الأحد، مارس 30، 2008

عودوا إلى غزة


لمن نسي نذكّره.. لمن غاب عن باله نقول له: غزة لا تزال محاصرة.. لا يزال أطفالها بلا خبز وعجزتها بلا دواء، وبيوتها بلا ضوء وحزنها بلا كتف يتكئ عليه.
ما زال الموت يتهدد الحياة النابضة ألماً وصبراً وتحدياً للاحتلال.
ما زالت غزة محاصرة بالدبابات التي تخنق الهواء، والطائرات التي تحجب الشمس، وبالجنود الذين لا يحملون في قلوبهم إلا الحقد.
هل ظن أحد أن خفوت الأنين يعني انتهاء الألم، أم اعتقد آخر أن إطباق الجفون يعني الركون للراحة؟
هل قام القائمون بالواجب فاستسلموا للراحة، وهل سكن ضمير الصامتين فانتقلوا "إلى حديث غيره"؟
غزة مطوّقة مضيّق عليها، مرهون مصيرها بصبر أبنائها وبحركة إخوانها في أنحاء العالم.
يقولون إن غزة مهددة بأزمة رغيف خلال أيام وربما خلال ساعات، فهل تنتظرون حتى يموت الأطفال لتتحرك نخوتكم؟
أيها المجتمعون.. استيقظوا.
أيها الغائبون.. المتغيّبون.. ليتكم إلى أمتكم تعودون.
لو لم تكونوا خارج السياق، خارج الأمة وخارج تاريخها منذ البداية، لما كانت غزة اليوم بلا ضوء، فيما يتنعّم أعداؤنا بغازنا الزهيد الثمن، ولما كانت غزة بلا سلاح فيما تشترون أنتم سلاح الصفقات والسمسرات الذي يُلقى بلا دور وبلا نفع.
عودوا إلى أمتكم.. عودوا إلى غزة.
محمود ريا

أمل إبليس بالجنة


قبل خمس سنوات وقف جورج بوش على متن حاملة الطائرات ليعلن بكل فخر: "لقد انتهت المهمة".
كانت أشهر قليلة قد مرّت على تاريخ التاسع عشر من آذار/ مارس، يوم انطلق أبشع وأفظع اجتياح همجي من دولة عظمى لبلد آخر في التاريخ المعاصر.
كاد رئيس الدولة الكبرى ينطق الكلمة السحرية: لقد انتصرنا، ولكنه ـ على غير عادة ـ آثر التمهّل قليلاً حتى يعلن عن النصر في احتفال أكبر وأضخم وفي توقيت أكثر مناسبة.
ولكن، حتى اليوم، بعد خمس سنوات من تاريخ ذلك الاجتياح، لم تأتِ تلك اللحظة، وما زالت أحلام بوش الوردية تهاجمه ليلاً ونهاراً على شاكلة كوابيس سوداء وحمراء لا يدري كيف الخلاص منها.
لم يعلن جورج بوش الانتصار بعد، ولا يبدو أنه سيتسنى له إعلانه وهو الذي بات على وشك مغادرة البيت الأبيض تاركاً العراق في حالة فوضى عارمة، وتاركاً جنوده عرضة للقتل، وعرضة لليأس والانهيار.
يصر بوش على أن بلاده ستنتصر في النهاية، ويكرر في كل خطاب له هذه الآمال، ولكن أمله في أن يضع على رأسه إكليل الغار مستحيل، تماماً كما أمل إبليس بالجنة.
محمود ريا

