الأربعاء، أبريل 04، 2012

سوريا تعاني.. قبل نهاية النفق


محمود ريا
17-12-2011
سوريا تعاني، وقد دخلت في طريق مظلم، وتواجهها الكثير من الصعوبات.. ولكن هناك ضوء في آخر النفق.
والواقع أن ما يلوح ليس ضوءاً واحداً، وإنما عدة أضواء دفعة واحدة.
وإذا كان الموت يحصد أرواح الكثيرين من السوريين كل يوم، فإن هذا الأمر لا يقود إلى انتظار تغيير دراماتيكي يقلب الطاولة رأساً على عقب، وإنما هو يدعو إلى الأسف على هذه الأرواح التي تذهب، في حين أن المعادلة ستبقى كما هي.. دون تغيير.
الذين يظنون أنهم يدفعون باندفاعهم ثمن تغيير الوضع القائم هم أمام واقعين متكاملَين ـ متناقضين:
الواقع الأول هو أنهم فعلاً صنعوا التغيير، فسوريا لن تعود أبداً كما كانت، وهي تسير في مسار سيقود إلى تغيير كثير من الأوضاع التي كانت قائمة فيها.
الواقع الثاني هو أن دماءهم لم تصنع الانقلاب الذي قيل لهم إنهم سيحققونه من خلال تضحياتهم. الانقلاب لم يحصل، ولن يحصل في المرحلة القادمة، وضمن المعطيات الموجودة، والأمور ستبقى سائرة في الاتجاه الذي تسير فيه هذه الأيام: إصلاحات وتحسينات وتغييرات، لكن مع بقاء النظام والحفاظ على أسسه وسياساته الخارجية، وهذا هو الأهم.
الأضواء التي يراها الكثير من المراقبين تنبعث من الداخل ومن الخارج في الوقت نفسه.
من داخل سوريا هناك عدة مؤشرات: تماسك الجيش، تظاهرات الشارع المؤيدة بقوة للنظام والتي شكّلت صدمة حقيقية للإعلام الخارجي الذي فشل في التغطية عليها، ثبات الأكثرية الشعبية إلى جانب النظام على مستوى الناس العاديين الذين يرَون في التغيير على "الطريقة العرعورية" انتكاسة كبرى لسوريا لا يمكن تحمّلها، قوة الاقتصاد الناجمة عن غياب أوراق الضغط الخارجية نتيجة غياب الديون وتأمين القسم الأكبر من الاحتياجات في مختلف المجالات داخلياً، انقسام المعارضة إلى معارضات كلّ منها يغنّي على ليلاه، انحسار المواجهات في مناطق محددة وتحوّلها إلى عمليات عسكرية مباشرة من قبل العصابات المسلّحة ضد قوات الأمن...
من خارج سوريا هناك أوراق عديدة يمكن الحديث عنها: ثبات الموقف الروسي في مواجهة الحملة الغربية ـ العربية على سوريا، تضامن الموقف الصيني مع روسيا بشكل غير قابل للاهتزاز، وقوف إيران الحاسم إلى جانب سوريا.. وحتى النهاية، الانسحاب الأميركي من العراق وتحرّر الإرادة العراقية من ربقة الانسياق وراء السياسة الأميركية، الضعف الداخلي في تركيا سواء بسبب تنامي المعارضة للسياسة الخاطئة تجاه سوريا أو نتيجة المرض المفاجئ لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، ثبات الحكومة اللبنانية على موقفها الرافض لاستخدام الأراضي اللبنانية كمنصة للاعتداء على أمن سوريا بالرغم من بعض الخروقات وبعض المواقف المنحازة إلى صف التحالف المعادي لسوريا...
 
سوريا في النفق ما تزال، وهناك الكثير من المفاجآت غير السارة قد تنفتح عنها جدران هذا النفق
كل هذه المعطيات، وغيرها، تضع الموقف السوري في موقع قوة، وتسمح بالقول إن محاولات إسقاط النظام في سوريا قد تلقّت ضربة قاسية، وربما تكون قد فشلت تماماً، في ظل المستوى الذي يُعمَل عليه حالياً، ويبقى انتظار ما إذا كانت القوى التي تقف وراء هذه المحاولات قد اقتنعت بذلك فعلاً أو إنها ستعمد إلى استعمال مستوى أعلى من الهجوم، يصل إلى حد استخدام "خيار شمشون" والزج بكل ما تبقى من رصيد عسكري وسياسي وإعلامي لها في لعبة إسقاط النظام.
الكثيرون يرَون أن بعض المؤشرات تؤكد "استسلام" القوى الخارجية أمام هذه الوقائع، ويعتبرون أن عودة السفيرين الأميركي والفرنسي إلى دمشق بمثابة إعلان وفاة لمشروع إسقاط النظام، وكذلك تأجيل اجتماعات مجلس "الجامعة العربية" مرّة بعد مرّة، والانضواء تحت لواء "المبادرة العراقية" التي تشكّل مخرجاً لـ "الهزيمة" العربية الغربية، وغير ذلك من المؤشرات.
هل هذا يعني أن يبدأ المعسكر المقابل للهجمة على سوريا بالاحتفال؟
كلا، سوريا ما تزال في النفق، ومن يستعجل إعلان الانتصار لا يقرأ الوقائع بدقة، وعليه أن يتمتع بالمزيد من طول النفس وهدوء الأعصاب.
سوريا في النفق ما تزال، وهناك الكثير من المفاجآت غير السارة قد تنفتح عنها جدران هذا النفق، وأكثر ما تظهر هذه المفاجآت هو في اللحظات الأخيرة قبل نهاية المواجهة، ولذلك ينبغي التركيز أكثر على صد هذه الأخطار قبل الانبهار بالأضواء التي تنتظر المراهنين على انتهاء الأزمة بشكل نهائي.

