الاثنين، يناير 31، 2011

الانتفاضة المصرية في نظرة استراتيجية



محمود ريا

ربما من الصعب القول إن النظام المصري سيسقط خلال الأيام أو الساعات المقبلة، ولكن هذا التوقع لم يعد مستحيلاً، وهذا ما يعتبر تحولاً استراتيجياً بكل معنى الكلمة.
إن لتحوّل النظام المصري من موقعه كفاعل على مستوى المنطقة إلى موقع المنتظر للفعل من خارجه آثاراً كثيرة على التطورات في المنطقة ربما العالم.

وبالرغم من الحديث الذي ساد في الفترة الأخيرة عن ضعف الدور المصري في المنطقة وعن تقلص تأثير النظام في الأحداث التي تدور على امتداد الرقعة الجغرافية للإقليم، فإن هذا النظام حافظ على أدوار شديدة الحساسية وبالغة الفعالية، لم يكن غيره ـ ولن يكون ـ قادراً على القيام بها.
فالنظام المصري كان ـ وما يزال ـ يشكل على مدى العقود الماضية الركن الذي ترتكز عليه الإستراتيجية الأمنية الإسرائيلية، وهو بذلك يلعب دوراً خارج إطار المنافسة بين أقرانه من الأنظمة القائمة. ويضاف إلى ذلك أن هذا النظام هو رأس جسر الإستراتيجية السياسية والعسكرية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، وهذا دور فعّال أيضاً ولا يمكن الإنقاص من أهميته بأي حال من الأحوال.

واستناداً إلى قيامه بهذين الدورين المحوريين، كان النظام المصري ينام على حرير الكثير من الأدوار الأخرى التفصيلية، والتي جعلت منه وكيلاً للإدارة الأميركية في الكثير من قضايا المنطقة، ومنفذاً للإستراتيجية الإسرائيلية على أكثر من ساحة.

وفي استعراض سريع لهذه الأدوار (الثانوية) يمكن التوقف عند الدور المصري في القضية الفلسطينية مثلاً، حيث كانت السياسة المصرية ولا تزال تمثل العصا التي ترفعها الإدارة الأميركية، والحكومة الإسرائيلية، في وجه السلطة الفلسطينية لمنعها حتى من التفكير في التراجع عن السير في عملية التسوية، وفي وجه المقاومة الفلسطينية من خلال حصار غزة والتعاون مع المؤسسات الأمنية الصهيونية والأميركية لمحاصرة الحركات المقاومة وإضعافها.

وفي لبنان كان الدور المصري دائماً يكمّل الدور الأميركي في الضغط على القوى الرافضة للانصياع لرغبات الإدارة الأميركية، وفي تقديم الدعم المطلق على مختلف المستويات السياسية والأمنية والعسكرية للقوى السائرة في المشروع الأميركي والمعادية للمقاومة.

وعلى المستوى الإقليمي أيضاً كان النظام المصري رأس حربة أميركية صهيونية في مواجهة المشروع النووي الإيراني وفي الترويج للخطر الإيراني المزعوم على المنطقة.
لكل ذلك، ولغيره، كان النظام المصري يلعب دوراً استراتيجياً حساساً لا يمكن إنكاره، وإن كان هذا الدور مخالفاً لرغبات شعوب المنطقة ولتطلعات أبناء أمتنا العربية والإسلامية.

اليوم، بات النظام المصري في موقع صعب، وسواء سقط بشكل كامل، أو سقط رأسه مع بقاء هيكله قائماً من خلال تسليم الحكم لآخرين فيه، أو حتى مع بقاء رأسه مع بعض التعديلات التي قام ـ وسيقوم ـ بها، فإن هذا النظام قد تعرض لضربة قوية جداً، وهذه الضربة ستنعكس على دوره الاستراتيجي في مختلف الساحات التي كان "يلعب" عليها.

ومع أن كل احتمال من الاحتمالات الثلاثة سيترك آثاراً مختلفة عن الآثار التي يتركها أي احتمال آخر، فإن المشترَك بين مختلف هذه الاحتمالات هو أن هذا النظام يترنّح وهو بحاجة لفترة طويلة جداً لكي يتمكن من استعادة موقعه الجيواستراتيجي، بما يسمح له بلعب الأدوار المطلوبة منه من جديد (هذا مع احتمال بقائه)، وهذا سيترك بدوره آثاراً سلبية قاسية جداً على المشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة، هذا المشروع الذي سيفتقد وجود الحليف الأقوى في المنطقة، وسيفتقد أيضاً التدخلات التي كان يقوم بها هذا الحليف لمصلحة واشنطن وتل أبيب.

إن مرحلة ترنّح النظام المصري قبل سقوطه هي المرحلة الأنسب للتفكير بالخيارات الاستراتيجية التي تمنع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة من استعادة توازن مشروعهما الاستكباري، بما يؤدي فعلاً إلى دفع هذا المشروع قدماً نحو الانهيار، تمهيداً لتحرير أمتنا من ربقته، وتحقيق أهداف الحرية الحقيقية للأمة كل الأمة، بما فيها فلسطين المغتصبة.

إن ما قام به شباب مصر حتى الآن يصنع جزءاً مشرقاً من تاريخ أمتنا، وإذا تمكن هؤلاء الشباب من إتمام المهمة المقدّسة الملقاة على عاتقهم، فهم سيرسمون فعلاً الخريطة الجديدة للمنطقة، وربما للعالم كله.