الخميس، مارس 20، 2008

تسلّح الصين وتنطّح أميركا

افتتاحية العدد السادس والثلاثين من نشرة "الصين بعيون عربية" الأسبوعية الإلكترونية
مرة أخرى يعود ملف رفع الميزانية العسكرية للصين إلى السطح، وهو مرشح لأن يبقى في مقدمة جدول أعمال العلاقات الأميركية الصينية طوال السنوات القادمة.
لم تكد بكين تعلن عن زيادة الميزانية الدفاعية للعام 2008 بنسبـة 17 بالمئة حتى انتفضت الولايات المتحدة موجهة الانتقادات إلى هذا ”الاندفاع الصيني“ إلى تصعيد الأجواء العسكرية، وإلى انعدام الشفافية لدى رجل الدولة الصيني تجاه الموضوع العسكري.
هذا الكلام الأميركي لاقى رداً مناسباً من القيادة الصينية التي رفضت الانتقادات الأميركية ووجهت بالمقابل انتقادات إلى الولايات المتحدة التي يبلغ إنفاقها على التسلح (480 مليار دولار) أكثر من خمسة أضعاف الميزانية التي تقدرها واشنطن للإنفاق العسكري الصيني (حوالي 100 مليار دولار) وما يقارب عشرة أضعاف الرقم الصيني الرسمي لهذا الإنفاق ( 57 مليار دولار).
والصين تزيد على هذه المقارنة بين الميزانيتين الأميركية والصينية للإنفاق العسكري بالقول إن الصين تزيد إنفاقها لخدمة الجنود ورفع مستواهم المعيشي وليس من أجل شراء الطائرات وتكديس المعدات العسكرية.
وتذكّر الصين البنتاغون أيضاً بأن ما تضعه الولايات المتحدة في ميزانيتها العسكرية لا يشمل إنفاق واشنطن على حروبها المختلفة، والذي بلغ أكثر من ثلاثة آلاف مليار دولار خلال السنوات القليلة الماضية.
إذا بين الأرقام الرسمية الصينية المعتدلة جداً وبين الأرقام الأميركية التي تضخّم هذا الإنفاق، تبقى العقدة الأميركية من الصين على تضخمها، وهي التي تظهر في كل حركة أميركية، وفي كل تقرير عسكري صادر عن أي ذراع من أذرع القوة العسكرية الأميركية، حيث تحتل الصين دون غيرها من دول العالم صدارة لائحة الظهور في هذه التقارير.
وإذا كانت الصين تصر على أن جيشها ليس له أي أهداف توسعية، وإنما هدفه فقط هو حماية الحدود الصينية والحفاظ على الاستقرار الإقليمي، فإن التحديات الكبرى التي تواجهها الصين سواء على المستوى الداخلي أو على مستوى العلاقة مع الضفة الأخرى لمضيق تايوان، تدفع إلى التساؤل عن مغزى إصرار واشنطن على إظهار الصين بمظهر الوحش الذي يستعد لافتراس العالم، والذي يهدد المصالح الأميركية في الكرة الأرضية.
لا شك أن واشنطن تعلم ان المدّ الصيني بات خارج القدرة على إيقافــه، على المستوى السياسي والاقتصادي ، ولذلك هي تلجأ إلى جعـل العالم ينشغل بالأرقام العسكرية الصينية عن مراقبة أرقام النجاح الاقتصادي الصيني، دون ان تستطيع بذلك أن تحوّل الأنظار عن حقيقة الوهن الذي يصيب الامبراطورية الأميركية على مختلف المستويات.
محمود ريا

الزائر... ولحظة الصفر

لا خبر في ما تناقلته وسائل الإعلام، إنه مجرد تقرير لواقع.. مجرم ذهب لعند سادته المجرمين وعاد ليواصل إجرامه.
لا جديد في هذه الحركة التي حاول بعض الإعلام إصباغ هالة عليها، ووصل البعض إلى السؤال: كيف تستقبل الإدارة الأميركية مجرماً محكوماً عليه بالإعدام وما زال سجله العدلي بلا تنظيف بعد، بالرغم من المحاولات المبذولة أمام القضاء لتنظيفه؟
مجرد طرح هذا السؤال مسيء.
إذا لم تستقبل الإدارة الأميركية ـ كل الإدارات الأميركية والحالية منها على وجه التحديد ـ المجرمين فمن تستقبل؟
إذا لم يكن كل واحد يقع على من هم من جنسه، فعلى من يقع؟
تحتضن إدارة بوش من هم على شاكلتها، وتزيد في احتضانها لهم إذا كانوا من المنفذين المطيعين لمخططاتها، ويصبح الاحتضان يشابه الاندماج إذا كان الزائر من نوعية هذا الزائر الذي راح أخيراً إلى حيث كان يحلم.
قد يكون هناك جديد في ما سيأتي به من هناك.. مجرد جديد في التفاصيل، لأن الخطوط العريضة معروفة: عرقلة، سد الأفق، منع التلاقي، حَجر الحوار.. وتخريب البلد.
هذا معتمد من قبل الزائر، وهو ينفذه مع أقرانه بكل حماسة، ومفردات التنفيذ تتكرر في كل يوم، وتتجدد مع كل مبادرة.
قيل إنه أتى مرتاحاً جداً من زيارته، ولا يمكن الشك بهذه الراحة، فهو قد ذهب إلى أسياده وعاد من عندهم بما يطمئنه على استمرار دوره في معادلة المماطلة والتعطيل والتخريب.
وربما جلب معه خبراً يقيناً حول مستقبل قريب ينتظره هو ومن معه هنا في هذا البلد.
ربما قالوا له إنهم ما زالوا ينوون أن يقوموا بما ترددوا طويلاً في القيام به خوفاً من نتائجه، ووعدوه بأن ما سيحصل سيريحه هو وجماعته وسيجعلهم يحكمون وهم نائمون ملء الجفون.
ربما صار على علم بالسيناريو وبالخرائط، وعلى علم بالدور المطلوب منه ومن اضرابه على الأرض كي يكتمل المخطط.
ربما سامحوه هو وشلّته على تقصيرهم في حق القوة العظمى ووكيلتها في المنطقة في ذلك الصيف الذي أرادوا فيه خلق شرق أوسط جديد، فإذا بهم يرتدّون على أعقابهم أمام مارون الراس وبنت جبيل.
ولكن هذا السماح مرتبط، تماماً ككل سماح من سيد لخادم، بأن يحسن العمل في المرة القادمة.. وهو أعطى وعده هذه المرة.
وكيف يمكن أن يفلت هذه الفرصة من يده، وهو يعلم إنها ـ فعلاً ـ الفرصة الأخيرة؟
لقد رجع حاملاً أحلاماً عريضة، وهو ينتظر لحظة الصفر.
ألا يعلم هذا الخائب ومن معه أن لحظة الصفر ستجعل منهم أصفاراً مهملة.. لو جاءت؟
ألا يعرف أن ما فشل به أسياده قبل الآن لن ينجحوا به الآن، وأنهم ما زالوا يتهيّبون وقد يتراجعون، وعندها لن يكون هناك لا ناصر ولا معين؟
ألا يحسب حساب الأرض التي يعيش عليها، كرامتها وعزتها ورفضها لكل الغزاة ولفظها لكل الأساطيل والمدمرات وحاملات الطائرات؟
لا خبر في ذهابه، ولا خبر في إيابه... وربما لا خبر فيه، فهو في المعادلة الكبرى لا يرقى إلى مستوى الكلمة.. بل خارج المبتدأ والخبر.
محمود ريا

