن تكون إلا على مستوى الآمال التي يضعها عليها الشارع العربي وأنصار المقاومة في الأرض.
وإذا كان ما حصل في غزة خلال الشهرين الماضيين هو الأساس الصلب الذي تقوم عليه المفاوضات، والذي ستبنى عليه الاتفاقات، فهذا يعني أن الأمور تحمل بالفعل فسحة أمل حقيقية، لأن هناك من اقتنع فعلاً بأن الصمود يمكن أن يحقق إنجازات أكثر بكثير من الانبطاح والاستسلام.
رحم الله شهداء غزة الذين ضحوا بالغالي والنفيس كي تنتصر قضية شعبهم وأمتهم، وهدى الله حاملي "الألوية الفلسطينية" على اختلاف ألوانها ومضامينها، ومن يقف وراءها و(خلفها)، لأن يبقوا سائرين في خط التوافق وصولاً إلى تيئيس العدو الصهيوني من تحقيق مشروعه في شرذمة الشعب الفلسطيني والاستفادة من خلافات أبناء هذا الشعب لابتلاع فلسطين وأرضها وأهلها.
ولعل في دعاء جارتنا العجوز ما يكفي كخلاصة: الله يتمّم على خير.

محمود ريا

السبت، فبراير 21، 2009

قبل أن "يقع الفاس في الراس"


أجاب رئيس حكومة لبنان عن سؤال طرح عليه حول الخرق الصهيوني الجديد على الحدود مع لبنان، مبرراً "ما حصل" بأنه خرق للشريط التقني وليس للخط الأزرق، وكفى المؤمنين شر القتال.. ولكنه سكت عن أسئلة خطيرة أخرى طرحها عليه النائب علي عمار، وكلها أسئلة تستحق المتابعة للوصول إلى إجابات مقنعة لها (وليس على طريقة إجابة السؤال حول الخرق الصهيوني) بسبب المخاطر الكبيرة الناجمة عن القضايا المطروحة والتي لا يمكن المرور عليها كأنها أمور عادية يسهل تجاوزها.
فالوفود الأجنبية تتجاوز الأصول الدبلوماسية في التعامل مع لبنان، ولا سيما الوفود الأميركية التي تدخل لبنان وتخرج منه وكأنه ساحة سائبة بلا حدود وبلا ضوابط وبلا قوانين تحكم الدخول إليه والخروج منه، وهذا أمر دفع وزير الخارجية اللبناني فوزي صلوخ إلى القول إن ما يحصل في هذا المجال يخالف ألفباء الأصول الدبلوماسية وكل بنود المعاهدات الدولية التي تحكم العلاقات بين الدول.
على أن الأخطر من ذلك هو موضوع تحريض المدربين الأجانب لضباط القوى الأمنية اللبنانية على جزء أساسي مكوّن للشعب اللبناني خلال الدورات التدريبية التي يشارك فيها هؤلاء الضباط، بما يمثله ذلك من تحريض مباشر على الحرب الأهلية وزرع الحقد والتنافر بين اللبنانيين خدمة للمشاريع الأجنبية الغريبة عن شعبنا ووطننا.
لماذا لم يقل رئيس وزراء لبنان إن هذا لم يحصل ولا يحصل ولا يمكن أن نقبل به إذا حصل، فهل هو يعترف ـ بسكوته عن الرد ـ بصحة هذه المعلومات؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هو الإجراء الذي سيُتخذ للوقوف في وجه جريمة تحريض اللبنانيين على بعضهم البعض؟
يختلف أبناء الشعب اللبناني، وهذا يحصل في كل الدول، ولكن أن يأتي غرباء من أجل تصعيد الخلافات بين اللبنانيين ولتحريض ضباط القوى الأمنية على حزب الله وغيره من القوى بحجة التدريب، فهذا أمر لا يمكن السكوت عنه، ويجب أن يبقى في رأس الأولويات حتى طرد هؤلاء الضباط الأجانب الذين جَرُؤوا على الفتنة بين اللبنانيين، أو اتخاذ موقف من الذين يضعون البرامج التدريبية في عواصم الغرب.
فهل نجد جواباً في المرة القادمة، وقبل أن "يقع الفاس في الراس"؟

