الجمعة، أغسطس 26، 2005

المفتي في دمشق: حراك بالرغم من العقبات

الارتياح الذي بدا على محيّا مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني بعد عودته من زيارته القصيرة للعاصمة السورية دمشق أوحى بحجم الترحيب الذي لقيه من قبل المسؤولين السوريين وعلى رأسهم الرئيس بشار الأسد.
هذا الترحيب قد يكون في جزء منه رداً لتحية المفتي بأحسن منها، وهي التحية التي يمكن تجسيدها بأصراره على زيارة العاصمة السورية لـ "تهنئة المفتي الجديد الشيخ بدر حسون" بالرغم من كل المثبّطات التي وقفت بوجه هذه الزيارة.


ما كانت زيارة شخصية لبنانية دينية أو سياسية لتأخذ هذا المستوى من الاهتمام لو إنها حدثت قبل سنة أو أكثر قليلاً من الآن، بل يمكن أن تكون قد مرت كما غيرها من الزيارات التي كانت تحصل كل يوم دون أن يتوقف عندها المراقبون.
أما في هذه الأيام فإن كل زيارة تحصل على خط بيروت دمشق لها من يهتم بها ـ ومن يراقبها ـ نظراً للظروف المستجدة التي تحكم العلاقة بين العاصمتين، فكيف إذا كانت هذه الزيارة لشخصية سنيّة، بل لمفتي السنّة في لبنان.
واللافت أن العلاقة بين الطائفة السنيّة وسوريا كانت على مدى التاريخ السياسي الحديث علاقة في مستوى أعلى من التحالف، لا بل أن سنّة المدن اللبنانية لم يتخلّوا عن مطلب انضمام لبنان لسوريا ( أو بالصيغة الأصح لم يسلّموا بانفصال لبنان عن سوريا) إلا في السنوات المتأخرة من القرن الماضي، وبالتحديد بعد التوصل إلى ما عرف على مدى العقود الماضية باسم الميثاق الوطني في الأربعينيات من القرن العشرين، فإذا بهذه العلاقة توضع اليوم تحت منظار دقيق يرقب كل حركة وسكنة على خطوطها المقطوعة إلا ما حصل في زيارة المفتي الأخيرة وما سبقها من زيارة "مدوّية" للرئيس فؤاد السنيورة.
طبيعي أن يكون كل هذا الكم من التطورات على مسار العلاقة بين الطائفة السنيّة والقيادة السورية ناجم عن تداعيات جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وما شكّلته الاتهامات المباشرة وغير المباشرة التي وجّهت إلى القيادة السورية بالمسؤولية عن هذه العملية ـ منذ اللحظات الأولى لحصول عملية الاغتيال ـ من عقبات كأداء في طريق هذه العلاقة، إلا أن ما تبع عملية الاغتيال كان مجرد إعلان عن افتراق كان قد حصل قبل ذلك، وسببه مسيرة طويلة من الغرام والخصام السياسي بين القيادة السورية والطائفة السنيّة في لبنان.
هذه المسيرة التي يمكن رصدها منذ ما قبل الحرب الأهلية في لبنان شهدت الكثير من الذرى والمطبّات، وفي حين وصلت في أولى سنوات تسلم الرئيس رفيق الحريري إلى أعلى مستوى من التنسيق المتبادل بين الطرفين والتحالف الذي كان أمر وصوله إلى الانفكاك خارج إطار التصور، فإن السنة الأخيرة التي سبقت اغتيال الرئيس الحريري حملت الكثير من الأشواك على طريق العلاقة نتيجة الاختلاف في الرؤى حول العديد من القضايا وعلى رأسها بلا شك مسألة التمديد لرئيس الجمهورية العماد إميل لحود، وهو التمديد الذي وافق عليه الرئيس الحريري متأخراً وعلى مضض، واستمرت العلاقات في التدهور حتى كانت عملية الاغتيال والاتهامات التي تلتها، ووقوف الطائفة السنيّة بقيادتها التي سلّمت زمامها إلى آل الحريري إلى جانب المطالبين بخروج القوات السورية من لبنان.
