الأحد، أغسطس 31، 2008

الولايات المتحدة وضعت رجلها على طريق الانهيار









"الصحافي اللبناني محمود ريا لـ"الحقيقة الدولية
الولايات المتحدة وضعت رجلها على طريق الانهيار و"إسرائيل" ثغرة وعبئ عليها


إبراهيم عرب
وجد الصحافي اللبناني المتخصص في الشؤون الدولية محمود ريا أن الولايات المتحدة الأميركية وضعت رجلها فعلاً على طريق الانهيار، وهي عاجزة عن التراجع خطوة واحدة إلى الوراء. وقال في حوار مع "الحقيقة الدولية"، إن الكيان الصهيوني يشكل ثغرة حقيقية في جدار التماسك الأميركي تجاه العالم، لافتا الى ان "ولايات متحدة بلا عبء صهيوني" قد تكون قادرة على تحقيق أهدافها بطريقة أفضل بكثير من هذه "الولايات المتحدة" التي تعاني الكثير من جراء الوضع الجيو استراتيجي والعسكري الشاذ الذي يشكله وجود الكيان الصهيوني على رأس حلفاء الولايات المتحدة. وفي مايلي نص الحوار:


1- أظهرت الأحداث الأخيرة في عدد من دول العالم، وبخاصة في لبنان وسوريا والعراق وأفغانستان وجورجيا وفلسطين المحتلة وكوريا الشمالية وإيران، تراجعاً كبيراً في النفوذ والقوة الأمريكية والإمساك بهذه الملفات الحساسة، ماهي أسباب هذا التراجع، وهل من دور للإنتخابات الرئاسية الأميركية في هذا الإطار؟