محمود ريا

الانتقاد/ العدد 1334، 20 شباط/ فبراير 2009

الجمعة، فبراير 13، 2009

الانتخابات.. وتهافت منطق السلطويين


لم تمض ساعة على إغلاق صناديق الاقتراع في الكيان الصهيوني حتى أعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية، وبعد أيام لم تتغير النتائج عند تلك التي أعلنت أول مرة.
في تلك الساعة قلت للحاضرين: لن يتقدم العرب حتى يتمكنوا من إعلان نتائج انتخاباتهم بهذه السرعة، وليس بعد أيام وربما أسابيع.
ردّ ابني (الذي بلغ بالكاد خمسة عشر عاماً من العمر) قائلاً إن العرب متطورون أكثر من الصهاينة، فهم يعلنون نتائج الانتخابات قبل أن تغلق صناديق الاقتراع، وقبل أن تفتح حتى، فهي تكون جاهزة ومرتبة وموضّبة وجاهزة للتوصيل والتوزيع منذ لحظة تعيين موعد (اليوم الكبير).
عندما ذكّرني ابني بهذه الحقيقة التي كنت أعرفها منذ صغري أيقنت أن الطريق طويل إلى الديموقراطية الحقيقية، التي تنتج عنها مجالس تقرر مصائر البلدان وتحدد خطوات الحكومات والدول.
هذا لا يعني أن الديموقراطية خير كلها، فالنتائج التي أفرزتها الانتخابات الصهيونية لا يمكن أن تحمل في طياتها أي خير.
هي نتائج سيئة بانعكاساتها على "عملية السلام"، كما إنها سيئة للعرب (الأنظمة العربية) الذين يفاجأون كل مرة بالمزيد من التعنت الصهيوني مقابل المزيد من التراخي والتساهل من قبلهم تجاه الكيان الغاصب.
إلا أن هذه النتائج هي سيئة فوق ذلك للصهاينة أنفسهم، لأن ما ينتظرهم مع وصول "أصحاب الرؤوس الحامية" إلى سدّة الحكم في كيان الاغتصاب قد يكون أسوأ (هو أسوأ فعلاً ولكن "الموضوعية" تفترض وضع بعض الكلمات الغائمة مثل قد وربما..) بكثير من الذي قد يأملون به مع وصول من يطلق عليهم اسم الوسط واليسار، وهؤلاء يتقنون فن الضحك على العرب وإمرار مسرحيات المفاوضات والتقدم والتراجع في عملية السلام عليهم.
بالنسبة للمقاومة لا فرق بين هؤلاء وأولئك، فالصهاينة هم صهاينة، وكل من يرضى باغتصاب حقوق الشعب الفلسطيني هو محارب لهذا الشعب وللأمة كلها، ولكن مع عودة نتانياهو (ربما؟) إلى الحكم يتسارع تهافت "منطق" السلطويين العرب الذين يتحدثون عن (سلام مع الشعب الإسرائيلي) وتصبح الحملة التي تستهدف منطق المقاومة بلا منطق وبلا سند وبلا أفق.. كما هو متوقع لها دائماً.
محمود ريا