اليوم ما تزال هذه العلاقة على مفترق طرق، لا بل إن الاتجاه الذي ستسلكه يبقى اتجاهاً غائماً لا يمكن تحديده، بانتظار ما ستعلنه لجنة التحقيق الدولية باغتيال الرئيس الحريري، وما إذا كانت أصابع الإدانة ستوجه إلى العاصمة السورية أو إلى أشخاص فيها، بناء على ما تحاول بعض الأوساط تسريبه، مع ما يعنيه ذلك من وضع حاجز نفسي أكثر استعصاء على الانكسار بين الطرفين.
إلا أن توجه أصابع الاتهام ـ والإدانة ـ بجريمة اغتيال الرئيس الحريري في اتجاه آخر لن يؤدي إلى زوال العقبات من أمام العلاقات بين سوريا والطائفة السنيّة بشكل تلقائي، لأن هناك رواسب عديدة ستبقى تفرض نفسها على هذه العلاقة، وربما على رأسها العتب الشديد الذي يسود العاصمة السورية على اتهام قيادة الطائفة لدمشق باغتيال الحريري الذي يعتبر أحد ثوابت السياسية السورية في لبنان بالرغم من الخلافات الظرفية التي كانت تسود العلاقة بينه وبين الحكم في سوريا.
ربما من أجل ذلك كانت زيارة المفتي لدمشق، أي أنها محاولة مبكرة لقطع الطريق على تضخيم حجم حاجز الثقة الذي قد ينشأ، وسعي دؤوب لتقليل مدى العتب الشديد القائم حالياً، وهذا ما يفسر الإصرار على حصول هذه الزيارة الآن وقبل صدور نتائج لجنة التحقيق الدولية كما كان يدعو البعض من داخل الطائفة السنيّة، وفي هذا إجابة مبكرة على سؤال يتردد بقوة حول ما سيحصل بعد إعلان اللجنة برئاسة ميليس عن تصوراتها حول عملية الاغتيال.
وهكذا فإن الترحيب بالمفتي واستقباله من قبل الرئيس الأسد هو تعبير سوري عن الرغبة في إنجاح الاتجاه الذي يقوده المفتي والذي يحظى بدعم قوي من قبل القيادة السعودية التي تعتبر اليوم ـ كما كانت على الدوام ـ الراعي الأساسي للطائفة السنيّة.
وترى القيادة السعودية أنه وبغضّ النظر عن الطريق الذي ستأخذه عملية التحقيق باغتيال الرئيس الحريري فإن لبنان وسوريا محكومان بأن يبقيا على علاقة مميزة نظراً للترابط العضوي ـ جغرافياً وتاريخياً واقتصاديا واجتماعياً ـ الذي يجمع بينهما، والطائفة السنيّة التي تعدّ من المكوّنات الأساسية للصورة اللبنانية محكومة بهذه العلاقة، وبالتالي لا بد من تمهيد الأجواء لتنقية الشوائب التي تحكم هذا الترابط وتجاوز أي تأثيرات سلبية حصلت ـ أو قد تحصل ـ نتيجة التطورات الأخيرة.
هذه الخلاصة عبّر عنها المفتي قباني نفسه عندما قال في دمشق "ان سوريا بلد العلم والقيم والخلق العظيم، وأن العلاقة بين لبنان وسوريا علاقة ثوابت وليست علاقة طوارئ"، مشدداً على "ان لبنان عصيّ على محاولات التفرقة بين الشعبين الشقيقين السوري واللبناني".
وإذا كان هناك من يرى في الطائفة السنيّة أن المفتي تسرّع في القيام بهذه الزيارة فإن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة اعتبر أن الزيارة قد حصلت وأن أي كلام لم يعد ينفع، وأتبع هذا التصريح بزيارة إلى السعودية، التقى خلالها الملك السعودي الجديد عبد الله بن عبد العزيز وكبار المسؤولين السعوديين في حين لم يكن ملف العلاقة اللبنانية السورية بعيداً عن هذه المحادثات، وبالتالي لا بد أن يكون سمع تأكيداً للموقف السعودي من هذه العلاقة.
حراك جديد على الخط اللبناني السوري دشّنه واحد من الأطراف الأكثر حساسية إزاء العلاقة بين بيروت ودمشق في هذه المرحلة، والنتيجة ستكون على الأغلب إعادة فتح لهذه الخط بالرغم من كل الراغبين في وضع العصي في الدواليب
محمود ريا

