السبت، يوليو 12، 2008

شعارات خشبية، ومواقف صخرية

في بعض الأحيان، تصبح بعض الشعارات خشبية إلى درجة فقدان المعنى والوزن، وحتى فقدان الشكل والوجود.
ومن التعابير التي وصمت بالخشبية وقيل عنها الكثير مما لا يقال، ذمّاً وتقريعاً، شعار "وحدة المسارات" في المفاوضات مع العدو الصهيوني.
لقد اعتبر الإعلام العربي "الممسوك" كل من يدعو إلى وحدة المسارات والتنسيق بينها متخلفاً خارجاً على روح العصر مستهتراً بالمشاعر الوطنية ومنتهكاً لمبادئ السيادة (والحرية والاستقلال.. لمن يستسيغ هذه الشعارات).
وعندما كان بعض العرب يصرّون على وجوب عدم توقيع اتفاقيات منفردة مع الكيان الصهيوني لأن هذا يضر بالذين لم يوقعوا ـ وبالموقّعين أيضاً ـ تعالت الأصوات التي تتحدث عن رغبة دعاة الوحدة إلى ابتزاز الأطراف الأخرى وأسرها في إطار مواقفها، وخطف قرارها ومنعها من تحقيق مصالحها.
الصامدون المتماسكون الرافضون للتفريط بمبادئ الأمة وبمصالحها وبوحدة مصيرها باتوا في إعلام النظام العربي الرسمي متحجرين غير مرنين، معرقلين للسلام وباحثين عن أدوار إقليمية ومكاسب ذاتية، وكرّت سبحة الاتهامات التي لم تتوقف حتى الآن، انسجاماً مع بقاء أقطاب هذا النظام العربي تحت جناح الولايات المتحدة و"إسرائيل" اللتين ترفضان حصول أي تنسيق بين الأطراف العربية، وتفضلان أخذ الحقوق العربية بالمفرّق كي لا تضطرا لدفعها بالجملة.
إلا أن الذين يجدون أيديهم في النار ليسوا كمن يضعون أيديهم في ماء باردة تجلبها لهم سيدتهم كونداليزا، وها هم الذين خاضوا تجربة المفاوضات المنفردة ووقعوا الاتفاقيات الجزئية يحضرون مباشرة أو بالواسطة إلى دمشق للبحث في كيفية تنسيق المواقف وتعضيد المسارات إذا كان توحيدها بات في حكم المستبعد.
هناك مواقف تبقى ثابتة كالصخر، تثبت مصداقيتها ويمكن البناء عليها، وهناك تصريحات باهتة تصدر من خُشُب مسنّدة لا تشكل شيئاً في المعادلة، ولكن صوتها يعلو دائماً متهماً الآخرين بإطلاق شعارات خشبية.
وبين هؤلاء وأولئك بات العربي العادي يعرف الخشب الجاهز للحريق من الصخر الذي يمكنه الاحتماء به والاعتماد عليه.
محمود ريا