يبدو الحديث عن تراجع أميركي شامل في انحاء العالم مدعاة للتشكيك من قبل البعض، وفرصة للبحث عن شواهد ملموسة من قبل البعض الآخر، حيث يقول القسم الأول إن الولايات المتحدة الأميركية ما تزال قوية جداً، بل هي ما تزال الدولة الأقوى في العالم، ولذلك فإن بروز بعض مظاهر الضعف هنا أو هناك يعتبر أمراً طبيعياً، ولا يؤدي إلى الأخذ بـ "المبالغة" التي تتحدث عن انهيار أميركي، أو حتى عن تراجع في نفوذ الولايات المتحدة على مستوى العالم.
ويستند هذا الفريق في دعواه على كون الولايات المتحدة تمسك بمعظم "أوراق اللعب" في أنحاء العالم، وقواتها منتشرة في أربع أرجاء المعمورة، وبوارجها تمخر عباب البحر من أقصى المحيطات إلى أقصاها، وكذلك فإن الجيوش الأميركية منتشرة في أكثر من بقعة في أنحاء العالم، ولا سيما في المناطق الحساسة استراتيجياً واقتصادياً كوسط آسيا ( أفغانستان) والشرق الأوسط (العراق)، إضافة إلى التواجد المباشر في أكثر من منطقة من الكرة الأرضية.
لا بل أن هذا البعض يشير إلى أن الولايات المتحدة تقوم بتحركات هجومية اندفاعية على أكثر من صعيد، ويعطون مثالاً على ذلك ما حصل في أوروبا الشرقية على صعيد توقيع معاهدة نشر الدرع الصاروخية، مع ما يعنيه ذلك من قدرة لدى الولايات المتحدة على الإخلال بالتوازن الاستراتيجي (الهش أصلاً) مع روسيا على صعيد استخدام القوة الصاروخية النووية.
كل هذه المعطيات لا ينكرها الذين يبحثون عن دلائل لوجود تراجع في موقع الولايات المتحدة الأميركية في العالم، وإنما هم يضعون بعض "الظلال" على البريق الذي يحاول مؤيدو الرأي الأول أن يضفوه على الصورة الأميركية.
وفي بحثهم عن أدلة تسمح لهم بتخفيف حجم الهالة التي تعمل الولايات المتحدة على وضعها حول صورتها، يعرض أنصار الرأي الثاني معطيات صارت معروفة للقاصي والداني، كالتراجع الذي يشهده الاقتصاد الأميركي (بصفة إجمالية)، والمشاكل التي تعاني منها القوات الأميركية في العراق على المستوى العسكري، وما يلحق بذلك من اضطراب في القدرة الأميركية على السيطرة على الحراك السياسي العراقي، ولا سيما على صعيد محاولة فرض اتفاقية بقاء القوات الاميركية في العراق، وانفضاض الحلفاء عن القوة العسكرية الأميركية في أفغانستان، مع ما يعنيه ذلك من ترك للجنود الأميركيين وحيدين يصارعون أعداءهم على الأرض الأفغانية، وصولاً إلى ما يتعرض له حلفاء الولايات المتحدة في أماكن كثيرة في العالم من ضغوط تدفعهم إلى التراجع عن الانجازات التي حققوها سابقاً، سواء في جورجيا أو في أوكرانيا أو في لبنان وفلسطين وغيرها من مناطق العالم، ويضاف إلى ذلك صعود نجم الشخصيات والقوى المناهضة للولايات المتحدة في اميركا الجنوبية والوسطى، وفي بعض الدول الأفريقية والآسيوية.
وإذ يعرض أنصار هذا الفريق كل هذه الحقائق فإنهم يعتبرون أن الولايات المتحدة تعاني من ضغوط كبيرة في سياستها الخارجية، دون أن يعني ذلك أن الإدارة الأميركية بوارد الاستسلام لهذه الضغوط والركوع أمامها، وإنما هم يرون أن واشنطن تملك دائماً القوة على الالتفاف على المشاكل التي تتعرض لها من خلال اعتمادها البراغماتية في التعامل مع المشاكل الدولية، ومن خلال التخلي عن الحلفاء الضعفاء والعمل على مد الجسور مع الأعداء الأقوياء.
إلا أن هناك فريقاً ثالثاً يتبنى رؤية مغايرة للرؤيتين السابقتين، وهذا الفريق يملك تصوراً "متطرفاً" يقول إن الولايات المتحدة باتت فعلاً على حافة الانهيار، كامبراطورية عظمى على مستوى العالم، وربما كدولة كبرى في إقليمها، وذلك انطلاقاً من معطيات عديدة يمكن إجمالها على الشكل التالي
ـ الولايات المتحدة إمبراطورية، وكل إمبراطورية مصيرها الاضمحلال بعد وصولها إلى ذروة قوتها، وقد وصلت واشنطن إلى هذه الذروة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وكان يمكنها البقاء في قمة العالم لفترة طويلة لولا أنها ارتكبت جملة من الخطاء المصيرية التي جعلتها تفقد هذه الميزة الاستراتيجية بسرعة، كمحاولة فرض الهيمنة على دول العالم، والاصطدام بقوى إقليمية ناهضة بدل محاولة استيعابها والتقوي بقوتها، إضافة إلى خطيئة التعامل مع أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر عام 2001 وما تبعها من غزو دموي لأفغانستان ثم العراق.
ـ لقد شكل غزو هاتين الدولتين شهادة إعلان إعاقة للقوة العسكرية الأميركية العظمى، إذ بيّنت الوقائع على الأرض أن هذه القوة التي تمتلك ما لا يمكن إحصاؤه من الأسلحة عاجزة عن حسم حربين "صغيرتين" يواجهها فيهما تنظيمات لا تملك أسلحة متطورة ولا جيوشاً جرارة ولا رؤى استراتيجية عالمية، ما جعل الحديث عن القوة الأميركية التي لا يمكن مقاومتها محل شك بل محل سخرية واستهزاء على مستوى العالم ككل.
ـ انتهجت الولايات المتحدة سياسات غير حكيمة في التعامل مع العديد من الأزمات الدولية الكبرى، ومنها أزمة الملف النووي الإيراني، وأزمة جورجيا مؤخراً وأزمة الملف النووي الكوري الشمالي. وإذا كانت الإدارة الأميركية قد حققت بعض الانجازات في عدد من هذه الملفات (تفكيك المنشآت النووية الكورية، إيصال موالين لها في جورجيا إلى الحكم..)، فإنها عادت وخسرت كل هذه الانجازات من خلال حشر القوى المقابلة ودفعها إلى اتخاذ مواقف متشنجة أجهضت كل ما حققه الأميركيون.
ـ شكلت محاولة الولايات المتحدة بناء شرق أوسط جديد وسيلة لجعل الشعوب تقتنع بالقدرة الأميركية على إعادة "قولبة" العالم وفق الرؤية الأميركية. وقد مارست الإدارة الأميركية ضغوطاً كبيرة لبناء الشرق الأوسط الجديد وصلت إلى حد تأييد كل الجهود الصهيونية الهادفة إلى القضاء على قوى المقاومة في المنطقة العربية، ولاسيما في فلسطين ولبنان، ووقفت بقوة وراء الحرب الصهيونية على لبنان عام 2006 ولم تتورع وزيرة الخارجية الأميركية غونداليزا رايس عن اعتبار تلك الحرب قاعدة قيام الشرق الأوسط الجديد والموعود. لقد شكّل فشل هذه المحاولة بعد الهزيمة المروّعة التي تعرضت لها القوات الإسرائيلية على أيدي المقاومين اللبنانيين انتكاسة خطيرة لمشروع الشرق الأوسط الجديد، وثم جاءت التطورات السياسية اللبنانية التي تبعت تلك الحرب لتمنع الولايات المتحدة من تثبيت مشروعها السياسي في لبنان وبالتالي لتلغي واحدة من اهم القواعد الأميركية في المنطقة. كما يمكن الحديث هنا وبقوة عن التغييرات غير المتوقعة التي حدثت على الساحة الفلسطينية، والتي جعلت المخططات الأميركية بعيدة عن الواقع وسابحة في فضاء النظريات العقيمة.
إزاء كل هذه الوقائع، وما استجد بعدها وما كان قبلها، يؤكد أصحاب هذه النظرة لواقع الولايات المتحدة ـ وأنا منهم ـ أن الولايات المتحدة الأميركية وضعت رجلها فعلاً على طريق الانهيار، وهي عاجزة عن التراجع خطوة واحدة إلى الوراء.