الجمعة، فبراير 06، 2009

بلا مواربة: البحر والسفينة وغزّة


البحر مالح، البحر عميق وواسع، يصل ويفصل، يقرّب ويبعّد، ويفتح آفاقاً لا انغلاق لها، في حين أنه يسدّ آفاقاً لا أحد كان يعتقد أنها تُسدّ.
هذا هو بحر غزة، وهذا هو البحر إلى غزة.
سفينة تسير في اليمّ، تحمل بعض تضامن وشيئاً من الدموع التي ذرفت في لبنان حباً بغزة وأهلها وشهدائها وأطفالها الذين رأوا الويل، وتقلّ طوداً من أطواد أرض القداسة تتعرض لأخطار وأهوال، أين منها تلك التي تواجهها السفن الماخرة عباب أعالي البحار، والسائرة في بحور الظلمات، والهائمة بلا بوصلة ولا مسار، تتوه بين الشطآن تتقاذفها أنظمة الظلم وآلات الحرب وتحتجزها يد الحقد، تروّع من عليها وتحطم كل آلة تواصل لهم مع العالم، لا لشيء إلا لأنها سفينة تضامن، سفينة أخوّة، سفينة تحمل كلمة الحق وتطلق صرخة صدق في وجه الحصار والدمار وكل من في الأرض من الأشرار.
أي حدّ وصل إليه الظلم؟ أي مستوى بلغه الحقد؟ وأي أفق سدّته الاستهانة بالكرامة وبالحقوق والقوانين الوطنية والدولية؟
أي وصف يمكن إطلاقه على هذا الفعل الذي استهدف مدنيين آمنين في سفينة غير مسلّحة، أقل من أنه قرصنة تنتهك كل ما في العالم من قوانين؟
وأين كانت بوارج الغرب التي ترابط قرب شواطئ منطقتنا من الآلة البحرية الحربية الصهيونية التي ما تركت وسيلة من وسائل الإرهاب إلا وارتكبتها بحق السفينة ومَن عليها وما فيها؟
أين سفن فرنسا "أم الحريات"، وبواخر ألمانيا وأساطيل هذه وتلك من دول العالم، من سفينة فيها كل براءة العالم وبساطته وقداسته، وهي تتعرض لأفظع أساليب المنع والحظر والاعتقال؟
أم أن هذه السفن لا تعرف إلا أن تفرض عنجهيتها على شعوبنا وعلى حقها بأن تقاوم القوة الصهيونية الإرهابية التي تعيث فساداً في الشرق بكل تفاصيله وعمقه، في بحره وبره وسمائه، وفي كل شيء فيه؟!
أي عالم هذا الذي يقبل أن يتحول إعلاميون ومتضامنون أجانب ومطران بكل قداسته، إلى رهائن بيد قوة الإرهاب الصهيونية؟
إنه عالم لا يفهم إلا بالقوة.
محمود ريّا

الاثنين، فبراير 02، 2009

الحرية للمجاهد العربي المصري مجدي أحمد حسين


الحرية للمجاهد العربي المصري مجدي أحمد حسين


دعوة لاحتجاب المدونات يوم الاثنين 2 فبراير للافراج عن مجدي حسين
http://www.facebook.com/event.php?eid=46530779916


اعتقال مجدي أحمد حسين الأمين العام لحزب العمل على حدود رفح بعد عودته من غزة


موقع إنقاذ مصر
قالت أجهزة الأمن المصرية أنها اعتقلت المناضل المصري مجدي أحمد حسين الأمين العام لحزب العمل المصري المجمد رغم أنف القانون السبت لدى عودته إلى مصر قادما من قطاع غزة قائلة أنها تعتقد أنه دخل القطاع بشكل غير قانوني عبر نفق حدودي.

وأضافت أن مجدي أحمد حسين أمين لم يكن يحمل أي أوراق هوية غير رخصة قيادة سيارة عندما حاول العودة إلى مصر من خلال معبر رفح.
وقد ظهر مجدي أحمد حسين في غزة على قناة الأقصى وهو يخطب في الجموع بعد أن نجح بدخول القطاع بطريقة غير معلومة، حيث كان دائما مجدي أحمد حسين من أكثر المتحمسين لكسر الحصار عن غزة، وقد حاول عدة مرات الوصول إلى غزة، حيث دخل بالفعل عندما جرى تحطيم الحدود العام الماضي.

وجمدت الحكومة المصرية أنشطة حزب العمل في عام 2000 بسبب صلاته المزعومة بجماعة الإخوان المسلمين أكبر جماعات المعارضة في مصر.

وأصبحت الأنفاق مصدرا رئيسيا للسلع بما فيها الوقود لسكان القطاع البالغ عددهم نحو 1.5 مليون نسمة منذ شددت إسرائيل حصارها للقطاع بعدما انتزعت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) السيطرة عليه من قوات موالية للرئيس الفلسطيني محمود عباس في عام 2007.

