الاثنين، ديسمبر 27، 2010

ليو شياو باو: على السلام.. السلام



محمود ريا

لعل الكثيرين لم يعودوا يتابعون "مسرحية جائزة نوبل للسلام" منذ حصل عليها أشخاص لا يوجد أي صلة بينهم وبين السلام في العالم، كالمجرم مناحيم بيغن والقاتل شمعون بيريز ومكسّر عظام الأطفال إسحاق رابين، وكذلك أشخاص باعوا أوطانهم ومبادئهم من أجل قطعة ورق وبضعة دراهم، وبينهم من هم "من عندنا". كان الشعور ـ وما يزال ـ لدى فاقدي الاهتمام بهذه "الجائزة العالمية" أن القائمين عليها أضاعوا البوصلة وخانوا المبدأ الذي أطلقت من أجله هذه التظاهرة العالمية، وباتوا يعطون هذا الوسام لمن لا يستحقه، انطلاقاً من أجندة سياسية نابعة من إرادة القوة الكبرى في العالم، وليس انطلاقاً مما قدمه هذا الشخص للسلام العالمي. ولعل النماذج التي وردت آنفاً تدل على مدى بُعد الحاصلين على الجائزة عن السلام، وحجم الفظائع التي ارتكبوها ـ هم وغيرهم ـ بحق الأمم والشعوب على مدى العقود الماضية. إلا أن الوضع هذه السنة اختلف قليلاً، فقد شدّت الجائزة بعض الاهتمام، ولا سيما أن الحاصل عليها شخص يقبع في السجن، ما يعني أنه يضحي من أجل قضية عادلة، ولا يرتكب الجرائم. ولذلك بدأ المتابعون يسألون عن السبب الذي دفع لجنة جائزة نوبل إلى الالتفات إلى المقهورين والاهتمام بهم وبقضاياهم. ومع قليل من البحث اتضحت الصورة. ليو شياو باو، الصيني المعارض والمسجون، حاز جائزة نوبل لأنه أعلن مواقف مناهضة للحكم في الصين، وأصرّ على رفع صوته في وجه قمع الحريات في الصين. إلى هنا قد يبدو الأمر عادياً، فالحريات في الصين، كما في الكثير من بلدان العالم ليست مضمونة كما يجب، والنضال من أجل تحقيقها قد يكون تضحية من أجل قضية مبدئية شريفة لا غبار عليها. ولكن، لم تقف الأمور عند هذا الحد. فالرجل لا يريد الحرية للصينيين كما يدعي، وإنما هو يكره الصين ويكره تاريخها ويريدها في مستقبلها كالدول الغربية تماماً دون أي فرق. وليس هذا كل شيء، فالرجل معجب بالولايات المتحدة وبمعالجتها للقضايا العالمية بشكل يفوق الوصف. ولا يقتصر هذا الإعجاب على طريقة العيش في نيويورك أو لوس انجلوس، ولكنه يتعداه إلى تأييد كل الحروب التي شنّتها الولايات المتحدة ضد دول العالم، في الماضي البعيد وفي الحاضر أيضاً، كحروب فيتنام وكوريا، وغزوات أفغانستان والعراق، مع ما شهدته هذه الحروب الفظيعة من جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية. وفي مقال له بعنوان "دروس من الحرب الباردة"، يقول ليو إن "العالم الحر الذي تقوده الولايات المتحدة قد حارب تقريباً كل الأنظمة التي انتهكت حقوق الإنسان.. والحروب الكبرى التي أصبحت الولايات المتحدة مشاركة فيها هي كلها يمكن الدفاع عنها من الناحية الأخلاقية". هذا هو ليو شياو باو الذي حصل على جائزة نوبل للسلام، فهو من التبريريين الذين تحتاجهم واشنطن للدفاع عن نهجها السياسي في العالم. ولعلّ جورج بوش هو الأكثر سعادة بالمنشق الصيني "النوبلي"، فشياوباو يرى عام 2004 أنه "لا يمكن إلغاء الإنجاز الرائع الذي حققه جورج بوش في مكافحة الإرهاب لمجرد افتراءات (المرشح الديموقراطي حينها جون) كيري.. ومع ذلك فمهما كان حجم الخطر الذي يجب تحمّله في سبيل إسقاط صدام حسين، فاعلم أنه ليس هناك أي عمل من شأنه أن يؤدي إلى خطر أكبر. ويثبت ذلك كل من الحرب العالمية الثانية والحادي عشر من سبتمبر! وبغض النظر عن أي شيء فإن الحرب ضد صدام حسين هي حرب عادلة! وقرار جورج بوش هو قرار صحيح!". ولكن هناك من يحتاج ليو شيا باو كذلك، فهو يثني بشدة على موقف إسرائيل في صراع الشرق الأوسط، وهو يلقي اللوم في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على الفلسطينيين، الذين يرى أنهم هم "غالبا المستفزون". هل اتضحت الصورة؟ ليو شياباو هو نسخة صينية للفاشية الأميركية، وللعربدة الصهيونية، ولذلك حاز جائزة نوبل للسلام. هو صورة طبق الأصل لمناحيم بيغن وشمعون بيريز، ولهنري كيسنجر وجيمي كارتر، ولكل المجرمين الذين قتلوا بأيديهم أو بأفكارهم، والذين ارتكبوا الفظائع خدمة لـ "المؤسسة الأميركية" التي باتت هي من يصدر القرار بمن يحصل على جائزة نوبل للسلام. وعلى السلام.. السلام.