الاثنين، سبتمبر 05، 2005

المعطى الطائفي في المعادلة الإقليمية

انخراط في مشروع التفتيت المرسوم للمنطقة

دخول المعطى الطائفي على خريطة التكوينات التي تحكم صورة المنطقة بعد التغييرات التي شهدتها في المرحلة الماضية بات على ما يبدو مطلباً ملحاً لدى الذين يرسمون السياسات، بعدما كان هذا المعطى احتياطاً استراتيجياً يستخدم عند الملمّات، ويبدو فعلاً أنه حان وقته.

ليس في ما قيل عن "الهلال الشيعي" الذي "يستهدف" المنطقة مفاجأة تثير الذهول، وإنما هو خطوة أخرى في سياقٍ بدأت ملامحه تظهر منذ فترة، ولا سيما منذ الاحتلال الأميركي للعراق، بعدما خبا الحديث بهذه اللغة الطائفية خلال السنوات الماضية.

وإذا كان نظام صدام حسين قد أظهر على مدى عقود تجليات الآثار السلبية للخلاف الفقهي و"الفكري" بين المسلمين من خلال ممارساته الطائفية البشعة داخلياً (الجرائم بحق العلماء والمذابح الجماعية) وخارجياً (حربه على الجمهورية الإسلامية ولعبه على الوتر الطائفي لكسب تأييد عربي)، فإن الواقع يقتضي الاعتراف بوجود الكثير من المعطيات التي تؤسس لبروز هذا الخلاف، ولا سيما في ظل وجود تيارات معينة تعمل على تغذية الاختلافات بين السنة والشيعة ـ التي يمكن ملاحظة وجود مثلها بنسبة أقل أو أكثر بين أي مذهبين إسلاميين ـ وتحويلها إلى افتراق تاريخي لا يمكن جبره أو تجاوزه بأي حال من الأحوال.

إلا أن تحول هذا الخلاف المذهبي والعقائدي (تجاوزاً) إلى معطى سياسي يدخل في طبيعة المعادلات المرسومة للمنطقة، ومن ثم الحديث عن "هلال شيعي" يهدد التوازنات القائمة، ليس في حقيقته أكثر من إعلان تبنّ لما يفكر به الكثيرون من زعماء المنطقة من جهة، ولما يمارسه أشخاص يرتكبون الموبقات الكبار على أرض العراق تحت غطاء أعمال المقاومة في العراق، بما يشوّه حقيقة المقاومة ويجعل الكثيرين يبتعدون عنها بدل التعبير عن التأييد لها والاعتراف بشرعيتها.

والخطير في الحديث عن "الهلال الشيعي" هو طرحه من قبل شخص يعتبر دائماً من الداخلين في صلب المعادلة الأميركية في المنطقة، إلا أن الأخطر فعلاً هو تقديم ما قاله هذا الشخص (الملك الأردني عبد الله الثاني) على أنه نصيحة للولايات المتحدة من مخاطر هذا الهلال على مصالحها في المنطقة، وتأثيره على التوازنات التي تحمي حلفاءها، لأن في هذه النصيحة محاولة ساذجة لتبرئة الإدارة الأميركية من تهمة إثارة النوازع الطائفية في المنطقة خدمة لمخططاتها، وتحويلاً للنزاع (المرغوب به) إلى صراع داخلي بحت، ينبغي على الأميركيين المسارعة إلى منع حدوثه!

وإذا كان في ما قاله الملك الأردني تعبير عما يدور في خواطر الكثيرين من حكام المنطقة الذين يتحفظون عن لعب دور "الناصح" للإدارة الأميركية، فإن تحويل صورة ما يجري في العراق من أحداث إلى صراع (سياسي أو عسكري) بين الشيعة والسنة، يأتي ليتكامل مع دعوة أكثر من مسؤول عربي الأميركيين إلى إبقاء احتلالهم للعراق حفظاً لأهله من "الفتنة" ـ القادمة ـ وهذا ما قد يكشف جانباً من "اللعبة" التي تتنقل مفرداتها من مذابح همجية تجري على الأرض إلى محاولة محمومة لمنع العراقيين من التعبير عن آرائهم ـ ولو بشكل مبتسر تحت وطأة الاحتلال الأميركي ـ لأنه قد يكون في الانتخابات القادمة فرصة لنزع أي شرعية يمكن أن تبقى ـ ولو على المستوى النفسي ـ لبقاء القوات المحتلة على الأراضي العراقية.