وقصفت إسرائيل الأنفاق خلال هجومها مؤخرا على القطاع الذي استمر 22 يوما ويخشى الجيش الإسرائيلي من إمكانية استخدام حماس للأنفاق لإعادة تسليح نفسها.





مجدي حسين في سطور



· ولد فى 23/7/1951 – والده الزعيم الراحل أحمد حسين المفكر الإسلامى ومؤسس حزب مصر الفتاة.
· شارك فى قيادة الحركة الطلابية المطالبة بالحرب وتحرير سيناء 1968-1972.
· رئيس اتحاد طلاب كلية الإقتصاد والعلوم السياسية.
· شارك فى حرب أكتوبر كجندى مجند بالقوات المسلحة (1972-1975).
· مذيع بصوت العرب – عضو بالمكتب الإستشارى لوزير الإعلام (1975-1977).
· شارك فى تأسيس مجلة الإقتصاد والأعمال فى بيروت.
· صحفى بجريدة الشعب وتم انتخابه لعضوية اللجنة التنفيذية للحزب فى أوائل الثمانينات.
· عمل صحفيا بوكالة أنباء الشرق الأوسط بعد أن أغلق السادات جريدة الشعب.
· اعتقل لمشاركته فى مظاهرة ضد الجناح الإسرائيلى بمعرض الكتاب 1985.
· عضو مجلس الشعب 1987-1990 , صاحب العديد من الإستجوابات أهمها عن الفساد فى قطاع البترول , وانتهاك وزير الداخلية زكى بدر لحقوق الإنسان واستجواب ضد وزير الثقافة أدى إلى وقف مشروع تحويل هضبة الهرم إلى ملاهى , بالإضافة لاهتمامه بمشكلات الجماهير.
· اعتقل عام 1991 لموقفه من العدوان الأمريكى على العراق.
· رئيس تحرير جريدة الشعب 1993 حتى إغلاقها فى 20 مايو 2000 بسبب حملاتها المكثفة ضد الفساد. وترفض السلطات إعادة إصدار الجريدة رغم صدور 14 حكما قضائيا تقضى بعودتها الفورية. عضو المكتب السياسى للحزب 1993.
· تعرض لكثير من التحقيقات والمحاكمات بسبب حملاته الصحفية ضد الفساد , كان أشهرها حملاته ضد: عاطف صدقى رئيس الوزراء وعمر عبد الآخر محافظ القاهرة وزكريا عزمى رئيس الديوان الجمهورى. حيث حصل على حكمين بالبراءة وحكم بانقضاء الدعوى.
· تعرض للتحقيق والإحتجاز بسبب مشاركته فى إغاثة منكوبى الزلزال عام 1992.
· تعرض للسجن عام 1998 بسبب حملته الصحفية الضارية على انحرافات وزير الداخلية السابق.
· انتخبه الصحفيون عضوا فى مجلس نقابة الصحفيين 1999-2003.
· تعرض مجددا للسجن فى عامى 1999-2000 بسبب حملة صحيفة الشعب ضد يوسف والى نائب رئيس الوزراء السابق بسبب التطبيع الزراعى مع العدو الصهيونى والمبيدات المسرطنة , وأكدت الأحداث وأحكام القضاء فيما بعد صحة كل ما نشره.
· ترشح لعضوية مجلس الشعب عام 2000 من وراء الأسوار وحقق نجاحا حقيقيا بفضل شجاعة وبسالة أبناء الدائرة 21 (المنيل) وتم تزوير النتائج فى اللحظة الأخيرة. وتكشف هذه المعركة ارتفاع مستوى الوعى لدى الشعب الذى قرر أن ينتخب نائبا معتقلا لأنه يدافع عن قضايا الشعب, وإسقاط مرشح الحزب الحاكم.
· انتخبته اللجنة التنفيذية أمينا عاما لحزب العمل عام 2001.
· شارك بنشاط فى مختلف لجان مقاومة التطبيع ومناصرة الشعبين الفلسطينى والعراقى.
· تعرض عدة مرات لاعتداءات بدنية مختلفة من قبل عناصر الأمن فى الطريق العام ولكن ذلك لم يثنيه عن طريقه.
· واصل حملاته الصحفية الشرسة ضد حكام الفساد والتبعية فى موقع جريدة الشعب على الإنترنت , وفى العديد من المقالات والبيانات المطبوعة التى يتم توزيعها جماهيريا , ورفع يوسف والى قضية جديدة ضده بسبب حملاته على الإنترنت , ولكن القضاء أنصفه هذه المرة وحصل على البراءة عام 2004.
· شارك بنشاط فى تشكيل اللجان والتجمعات الشعبية والسياسية الجبهوية كممثل لحزب العمل , وعلى رأسها التحالف الوطنى من أجل التغيير مع الأخوان المسلمين , وكفاية , والجبهة الوطنية للتغيير والتى تستهدف الإصلاح السياسى الشامل.
· ممثل حزب العمل فى العديد من المؤتمرات الدولية والعربية والإسلامية أهمها : مؤتمر الأحزاب العربية – المؤتمر القومى – المؤتمر القومى الإسلامى.
· له العديد من الكتابات السياسية والمؤلفات الفكرية الإسلامية والتى تستهدف شرح شعار الحزب والتحالف الإسلامى..