2- هل يؤشر هذا التراجع مع تعاظم النفوذ الروسي الظاهر والقوة الصيني وقيام الإتحاد الأوروبي على عالم متعدد الأقطاب، وما هو المطلوب من دول العالم الثالث (الدول العربية والإسلامية تحديداً)؟

إن النظر إلى واقع العلاقات الدولية الحالي، والتوازنات الاقتصادية والسياسية والعسكرية القائمة، يسمح بالقول إن صعود قوى دولية معينة (الصين والهند) واستيقاظ قوى أخرى كانت في سبات (روسيا وبعض الاتحاد الأوروبي) هو مؤشر حقيقي على أننا بتنا في مرحلة قيام عالم متعدد الأقطاب لا وجود فيه لقوة واحدة مهيمنة هي الولايات المتحدة الأميركية.
ما حدث في جورجيا مؤشر لذلك، وما يعانيه الاقتصاد الأميركي أمام الصعود المتواصل للعملاق الصيني دليل آخر، وما تخبئه الأيام القادمة من مؤشرات لحروب باردة متعددة الوجوه والأطراف هو إشارة إلى أن العالم بات فعلاً في مرحلة إعادة التشكّل.
إن الدول جميعها مدعوة لأن يكون لها دور في رسم الخارطة الجديدة للعالم، والدول النامية تملك إمكانيات كبيرة كي تكون جزءاً من القوى الفاعلة على المستوى الدولي، هذا في حال قررت أن تأخذ مكانها الحقيقي بين الأمم.
أما الدول العربية فهي مبتلاة بعدم النظر إلى كل هذه الحقائق، وهي تضع بيضها في سلة واحدة دون أن تنظر إلى مصير هذا البيض، وحتى إلى مصير السلّة نفسها.

3- إلى أي حد شكل الإنحياز الأميركي الأعمى لكيان العدو الصهيوني ضرراً في السياسة الخارجية الأميركية وكان له آثار على تراجع الدور الأميركي وتردد الحلفاء في مواكبة الأطماع الأميركية؟

يشكل الكيان الصهيوني ثغرة حقيقية في جدار التماسك الأميركي تجاه العالم وفي آلية التواصل الأميركية مع القوى العالمية، وبقدر ما يمكن اعتبار "إسرائيل" قاعدة متقدمة للهيمنة الأميركية في "العالم القديم"، فهي باتت تشكل عبئاً على الإدارة الأميركية، نظراً للضعف الذاتي والموضوعي الذي بات يتّسم به هذا الكيان.
إن "ولايات متحدة بلا عبء صهيوني" قد تكون قادرة على تحقيق أهدافها بطريقة أفضل بكثير من هذه "الولايات المتحدة" التي تعاني الكثير من جراء الوضع الجيو استراتيجي والعسكري الشاذ الذي يشكله وجود الكيان الصهيوني على رأس حلفاء الولايات المتحدة.

الجمعة، أغسطس 29، 2008

صاعدة بلا توقف


كما كان الافتتاح، كذلك الختام، حفل مهيب، ملي بالرموز التي لم يتأخر العالم في التقاطها، وهو يرى القوة الصاعدة.. صاعدة بلا توقف.
سلّمت بكين الراية الأولمبية إلى لندن، و"أهدتها" همّ العمل من أجل تقديم حفل أفضل، أو على الأقل حفل يتناسب مع بعض ما قدمته الصين للعالم في أولمبيادها، ولكن ما وضعت العالم أمامه أكبر بكثير.
لم يعد الحديث عن عالم متعدد الأقطاب مزحة، ولا صارت الإشارة إلى القوة الآسيوية الصاعدة أمراً نادراً، ولا حتى الحديث عن يوم سيأتي وتكون فيه الصين أقوى من الولايات المتحدة عاد أمراً مستهجناً.
لقد قدمت الصين في سبعة عشر يوماً كل الدلائل على أنها تسير بشكل حثيث لتكون كل ذلك وأكثر، بالخمسين ملياراً من الدولارات التي دفعتها لتحضير البنية التحتية اللازمة لاستضافة الألعاب الأولمبية، وبحفلي الافتتاح والاختتام اللذين أذهلا البشرية، وبالذهبيات الخمسين التي اختطفها رياضيوها، ما وضعها على رأس لائحة الميداليات الذهبية لأول مرة في تاريخها.
ولكنها قدمت أيضاً خلال هذه الأيام وقبلها وبعدها أكثر من دليل على أنها تسير في خط تصاعدي لا يتوقف، سواء على مستوى الاقتصاد، أو على مستوى السياسة العالمية التي كان لها منها أكثر من موقف لافت ومميز.
فالصين وقفت بوجه قرار إحالة الرئيس السوداني إلى المحكمة الدولية بشأن دارفور، والصين اتخذت موقفاً ممالئاً لروسيا في ما قامت به في القوقاز، ودفعت قمة دول منظمة شنغهاي في دوشنبه لاتخاذ موقف مؤيد بقوة لروسيا في "جهودها لمعالجة الموقف في جورجيا"، والصين تبرز في أي مكان تكون فيه الولايات المتحدة في موقف المتراجع والمربك.. والمحبط.
فهل بدأت الصين تعلن عن نفسها، بعد طول عمل بالخفاء، وهل كان حفلا بكين هما إعلان انطلاق "المسيرة الكبرى" نحو "صين عظمى"، أم أن علينا أن ننتظر بعض الوقت كي نصل إلى مرحلة البحث عن معالم الحرب الباردة الحقيقية بين الولايات المتحدة.. والصين؟
محمود ريا

