الخميس، يونيو 12، 2008

حتى الماء يا غزة


حتى الماء بات أهلك محرومين منه، يتزاحمون على قطراته، يبحثون عنه بدمع العيون وتعب الأيام وقهر الزمان.
حتى الماء بات سلعة نادرة في عالم لا يرحم، عالم لا يسمع ولا يريد أن يرى.
قطعوا عن أهلك الوقود.. فصمدوا.
قطعوا الدواء.. ولم يستسلموا.
الغذاء بات شحيحاً، مواد البناء، الآلات وقطع الغيار، تعطل قطاع النقل، باتت المدارس والجامعات هياكل بلا متعلمين، ولم يتمكنوا من كسر الإرادة الغزّاوية التي لا تُكسر.
والآن جاء دور الماء.
يمتص المستوطنون من جوف أرضك كل قطرة، كي يلهوا ويعيشوا حياتهم المترفة، ويتركون لأهلك ماء البحر المالح، وبضع قطرات من مياه عذبة يتهافت عليها مئات الآلاف من البشر.
يستكين العرب على أنهار كبرى، يضيّعون ماءها هباء في البحر، ولا ينظرون إلى غزة برشفة، وكيف يفعلون، وهم يعومون على بحار النفط، فلا يقدّمون لمريض نبضة أمل، ولا لمحرور لمسة نسيم؟
يجهد الزعماء في تبرير الموت الذي يحاصر القطاع ـ السجن من كل جانب، ويشاركون، يبالغون في المحاصرة، بانتظار "شهادة حسن السلوك"، ولا مانع في أن تكون هذه الشهادة جثة طفلة أضناها المرض، أو عجوز هدّها الجوع، أو شيخ هرم، تجف شفاهه، فلا يجد قطرة ماء لترطيبها.
حتى الماء يا غزة..
بات الماء ورقة مساومة، وحقاً مسلوباً، ومادة تفاوض..
"تنازلوا عن مواقفكم.. نسقِكم، بيعوا أرضكم.. نسمح لكم ببعض رواء، أعطوا الدنيّة من دينكم.. فلا تموتون عطشاً، ولكم الخيار".
بالأمس الوقود، واليوم الماء.. وماذا غداً، هل يحاصر الأعراب الهواء، فيمنعونه عنكم، حتى تخضعوا لأسيادهم الصهاينة؟
لا يا غزة.. من لم يركع من قبل، لا يركع اليوم، ومن بقي واقفاً متكئاً على سيل دمه الآن، سيبقى منتصب القامة، مستنداً على شلال دموع، وراية صبر وكلمة حق، في كل حين.
وسنبقى
محمود ريا