الجمعة، يناير 30، 2009

دعاء لأردوغان


كيف يمكن أن تمحو دقيقة واحدة خمساً وعشرين دقيقة، وكيف يمكن أن تلغي حركة واحدة كل المأمول من عمل متواصل على مدى اثنين وعشرين يوماً؟
من أراد ان يعرف الجواب فلينظر إلى ما فعله رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في ندوة منتدى دافوس، عندما جعل رئيس كيان العدو شمعون بيريز يلعن اللحظة التي جعلته يجلس إلى جانب ذارف الدموع على ضحايا غزة.
كان بيريز مسترسلاً في إعادة أسطوانة التبريرات الصهيونية لما حصل في غزة، والحاضرون يصفقون له، فهم مقتنعون بما يقول، أو بالأحرى هم مقتنعون به، وملتزمون به وراضخون له، مهما قال وبأي كلمات نطق.
ولكن.. ليس دائماً يتم الأمر كما هو مرسوم له، ومن يغيّر "المرسوم" يجب أن يكون كبيراً بكبر المهمة التي نذر نفسه لها.
لقد كانت وقفة أردوغان في وجه بيريز وفي وجه العالم المتواطئ مع العدوان الصهيوني كلمة حق أمام سلاطين الجور، ولا يمكن لأي شخص مهما كان متحاملاً، او مهما كان يائساً ومستسلماً إلا أن يصفها بهذا الوصف.
لقد ألغت هذه الوقفة أطناناً من الكلام الذي وزعته آلة الإعلام الدولية المتصهينة في أرجاء الأرض من أجل التعمية على الحقيقة، ومن أجل تبرئة المجرم الصهيوني من دماء أطفال غزة، وفتحت الطريق أمام الملايين من الذين فعلت محاولة السحر الغربية فعلها في وضع غشاوة على عيونهم كي يفيقوا من غفلتهم ويسألوا عن الصورة الأخرى للأحداث، الصورة التي حرصت وسائل الإعلام على إخفائها عن العيون.
الموضوعية تقتضي ان لا ننسب لفعل أردوغان أكثر من حجمه، فلا نقول إنه سيغيّر الكون أو سيقلب الموازين، ولكن الموضوعية نفسها تقتضي أن نعطي هذا الفعل حجمه الذي يستحقه، وأن نقول إن ما حصل هو بيان للناس في كل مكان أن اسمعوا وعوا، فهذا الحق وذلك الباطل. فلا تمزجوا بينهما.
وإذا كان لا بد من كلمة أخيرة، فلا بد من القول: أردوغان بحاجة إلى الدعاء الآن.. فالحملة التي ستستهدفه كبيرة، والخطر الذي يحيق به لا يمكن تصوره.