الأربعاء، أغسطس 27، 2008

من يبدّد الظلمة؟



يقف الإنسان مع نفسه ليسأل: هل هذه هي الأمة التي يمكن الافتخار بالانتماء إليها؟
يستعيد التاريخ، فيرى البطولات والأمجاد، ويأتي إلى الواقع لتتغير الصورة لديه.
من أين يأتي بالفخر؟
من حصار يشدّده بيديه على نفسه، فيقطع عن أبنائه الطعام والدواء، ويعزلهم في قطاع غزة إرضاءً للسيد الصهيوني؟
أم من تداعي الأمم على هذه المنطقة فلا من يصدّ ولا من يردّ، حتى أصبحنا مثالاً لردّ الفعل، واستثناءً للإقدام والفعل بين الشعوب؟
أم من حضور غير فاعل في كل المحافل، فنذهب ونعود كأننا لا كنّا ولا حضرنا، وما أولمبياد بكين عنا ببعيد.
أم من فقر وأميّة وانحدار أخلاق وتخلّف صناعة وزراعة، فيما آلاف المليارات تتدفق بين أيدي بعض الأمة يلهون بها ويقيمون من المشاريع ما لا يسدّ رمقاً ولا يقوّي استقلالاً ولا يجلب عزة وكرامة.
من أين نأتي بالفخر؟
من زعماء لا يعرفون إلا كلمة نعم في مواجهة السيد الأجنبي، ولا يفهمون لغة للتعامل مع شعوبهم إلا القهر والظلم؟
من نُخَب لا ترى إلا مصالحها الذاتية الضيقة، فلا تنظر إلى الأمام ولا تضحّي من أجل بلادها ومجتمعها ومبادئها؟
من فراغ يسود عالم الإبداع والإنتاج والرقي والتقدم، أم من صدأ يعتلي الأسلحة المكدسة بلا هدف إلا إرضاء الصانع والتهويل على أبناء الوطن؟
من سواد يلف الإعلام المتلهي بما يلمع دون أن يكون ذهباً، أم من جفاف يضرب آبار الطاقات الشابة التي باتت لا تؤمن بأوطانها ولا تعمل في سبيل إثبات ذواتها في ساحات التحدي؟
قد يكون أولمبياد بكين، والنتائج العربية المخيّبة هناك، ما أثار هذه الأسئلة، ولكن المسألة أعمق من ذلك، إنها مسألة مسار لا يقود إلا.. إلى الهاوية.
يبقى الأمل في نهضة نعيش أنوارها في مقاومة صامدة في لبنان وشعب صابر على قهر الصهاينة في فلسطين، ومجتمع يحاول الخروج من ربقة الاحتلال الأميركي في العراق.
إنه أمل كبير، ولكن الظلمة التي تعمّ الأمة بحاجة إلى أكثر من بقعة ضوء.
محمود ريا

السبت، أغسطس 23، 2008

يا أحمر الخدّين




"الصاروخ الإيراني إلى الفضاء فشل فشلاً ذريعاً"
كان هذا هو التقييم الذي قدمه عدد من المسؤولين الأميركيين للقفزة الإيرانية العملاقة إلى الفضاء الخارجي من خلال تقنية إيرانية خالصة وخبرات محلية لم يدخل عليها أي مكوّن أجنبي.
إنها الوسيلة الأميركية الجديدة للهرب من الواقع والعيش في أجواء من الوهم المصطنع، خوفاً من وقع الحقيقة على المسؤولين الذين لم يعودوا قادرين على تحمّل صدمات جديدة، إثر ما عانوه في أكثر من منطقة في العالم، لعل آخرها الضربة الروسية القاصمة في جورجيا، وما عنته من انهيار في الاستراتيجية الأميركية في القوقاز، وربما في العالم كله.

