الجمعة، سبتمبر 28، 2012

الصين.. وحصاد الخيبات الأميركية


صحيفة السفير اللبنانية
محمود ريا
21-9-2012

قام المأتم في واشنطن، فدارت الأعراس في بيجينغ.
بهذه الكلمات يمكن تلخيص حالة الشماتة التي سادت الأوساط الصينية مع ورود خبر مقتل السفير الأميركي في ليبيا، حيث لم تتوقف منذ ذلك الحين التحليلات والتعليقات التي تتناول هذا الحدث، وفي حنايا كل منها جرعة ـ تكبر باطّراد ـ من الشماتة والتشفّي، مغلّفة بالدعوة إلى أخذ العبر والتبصّر ومراجعة السياسة التي تعتمدها الولايات المتحدة تجاه المنطقة العربية.
وإذا كانت الصين، كدولة، قد نأت بنفسها عن الخوض في حفل الشماتة هذا، فإن ما أقدمت عليه وسائل الإعلام الصينية المختلفة، وفي مقدمتها الصحف اليومية، من تناولٍ لهذا الحدث بطريقة أقرب ما تكون إلى السخرية، لا يمكن أن يكون بمبادرة إعلامية فردية، وإنما هو تعبير عن إيحاء لا يخفى، أوعزت به جهات سياسية عليا.
وحفل قاموس التعليقات الصينية بعبارات ترى أن «مقتل سفير دولة كبيرة هو من الأحداث المتطرفة من الناحية الديبلوماسية، وهذا غالباً ما يضع السياسة الخارجية للدولة المتضررة في خانة الفشل الكبير» كما رأت صحيفة الشعب الرسمية الصينية في أحد تعليقاتها.
وإذ سارت صحف ووسائل إعلام أخرى في المسار نفسه، وهي تلاحظ أن «مقتل سفير الولايات المتحدة الدولة التي نادت بالثورة في ليبيا في مدينة بنغازي ـ بؤرة الثورة التي شهدها ليبيا ـ هو رمز سياسي خطير»، فإن مجمل الخطاب الصيني حاول تظهير حقيقة مفادها أن الولايات المتحدة تكتوي في منطقتنا بالنار التي أوقدتها هي.
ولا غرابة في هذه الاندفاعة الصينية باتجاه التعليق على هذا الحدث، وعلى ما رافقه من هجمات طالت السفارات الأميركية في المنطقة، فالصين ترى أن الولايات المتحدة وضعتها خلال فترة ما اصطلح على تسميته بـ«الربيع العربي» في موقف حرج، لا بل إن هناك من المحللين ـ الغربيين والأميركيين بالأخص ـ مَن روّج لانهيار الوجود الصيني في غرب آسيا وشمال أفريقيا، مستندين في تسويق هذه المقولة إلى رفض الصين مواكبة التحركات الشعبية التي شهدتها تونس ومصر، ومن بعدهما ليبيا، في مواجهة الأنظمة التي كانت حاكمة في البلدان الثلاثة.
لقد جاءت المواقف الصينية المعلنة من خلال الصحافة، والتي تضمر موقفاً رسمياً لا جدال فيه، لتقول للولايات المتحدة الأميركية إن كل محاولات «مصادرة المنطقة» وطرد القوى المنافسة منها باءت بالفشل، وان ما كان مقدّراً أن يحصل مع الصين في المنطقة، باتت واشنطن تتذوّق مرارته، وتعيش وقائعه المجبولة بدماء ديبلوماسييها، والمغطاة بدخان الحرائق المنبعثة من سفاراتها.
ولم تكتفِ بيجينغ بهذا القدر من التعنيف للإدارة الأميركية، بل برعت في تصوير الفشل الذي باتت واشنطن تعيشه، وهو فشل مثلّث الأضلاع، حسب صحيفة الشعب، يكمن في ما يلي:
ـ فشل الاستراتيجية الأميركية للتحول الديموقراطي في الشرق الأوسط على مدى السنوات العشر الماضية.
ـ فشل سياسة باراك اوباما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ عام 2011
ـ فشل حرب الولايات المتحدة على «الإرهاب».
إن ما أظهرته عملية قتل السفير الأميركي في بنغازي، وما واكبها من احتجاجات ضد الولايات المتحدة في المنطقة، عنى للصينيين في جانب من جوانبه «أن خطورة الصدام بين الحضارتين العربية والغربية ـ بما فيها الولايات المتحدة ـ لا تتلاشى بسبب الثورة. بالعكس، فإن السخط الشعبي العربي ضد الغرب فقد حاجز (الرجل السياسي القوي)، وأصبح من الصعب وقف التغيير الحالي، ما يزيد من فرص الصراع الحاد بين الحضارتين على وجه التحديد».
ولم تبخل الصين بإرشاد الولايات المتحدة إلى خطورة الوضع الذي وجدت نفسها فيه إزاء تطورات المنطقة.
فهذا (ياو كوانغي)، السفير الصيني السابق لدى تركيا والخبير في دراسات الشرق الأوسط، يرى أن «التظاهرات التي اندلعت في بلدان المنطقة تدق ناقوس الخطر أمام صناع السياسة الأميركية»، مؤكداً ـ حسبما نقلت عنه صحيفة الصين اليوم ـ «أن واشنطن تواجه مأزقاً عندما تتعامل مع شؤون الشرق الأوسط».
ولا يكتفي الخبير الصيني بالتوصيف بل هو يتقدم بنصائح للإدارة الأميركية، مشدداً على «أهمية أن تعيد الولايات المتحدة الأميركية النظر في سياستها تجاه العالم الإسلامي».
وليس هذا فحسب، فما يحصل في المنطقة ترى بيجينغ أنّ له صلة كبيرة بما يحصل في شرق آسيا. الصين لم توفر فرصة توجيه انتقاد حاد لاستراتيجية الولايات المتحدة الجديدة في المحيط الهادئ، عندما اعتبرت وسائل إعلامها أن «رفض الولايات المتحدة القيام بالاستثمارات الجديدة في الشرق الأوسط، في حين نقلت العديد من قواتها إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، أدى إلى التقليل من قدرة الولايات المتحدة الفعلية على التحكم بالوضع في الشرق الأوسط يوماً بعد يوم».
هي فرصة للصين لا تفوّت إذاً، وها هي تستغلّها إلى أقصى درجات الاستغلال، فتعيد مدّ أيديها إلى المنطقة لتعويض ما خسرته، والحفاظ على ما كانت تخشى أن تخسره، في خطوة يمكن أن يُطلق عليها «المدّ الصيني الجديد». هو مدّ تظهر تجليّاته في العديد من الأرقام الاقتصادية التي ظهرت في الفترة الماضية، وليس آخرها ما نُشر عن ارتفاع حجم التجارة بين الدول العربية والصين 22 في المئة في النصف الأول من هذا العام، مقارنة مع الفترة المماثلة من العام الماضي، ليصل إلى 111 مليار دولار. هذا الارتفاع يأتي بالرغم من كل الحديث الذي دار عن نيّة الدول العربية «معاقبة» الصين على موقفها السابق من الانتفاضات العربية، وعلى موقفها الحالي من الأزمة السورية.
إن هذا الواقع يشي بأن من حق الصين فعلاً أن تفرح، وهي تعاين التطورات التي تشهدها المنطقة، والتي تتمنى لها أن تستمر في الاتجاه نفسه، المعمّد بمزيد من الخيبات الأميركية المتتالية.