محمود ريا

الجمعة، يناير 23، 2009

يا غزة

كتب محمود ريا

كل الدروب تؤدي إليك يا غزة
كل المعابر، من كل المدن والقرى والدساكر
لا باب يقفل دونك، ولا منفذ يُسدّ
لا أمنية لك ترفض، ولا طلب يرد
لك يُتلى نشيد النصر، من كل المنابر.
يا غزة
يا قدراً رسمته أنامل صغيرة
برزت من بين الركام
يا أملاً غذّته دماء أطفال
سرقوا منهم الأحلام
يا أفقاً رحباً لم تقدر
كل قنابل الكون
وكل خونة الكون
وكل جبابرة الكون
أن تقفله في وجه مقاوم.. "مغامر".
صمودك درس لمن يهوى
أن يتعلّم الدروس
هو تاج لمن يأبى
أن تُحنى منه الرؤوس
هو فخر
هو عز
لمن يبتغي العزة
ولمن يطلب المفاخر.
يا غزة
يا من كشفتِ
عن أمة مستفزّة
أمة تنتظر الفرج
لحظة بعد لحظة
تمشي وراءه
على خطى مقاوم
أبى الركوع
وكره الخضوع
لعدو ماكر
وسلطان جائر.
يا غزة
كتبتِ التاريخ الجديد
رسمت بأحرف من دماء
الغد المجيد
وأعلنتِ بكل قوة
بكل ثقة
بكل تضحية
أن النصر الذي كان
هو نقلة أخرى
على طريق المآثر.
والنصر الكبير
عرس التحرير
آت مع القدس
مع الأقصى
مع النهر
ومع البحر
رغماً عن كل غادر
يحارب الحق
يجانب الصدق
يعادي الله
ويغلق في وجهك
كل المعابر

الصين وروسيا في غزة: مواقف باهتة من منطلقات متشابهة

كتب محمود ريا
من بين كل المواقف الدولية التي صدرت على هامش العدوان الصهيوني على قطاع غزة، كان من اللافت بقاء المواقف الصينية والروسية من هذه الأزمة تحت سقف المأمول من قبل أبناء الأمتين العربية والإسلامية، ولا سيما في ظل حديث المحللين في الفترة الأخيرة عن بوادر صدام صيني روسي من ناحية وأميركي من ناحية أخرى على خلفية تحقيق النفوذ في منطقتنا.

الصين: خطة.. وصواريخ

مر ذكر الصين خلال أزمة غزة مرتين، الأولى عندما تحرك المبعوث الصيني إلى الشرق الأوسط سونغ بي في جولة على عدد من دول المنطقة ناقلاً خطة من خمس نقاط لوقف إطلاق النار، لم يتسنّ لها أن تخضع للدرس في ظل كثرة المصرّحين وندرة الفاعلين في وقف العدوان، والثانية عندما تحدثت معلومات صحافية أجنبية عن إطلاق المقاتلين الفلسطينيين صواريخ متطورة على المستوطنات الإسرائيلية ذات منشأ صيني، بل قيل إن هذه الصواريخ لم تستخدم حتى في الصين نفسها حتى الآن.
غير ذلك لم يكن للصين أي ذكر في الأزمة الحالية إلا من خلال الموقف الصيني في مجلس الأمن الدولي، وهو الموقف الذي جاء مؤيداً للموقف الرسمي العربي، وساهم في إصدار القرار الدولي رقم 1860 الذي دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار، إلا أنه لم يطبق بشكل فوري ولا يعرف أحد مصيره بعد ذلك.
وربما يكمن جوهر الموقف الصيني الباهت من الأزمة في غزة في نقطتين أساسيتين:
الأولى: تشتت الموقف العربي الرسمي، ووقوف الدول العربية المؤثرة نفسها موقفاً أكثر من باهت في هذه الأزمة، ما جعل أي مقارنة لمواقف الدول الأخرى مع الموقف العربي تعطي أرجحية في غير مصلحة العرب بالتأكيد.
الثانية: هوية القوة الرئيسية التي تواجه العدوان الإسرائيلي، وهي منظمة إسلامية، الأمر الذي يثير كثيراً من الحذر لدى الصين التي تعلن بشكل دائم أنها تعاني من مشكلة كبيرة مع منظمة إسلامية (تراها مشابهة لحركة حماس) في منطقة سينكيانغ (تركستان الشرقية)، وهي منظمة تدعو إلى استقلال تلك المنطقة ما يثير الحساسية الكبيرة لدى الصين حول وحدة ترابها، في الوقت الذي تعاني منه من مطالب انفصالية أخرى في التيبت التي تجاور ـ للمصادفة ـ منطقة سينكيانغ.
وتبقى نقطة ثالثة لا بد من الالتفات إليها، وهي التطور الكبير في العلاقات بين الصين وإسرائيل في الفترة الأخيرة، في ظل حاجة الصين للتكنولوجيا الإسرائيلية في كثير من النواحي، وهي علاقة لن تضحي الصين بها من أجل طرف آخر لا يجلب الكثير من المنافع لها، بل هو يدخلها في مشكلة مع أنظمة عربية فاعلة تعوّل عليها في علاقاتها الاقتصادية.
من خلال هذه المعطيات يمكن تكوين صورة أولية للخلفية التي حكمت الموقف الصيني الرسمي من الأزمة والذي لم يكن ليرضي الكثير من الأطراف العربية التي كانت قد بدأت ترى في الصين عنصراً موازناً في المعادلات الدولية، مقابل السيطرة الأميركية شبه المطلقة على التطورات في المنطقة.
إزاء كل ذلك اقتصر الموقف الصيني على الحديث عن الوضع الإنساني في غزة، وعلى الدعوة المتكررة، وعلى لسان أكثر من مسؤول في الخارجية الصينية، إلى وقف فوري لإطلاق النار، وهي دعوة لم تلقَ أي صدى إلا من خلال المعطيات الملموسة على الأرض والتي تمثلت في العجز الإسرائيلي عن الوصول إلى الأهداف المتوقعة من الهجمة العنيفة على غزة.