لقد قال الإيرانيون إن التجربة نجحت، وهم يستعدون لإطلاق قمر اصطناعي حقيقي خلال المرحلة المقبلة، وأكدوا أنهم مستعدون للتعاون مع الدول العربية والإسلامية لإطلاق أقمار اصطناعية لهذه الدول، وذلك في إطار استراتيجية فضائية إسلامية متكاملة.
.. قال الأميركيون إن التجربة كانت فاشلة تماماً، ولكنهم لم يتورعوا عن إطلاق صيحات الإنذار والاستنكار، وتهييج وسائل الإعلام وتحريك المحللين و"الباحثين" للحديث عن خطورة الخطوة الإيرانية وتداعياتها المستقبلية، والأخطار التي يمكن أن تشكلها على "السلام العالمي".
هي خطوة باتجاه الفضاء، وهي خطوة سلمية تماماً، وهي خطوة علمية لا تحمل أي تجربة عسكرية، فما دخل السلام العالمي في ذلك؟!
وإذا كانت "خطوة فاشلة" حسب التقييم الأميركي، فلماذا يعطيها الأميركيون هذا القدر من الأهمية، ويثيرون حولها هذا الكم من الغبار؟
إذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن العالم الذي بُهر بالافتتاح الأسطوري لأولمبياد بكين، "كاد يموت من الضحك" وهو يرى وسائل الإعلام الأميركية تتبارى في "الكشف" عن ثغرات الافتتاح، وأهمها أن طفلة غنّت مكان طفلة أخرى، وأن بعض الألعاب النارية كانت محضّرة سابقاً.

إنه التعبير عن العجز أمام تطورات تذهل الأميركيين وتدفعهم للبحث عن أي شيء، لتحصيل بعض المعنويات الوهمية.
المثل العامي يقول: لم يجدوا عيباً في الورد فقالوا له: يا أحمر الخدّين.
محمود ريا

الأربعاء، أغسطس 20، 2008

التفاهم والأصوات الرافضة

كلما وُقّعت وثيقة تفاهم في هذا البلد ارتفعت أصوات الفتنويين.. وانحسر أثرهم.
الأصوات المعترضة التي صدرت من أكثر من جهة، تهاجم الوثيقة التي وُقّعت بين حزب الله ومجموعة أساسية من التيارات السلفية في لبنان تدل على مسألتين مهمتين:
الأولى: هي أن هذه الوثيقة أصابت مقتلاً من الذين لا يريدون لأبناء البلد أن يتفاهموا وأن يتقاربوا وأن يقضوا على الأجواء الملتبسة التي تسمح للفتنة بالنمو وبالاستفحال، إلى حدّ تهديد الوطن وأهله وكيانه.
الثانية: أن الضربة الثانية كانت أقوى بكثير من الضربة الأولى على رأس الذين يريدون عزل المقاومة وتحويلها إلى كيان منبوذ في البلد، بالرغم من أن الضربة الأولى المتمثلة بوثيقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر، والتي وُقّعت في السادس من شباط/ فبراير عام 2006 لم تكن خفيفة الوقع، وإنما كان أثرها ثقيلاً على رؤوسهم إلى الدرجة التي جعلت من حياة الراغبين في عزل المقاومة مجموعة من الكوابيس المتنقلة التي لم تنتهِ حتى الآن.
ما يراه هؤلاء أن مساحة اللعب بالمشاعر، والبهلوانيات على الحبال المذهبية والطائفية والتحريض والنفخ والتهييج، والعبث بالثوابت الوطنية والمصالح العامة، من أجل تحقيق مصالح شخصية وانتخابية ضيقة، باتت مساحة قليلة المساحة، وهي تتقلص يوماً بعد يوم، وبالتالي فإن الأرض التي يقفون عليها باتت لا تسعهم، وهم مجبرون على اتخاذ خيار من اثنين: إما الانتقال إلى أرض الوفاق والتفاهم والتوحّد من أجل مصلحة الوطن، أو ترك الأرض وما عليها للوفاقيين الحقيقيين الذين يبذلون كل جهد من أجل إنقاذ الوطن مما يعتريه من مظاهر انقسام وتشتت.
الخيار صعب إذا كان قرارهم سيخرج من ذواتهم، أما في الواقع، وهم الذين لا يتحركون إلا عبر جهاز تحكم باللغتين العربية (المعتدلة) والإنكليزية (باللكنة الأميركية) فإن اتخاذا قرار بالانضمام إلى خط الوفاق والمصالحة الوطنية سيكلفهم الكثير عند أسيادهم، لذا تجدهم ينتفضون ليعلنوا بكل وقاحة رفضهم لوثيقة التفاهم وللتفاهم وللأطراف الذين وقّعوه.
كيف يستطيع شخص أن يجاهر برفض الاتفاق بين اللبنانيين؟
إنه سؤال جوابه واضح: إنه لا يريد مصلحة اللبنانيين.
محمود ريا

