الأربعاء، أكتوبر 04، 2006

الجرح الفلسطيني الغائر في أجساد ترفض اليأس


بمناسبة ذكرى انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الصابرة:
أطفال ونساء بين عشرات الآلاف من ضحايا الوحشية الصهيونية


يسيل الدم من الجرح، وتحمل القطرات العنوان، فتقول بلا خجل: هذا دمي، دم طفل، دم مجاهد، دم صامد، أريق على أرض قدّست وطهّرت، ليبقي الألمل بان الفرج قريب.ّ
ست سنوات مرت، وفي كل عام مزيد، عشرات لا بل قل مئات وآلاف، ولا تستحِ إن قلت عشرات الآلاف. لم يكل هذا الشعب ولم يملّ، أعطى، واستمر في العطاء شاهراً في وجه الدنيا إرادته التي لا تلين، وقدرته على إدهاش أولئك الذين فقدوا منذ زمن القدرة على التفاعل مع أي حدث.
شباب فلسطين، وفي فلسطين كلهم شباب، لا وجود عندهم ليائس ولا لخانع ولا لفاقد روح العطاء..
شباب فلسطين، من كل فئة ومن كل منطقة، من الضفة ومن القطاع، من أرض "الثمانية أربعين" ومن أرض "السبعة والستين"، يحملون الجرح إشارة استحقاق للانتماء إلى هذا الوطن، ويقدمون ما يحفظه الآخرون بمال الدنيا، لأن الوطن عندهم أغلى من مال الدنيا.
خمسون ألفاً يقولون، بل سبعون ألفاً، وربما يكون كل من الرقمين صحيح، فهذا يحسب كلّ جرح، وذلك يرى في ما يعتبره الآخرون جرحاً مجرد إعلان عن المشاركة في المعركة.
في عرف هذا الأخير لا جرح إلا قطع اليد أو فقء العين أو فقدان شيء من الجسد، أما ما يتعافى، فلا يستحق أن يوضع في سجل الوطن.
وإنما هو يستحق.
يستحق، لأن مئات الملايين في أنحاء العالم (العربي) لا يشعرون بالجرح الذي استطال في جسد أمتهم، فكيف سيشعرون بجرح استوطن في جسد واحد من أبناء هذه الأمة. لا يسمعون صرخة طفل وضع العدو على هيكله الغض آثار وحشيته، أو بكاء أم على طفلها الذي حمل بكل جدارة لقب "الشهيد الحي".
وتتوزع الجراح، كما يتوزع الجرحى.
سيرة الجرح الفلسطيني
فهذا عرفات يعقوب إبراهيم (31 عاما) استشهد في الخامس والعشرين من نيسان/ أبريل الماضي عندما وجد نفسه بكرسيه المتحرك الذي يستخدمه للسير، عرضة ومجموعة من الصبية يرشقون قوات الاحتلال بالحجارة عند مدخل مخيم قلنديا للاجئين جنوب مدينة رام الله لإطلاق نار كثيف من قبل قوات الاحتلال حيث أصيب الشهيد برصاصة من النوع المتفجر حولت رأسه إلى أشلاء متناثرة، لم يكن عرفات يلقي الحجارة بل كان يشرب القهوة مع عائلته على شرفة منزله المطلة على مدخل المخيم.
عرفات ينجو ثلاث مرات من رصاص الاحتلال
نجا الشهيد عرفات في السابق من ثلاث محاولات سابقة تعرض فيها لإطلاق النار ولكنها حولته من إنسان سليم إلى آخر مقعدا مشلولا بحاجة إلى كرسي متحرك للسير والتنقل.
وقد جرح يعقوب للمرة الأولى عندما كان في الرابعة عشرة من عمره خلال الانتفاضة الأولى عام 1987 عندما شارك مع عدد من الأولاد في قذف جنود الاحتلال بالحجارة وأصابته رصاصة في ساقه.
وقد سجنته سلطات الاحتلال الصهيوني بحجة انتمائه إلى حركة مقاومة لمدة 10 شهور عام 1991 بحسب ما ذكره شقيقه. وأصيب عام 1992 خلال مواجهة مع شبان فلسطينيين وجنود الاحتلال الصهاينة بثلاث رصاصات في ظهره مما أدى إلى شلل في جسمه من الخصر فأسفل.
وبعد شفائه من جروحه لازم كرسيه المتحرك وحصل على عمل في مخزن للأدوية الطبيعية برام الله وعندما وفر بعض المال اشترى سيارة أجرة خاصة بالمقعدين وبدأ يستخدمها في شوارع رام الله.
وأثناء وجود يعقوب عام 2002 داخل سيارته في قرية غربي رام الله امتلأت سيارته بالثقوب نتيجة الرصاص الذي أطلقته دبابة صهيونية وأصابته رصاصة في صدره وكانت جراحه خطرة.
الطفولة المستباحة
"لن يكون بوسعه المشي على قدميه بعد اليوم" أصيب بإعاقة دائمة... خبر أخف وطأة، ربما، من خبر الموت...