الثلاثاء، مارس 18، 2008

في كل قمة لنا عرس

تطول القصة اللبنانية، وتتفرع أغصانها إلى اليمين والشمال، وتمتد من داكار إلى أقاصي الأرض، وتسلك في مسارها كل الدروب مستخدمة كل وسائل النقل، من الطائرة العادية، الى الطائرة العسكرية، إلى السيارة والدبابة وناقلة الجند، إلى المدمرة والطرّاد والغواصة، وربما غداً إلى حاملات الطائرات.
تطول القصة اللبنانية، لأن الأزمة اللبنانية طويلة، طول سنوات الارتباط بين بعض اللبنانيين والمشروع الغربي في لبنان، وطول خضوعهم لكل وصاية ولكل تدخل أجنبي.
في كل قمة لنا عرس، وعند كل لقاء لقصتنا قرص، لا نسعى لأن نخرج من بازار التسويات، ولا نعمل لأن يكون حلنا بأيدينا، ولا نرقى لمستوى أن نمنع الآخرين من التدخل بشؤوننا.
وبعد ذلك يأتي البعض ليضحك على الناس بوثيقة حرية وسيادة واستقلال يعمل على إقرارها، من دون أن يطّلع عليها حتى من هو مطلوب منه أن يضع توقيعه على صفحاتها.
لا تصدروا الوثائق، واكتفوا بما يأتيكم من سيدكم القابع في البيت الأبيض، فهو قد أوثقكم وأحكم وثاقكم، وألغى كل قول موثّق منكم، لمصلحة الثقة التي يضعها في عدونا وعدوكم، العدو الصهيوني.