السبت، أغسطس 16، 2008

الشمس لا تغطى بغربال

من يَجُبْ في مجاهل شبكة الانترنت (القارة السابعة كما يسميها صديق فاعل ومخضرم في عالم الشبكة العنكبوتية) يصادف في منتدياتها أسئلة لا تخطر في بال، واتهامات تفوق الخيال، ومحاولات لا تحصى من أجل تغطية الشمس بالغربال.
من الاتهامات التي تصادفنا صبح مساء، وتستعمل كـ"إدانة" جاهزة للتشويش على مواقف حزب الله وخطه الجهادي المقاوم سؤال بريء الظاهر مشحون بألف خلفية وخلفية بالخفاء، ومختصر هذا السؤال: ما دام أن حزب الله هو حزب مقاوم ويدعو إلى المقاومة، فلماذا لا يتخذ موقفاً واضحاً من المقاومة العراقية، ويكتفي بإعلان تأييد المقاومة الفلسطينية دون غيرها من حركات المقاومة في العالم؟
ودائماً كان الجواب: لقد أعلن حزب الله أكثر من مرة، وعلى لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله شخصياً تأييده للمقاومة في العراق ولجهادها من أجل إخراج المحتل الأميركي، وأكد تأييده للمقاومة العسكرية تحديداً وللعمليات الحربية التي تشنها ضد قوات الاحتلال وآلياته، حتى لا يقول أحد ما إن السيد نصر الله قد يكون مع "المقاومة السياسية" التي يدعو لها البعض، دون أن يعلن تأييداً واضحاً للمقاومة العسكرية.
في خطاب مساء الخميس الذي أتى في ذكرى انتصار المقاومة الإسلامية في لبنان على أعتى عدوان صهيوني في الرابع عشر من آب/ أغسطس عام 2006، قال السيد نصر الله كلمات واضحة، لا يأتيها الغموض من أمامها أو من خلفها أو من بين أيديها، كلمات تقطع كل جدل وتجبّ كل نقاش، وتجيب عن كل الأسئلة وتنفي كل الاتهامات ولا تُبقي بيد أي كاره للشمس وضَوْئها حجة ولا.. "غربال".
كانت هذه الكلمات كافية لتبديد الغبار المثار في عالم الانترنت، تزامناً مع غبار الواقع أيضاً، حول وقوف حزب الله إلى جانب الشعب العراقي ومقاومته البطلة في مواجهة الاحتلال الغاشم، والأمل أن يقتنع المستفسرون، أما المغرضون فلو قلت لهم ألف ألف كلمة، ودعمتها بألف ألف فعل فلن يقتنعوا، لأنهم ببساطة لا يريدون.
محمود ريا

الأربعاء، أغسطس 13، 2008

الدب الروسي يستيقظ وعلى العالم أن يستمع إليه الآن


كيف يمكن لحملة صغيرة أن تتحول إلى حرب عالمية؟
لم يعد العالم بحاجة لتخيّل الإجابة عن هذا السؤال، وهو يراها متجسدة في ما يحصل في القوقاز هذه الأيام.
ولكن يبدو أن صيغة السؤال تحمل خطاً منهجياً: من قال إن ما قامت به جورجيا عندما وجهت قواتها لاحتلال (أو إعادة السيطرة على) أراضي جمهورية (أو إقليم) أوسيتيا الجنوبية هو مجرد حملة صغيرة؟
ومن قال إن ما حصل هو من بنات أفكار ذاك الرئيس المغامر ميخائيل سكاشيفيللي الذي فتح نار جهنم على أوسيتيا ليتلقاها حمماً مدمرة على أكثر من مدينة من مدن بلاده؟
من الذي يستطيع أن ينفي المسؤولية الكاملة للولايات المتحدة الأميركية عما يحصل في تلك المنطقة الفسيفسائية من العالم، التي تحمل في طياتها العشرات من الصواعق التي يكفي تفجير واحد منها لتفجير القنبلة (الكرة) الأرضية؟
لقد أخطأ سكاشيفيللي الحساب عندما اعتقد أن أضواء الألعاب النارية التي أطلقتها بكين في افتتاحها للألعاب الأولمبية ستغطي على نيران القذائف التي أطلقها على العاصمة (المدينة الرئيسية) الأوسيتية تسخينفالي بهدف إخضاعها والقضاء على الحكومة الموالية لروسيا فيها.
ظن هذا الرئيس المهووس أن ما يقوم به سيمر بهدوء، وأن روسيا ستسكت عن هذا الخرق الفاضح للخطوط الحمراء التي زرعتها حول مقتضيات أمنها القومي، فجاء الرد على مستوى الأمن القومي الروسي، أي على مستوى حرب باردة جديدة تكاد نارها تستعر مهددة باحتمالات خطيرة لا أحد يعرف مداها.
أين الدور الأميركي في كل هذا؟
ألم تكن الإدارة الأميركية على علم بالعملية الجورجية، أم إنها كانت تعلم وتهدف لإحراج الدب الروسي؟ أم أن حسابات الحقل لم تنطبق على حسابات البيدر؟
التوصل إلى إجابات حاسمة لهذه الأسئلة يحتاج إلى المزيد من الوقت كي تتضح الصورة، وربما هي تحتاج إلى انجلاء الغبار الذي يغطي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وكامل جورجيا، وربما منطقة القوقاز بكل تناقضاتها.
مسألة واحدة محسومة منذ الآن، وهي أن الدب الروسي كان يستيقظ، والآن أطلق صوته بأعلى ما يمكن، وعلى العالم أن يستمع إليه الآن.
محمود ريا

الخميس، أغسطس 07، 2008

حلم واحد


الأولمبياد ينطلق الجمعة، ومع انطلاقته تتوجه عيون مليارات البشر إلى العاصمة الصينية بكين، لمتابعة آخر ما شهده عالم الرياضة من تطورات، على صعيد بذل أقصى الجهود لتحصيل أكبر عدد من الميداليات.

