الثلاثاء، أكتوبر 18، 2005

القوات: هجمة ودية نحو الأكثرية.. وتهجم حاد على "الخصم الخارجي"

تتحرك مسيرة القوات اللبنانية خلال الفترة الماضية باتجاه المزيد من التلاحم مع"الأكثرية" التي كان لها الدور الأكبر في حصولها على مواقع وزارية ونيابية في التشكيلة الجديدة للحكم في لبنان.
ولكن هذا السير المعبَّر عنه بالكثير من الإشارات الإعلامية والسياسية اللافتة لا يستطيع أن يخفي حقيقتين تحاولان الاحتماء بالصورة المفعمة بالحيوية والتفاؤل التي تحاول القوات ترويجها عن نفسها:
الحقيقة الأولى تكمن في عدم قدرة القوات على زحزحة خطابها الحقيقي بعيداً عن الثوابت الأساسية التي قامت عليها والتي تستهوي الجمهور الذي تعمل على إعادة استقطابه بعد تشتته في أكثر من اتجاه، أكثره يميل في مسار مختلف عن المسار الذي تقول القوات إنها تسير فيه.
والحقيقة الثانية تتمثل في عدم نجاح خروج قائد القوات سمير جعجع في خلق صدمة إيجابية للواقع القواتي الداخلي، بما يضمن إزالة الكثير من خطوط الخلل ـ وحتى التداعي ـ التي تظهر في البناء القواتي الذي يرى البعض إنه يواجه خطر الانهيار.

بين إصرار جعجع وزوجته النائب ستريدا على توجيه تهنئتهما الشخصية للمسلمين في لبنان بحلول شهر رمضان المبارك وتشديد كتلة نواب القوات على توجيه التهنئة نفسها في وقت متزامن تقريباً ما يشي بأن هناك رسالة مطلوب أن تصل إلى من يعنيهم الأمر، من الذين يفترض أن يكونوا قد أصبحوا في الضفة نفسها مع القواتيين، بعد أن قضوا فترة طويلة قابعين في الضفة الأخرى.. المعادية.
فالتهنئة موجهة ـ بتميّزها ـ إلى الجمهور المسلم، الذي شارك مع القوات في "انتفاضة 14 آذار"، والذي أدلى بأصواته بكثافة إلى المرشحين القواتيين وأوصلهم إلى ساحة النجمة، حارماً آخرين لم يحظوا بأصوات هذا الجمهور من تحقيق الهدف نفسه.
وبقدر ما تبدو هذه التهنئة "واجبة" فإنها تحمل في طياتها أكثر من الرغبة في توجيه الشكر، لتصل إلى حد التأكيد على البقاء في الخط نفسه مع الأكثرية، وهذا ما عاد جعجع نفسه إلى التعبير عنه في خطابه الذي وجهه إلى القواتيين في أوستراليا والذي تحدث فيه عن رغبة "الخصم" في تفريق الأكثرية وتشتيت وحدتها، مصمماً على منع حصول هذا الأمر.
واختيار لفظة "الخصم" للدلالة على من أوضح كل صفاته في خطابه دليل آخر على تغيّر في اللهجة دون تغيّر في مضمون الكلمات.
فبعد شعار "اعرف عدوك.. السوري عدوك" الذي ساد طوال سنوات الحرب والسنوات التي تلتها، تأتي لفظة الخصم مخففة للتعبير عن الطرف نفسه الذي لم يترك صفة سيئة أو نية مؤامرتية إلا وألصقها به.
هذه المعادلة: "تخفيف اللهجة والتمسك بالثوابت" برزت بشكل أكبر وأكثر وضوحاً خلال التوجه إلى الأكثرية نفسها التي تمنى جعجع البقاء معها من أجل "تضميد جراحنا وجراح الوطن وترسيخ إيماننا بلبنان معافى آمنا واحدا سيدا حرا مستقلا"، كما جاء في بيان التهنئة بشهر رمضان المبارك الصادر عن جعجع وزوجته.
إلا أن هذا التمسك بالثوابت جاء من طرف آخر غير جعجع، إنه النائب جورج عدوان الذي كان يتحدث على طريقة "يا قاتل يا مقتول" عندما طُرح موضوع رئاسة الجمهورية، مشدداً على "أننا نحن (المسيحيين) من يملك الكلمة الرئيسية في اختيار رئيس الجمهورية، وللآخرين دور في الموافقة على هذا الاختيار".
هذا الموقف "المتشدد" ـ والذي ينبع من صلب فكر القوات ونظرتها إلى لبنان ـ أثار صدمة الفريق المتحالف مع القوات قبل أن يصدم الفريق الذي يعاديها أو على الأقل يقف على مسافة منها، دون أن تنفع بعض المحاولات التي بذلت من أجل التنبيه إلى أن عدوان لا يمثل الرأي القواتي بكل نقائه، وأن اختياره نائباً عن القوات لم يدخله في قلب البوتقة القواتية بالرغم من رضا سمير جعجع الكامل عنه.
وهنا تبرز الحقيقة الثانية حول بقاء الداخل القواتي على هشاشته بالرغم من خروج جعجع منذ أشهر من السجن.
وفي حين تتناقض المعلومات عن موعد عودة قائد القوات من "منفاه الصحي والأمني.. والسياسي" في الخارج، بين "تأكيدات" عن العودة القريبة جداً والشائعات أن لا عودة نهائياً إلى لبنان، فإن ما يتسرب عن خلافات قواتية مستفحلة أمر لم تعد محاولات منع الإعلام ـ بالتمني ـ من نشر أخباره تفلح في كتمانه.
وتتعدد هذه الخلافات وتتنوع ويدخل فيها أطراف ويخرج منها أطراف بشكل يجعل عملية رتق ما انفتق عصيّة على أمهر "الخياطين" حتى ولو كان تعلم الصبر في السجن أكثر من أحد عشر عاماً.
وهكذا تبدو سياسة الهجمة الودية نحو "الأكثرية" والهجوم الحاد نحو "الخصم الخارجي"، والتي يستخدم فيها الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب بشكل فعّال ومكثف، الوسيلة القواتية الأنسب لتمرير هذه المرحلة، عسى أن يأتي ما يبلسم جروح الداخل، ويسمح لحقيقة الموقف القواتي بالظهور.. دون "رتوش".
محمود ريا