التقليم.. والتهديم

يحاول آرييل شارون أن يقدّم ما يفعله في غزة وكأنه عملية تقليم لشجرة الاستيطان كي تستمر في النمو، وكي تحصل على المزيد من الغذاء كي تتوسع أفقياً وعامودياً.
هذه الصورة قد تنطلي على البعض ـ من المستوطنين ومن الذين يعيشون عقدة الرهاب في عالمنا العربي ـ ولكنها بالتأكيد لا تبدو منطبقة على الواقع بشكل دقيق.
الواقع يقول إن شارون "يأمل" بأن تسير الأمور على النحو الذي يحاول الإيحاء به، ويطلق التصريحات على هذا الأساس، ويقوم بتحركاته كلها في هذا السياق، وهو يعلم أن النتائج لن تكون كما يتمناها.
فالخروج من غزة ليس تقليماً وتشذيباً لعملية الاستيطان، وإنما هو قطع لأحد جذوعها الأساسية التي تمدّها بالغذاء المعنوي والمادي كي تستمر بالنمو والتوسع.
ويعرف شارون الذي بكى وهو يُخرج المستوطنين الذين كان له الدور الرئيسي في إدخالهم إلى القطاع أن من يترك نتساريم سيأتي يوم ويترك تل أبيب، وهو الذي قال ـ هو نفسه ـ قبل سنوات ليست طويلة إن هذه المستوطنة هي لديه في مستوى الأهمية نفسه الذي لتلك المدينة.
وسواء أدرك شارون أم لم يدرك، فإن التاريخ يقول إن من يقطع جذعاً لا بد أن يقطع شجرة، ومن يقطع شجرة لا بد أن يقص البستان كله.
إنه شجر خبيث، وثماره أخبث.. ومصيره الدمار.
محمود ريا

الخميس، أغسطس 25، 2005

الصلف

ربما لا يكون سيلفان شالوم يهودياً متزمتاً (أرثوذكسياً) ولكن شعبيته بين الأرثوذكس كبيرة، لأن مواقفه تلائمهم كثيراً، وتاريخه قريب منهم، وربما يكون مستقبله معهم.
سيلفان شالوم، الشرقي المولود في تونس عام 1958، والذي هاجرت عائلته إلى فلسطين المحتلة عام 1959، "موظف ممتاز" فهو تقلب في الكثير من المناصب الحكومية على مدى تاريخه، ثم انتقل إلى العمل السياسي عام 1992 من خلال انتخابه نائباً في الكنسيت ذلك العام، وما يزال هناك حتى الآن.
وعلى الصعيد الحكومي بدأ شالوم مسيرته الوزارية عام 1997 حيث عين نائباً لوزير الحرب حتى عام 1998 فعيّن وزيراً للعلوم حتى عام 1999.
بين عامي 2001 و2003 كان شالوم نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للمالية، وفي شباط/ فبراير 2003 تسلم منصب وزير الخارجية في حكومة آرييل شارون.
شالوم المتزوج والأب لخمسة أولاد ما يزال يحمل أوزار شرقيته في مواقفه، وكان آخرها ما قاله تعقيباً على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 والذي اعتبر قراراً إسرائيلياً بثوب دولي، وهذا ما ظهر صريحاً في قول شالوم أن لبنان سيكون الدولة العربية الثالثة التي ستوقع اتفاقاً لـ "السلام" مع "إسرائيل" بعد هذا القرار.
ولم يكتف شالوم بهذا الموقف فانفلت بحملة مواقف ضد سوريا، مهدداً إياها، وضد إيران، مستهدفاً برنامجها النووي، وضد الفلسطينيين، مؤكداً على ضرورة طرد الرئيس ياسر عرفات.
هذه المواقف المتشنجة التي ينطق بها وزير خارجية ( وليس وزير حرب مثلاً) تنبع من عقدة السفارديم التي تحكم كل اليهود القادمين من الدول العربية، والتي تجعلهم أكثر مبالغة في التهجم على الدول العربية، ربما للهرب من شبهة "تطفلهم" على الكيان الصهيوني.
وليست هذه المرة الأولى التي يطلق فيها شالوم تصريحات استفزازية بهذا المستوى، ولكنها ربما المرة الأولى التي ينطلق خلالها بحملة ضد الجميع في وقت واحد، إلى حد أنه وصل في هجومه إلى الاتحاد الأوروبي متوعداً ومحذراً!
هذا المستوى العالي من التحدي الذي "يتمتع" به شالوم نابع من كونه قريباً جداً من آرييل شارون، لا بل إنه بقف إلى يمينه في المواقف من المستوطنات والفلسطينيين، وربما يمكن من خلال ذلك معرفة إلى أي مدى هو صلف في التعبير عن مواقفه.
محمود ريا