نبيل عمر حامد، من قرية سلواد غرب رام الله، وصل إلى المستشفى يوم السابع عشر من كانون الأول عام 2005 بإصابة بليغة: دخلت الرصاصة من الظهر، واخترقت الصدر، وضربت العمود الفقري، وأحدثت نزيفا داخليا في الرئة والبطن
بعد أن تم إنقاذ نبيل في اليوم الأول من النزيف الحاد... وبعد أن شاهد والداه الجسد الصغير تخترقه الأجهزة والأنابيب في فمه... في أنفه ... في بطنه... صار المشي أمرا غير ضروري وحاجة ليست ملحة... "المهم أن يظل على قيد الحياة"!
هنا وسط الرواية، أعاقت الدموع الراوي الأب وكرر كلمات ترشح تعبا بفلسطينية منهكة: "أصدقاؤه من يوم الحادثة توقفهم ذاكرة الحب على باب منزله".."أخوه وأخواته الثلاثة إلى الآن لم يتجاوزوا بشاعة الصدمة، وبحاجة لمن يشد من عزيمتهم".
لم يفقد الثقة بالله
ولم يفقد الشاب الفلسطيني عامر جبريل كوارع، 19 عاماً الثقة بالله والأمل بالمستقبل، رغم انه فقد ساقيه، وأصيب بشظايا في أنحاء جسمه، دون أن يخفي في الوقت نفسه مرارته من حرمانه من ممارسة العديد من هواياته.
فعامر الذي فقد ساقيه وأصيب بجروحه في 26/6/2005، مع اثنين من أشقائه وأحد أصدقائه إثر انفجار جسم متفجر، عبارة عن فانوس إضاءة أطلقته قوات الاحتلال التي كان تتمركز في ما كان يعرف بمستوطنة موراج، يعمل جاهداً على التغلب على شعور العجز والألم، فرفض التقوقع والانعزال، وقام بتركيب ساقين اصطناعيتين يحاول أن يستعيض بهما جزءاً ولو قليلاً من الحركة الكثيرة التي حرم منها.
ينتظر بصبر
التمعت عينا الشاب وهو يعود بذاكرته إلى تلك الساعات، وقال- بصوته الذي يخرج همساً بالكاد يسمع نتيجة عدة شظايا أصابت الرقبة واستدعت تركيب جهاز خاص للتنفس فيها-" كنت برفقة أحد جيراننا واثنين من أشقائه الأطفال في أرضهم الزراعية القريبة مما كان يعرف بمستوطنة موراج ، جنوب مدينة خان يونس عندما عثرت على "خبة" فانوس إضاءة تطلقه قوات الاحتلال، فاقتربنا منه لمشاهدته وإذا به ينفجر محدثاً دوياً هائلاً، وبعدها لم أدر عن نفسي إلا بعد عدة أسابيع".
حتى صباح السادس والعشرين من يونيو/حزيران عام 2005، كان ديب سمير تقفة المولود في 26/6/1986، شاباً موفور الصحة، ويضج بالحياة والطموح، ينتظر بصبر ليقدم ما فاته من اختبارات الثانوية العامة، ويتطلع لشق طريقه في الحياة ليساعد أسرته التي طحنها الفقر والوضع الاقتصادي البائس، حتى وقع ذلك الانفجار الكبير، الذي مزق كل شيء حتى الأحلام، وحول هذا الجسد النابض بالحياة والعطاء، إلى جسد أسير هذا السرير وهذه الغرفة التي تعكس عسر الحال وضيق ذات اليد.
إجرام المستوطنين
زهور العويضات (أم لسبعة أطفال) من بلدة الشيوخ إلى الشرق من الخليل أصيبت بكسر في الجمجمة بعد أن اسقط عليها مستوطنون حجرا كبيرا بالقرب من البؤرة الاستيطانية بيت هداسا في البلدة القديمة في الخليل
وتقول المواطنة العويضات انها توجهت إلى البلدة القديمة لأنها علمت أن بلدية الخليل نقلت موقف السيارات الخاص ببلدة الشيوخ وسعير إلى منطقة الزاهد وأضافت: شعرت بشيء من الأمان عندما علمت أن المواطنين بدءوا بالتوجه إلى البلدة القديمة من اجل التسوق فأخذت طريقي إلى منطقة الزاهد عبر شارع الشلالة القديم حيث لم أتوقع أن هناك من يرصد الوقت المناسب لإسقاط حقده فوق راسي
وتقول: بالرغم من أن شارع الشلاله محاط بالاشباك الحديدية من الأعلى لمنع وصول الحجارة والأتربة والقاذورات التي تسقط على رؤوس المارة من قبل سكان البؤرة إلا أن الشبك كان يحوي على فتحه سمحت بوصول الحجر إلى رأسي.
هذه عينة من جرائم ارتكبت بحق عشرات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، باتوا اليوم في حالة من العجز نتيجة الوحشية الصهيونية بحقهم، فهل من يقف بجانبهم من أجل استرداد حقهم في معاقبة المجرمين بحقهم؟
محمود ريا
(المعلومات عن جرحى من موقع صامدون الفلسطيني على الإنترنت)