الثلاثاء، أكتوبر 14، 2008

لا للتعميم


أصعب ما مرّ على أمتنا أن العالم، وبتحريض من قوى مسيطرة فيه، أخذ هذه الأمة بجريرة بعض أبنائها، فصار كل المسلمين إرهابيين وكلهم انتحاريين، وكلهم تحت الشبهة الأمنية والمراقبة الدقيقة، بما يحرمهم حقوقهم المدنية ويضعهم في موقع الملاحق دائماً.
ليس من المستساغ أن نطبّق هذه السياسة على أنفسنا، فنقوم بعزل منطقة من المناطق اللبنانية، أو نسم أهلها بتهمة الإرهاب، بجريرة بعض الأشخاص الذين لا يمكن إلا أن يكونوا خارج الإجماع الديني والوطني، كما كانت القوة التي عملوا في إطارها وهم عملوا بالجرائم التي ارتكبوها على "الثأر" لها.
العناصر الفاسدة هي عناصر، محددة ومشخّصة، وهم لا يعبرون عن أي توجه أياً كان، ولا يمكن أن نضع منطقة بكاملها في موقع الاتهام لأن البعض من أبنائها قاموا بأعمال كلها إجرام باعتراف القريب قبل الغريب.
ومع الاقتناع الكامل بهذه الجزئية من المعادلة، لا بد من النظر إلى الجزئية الأخرى، وهي التي تقوم على مبدأ إعلان أهل المنطقة التي خرج هؤلاء الإرهابيون منها بشكل واضح وصريح، وبشكل عملي وملموس أنهم يعارضون كل ما قام به هؤلاء المجرمون، وأنهم يدينون قتل الأطفال وقتل المدنيين، وقتل الجنود اللبنانيين، الذين هم أبناء هذا الشعب وأخوة المواطنين وليسوا أعداءهم.
لقد صدرت العديد من التصريحات التي تؤكد هذا المعنى، وهي تصريحات مطلوبة ومقدّرة، وما هو مطلوب بعدها هو بذل كل جهد ممكن من أجل تسهيل عمل القوى الأمنية المعنية في اعتقال المشبوهين، والإشارة إلى أي بقعة مظلمة قد تشكل بؤرة حماية ونصرة ومساندة لهذه العمليات الإرهابية التي تترك آثارها السلبية على البلد كله، وليس فقط على منطقة واحدة فيه.
المطلوب أن نكون كلنا اليوم في موقع واحد، كي يكون الإرهابيون وحدهم في موقع آخر، فيسهل تحديدهم وتشخيصهم ومحاصرتهم.. والقضاء عليهم.
محمود ريا

حرية من نوع آخر


الإنسان حرّ في أن يبدّل البذلة التي يلبسها مرتين في اليوم، مختاراً في كل مرة لوناً مختلفاً عن الآخر، وحر في أن يأكل الطعام مالحاً صباحاً وحامضاً في المساء، وحر أن يذهب شمالاً قبل الظهر، ثم يذهب جنوباً بعد الظهر، وربما يكون حراً في تبديل ولاءاته وتغيير مواقفه بالنسبة نفسها التي يغيّر فيها ثيابه وذوقه في الطعام ووجهة السير التي يسلكها في الوقت الذي يراه مناسباً.
ولكن أن يقول له أحد حقيقة أنه غيّر وبدّل، وتلوّن وتحوّل، فهذا يمكن اعتباره مساً بالحرية وتضييقاً لها، وخروجاً على القانون وتجاوزاً لقواعده.
الإنسان حر في أن يفعل ما يشاء، وليس لأحد حرية ان يقول أي شيء عن حريته هذه، فحرية الآخرين غير موجودة، ولا يمكن السماح بها ويجري التعرض لها ونقضها وحتى سحقها، ما دام أنها تمس حرية الشخص القادر على أن يمارس الحرية من دون حساب، نتيجة ظرف طارئ أو ركوب ناجح للموجات المرتفعة مع ترك الموجات التي تكاد تهمد من دون أي شعور بالذنب، أو بحث عن فضل الموجة التي أوصلته إلى هذا المكان أو ذاك.
حرية المرء لا تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، لأن لا حرية للآخرين ما دام أن هذا المرء قادر على استخدام القوانين وصرف النفوذ والتلاعب بالأنظمة خدمة لحريته في أن يفعل ما يشاء بحق من يشاء ساعة يشاء.
إنها حرية من نوع آخر، حرية لبنانية، "ماركة مسجّلة"، قادرة على أن تضرب الإعلام وحرية التعبير عن الرأي، وجاهزة لإتلاف كل الوثائق والمستندات، خدمة لنافذ، وتنفيذاً لرأي زعيم يرى مصلحة في تحريك قوى تنفّذ القانون هنا، وجعلها تنام "نومة أهل الكهف" هناك وهنالك.
إنها حرية من نوع آخر، بل هي ليست حرية إلا بالاسم، ولا يعرفها أحد في العالم كما يعاني منها اللبنانيون الذين ليس لهم من يقف وراءهم و"يعطيهم حريتهم".
هي الحرية التي ترتكب الجرائم باسمها وتحت لوائها.
محمود ريا