الخميس، فبراير 24، 2011

أمة واحدة تبحث عن إعلامها

محمود ريا
تزداد حماوة الأحداث في مناطق مختلفة من عالمنا العربي، ومع ارتفاع حماوة التطورات، تصبح وسائل الإعلام بمختلف أشكالها حاجة حقيقية عند ابناء الأمة الذين باتوا ينتظرون " الخبر العاجل" القادم من أربع رياح الأرض العربية كما ينتظرون الخبر المتعلق ببلدهم، أو حتى بمنطقتهم.
لقد بات اللبناني ينتظر الخبر التونسي كما ينتظر البحراني الخبر المصري وكذلك الحال مع المغربي الذي لا يستطيع أن ينام قبل أن يطمئن على آخر ما جرى في الكويت أو ليبيا.
لقد حقق الشهران الماضيان من التواصل بين أبناء الأمة ما لم تستطع تحقيقه عقود كثيرة من الحديث النخبوي عن الأمة الواحدة والحلم المشترك ووحدة المصير.
وفي ظل هذا التواصل الحقيقي النابع من اهتمام حقيقي بما يجري عند الشقيق، تصبح وسائل الإعلام هي الوسيلة للحصول على المعلومات.
وإذا كانت وسائل الإعلام الجديد تلعب دورها الحاسم في تحريك الأحداث وتحقيق التواصل لتنسيق الفعاليات، فإن المحطات التلفزيونية ما تزال بدورها تأخذ حيّزاً هاماً من اهتمام المواطنين العرب، بحيث تتسمر الأعين على ما تنقله هذه المحطات من صور، وإن كانت قليلة، من هذا البلد أوذاك، وتتابع الأسماع بكثير من الاهتمام آخر المعلومات التي يقرأها مذيعون ومذيعات صاروا بشهرة نجوم الفن والأدب.
وفي ظل هذه الطفرة التلفزيونية يتم تقاسم حصص المشاهدة بنسب تقوم على أساس مدى اهتمام هذه المحطة وتلك بإعطاء المشاهدين صورة متكاملة عن الأحداث في مختلف المدن العربية.
وإزاء هذا الواقع يمكن القول إن المحطات التي تهتم بقضايا قُطرية ضيقة، والتي تتعامل مع الأحداث الجارية في عواصم عربية أخرى على أنها أحداث تجري في "الخارج" باتت محطات غير محسوبة في خريطة المشاهدة التلفزيونية، لأنها لا تتحسس حقيقة اندماج اهتمامات المشاهدين الذين باتت الأخبار المحلية آخر همّهم.
إن الأحداث التي نراها أمامنا حوّلت الدول العربية المتباعدة إلى نطاق عمل واحد، إن لم نقل إلى دولة واحدة ـ بكل ما في الكلمة من معنى ـ بحيث توحدت الاهتمامات وتماهت التطلعات مع بعضها البعض، إلى درجة تتجاوز كل الشعارات التي أطلقها عتاة المنظّرين بالوحدة، لا بل ربما إلى درجة فاجأت حتى أولئك الذين كانوا يرفعون شعار الوحدة العربية وبنوا كل منظومتهم الفكرية على أساس هذا الشعار.
إن المحطة التلفزيونية التي ما زالت تتعامل مع تشكيلة وزارية محلية هنا، أو اجتماع رئيس مع مرؤوس هناك، أو التي تتعاطى مع الأحداث بشكل بارد مقتضب، صارت في هذه الأيام خارج المسار المتحرك للتاريخ العربي، ولا بدّ لها من إعادة تقييم وضعها، قبل أن تتحول عند المشاهدين إلى محطة لا لزوم لها، أو على الأقل قبل أن توضع في مصاف المحطات الهامشية التي تهتم بإضحاك المشاهدين أو عرض آخر الوصفات المطبخية لهم.
إن أمة حيّة، واحدة بآمالها وآلامها، كالأمة العربية في مرحلتها المتقدمة هذه، تحتاج إلى إعلام حي ومتحرك يتابع ما يجري فيها من أحداث من منطلق شامل وبنظرة واسعة، لا أن تبقى بعض وسائل الإعلام تتعامل مع الأحداث على قاعدة ما قبل كانون الثاني/ يناير 2011، لأنها حينها ستكون قد ذهبت مع الذين ذهبوا من الطواغيت الذين كانت بعض وسائل الإعلام هذه تسبّح بمجدهم ليلَ نهار.