ديموقراطية بوش

تبدو وصفة الرئيس الأميركي جورج بوش لنشر الديموقراطية في "الشرق الأوسط الكبير" عسيرة على الهضم لدى سكان المنطقة، بالرغم من أن تركيباتها ليست غريبة عنهم، وهم ملّوا من طعمها المرّ خلال العقود الماضية.
فما يقدمه بوش كمركّبات للوصفة المثالية التي ستلعب دور "حجر الخيمياء" محوّلة القصدير إلى ذهب ليس إلا الدبابات والطائرات والقذائف الثقيلة التي تلقى على المساجد والبيوت الآمنة وعمليات كم الأفواه ومنع التعبير عن الآراء إذا لم تكن توافق الحاكم الأعظم الذي انتقل مقره من العواصم الأقليمية إلى "العاصمة المركزية" في مزرعة بوش في ولاية تكساس الأميركية.
ليس في هذا بضاعة جديدة يمكن أن يقبل عليها أبناء الشعوب العربية بتلهف، فهذه نفسها البضاعة التي يقدمها لهم حكامهم الآن.
من غير الممكن أن يحس هؤلاء الموعودون بـ "الحرية" بالفرح لمجرد أن الورقة التي لفّت بها جثث القتلى من بينهم قد تغيرت وأصبحت مبهرجة وتلمع في الشمس، ولا تكفي "الحرة" ولا من يتطوع للعب دورها من الإعلاميين العرب لإقناعهم بأن ما يحترق هو ليس أجسادهم.
الوصفة غير معقولة، و"الطبيب" ليس أهلاً لكتابة الوصفات، والدواء مرّ مرّ، ولا يمكن أن تكون النتيجة شفاء للمريض، إلا إذا كان الشفاء ـ حسب رأي الطبيب نفسه ـ هو في اختفاء هذا المريض.. عن وجه الدنيا.
محمود ريا

