الجمعة، ديسمبر 09، 2005

الانتخابات المصرية انتهت إلى مجلس "مختلف" ولكن غير مثالي

بين البلطجة والتزوير والإصرار على التعبير عن الموقف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بين البلطجة وغياب الديموقراطية شهدت مصر المرحلة الثالثة والأخيرة من الانتخابات البرلمانية التي أسفرت عن بروز حركة "الإخوان المسلمون" بشكل لافت للنظر، دون أن تتمكن من تحقيق الحلم الذي راود الكثير من قادتها بالوصول إلى حافة المئة مقعد في البرلمان الذي يبلغ عدد أعضائه أربعمئة وأربعة وخمسين نائباً.‏
لم تنته الانتخابات بشكل نهائي حتى اللحظة، فنتائج بعض الدوائر لم تظهر بعد، وهناك دوائر عديدة، قد لا تزيد عن العشر تنتظر إعادة الانتخابات فيها بسبب شوائب كثيرة عاشتها، ولكن الصورة شبه النهائية للبرلمان بدت واضحة، وكذلك الحدود المتاح للشعب أن يظهر فيها إرادته الحقيقية، بعيداً عن تدخل السلطة لمصادرة خياراته ومنعه من التعبير عن رأيه.‏
الانتخابات في مصر جرت على ثلاث مراحل، وكانت الجولة التي شهدتها يوم الأربعاء الماضي هي جولة الإعادة لانتخابات المرحلة الثالثة ـ الأخيرة ـ وبناءً على نتيجتها يمكن القول إن البرلمان الجديد صار شبه جاهز للبدء بالعمل.‏
أهم الملاحظات على هذا البرلمان يمكن تلخيصها بما يلي:‏
ـ تلوث وجه هذا البرلمان بالكثير من المنغصات التي تشوه صورة الديموقراطية الحقيقية، فهو مجلس للشعب لم يستطع الشعب أن يقول كلمته كاملة فيه، بل بالعكس فإن الكثير من السدود وضعت أمام الناس لمنعهم من ممارسة قناعاتهم الانتخابية بشكل حر ومستقل.‏
فالعنف الذي شهدته مراحل الانتخابات الثلاث يدل على أن السلطة لم تتمكن من التخلص من نوازع الهيمنة والسيطرة بشكل كامل، وأنها ما زالت تحاول فرض قناعاتها على الناس بالقوة، وما لم تقم به السلطة من خلال جنودها وعناصر شرطتها، قام به "بلطجية" الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم الذي نزلوا بكل قوة الى الشارع للتعبير عن "حضورهم" ولا سيما بعد النتائج المخيّبة التي حصل عليها الحزب الحاكم في المرحلة الأولى من الانتخابات.‏
ولم تقف الممارسات العنفية عند حدود البلطجة في الشارع، بل تعدّتها إلى التزوير في الصناديق وفي النتائج وصولاً إلى حد قتل المواطنين وإطلاق الرصاص والقنابل المسيلة للدموع عليهم.‏
وهكذا تلوّث وجه البرلمان القادم بالدم وبحبر التزوير وبوصمة الانحراف عن إرادة المواطنين.‏
ـ لقد نزل الشعب إلى الشارع، وإن لم يكن بشكل كامل، فإن ما قام به المواطنون حتى الآن يعتبر تقدماً لا بأس به مقارنة مع اللامبالاة التي كانت سائدة في المراحل السابقة، ونزول الشعب استطاع استنقاذ العديد من النتائج من يد السلطة التي كانت "تضمن" في المرات السابقة برلماناً مدجناً ليس للمعارضة فيه سوى أصوات متفرقة متناحرة فيما بينها قبل أن تكون على خلاف مع نواب الحزب الحاكم نفسه. وهذا التحرك الشعبي يبشر بتغيير حقيقي في تعاطي الناس مع القضايا السياسية، ويشير إلى بداية تفهم حقيقي لدور المواطن في اختيار نوابه وقدرته على إيصال من يعبرون عن رأيه من بينهم إلى الندوة البرلمانية.‏
ـ استكمالاً للملاحظة السابقة يمكن القول إن البرلمان بات يملك صوتين، وإن كان كل صوت لا يقارن بالآخر من حيث القوة والتأثير. فـ"الأخوان المسلمون" لديهم الآن كتلة في مجلس الشعب تزيد على الثمانين نائباً، وهؤلاء يمكنهم أن يشكلوا قلقاً فعلياً للحكومة من خلال قدرتهم على المسائلة والتحقيق بتصرفاتها وأعمالها، في حال تمكنوا من إيجاد آلية تنظم جهودهم وتوزعها على أكبر مروحة من المتابعة الدقيقة للعمل الحكومي.‏
ـ خرجت مصر من هذه الانتخابات غير مصر التي كانت قبلها، ولكنها ليست مصر التي كان يرجى أن تكون.‏
صحيح أن الانتخابات الحالية تميزت بإعطاء المواطن حيزاً أكبر من الحرية في الاختيار وفي التقرير، ولكن الممارسات التي لُحظت على هامش هذه الانتخابات لم تسمح بمحو اسم مصر من لائحة دول العالم الثالث، وتسجيله في سجل الدول التي تجري انتخابات حرة ونزيهة، وهذا سيكون له تأثير كبير على الصورة التي تعمل الدولة المصرية للترويج لها عن بلادها في العالم، ولا سيما في ظل حملة البحث عن موقع في صفوف "العالم الحر".‏
ـ يبقى هناك ملاحظة أخيرة تتعلق بدور مجلس الشعب نفسه، حيث ان البرلمانات في العالم العربي لا تملك الكثير من الأوراق لتلعبها على صعيد العمل السياسي، إذ هي تبقى أقرب إلى المجالس الاستشارية التي تنصح ولا تقرر، إن لم تكن مجرد "ديكورات" لتجميل منظر النظام الحاكم. وليس الوضع في مصر بعيداً تماماً عن هذه الصورة.‏
محمود ريا‏

مقبرة جماعية !

يوم غادر عمي قريتنا في تلك الليلة الجهنمية حاملاً عائلته ولاجئاً بها إلى أقرب قرية في سوريا هرباً من الإجرام الدموي الصهيوني الذي كان يستهدف البقاع ومعه كل المناطق اللبنانية، كنا نحن في القرية ننتظر منه ـ أو عنه ـ أي خبر، لأن القليل من المعلومات الذي وصلنا أفاد أن الطريق تعرض لحملة دموية معادية استهدفت السيارات والآليات والعسكر والمدنيين ولم تعفُ عن أحد.‏
كان يمكن لعمي وعائلته ـ وبينهم الأطفال ـ أن يكونوا من ضحايا تلك الليلة السوداء ـ بكل معنى الكلمة ـ من عام 1982 وأن نبحث عن جثثهم فلا نجدها، لأنها كانت ستدفن حينها في مقبرة جماعية يستحدثها الأهالي في أي منطقة لمواراة ضحايا الرعب الصهيوني الأسود.‏
لقد نجا عمي والعائلة حينها، ولكن أناساً كثراً آخرين لم ينجوا، وامتلاًت جوانب الطرق بالجثث، التي تم دفنها في مقابر جماعية، ولم يتحرك العالم أسفاً على هؤلاء الضحايا الأبرياء.‏
أنا أتذكر عمي، ولا أنسى تلك الليلة، كما لا أنسى المقابر الجماعية، ولا أنسى فظائع العدو الصهيوني، ولا فظائع الذين ساروا في ركابه ونفذوا مآربه وقتلوا على الهوية، وعلى غير الهوية.. فهل يتذكر اللبنانيون؟‏
محمود ريا‏