الجمعة، يونيو 20، 2008

جنون النفط



يجن النفط، ويجن الناس معه، في كل مكان من أركان الأرض، يكتوون بأسعاره ويحترقون بندرته، فتتحول حياتهم إلى جحيم أسود، بلا ضوء وبلا دفء وبلا حركة.


لا يطال هذا الجمود بلداً بذاته، أو شعباً من الشعوب دون آخر، والدليل، أن الشعوب التي تعيش في البلدان النفطية تعاني من آثار ارتفاع أسعار النفط، مثلها مثل الشعوب التي لم يخرج الله من أرضها الذهب الأسود والغاز المسيّل وغير المسيّل.


يصرخ الجائع، ويصرخ المحتاج، ولا يجد في أموال النفط المكدّسة في البنوك ما يسد رمقه، فيبدو ما يحصل وكأنه مسرحية كبرى، يتم بين فصولها سرقة قوت الناس واستهلاك قوّتهم في ما يفيد الشركات الكبرى ويحقق لمدرائها رواتب خيالية غير معقولة، ثمناً لتفنّنهم في ابتداع الطرق التي تسمح لهذه الشركات بمص دماء البشر وامتصاص خيراتهم دون أن يصل شيء من هذه الخيرات إلى القابعين على الرمال التي تنبع من تحتها ذخائر الأرض.


و"الدول النفطية تبذل جهدها لخفض أسعار النفط"، في تحرك يشبه النكتة السمجة التي لا يمكن أن تضحك أحداً، لأن المفارقة ظاهرة وبيّنة، فمن لا يتمكن من رفع الأسعار لا يمكنه أن يخفّضها، أو لنقل بشكل أوضح، إن من يتحكّم برفع الأسعار وخفضها ليس قابعاً في قصور الملوك والرؤساء في هذه العاصمة أو تلك، وإنما هو مقيم في واحد من تلك البروج العالية التي تدار منها شركات النفط العالمية، ومعها تدار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في العالم كله.

إنها أزمة عالمية حقاً، عالمية بأسبابها، وعالمية بنتائجها، وربما تعمّ الكوارث التي ستنتج عنها كل بلد في العالم.. بلا استثناء.


محمود ريا