محمود ريا

الثلاثاء، مارس 11، 2008

السنيورة: بخل.. وكرم؟

لو تمثّل البخل رجلاً لكان "رئيس حكومتنا" فؤاد السنيورة
طبعاً، ليس المقصود إهانة الرجل، وهو نفسه لا يعتبر هذا الكلام إهانة. بالعكس، إنه يرى في ما يقوم به نوعاً من الإدارة المحترفة للموارد، وحفاظاً دقيقاً على المصالح، وربما نوعاً من الخوف على المستقبل.
أما البخل، فهي صفة يطلقها عليه الناس، ليس منذ زمن قريب، وإنما منذ لحظة بروزه في حياتهم، كوزير دولة قبل أن يصبح وزير مال، ومن ثم يقفز إلى موقع رئيس الوزراء، ومن ثم يرقّّيه السيد جورج بوش إلى مرتبة الحاكم بأمره، والرجل الوحيد الذي يتذكر اسمه في لبنان.
اللبنانيون يتذكرون اسمه أيضاً، ولكن مع غصة. عفواً هي ليست غصة واحدة، وإنما مجموعة متكاملة من الغصّات المختلفة الألوان والأشكال: غصة بسبب الضرائب المباشرة وغير المباشرة وذات القيمة المضافة والقيمة غير المضافة، وغصة على الرسوم التي تزداد وتزداد وتزداد، وغصة على الغلاء والأسعار التي لا يضبطها أحد، وغصة على الديون التي تراكمت على اللبنانيين وكان هو مهندس عملية نمائها وتراكمها..
ويمكن لكل لبناني أن ينتقي مجموعة أخرى من النكبات التي حلّت به، والتي يمكن نسبتها إلى فؤاد السنيورة، فهو الذي قاد دفة الحكم إلى المأزق الذي يعيشه لبنان الآن، وهو الذي بكى حين كان يجب أن يصمد، وهو الذي قبّل كوندوليزا رايس عندما كانت طائرات بلادها تشحن الأسلحة إلى الجيش الصهيوني ليقتل بها اللبنانيين، وهو الذي يحتل مكانه في قلب "العزيز جورج دابليو".
ولكن نبقى عند الصفة الأشهر والأوضح ـ وربما الأحب على قلبه ـ لرئيس وزراء الجمهورية اللبنانية، أي صفة البخيل.
والبخيل كما هو كمعروف لا يسقي شربة ماء لعطشان ولو كان مشرفاً على الهلاك، وإن كان من أقرب الأرحام إليه.
يستذكر اللبناني كل مواصفات البخل هذه وهو يسمع الأخبار العجيبة عن استعداد "حكومة بلاده" لتقديم كمية كبيرة من المياه اللبنانية إلى قبرص الجارة العطشى بشكل يومي ومن خلال اتفاقية تمتد على خمس سنوات.
يسأل اللبناني أولاً عن صلاحية هذه الحكومة لتقديم هذا التعهد، وحتى لو كانت شرعية ودستورية وميثاقية (وهي لا تلك ولا تلك ولا تلك)، مع وجود نصوص واضحة في الدستور تجعل صلاحية عقد المعاهدات طويلة الأجل والتي ترتّب أعباء على الخزينة عند مؤسسات أخرى في الدولة اللبنانية.
ويسأل المواطن عن مدى غنى لبنان بالمياه حتى يقدم هذه الكمية إلى قبرص، بينما اللبنانيون يعانون هم أيضاً من العطش، والمثل يقول "البيت أحق بالزيت حتى من الجامع".
ويسأل عن أي ورقة يقدمها فريق السنيورة إلى "إسرائيل" الطامعة بالمياه اللبنانية منذ قيام الكيان الغاصب، عندما يعلن هذا الفريق جهاراً نهاراً أن لبنان لديه فائض من المياه بهذا الحجم يمكنه أن يتصرف به بهذا الاتجاه أو ذاك دون أن يتأثر بهذه العطيّة.
ويصدم اللبنانيون أخيراً عندما يعلمون أن المطروح هو تقديم هذه المياه إلى قبرص.. مجاناً.
يصدمون ويسألون: ما هذا الكرم الحاتمي، ومن أين أتى "رئيس حكومتنا" بهذه الأريحية ليقدم شيئاً ما، أي شيء، مجاناً؟
أي مشروع يختفي وراء هذا الكرم، وأي أيدي تعبث بهذا الملف، وأي فوائد ستجنى، ولأي أشخاص؟
إنها أسئلة برسم "رئيس حكومتنا" الذي نفى الاتفاق على المشروع، ولكنه لم يوضح من أي نار خرج هذا الدخان؟
فؤاد السنيورة بخيل، أمر طبيعي ويمكن تصديقه، بل واليقين به.
فؤاد السنيورة يتكارم، أمر مشبوه، ويجب البحث عن خلفياته، ووضع كل شكوك الدنيا فيه.
فلننتظر لنعلم أي خفايا تقف وراء هذه الصفة الجديدة للمحاسب الذي قفز في ليلة ليلاء ليصبح رئيس حكومة ومن ثم الحاكم في أمره والوحيد الذي يذكره السيد بوش.

