الاثنين، نوفمبر 24، 2008

أي ثمن سياسي تطلبه الصين؟


لم يكن سعادة السفير ليو زيمينغ (السفير الصيني في لبنان) راضياً من السؤال الذي طرحته عليه في الندوة التي أقامتها جامعة القديس يوسف يوم الثلاثاء الماضي (18/11) تحت عنوان: الصين والأزمة المالية العالمية.

ربما السؤال لم يكن دبلوماسياً بما فيه الكفاية، وكان يجب أن يكون مغلفاً ببعض الكلمات التي تجعل وقعه أخف على المستمعين.

وقد يكون الحق على اللغة الفرنسية التي لم تسعفني في تنميق السؤال وجعله يتساوق مع المهمة التي يقوم به سعادة السفير، إلا أنه في النتيجة سؤال كان لا بد منه، والجواب (منه وفيه).

كان الكلام دقيقاً في المحاضرة التي كانت متخمة بالأرقام، في تأكيد على النهج الذي أصرّ سعادة السفير على اتباعه طوال الوقت: لنكن واقعيين، علينا أن ننظر إلى الوقائع، لا يمكن القفز عن الحقائق، هذه هي حقيقة الأمر.. إلى ما هنالك من التعابير التي كانت تؤكد على حقيقة يرغب الصينيون في التأكيد عليها دائماً، وهي أن الصين ليست غولاً سيبتلع العالم، وهي لم تصبح قوية بما يكفي لتستغني عن الآخرين، بل هي دولة قوية مقارنة مع الدول الأخرى ولكنها ما تزال في طور النمو مقارنة مع حاجاتها ومتطلباتها وعدد الأفواه التي ينبغي إطعامها.

من أجل ذلك كان السؤال صادماً ربما.

بعد الحديث عن تريليونين من الدولارات من الاحتياطي النقدي تمتلكها الصين، وبعد شرح بعض تفاصيل خطة الصين لمساعدة العالم على الخروج من أزمته الاقتصادية كان السؤال: بما أن كل العالم ينظر إلى هذا المبلغ الكبير الذي تملكه الصين والذي تحتاجه الدول الغربية، ما هو الثمن السياسي الذي تطلبه الصين كي تساهم في حل الأزمة الاقتصادية العالمية؟

معروف أن الصينيين لا يرغبون أبداً بالحديث عما يريدونه من العالم، وأنهم متحفظون كثيراً في مزج السياسة بالاقتصاد، وأنهم يفضلون ترك هذا الأمر إلى ما بعد عام 2020.

من أجل ذلك رأى سعادة السفير أنه من المبكر جداً الإجابة على السؤال، لا بل من المبكر طرحه من الأساس.

إلا أن هذه الدبلوماسية ـ المغلفة بمسحة الواقعيةـ لا يمكن أن تنفي أن الصين تنتظر العروض التي تنهال عليها من كل حدب وصوب من أجل انتقاء الأكثر مناسبة لها كي ترخي يدها عن ملياراتها المكدّسة لديها.

وهذه المحاولة الحثيثة لإبعاد السياسة عن الاقتصاد لم تفلح في إخماد الهمهمات المتصاعدة حول مكاسب في تايوان وفي ملف حقوق الإنسان، وفي تقاسم مختلف للنفوذ الاقتصادي والسياسي في قارات معينة، يتوقع أن تحصدها بكين في المرحلة القادمة.

ولعل سعادة السفير لمّح دون تصريح إلى ملف من أهم هذه الملفات، هو ملف حقوق الإنسان حين تساءل رداً على سؤال: أي حق للإنسان أهم من حق الحياة وحق أن يأكل؟؟

بالضبط، هذا هو النهج الصيني في الاقتصاد وفي حقوق الانسان، وربما هو ما أراد سعادة السفير أن يشير إلى أنه سيصبح نهجاً اقتصادياً عالميا، ونهجاً في الحياة.

محمود ريا