السبت، أغسطس 20، 2005

البوليفاري

حاول الدخول إلى القصر بالقوة، فحملته الجماهير بـ "أصواتها" إليه، وحاولوا إخراجه بالقوة أيضاً فأعادته الجماهير بقبضاتها وثبتته بعد ذلك.. بأصواتها أيضاً.
هوغو شافيز عاش في خمسين عاماً ـ هي عمره ـ تقلبات لا يبدو أنها مرّت على رئيس قبله، وهو الذي يقف كصخرة في وجه أطماع أميركية تحاول استغلال بلده فنزويلا، بلاد النفط والذهب، كما يحلو للبعض أن يسميها.
منذ أن كان ضابطاً في سلاح المظليين في الجيش الفنزويلي اعتنق شافيز أفكار المحرر سيمون بوليفار، وعلى رأسها تحقيق الاستقلال الحقيقي بعيداً عن صورة "جمهوريات الموز" التي كانت الولايات المتحدة تحكم أميركا اللاتينية من خلالها، ووصل إلى ذروة الانفعال بهذه الفكرة عندما قاد في عام 1992 انقلاباً عسكرياً كاد أن ينجح.. قبل أن يكون مصيره السجن.
بعد سنتين نحي الرئيس كارلوس آندريه بيريز الذي كاد يطيحه هو ـ بسبب فساده ـ فأخرجه الرئيس اللاحق من السجن ليشكل حركة سياسية حملت اسم "الجمهورية الخامسة"، تستوحي أفكار بوليفار، وهي أوصلته إلى رئاسة الجمهورية أواخر عام 1998، بأصوات ملايين المواطنين مكتسحاً الحزبين الرئيسيين اللذين كانا يهيمنان على الحياة السياسية في البلاد.
ومنذ وصوله إلى السلطة كانت واشنطن له بالمرصاد، وهو الذي لم يهادن في إعلان مقته لها ورفضه لسياساتها في أنحاء العالم، فألّبت عليه القوى الرأسمالية المتضررة من وجوده كحامٍ للفقراء على رأس الحكم، وخلقت في وجه حكمه العديد من المشاكل، وصولاً في الوقاحة والتدخل في شؤون بلاده إلى درجة تدبير انقلاب عسكري مغطى بطبقة سياسية رأسمالية ضده عام 2002، وكان الملحق العسكري الأميركي في سفارة الولايات المتحدة في كاراكاس حاضراً بشكل دائم مع الانقلابيين يوجههم ويقود خطواتهم!
إلا أن حساب التدخل الأميركي لم ينطبق على بيدر التضامن الشعبي الشامل مع شافيز الذي أعادته قبضات الجماهير بالقوة إلى القصر الرئاسي.
وهكذا نجا البوليفاري الثائر من مطب أميركي، لتدبر له واشنطن مطباً آخر، يتمثل في استخدام الدستور الذي وضعه هو كأداة لمحاولة تغييره، من خلال دفع القوى الفنزويلية التابعة لها للمطالبة باستفتاء على بقاء شافيز في الحكم، رغم إعلان المعارضة علناً أنها لا توافق على هذه المادة في الدستور (المتعلقة بالاستفتاء) وأنها ستعمل على تغييرها لحظة ترك شافيز السلطة.
ولكن.. مرة أخرى كان الشعب بالمرصاد للقوى الرأسمالية المنتفعة من هيمنة واشنطن المطلوبة، وقرر ـ أوائل الشهر الحالي ـ أن شافيز يجب أن يبقى في الحكم.. وأعلنت واشنطن رفضها لنتائج الاستفتاء الذي شهد الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر نفسه على نزاهته!
بقي شافيز الرافض لأن تكون بلاده مستعمرة أميركية ( كما قال هو نفسه) رئيساً لفنزويلا، ومنيت واشنطن بهزيمة أخرى، فماذا تخبئ إدارة الشر في المستقبل لهذا البلد الذي يعتبر خامس منتج للنفط في العالم؟
محمود ريا

جبهة بمواجهة قلعة "كروافورد"

تبدو سيندي شيهان جبهة وحدها. تقف على "متراسها" في مواجهة "قلعة كراوفورد" وفي مكان لم يستطع أي "عدو" اختراقه قبل الآن. لقد أصبح طريق رئيس أكبر دولة في العالم "خطراً"، وهو لا يستطيع المرور عليه براحة، وفي كل ذهاب وإياب عليه أن يتقي من "القنص" و"القصف" بأقسى أنواع الأسلحة: دمعة أم. تقف شيهان وحدها، لتقول لجورج بوش إنه لا يستطيع أن يتمتع بإجازته الصيفية في مزرعته في كروافورد بولاية تكساس، فيما يرقد ابنها كايسي تحت التراب منذ نيسان/ أبريل عام 2004 نتيجة قرار أخرق اتخذه الرئيس الأميركي، فيما ينتظر الكثير من الأبناء دورهم للذهاب إلى.. المحرقة. كانت سيندي ظاهرة، مجرد لافتة وشعار، بالكاد تشكل دعوة للرئيس كي يعيد مراجعة حساباته.
اليوم باتت سيندي حركة تتسع يوماً بعد يوم، وربما إذا بقيت على إصرارها الذي ينبع من عاطفتها كأم مفجوعة، فقد تصبح حركتها أشبه بتلك الحركة التي حملت اسم "حركة الأمهات الأربع"، التي لعبت دوراً هاماً في إخراج الصهاينة مذلولين من جنوب لبنان. اليوم سيندي تقول لبوش: أخرج من العراق الذي قتلت ابني على أرضه، وعلى بوش الذي لم يتوقف موكبه مرة واحدة للاستماع لها أن يحسب حساباً لما يمكن أن ينتج عن أم تسلحت بجرح ابنها كي تدعو الإدارة الأميركية لاتخاذ قرار صحيح.. ولو لمرة واحدة في تاريخها.
محمود ريا