الثلاثاء، فبراير 08، 2011

إعلام النظام المصري وسناريوهات التدخل الخارجي





محمود ريا
من يراقب الفضائيات المصرية، سواء منها التابعة للنظام مباشرة، أو التي تهيمن عليها الرؤية الرسمية للأحداث طوعاً أو كرهاً، يمكنه استخلاص حقيقة أكيدة وهي أن رجال النظام القائم قد فقدوا صوابهم وباتوا يتخيلون أنّ كل صرخة هي عليهم وعلى رأس نظامهم.
ومع تكاثر الأدلّة على هذا الواقع الذي بات المسؤولون يتخبطون فيه، فإن نغمة التدخل الأجنبي في الأحداث التي تقع في مصر كشفت أكثر من غيرها عن فقدان المنطق والرؤية الصحيحة للأمور، وبالتالي المسارعة إلى إطلاق الأحكام جزافاً وبشكل هستيري، دون أدلّة، أو من خلال اختراع سيناريوهات وهمية يبدو الاصطناع فيها فجّاً ومثيراً للسخرية.
فقد تناسى رجال النظام كل الأسباب التي أدّت إلى قيام الشعب المصري، بكامل فئاته، بالنزول إلى الشارع وتقديم أنفسهم شهداء من أجل الحرية، وتجاوزوا مطالب الجماهير التي تعتصم منذ أيام في الميادين والساحات، في القاهرة والاسكندرية والسويس ومختلف المدن الأخرى، وتوقفوا عند الحديث على تدخل الدول الأجنبية في الشؤون المصرية، مصوّرين الملايين الذين انتفضوا كأطفال قصّر لا يستطيعون التصرف من أنفسهم، وإنما تحركوا بناء على "أجندات خارجية"، وانصاعوا لأوامر صدرت من وراء الحدود.
ولو أن السيناريوهات التي وضعها "جهابذة" النظام تملك ذرة من المنطق والواقعية لاستطاعت إقناع البعض، ولكن التخبط الذي ضاعت فيه هذه السيناريوهات جعل ترديدها من قبل السياسيين والإعلاميين التابعين للنظام بمثابة نكتة سمجة لا يمكن حتى الاستماع إليها.
فقد أطلق أحد المنتفعين على التفزيون المصري تصوراً مفاده ان هناك اتفاقاً بين الولايات المتحدة وإيران و"إسرائيل" وقطر على تخريب الاستقرار في مصر، وأن اجتماعات عقدت قبل فترة من أجل وضع الخطط المناسبة لإطلاق الفوضى في شوارع مصر!
"خبيرعسكري" من جماعة النظام اختصر هذه التوليفة، واقتصر في السيناريو الذي قدّمه عبر شاشة تلفزيونية مصرية ـ تقول عن نفسها إنها مستقلة ـ على اجتماعات بين مسؤولين قطريين ومسؤولين من الموساد الصهيوني لتحضير خطة هدم الاستقرار في مصر، مع رسم دور أساسي في هذه الخطة لقناة الجزيرة الفضائية، التي ستقوم بتهييج الشعب المصري ودفعه إلى النزول إلى الشارع!
شخص آخر ذهب إلى تحميل إبران كل المسؤولية، وجعل كل ما يحصل في الشارع المصري نتيجة لخطة جهنمية إيرانية تهدف إلى القضاء على مصر لأنها "المنافس الاستراتيجي" لإيران في المنطقة.
ومع غرابة هذه السيناريوهات وبعدها عن المنطق، بقي هناك سيناريو هو الاكثر إثارة للأسئلة حول مدى الصحة العقلية لمطلقي هذه التصورات، وهو يقوم على رواية مفادها أن الولايات المتحدة هي التي درّبت الشباب المتفتّح الذي دعا للانتفاضة من خلال وسائل الإعلام الحديثة وعلى رأسها الفايسبوك والتويتر وغيرها. هذه الرواية كانت خرافية لدرجة تفوق التصوّر، لذلك عمل أزلام النظام على ابتكار رواية مكمّلة لها، عسى أن تعطيها بعض المصداقية، فتم تسويق "اعتراف" من إحدى الفتيات يفيد أنها تدرّبت لدى الأميركيين بهدف إسقاط النظام في مصر!
وبالرغم من أنه لا يمكن تبرئة الإدارة الأميركية من التدخل في شؤون الدول الأخرى، فإن رواية تدريب الأميركيين لشباب مصريين كي يقلبوا نظام حسني مبارك ترتقي إلى مستوى الكوميديا السوداء التي يبرع بها الخيال الأمني المتحكم بالمؤسسة الحاكمة المصرية، إذ ان النظام المصري هو من أكثر عملاء واشنطن إخلاصاً وأهمهم نفعاً للسياسة الأميركية في المنطقة، ولم تسحب الإدارة الأميركية دعمها له إلا بعد أن استشرفت واشنطن المستقبل الأسود لهذا النظام، إثر الانتفاضة الشعبية المليونية.
لقد تناست هذه المؤسسة كل الأسباب الموجبة للنقمة التي تسود الشعب المصري إزاء النظام وحيتانه والمتحكمين بالسياسة والاقتصاد والأمن، وإزاء البلطجية والزعران الذين عاثوا في البلاد فساداً ، وتناست انحيازها إلى جانب الكيان الصهوني في مواجهة الشعوب العربية، وتناست عمالة النظام للولايات المتحدة وتنفيذه كل ما تطلبه منه واشنطن على مستوى الداخل والخارج، كي ترفع عقيرتها بالحديث عن تدخل خارجي بالشؤون المصرية،.
ومقابل هذه السخافة الحكومية التي وصلت إلى حد اتهام الكيان الصهيوني بالتآمر على النظام العربي الأكثر خدمة لهذا الكيان العدو، يبقى الشعب المصري المتحصن بحقه وبشرعيته الجماهيرية مقيماً في الشارع، غير مكترث بما تبثه آلة الإعلام الرسمية الصدئة من تهويلات وسيناريوهات مفضوحة وبائخة ومكررة لا تؤثر في معنويات الجماهير التي نزلت بملء إرادتها من أجل تحقيق التغيير الحقيقي، التغيير الذي يلبي آمال وتطلعات الشعب المصري أولاَ، ومن ثم آمال وتطلعات الأمة العربية والإسلامية بكاملها.