محمود ريا

بكين بين المونديال ودارفور


تقف الصين في موقع المتهم، وهي ترى نفسها ضحية أكثر من أي شيء آخر.
يدعو أكثر من طرف لمقاطعة الأولمبياد على أرضها، وهي التي ترى في هذه المناسبة العالمية فرصة لتأكيد مشروعية مسيرتها التنموية وتعزيز انخراطها في المنظومة العالمية.
يحشد الفريق الداعي لمقاطعة المونديال كل ما لديه من أسلحة سياسية وإعلامية، ومن بروباغندا، ومن شخصيات عامة مشهورة، والهدف تشويه فرحة الصينيين بالحدث العالمي الذي ينعقد للمرة الأولى على أرضهم.
والسبب المبرر لكل هذا الحشد هو الموقف الصيني مما يحدث في إقليم دارفور غرب السودان في أفريقيا.
يبدو الفريق الداعي للمقاطعة حريصاً جداً على المواطنين هناك، ويبذل كل طاقته لمنع الصين من الاستمرار في دعم الحكومة السودانية التي يعتبرها هؤلاء مسؤولة عما يحصل من مذابح مفترضة في تلك المنطقة من العالم.
وفوق ذلك، يقول هؤلاء إن الصين تقدم أسلحة وذخائر إلى الجيش السوداني تستعمل في هذه المذابح ”لذلك لا بد من الضغط على الصين كي تغير موقفها وتتراجع عن دعم النظام السوداني“.
لا تنكر بكين أن لها مصالح كبرى في السودان، هي جزء من مصالحها الاستراتيجية في أفريقيا كلها، سواء لجهة تأمين الطاقة والمواد الأولية الضرورية للصناعة الصينية، أو لتوفير سوق استهلاكية ضخمة لتصريف المنتجات الصينية.
ولكنها تقول إن هذه المصالح لا تنسيها دورها السياسي والإنساني، فهي تقدم النصيحة للحكومة السودانية كي تتفاوض مع المتمردين، وترسل جنوداً ضمن ”القوة الهجينة“ التي تخدم في الإقليم، كما تقدم مساعدات ضخمة للاجئين وللمتضررين من الحرب في دارفور.
وإذ ترفض الصين أن يتم ربط الأولمبياد بأي شأن سياسي، لأن هذا الربط يفقد هذه المناسبة العالمية رونقها ومعناها، فإنها ترد على ما يقوله الغرب حول تقديمها السلاح للحكومة السودانية بإحصائية واضحة وبسيطة تقول ”إن حجم مبيعات الأسلحة الصينية للسودان لا يتجاوز 8 بالمئة من حجم مشتريات الخرطوم من السلاح“، و“إن هناك سبع دول كبرى تبيع السلاح للسودان، وتوقف الصين عن تزويد الخرطوم بالأسلحة لن يحل المشكلة“ كما جاء على لسان المبعوث الصيني إلى دارفور الذي زار الخرطوم مؤخراً.
إنه تحدّ مزدوج تقف أمامه الحكومة الصينية: تحدي القدرة على منع الحملة الأميركية الغربية من إفساد فرحة الشعب الصيني بالألمبياد، وتحدي منع هذه القوى من حرمان بكين من موطئ قدم حيوي واستراتيجي في قلب أفريقيا.
ينبغي على بكين بذل جهود كبيرة للفوز بالتحديين.
محمود ريا

شيء يسر القلب

منذ زمن طويل، يقول اللبنانيون في أدبياتهم الشعبية كلمة تعبّر عن فهم عميق لواقع الأمور ولمجريات الحداث. منذ وعيي لمعنى الكلمات سمعت من يقول: "لا يأتي من الغرب شيء يسر القلب". وحاولت بمخيّلتي تفسير الرابط بين الغرب وقلة السرور عند الناس، فلم يسعفني ما كان لديّ من معلومات في تكوين صورة عن معنى هذه العبارة، وعما تحويه من حقائق.‏
اليوم، بعد مرور سنوات طويلة، وبعد سماعي لهذه العبارة مئات المرات، وبعد أن خبرت الحياة وعرفت ما فيها، باتت كل كلمة من هذه العبارة متجسدة أمامي كحقيقة لا تقبل الجدل.‏
لقد فهمت ما هو الغرب، وأحسست بمدى معاناة شعبنا وشعوب المنطقة مع هذا "الغرب"، بما يدفع أناساً تعوّدوا على حب الغير وعلى فهمه وتقبّله، إلى الاقتناع بأنه لا يمكن أن يأتي من "هناك" ما يفرح وما يريح.‏
اليوم يأتي من الغرب ما يؤكد المؤكد. مدمرات وبوارج وربما أكثر من ذلك، فيستذكر الناس مقولات الأجداد، ويتذكرون كيف رحل من أتى من قبل، وكيف سيرحل من يصل اليوم، ومن سيأتي بعد أيام.‏
محمود ريا‏