روسيا: مبعوث.. وسفينة

كما الصين روسيا، لم يكن موقف موسكو من الأزمة أكثر حيوية، بل إن الموقف الروسي تمثل في تفهم أكبر للعملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، وقد عبرت موسكو عن هذا التفهم من خلال قمعها لتظاهرة منددة بالعدوان الإسرائيلي على القطاع في شوارع العاصمة الروسية.
وكما وصل المبعوث الصيني سونغ بي إلى المنطقة في جولة مكوكية، كذلك جال نائب وزير الخارجية الروسي ألكسندر سلطانوف في عدد من العواصم متحدثاً عن ضرورة حصول وقف فوري لإطلاق النار، مع إطلاق بعض مواقف الإدانة اللفظية للوحشية الإسرائيلية التي ظهرت جليّة في قطاع غزة.
وفي مجلس الأمن كذلك، كان الدور الروسي مطابقاً للدور الصيني في تأييد الموقف العربي الرسمي الذي توصل إلى القرار الدولي رقم 1860، دون أن يكون لموسكو أية تدخلات تفوق الحد المتوقع في التعاطي مع هذا الملف الحساس.
وفوق ذلك، فإن ما أثير في وجه بكين من أحاديث عن صواريخ صينية وصلت إلى المقاومة الفلسطينية، أثير مثله في وجه روسيا عند حديث مسؤولين إسرائيليين عن وجود سفينة حربية روسية قبالة الشواطئ السورية في البحر الأبيض المتوسط تقوم بمراقبة وتسجيل كل ما يحدث في قطاع غزة، محاولين الإيحاء بأن وجود هذه السفينة يشكل عامل قلق للجيش الإسرائيلي.
وربما لا تختلف منطلقات الموقف الروسي البارد من الأزمة في غزة عن منطلقات الموقف الصيني، حيث الرغبة في الاصطفاف إلى جانب الموقف الرسمي العربي، و"النقزة" من "الخلفية الأصولية" للمنظمة التي تخوض الصراع مع إسرائيل، إضافة إلى الحرص على العلاقات مع تل أبيب والسعي إلى عدم الخروج عن الموقف الدولي الذي بدا أكثر حماسة من إسرائيل نفسها لإنزال الهزيمة بحركة حماس.
المتابعون لموقفي روسيا والصين من الأحداث وصلوا إلى قناعة قوية بأنه ما زال من المبكر التعويل على موقف "شرقي" مختلف عن موقف الغرب في المنطقة، بالرغم من كون ما يحصل في منطقتنا هو محاولة أميركية لمنع أي تسرب لنفوذ منافس لنفوذ واشنطن على منابع النفط والمحور الذي يدور حوله العالم منذ فترة طويلة، وسيبقى كذلك إلى وقت غير معلوم.