اقعدوا عاقلين



محمود ريا
7-9-2012

تبدو الإجراءات التي أمر رئيس وزراء العدو بنيامين ناتانياهو باتخاذها لتحصين منشآت الطاقة في كيان العدو متأخرة جداً، فضلاً عن
كونها بلا قيمة، في مواجهة الخطر الذي يتهدد هذه المنشآت من ضربات المقاومة الإسلامية، فيما لو حاول العدو ارتكاب حماقته الكبرى.

هذه الإجراءات متأخرة لأنها تأتي بعد أن باتت كل المنشآت مكشوفة، بلا غطاء، وبلا إمكانية لتخبئتها، فهي في بؤرة الاستهداف، ولن ينفع كثيراً العمل على وضع بعض وسائل الحماية حولها، لأنها لن تحمي ولن تُغني.

كذلك لا ينفع نقل هذه المنشآت إلى "أماكن أكثر أمناً" لأن نقل منشآت كهذه يكلّف مبالغ طائلة ليس بمقدور كيان العدو تأمينها، فيما أن نقلها لن يجعلها بمنأى عن الخطر لأن الكلام واضح: كل نقطة في كيان العدو هي في مجال صواريخ المقاومة الإسلامية.

ما العمل إذاً؟

بالرغم من أنه ليس من واجبنا أن نفتش للعدو عن مخرج من مأزقه، ولا يُفترض بنا فعل ذلك، بل بالعكس، مطلوب تعميق هذا المأزق وتجذيره، إلا أنه لا بأس من بعض الاقتراحات التي قد تفيد في "إنقاذ" بنيامين ناتانياهو من هذه المتاهة التي أدخل نفسه فيها. يمكن لقادة العدو مثلاً أن يضعوا واقيات فولاذية شديدة الصلابة فوق منشآت الطاقة، فقد يقي ذلك هذه المنشآت من "غضب الصواريخ".ويمكن مثلاً حفر ملاجئ تحت الأرض تُخفى فيها منشآت الطاقة ولا تعود في مرمى "الغضب" ذاته.وقد يمكن نقل المنشآت إلى أقصى أقصى أقصى الجنوب، فقد ـ و"قد" قبل الفعل المضارع تفيد التقليل ـ يجعلها هذا بعيدة عن أغلب صواريخ المقاومة، بما يؤمن لها نوعاً من الحصانة.

وقد يكون من المفيد نقل هذه المنشآت إلى منصات في عرض البحر، عسى ولعل..
ولكن، مرّة أخرى، لا تبدو الحلول التي اقتُرحت قبل قليل قابلة للتطبيق، أو هي فعلاً غير نافعة. فنقل المنشآت مكلف، ووضع واقيات فولاذية مكلف أيضاً، وحفر مدن طاقة تحت الأرض أمر غير عملي، لأن الطاقة تستخرج من الأرض لتخزينها واستعمالها، وليس لإعادة "دفنها".

والمكلف هذه الأيام صعب، لا بل مستحيل، لأن الكيان لا يستطيع القيام بأَوَده في الحدود الطبيعية، فكيف وهو مضطر لدفع أضعاف الأضعاف لحماية منشآته من شر مستطير وداهم.


ومن يمدّونه بالأموال لتنفيذ مشاريعه الخرافية باتوا الآن في وضع عوز، يبحثون فيه عن "فلس الأرملة" ليسدوا عجزهم وينجوا بأنفسهم من المأزق الاقتصادي الذي يعيشونه.

ومنصات عرض البحر لا تفوتها صواريخ مخصصة، تحدث سيّدها عن حصار بحري خانق سيفرضه على موانئ العدو، فضلاً عن كل ما يبحر منها وإليها.

الوضع صعب ومعقّد فعلاً.. فما العمل إذاً.
بقي هناك اقتراح، لن نبخل به على العدو، بالرغم من أنه عدو، ويجب أن لا نخرجه من مأزقه.

الاقتراح بسيط، ولا أحد يدري لماذا لم يفكر به العدو، بالرغم من أنه يحمي منشآته ومستوطنيه وكيانه كله.. ولو إلى حين. الاقتراح هو أن "يقعد قادة العدو عاقلين" وأن يمتنعوا عن القيام بأي خطوة مجنونة، وأن يكفّوا عن تفكيرهم الشيطاني بشن أي هجوم على لبنان، أو أي عبث بأمن المنطقة.

اقتراح بسيط وغير معقد، ولا يحتاج إلى عقول خارقة لاستيعابه والعمل به، بل إلى عقول عادية، لناس عاديين.. شرط ألا يكونوا من الحمقى.

فهل منكم يا قوم رجل رشيد؟