ولكن مع هذه "النظرة الرياضية" إلى بكين، فإن كل عين ـ تقريباً ـ في العالم تنظر إلى الصين نظرة أخرى.

هناك من يراها من زاوية منفعة شخصية، أو أذى مادي يلحق بعمله نتيجة التدفق التجاري الصيني، وهناك من ينظر إليها كداعم على مستوى الموقف السياسي لبلده أو لحكومته، وهناك من يحاول أن يحلّ لغز هذه القوة العظمى التي لم يخبُ وهجها على امتداد التاريخ.

ولكن هناك من بين كل النظرات رؤية مختلفة، تحدّق في استاد "عش الطائر" الذي بنته الحكومة الصينية خصوصاً ليكون مكان افتتاح الأولمبياد، وترى فيه علامة على شيء ما، شيء يهدد وجود دولة كبرى، ما تزال حتى اليوم تتربع على عرش العالم.

ليس غريباً أن يشير استطلاع للرأي نشر قبل أيام في الولايات المتحدة إلى أن سبعين بالمئة من الأميركيين ينظرون إلى الصين كتهديد اقتصادي، وأن واحداً وخمسين بالمئة يرون فيها تهديداً عسكرياً.

الاستطلاع الذي وضع خلاصة له مفادها أن "الأميركيين متنبهون لتنامي الصين اقتصادياً وعسكرياً" يعكس جانباً من القلق الذي يسود الإمبراطورية الأميركية من ظهور منافس حقيقي يتمتع بإمكانيات عظمى على المستويات البشرية والمادية والعسكرية، وهو ما يزال في مرحلة الصعود، في حين أن الإمبراطورية الأميركية باتت ـ وفق رأي الكثير من المحللين ـ في مرحلة الانحدار والضمور، كمقدمة للسقوط والانهيار.

كل ما تقوم الولايات المتحدة من إثارة وتحرشات لتشويه صورة الأولمبياد الصيني لن تفلح في إخفاء الحقيقة، وهي أن الصين تحقق نجاحات كبيرة في تحقيق الشعار الذي وضعته لهذا الأولمبياد وهو: "عالم واحد، حلم واحد"، وهو عالم يحمل حلماً واحداً هو إنهاء الهيمنة الأميركية.
محمود ريا

الثلاثاء، أغسطس 05، 2008

السيادة.. والاحترام

أحب السيادة، ويعجبني منطق الدولة، وأكثر ما يستوقفني هو الغيرة على الدستور والقانون والمؤسسات.

وعندما أسمع من يتحدث عن كل ذلك، أقف بكل احترام للاستماع، فهؤلاء الذين يحملون هذا المنطق يعملون من أجل بناء بلد حر وسيد ومستقل.

هذا ما هو مفترض.
احترامي لأشخاص يطلقون هذه الشعارات يبقى مستمراً بالرغم من أنني أعرف كثيراً من تاريخهم، منه ما شاهدته وعشته وعانيت منه، ومنه ما قرأته في الكتب والجرائد وسمعت عنه من شهود عدول يوثق بهم وبما يقولون.

إلا أنني أصبح في موضع شك من موقفي عندما أسمع هؤلاء يتحدثون عن السيادة وهم يدعون إلى "تشليح" لبنان كل أسباب القوة، ويطالبون بالدولة وهم يعدّون كي يفقدوها سطوتها، ويتفاخرون بحبهم للوطن، وهم يرفضون الاعتراف بأي نصر حقيقي يحققه الوطن.

ويتحول شكي في ضرورة احترام مواقف المتحدثين عن السيادة دون قوة إلى شبه اقتناع بعدم إمكانية احترام هذه المواقف عندما أسمع بعض الأخبار الآتية من خارج البلاد وأقارنها بما حصل عندنا من عز وانتصار.

فقد رفض الكيان الصهيوني مثلاً السماح للسلطات الأردنية الإفراج عن عدد من الأسرى الأردنيين الموجودين في سجون هذه السلطات، بعد أن كانوا أسرى عند العدو، قبل أن تفرج السلطات الإسرائيلية عن أسرى فلسطينيين "ارتكبوا الجرائم نفسها التي ارتكبها الأسرى الأردنيون، أو قبل الإفراج عن الجندي الصهيوني الأسير في غزة جلعاد شاليط".

هذه دولة سيدة حرة مستقلة لا تسمح لشعبها أن يرفع رأسه في وجه الاحتلال الصهيوني ومرتبطة باتفاقية سلام معه، وهكذا يعاملها العدو، يذلّها ويحتقر حكومتها ويمنعها من تنفيذ قراراتها.

والذين يدّعون السيادة في بلدنا يأخذون الدولة الأردنية وغيرها من دول الاعتدال كمثال للدولة السيدة المتحكمة بقراراتها وبمواطنيها وبمستقبلهم ومستقبلها.

أما نحن فحررنا أسرانا رغماً عن أنف هذا العدو الذي أذلّ غيرنا بقوة مقاومتنا.