لقد تحولت الساحة العراقية في هذه المرحلة إلى مطبخ الأحداث في المنطقة (بعد الإقفال الجزئي للمطبخ اللبناني في الفترة الماضية) وما يجري من تطورات على الأرض العراقية، وحولها في أنحاء المنطقة، يشير إلى مسار خطير تبدو الأمور سائرة فيه، في المرحلة القادمة، يتجاوز استعداء أبناء العراق ضد بعضهم البعض، إلى الانخراط في لعبة تفتيت المنطقة عبر إدخال العامل الطائفي ضمن عوامل التقسيم السياسية والأمنية الأخرى، تمهيداً لتسييد الحلف الجديد الذي يعمل لتشكيله في المنطقة تحت قيادة رئيس الحكومة الصهيونية آرييل شارون.

ويبدو هذا التوجه واضحاً في الاتهامات التي بدأت تكال من هنا وهناك، مستهدفة الدول التي وضعها الملك الأردني في إطار "الهلال الشيعي" بدءاً بإيران واتهامها بالتجسس على مصر، وسعيها لإيقاع الخلاف بين القاهرة والرياض، وصولاً إلى سوريا ولبنان والضغوط الكبرى التي تمارس عليهما من الداخل والخارج بسبب موقفهما من المقاومة ومن المشروع الأميركي بشكل عام، دون أن تتجاوز العراق الذي يعاني من إجرام المتطرفين المتحجرين مذهبياً، ومن إرهاب مسؤولين في الحكومة العراقية (المنصّبة أميركياً) يطلقون تصريحات تمسّ مكوّنات أساسية في تركيبة الشعب العراقي.

وإزاء هذه الخلطة العجيبة ـ المتشابكة المصادر والمتزامنة في التوقيت ـ يبدو أن الجهود المبذولة من قبل القوى الحية على الساحة من أجل تجاوز القطوعات التي تعترض المنطقة بحاجة إلى المزيد من التجذر، حرصاً على مستقبل المنطقة الذي تهدده قوى خارجية تستعين بأدوات داخلية تصل في "رقيها" إلى مستوى الملوك!.

محمود ريا

تراجيـ ـ كوميديا

يكاد المسرح اللبناني يصبح متخصصاً بذلك الفن الذي يمكن تجاوزاً أن نطلق عليه فن "التراجيـ ـ كوميديا"، حيث تتواتر الأحداث وبتقلب غريب بين المضحك والمبكي، وبين المفرح الذي يحمل في طياته أقسى وأقصى لحظات الحزن.
نشوة "الحرية" تتزامن مع الحرقة الناجمة عن عدم القدرة على التحرك إلا وفق "الاستشارات الملزمة" القادمة من الخارج، وقِمة "السيادة" تترافق مع قُمة الوصاية التي تكاد تقطع الهواء عن السياديين الجدد قبل أن تقطعه عن المعادين الذين يفترض أن يكونوا غير مرتاحين نتيجة الأجواء الجديدة.
أما "الحقيقة" فتكاد تضيع مع تشتت الاهتمامات ونشوء العديد من القضايا التي تتطلب كل واحدة منها حقيقتها الخاصة بها، فتختلط الحقائق بالشائعات، ويذهب "الصالح بعزا الطالح"، ولا أحد يعود يعرف "مين الضارب ومين المضروب".
أما أقصى الحركات التعبيرية في هذا المسرح اللبناني العجيب فقد أداه عنصر الـ"أف بي آي" الذي كان راكعاً على ركبتيه وهو يبحث عن جزء من دليل أمام سيارة الراحل جورج حاوي.
طبعاً لم يسأل أحد من هو هذا "الممثل" وماذا يفعل هنا، ومن أعطاه الدور، وما هو "الكاراكتير" المرسوم له، لأن اللبناني لم يعد له علاقة بالإخراج، ولا بصنع الأحداث على مسرحه، بل إن شأنه هو فقط متابعة الأحداث التي يرسمها المخرج الهوليودي، وينتقي لها من يريد من الممثلين، فـ"يضحّي ببعضهم" ويبقي آخرين على لائحة الانتظار.

محمود ريا