السبت، يناير 17، 2009

المغرب وفنزويلا.. والزمن الأعور




حكي أن دولة في أقصى أطراف الأرض وقفت وصرخت، واتخذت موقفاً لا يمكن إلا أن تنحني الهامات أمامه، نددت بجرائم العدو الصهيوني في غزة، وطردت السفير الإسرائيلي لديها، وزادت على ذلك بأنها قطعت علاقاتها بشكل كامل مع هذا الكيان.
هذه الدولة التي بات اسمها على كل شفة ولسان، وصار رئيسها أيقونة للرجولة في كل البلدان، تحمل اسم فنزويلا، ورئيسها "يساري غريب" لا يمت للعروبة ولا لقحطان أو لعدنان بأي صلة، واسمه هوغو شافيز.
وحكي أن دولة هي الجناح الغربي لأمة العرب والوجه المطل على المحيط الكبير لحاملي راية الإسلام، رئيسها يدعي أنه من نسل رسول الله صلى الله عليه وآله، ولا يرضى إلا أن يقال عنه أمير المؤمنين، يرتع في نعماء الدنيا، ويقيم من العلاقات مع العدو الصهيوني ما يُندي الجبين، ظاهراً وباطناً.
هذه الدولة رفض ملكها وزعيمها أن يأخذ أي إجراء عملي في مواجهة حرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة، كما رفض قطع علاقاته أو تخفيضها مع كيان الاحتلال، ولم يتخلّ عن مستشاريه اليهود الذين يحكمون باسمه ومن تحت تاجه.
هذه الدولة التي تحمل اسم المغرب، ويحكمها ملك معظّم اسمه محمد بن الحسن بن محمد، رفض ملكها حضور قمة عربية حول غزة، ورفض القيام بأي نشاط لوقف ما يحصل في بقعة يدعي أنه من حماة حماها، وهو الذي لا يفتأ يردد أنه "رئيس لجنة القدس" والساعي من أجل إنقاذها، كل يوم، وفي كل صباح ومساء.
على أن هذا ليس كل شيء، والخبر ليس هنا لمن يرى في ذلك أمراً طبيعياً في هذا العصر الأغبر.
الخبر هو أن "حامي حمى القدس" تذكر الآن أن "اليساري الغريب" يتدخل في شؤون بلاده من خلال موقفه من "الوحدة الترابية المغربية" وتأييده لجبهة البوليساريو، وهو أمر تفعله عشرات الدول في العالم.
لقد قرر ملك المغرب الآن قطع علاقاته بفنزويلا بسبب موقفها من قضية الصحراء الغربية.
وللقارئ وحده يبقى التعليق على هذا الزمن الأعور.
محمود ريا

الأربعاء، يناير 14، 2009

أغنية لغزة من مايكل هارت




WE WILL NOT GO DOWN (Song for Gaza)
(Composed by Michael Heart)



A blinding flash of white light
Lit up the sky over Gaza tonight
People running for cover
Not knowing whether they’re dead or alive

They came with their tanks and their planes
With ravaging fiery flames
And nothing remains
Just a voice rising up in the smoky haze

We will not go down
In the night, without a fight
You can burn up our mosques and our homes and our schools
But our spirit will never die
We will not go down
In Gaza tonight

Women and children alike
Murdered and massacred night after night
While the so-called leaders of countries afar
Debated on who’s wrong or right

But their powerless words were in vain
And the bombs fell down like acid rain
But through the tears and the blood and the pain
You can still hear that voice through the smoky haze

We will not go down
In the night, without a fight
You can burn up our mosques and our homes and our schools
But our spirit will never die
We will not go down
In Gaza tonight