أي مقارنة هذه؟

أشعر أنني فقدت أي احترام لمواقف الذين يدعون إلى هذا النوع من السيادة.. ولأشخاصهم أيضاً.
محمود ريا

السبت، أغسطس 02، 2008

خديجة والمعبر


ييأس العرب من وضعهم، وتجبرهم مصائبهم الآتية على نسيان ما سبق من مصائب، فتتراكم النصال على النصال، وتسحب صرخة الألم من الوجع الأول، صرخة الوجع الآخر في صوت واحد لا يكاد يخفت.

يعيش العرب بعض الأحداث التي تنهش في لحمهم وهم في موقف المتفرج، يرون الوحش يفترسهم، وهم ينظرون بعيونهم، يسمعون صوت العدو في آذانهم، وهم يحللون، يتراكم عدد قتلاهم، وهم يحملون القلم والورقة، يحسبون ويجمعون ويطرحون.

ما معنى أن تموت الضحية التي تحمل الرقم مئتين وواحد وعشرين على معبر رفح، بعد منع سلطات العدو لها من السفر إلى الخارج للعلاج المفقود في قطاع غزة؟

ما معنى أن يصبح عدد الضحايا بهذا الرقم منذ عام، حين فرض الحصار الشامل على القطاع المنكوب؟

ما معنى أن تكون الضحية امرأة تبلغ من العمر ثلاثة وخمسين عاماً وتحمل اسم (خديجة جمعة العصار)؟

هل سمع أحدكم باسمها قبل الآن، هل سيسمع به بعد الآن، هل يعني هذا الاسم لأحد ما شيئاً؟

لا شيء.. لا معنى، ولا اهتمام ولا التفات.

بات الحديث بهذا الموضوع بلا معنى، ما دام القادة العرب منصرفين إلى قضايا أكبر بكثير، من مشرق الأرض العربية إلى مغربها، توريثاً وتثبيتاً للأنظمة، وبحثاً عن مزيد من الثروات والمتع والأفراح والمسرّات.

بات تعداد الضحايا بلا نتيجة ما دامت أمة الثلاثمئة مليون ويزيد تفكر بقضايا جزئية، وتحلم بمنافع شخصية، وتعاني من مشاكل فردية.
استهلكتنا الأرقام، أثخنتنا الجروح، أعمانا منظر الجثث، فبتنا لا نحس ولا ننظر إلى ما يحصل في ذلك القطاع المعزول.

هل نحن عرب، وهل هم عرب؟

هل هكذا يكون المسلمون؟

رحمك الله يا خديجة... فهل سيرحمنا على تقصيرنا بحقك؟
كتب محمود ريا

عبيه.. من التاريخ إلى المستقبل



الزيارة إلى عبيه التاريخية.. تاريخية


تشعر وأنت "تمتطي" الجبال صعوداً أنك تغوص في السنوات، وصولاً إلى أيام ما تزال مسجلة على صفحات الكتب، بالسيف والقلم، المدرسة والمطبعة، المقاطعات والقائمقاميتان والمتصرفية، ولبنان الكبير، ودولة الاستقلال، وما كان قبل كل ذلك، وما جاء بعده.


كل هذه المحطات في عبيه، تصبح ماضياً، مع الحدث الذي يسم الحاضر ويتوقع له أن يرسم المستقبل.
الحدث في عبيه هذه الأيام بيت دافئ، فيه من حنان الأم ما يشع على ثلاثين سنة من الصبر، وفيه من شوق الإبن ما يتخطى ثلاثين عاماً من الانتظار.


في عبيه اليوم قوافل تترى، وزوار بعد زوار، وشاب لم تهزم روحه سنوات السجن، يقف منتصب القمة، مرفوع الهامة، يحمل حبه لأرض الزيتون المقدس، ويرحب بالقادمين وفوداً للسلام عليه.


الشاب العائد بعد غياب لا يكلّ ولا يملّ، يسلّم، يقبّل، يستقبل، يرحّب، يحكي نتفاً من تجربة لا تنتهي حكاياتها، يقف، يسلّم، يقبّل، يودّع.. لتبدأ الدورة من جديد.


هو مسرور بمن يأتي إليه، ومسرور بالذين يذهب إليهم في مختلف القرى والدساكر والمدن على امتداد الوطن، يعبّر عن شكره لهم، للتفكير فيه، ولانتظاره، ولاحتضانه عندما أتى.


ولكنه مستعجل.. وينتظر أن تنتهي هذه الجولة الترحيبية كي يبدأ من جديد.


على ماذا يستعجل من قضى يعد الثواني في ثلاثين سنة، وهي تمر ببطء قاتل، بطء لا يوازيه إلا وقوف الزمن بلا حراك؟


قالها دون تردد: أريد أن ينتهي هذا كي أبدأ جولة أخرى من نضالي من أجل فلسطين.


في عبيه، حيث عبق التاريخ يعانق أريج الزهور ورائحة الصنوبر، تبدو الجولة الآتية قريبة جداً، ويبدو سمير القنطار كالفارس الذي لم يترجل هنيهة إلا ليمتطي جواده من جديد.
محمود ريا