إنفلونزا العقاب

قد يكون الهمّ اللبناني من انفلونزا الطيور كبيراً جداً، ولكن ماذا عن همّ العالم؟
بعض الأرقام التي توردها وكالات الأنباء ـ وفيها توقعات حول عدد الضحايا الذين يمكن أن يقعوا إذا ضرب المرض هذا البلد أو ذاك ـ يثير الرعب، ويفتح المجال للسؤال عن أي كارثة تنتظر البشر عند هذا المفترق، وما هي الكارثة الأخرى التي تختبئ له عند المفترق التالي، وكم من البلايا تنتظر الإنسانية في مسار حياتها الذي اختطته لنفسها، والذي لا يمكن أن يقودها إلا إلى.. المجهول.
ليس أنفلونزا الطيور مجرد مرض، إنه إفراز لأسلوب عيش، ونتيجة لمقدمات صنعها الإنسان بيديه، دون أن يدري إنه يرسم حول نفسه شرنقة من مصائب يصعب الخروج منها.
قد يكون الحديث عن "العقاب" خارج إطار البحث هنا ـ لأن له المولجين به ـ ولكن لا يمكن أن يغيب عن البال أن الخطر بدأ يقترب، وهو لم يعد يستهدف الإنسان بإرادته (الإيدز.. وغيره من الأمراض "الاختيارية") وإنما تحول إلى موجات وبائية تطال الجميع، وهو ما يذكر بحديث عن ضرورة قيام العقلاء بمنع المجانين والخاطئين من خرق القوانين، وإلا فإن "الغضب" سيعمّ الجميع دون تمييز.
أنفلونزا الطيور؟
ما هو العقاب التالي؟
محمود ريا