جرذان فرنسا.. والحماية من العقاب


محمود ريا21-11-2011
روى لي صديق، ممّن قدّر لهم زيارة فرنسا، قصة البحيرة التي أنشأها المجلس البلدي في إحدى المدن الحديثة البناء.
في تلك البحيرة كان هناك بط وأوز وطيور مائية أخرى تحظى بعناية البلدية.
وفي مرحلة من المراحل أخذ جرذ يستهدف طيور البحيرة، حيث كان في كل فترة يسطو على إحداها ويفترسه.
يقول الصديق إن أجهزة البلدية بذلت جهوداً كبيرة للقبض على الجرذ دون إطلاق النار عليه، ومن ثم تم نقله بكل حرص إلى "بيئة مناسبة له"، حيث أُطلق سراحه دون أن يتعرض لأي أذى.
روى الصديق هذه القصة ليوحي بمدى حرص الفرنسيين على الحياة، حتى ولو كانت حياة جرذ.
صديق آخر كان حاضراً قال: عجيب هذا الحرص الفرنسي على الحياة، والأعجب أن هذا الحرص لم يظهر عندما قتل هؤلاء الفرنسيون أنفسهم أكثر من مليون جزائري بلا شفقة ولا رحمة، وكذلك ملايين البشر الآخرين في مستعمرات فرنسا المختلفة في أنحاء العالم، ما يثير الأسئلة عن المعيار الذي يحكم هذا الحرص الفرنسي على الحياة.
أجاب الصديق الأول: يا صديقي، الجرذ فرنسي.. ولذلك حرصواعليه، أما الجزائريون وغيرهم فهم ليسوا فرنسيين، ولا يحظون بشرف الاهتمام بحياتهم.
هنا تدخلت في هذا الحوار قائلاً لصديقيّ: مع كل حرص الفرنسيين على حياة الفرنسيين، حتى ولو كانوا جرذاناً، فإن هناك قضايا "أسمى" و"أكثر أهمية" تجعل أبناء باريس يغضون الطرف عن حياة فرنسية تُزهق أو تتعرض للتهديد.
ورويت لصديقيّ قصة القنصل الفرنسي في غزة، الذي أصيب بجراح هو وابنته، وكذلك أُجهضت زوجته، بسبب وجوده في دائرة اعتداء صهيوني جوي على أحد الأبنية في غزة.
لقد تعامت وسائل الإعلام الفرنسية عن هذا الموضوع تماماً ولم تذكر القضية، بل أن وسائل الإعلام التي ذكرت الأمر برّرت للصهاينة فعلتهم، وحمّلت الشخص الفرنسي المسؤولية لأنه كان موجوداً في المكان الذي ضربه الصهاينة في غزة، بالرغم من أن هذا المكان هو بيته الذي يقيم فيه مع عائلته!
قلت لصديقيّ: الفرنسيون يرتّبون البشر على الشكل التالي (من الأدنى إلى الأعلى):
ـ كل البشر الآخرين
ـ الفرنسي ولو كان جرذاً
ـ الصهيوني الذي هو أعلى من كل البشر.. وقيمته تفوق قيمة كل إنسان.
ومن يحتج على هذا التقسيم عليه أن يقنعنا بمبرر سكوت الفرنسيين على الجريمة التي استهدفت مواطنهم الذي يحمل جواز سفر بلادهم، والتي أدّت إلى قتل شخص فرنسي مستقبلي (جنين السيدة عقيلة القنصل)، في حين أنهم حرصوا كل الحرص على حياة جرذ كان يسرق طيورهم ويقتلها.
ليس هناك أي مبرر سوى أن القاتل صهيوني، وإلا تصوروا معي لو أن قاتل ابن القنصل الفرنسي كان صاروخاً أطلقته منظمة فلسطينية، ماذا كان سيحصل؟
مئات المقالات، عشرات الاتصالات الهاتفية والمقابلات التلفزيونية والتقارير الصوتية والمصوّرة وربما أفلام وثائقية تنتج بشكل فوري، كلها كانت ستتحدث عن مأساة رئيس البعثة القنصلية الذي تعرض لمأساة إنسانية لا مثيل لها.
أما لأن المجرم في هذا القضية هو "إسرائيل"، فقد بات مستوى الفرنسي وابنه وزوجته أقل من مستوى جرذ فرنسي "مجرم"، فماذا برأيكم سكيون مستوى العربي والمسلم الذي يقتله الصهيوني في هجماته واعتداءاته المستمرة؟
السؤال "جوابه منه وفيه" كما كان أجدادنا يقولون، ولذلك فإن انتظار إنصاف من هؤلاء الغربيين في معركتنا الطويلة مع الصهاينة هو كانتظارالإنصاف من الصهاينة أنفسهم.
فإما أن نحقق قيمتنا بقوتنا وبأيدينا، أو أننا سنذهب ضحايا جرذان هذا العالم الذي يحظون بحماية قوى الغرب وحنانها الذي لا يمكن تبريره بأي شكل من الأشكال.