الأحد، أغسطس 31، 2008

الولايات المتحدة وضعت رجلها على طريق الانهيار









"الصحافي اللبناني محمود ريا لـ"الحقيقة الدولية
الولايات المتحدة وضعت رجلها على طريق الانهيار و"إسرائيل" ثغرة وعبئ عليها


إبراهيم عرب
وجد الصحافي اللبناني المتخصص في الشؤون الدولية محمود ريا أن الولايات المتحدة الأميركية وضعت رجلها فعلاً على طريق الانهيار، وهي عاجزة عن التراجع خطوة واحدة إلى الوراء. وقال في حوار مع "الحقيقة الدولية"، إن الكيان الصهيوني يشكل ثغرة حقيقية في جدار التماسك الأميركي تجاه العالم، لافتا الى ان "ولايات متحدة بلا عبء صهيوني" قد تكون قادرة على تحقيق أهدافها بطريقة أفضل بكثير من هذه "الولايات المتحدة" التي تعاني الكثير من جراء الوضع الجيو استراتيجي والعسكري الشاذ الذي يشكله وجود الكيان الصهيوني على رأس حلفاء الولايات المتحدة. وفي مايلي نص الحوار:


1- أظهرت الأحداث الأخيرة في عدد من دول العالم، وبخاصة في لبنان وسوريا والعراق وأفغانستان وجورجيا وفلسطين المحتلة وكوريا الشمالية وإيران، تراجعاً كبيراً في النفوذ والقوة الأمريكية والإمساك بهذه الملفات الحساسة، ماهي أسباب هذا التراجع، وهل من دور للإنتخابات الرئاسية الأميركية في هذا الإطار؟

يبدو الحديث عن تراجع أميركي شامل في انحاء العالم مدعاة للتشكيك من قبل البعض، وفرصة للبحث عن شواهد ملموسة من قبل البعض الآخر، حيث يقول القسم الأول إن الولايات المتحدة الأميركية ما تزال قوية جداً، بل هي ما تزال الدولة الأقوى في العالم، ولذلك فإن بروز بعض مظاهر الضعف هنا أو هناك يعتبر أمراً طبيعياً، ولا يؤدي إلى الأخذ بـ "المبالغة" التي تتحدث عن انهيار أميركي، أو حتى عن تراجع في نفوذ الولايات المتحدة على مستوى العالم.
ويستند هذا الفريق في دعواه على كون الولايات المتحدة تمسك بمعظم "أوراق اللعب" في أنحاء العالم، وقواتها منتشرة في أربع أرجاء المعمورة، وبوارجها تمخر عباب البحر من أقصى المحيطات إلى أقصاها، وكذلك فإن الجيوش الأميركية منتشرة في أكثر من بقعة في أنحاء العالم، ولا سيما في المناطق الحساسة استراتيجياً واقتصادياً كوسط آسيا ( أفغانستان) والشرق الأوسط (العراق)، إضافة إلى التواجد المباشر في أكثر من منطقة من الكرة الأرضية.
لا بل أن هذا البعض يشير إلى أن الولايات المتحدة تقوم بتحركات هجومية اندفاعية على أكثر من صعيد، ويعطون مثالاً على ذلك ما حصل في أوروبا الشرقية على صعيد توقيع معاهدة نشر الدرع الصاروخية، مع ما يعنيه ذلك من قدرة لدى الولايات المتحدة على الإخلال بالتوازن الاستراتيجي (الهش أصلاً) مع روسيا على صعيد استخدام القوة الصاروخية النووية.
كل هذه المعطيات لا ينكرها الذين يبحثون عن دلائل لوجود تراجع في موقع الولايات المتحدة الأميركية في العالم، وإنما هم يضعون بعض "الظلال" على البريق الذي يحاول مؤيدو الرأي الأول أن يضفوه على الصورة الأميركية.
وفي بحثهم عن أدلة تسمح لهم بتخفيف حجم الهالة التي تعمل الولايات المتحدة على وضعها حول صورتها، يعرض أنصار الرأي الثاني معطيات صارت معروفة للقاصي والداني، كالتراجع الذي يشهده الاقتصاد الأميركي (بصفة إجمالية)، والمشاكل التي تعاني منها القوات الأميركية في العراق على المستوى العسكري، وما يلحق بذلك من اضطراب في القدرة الأميركية على السيطرة على الحراك السياسي العراقي، ولا سيما على صعيد محاولة فرض اتفاقية بقاء القوات الاميركية في العراق، وانفضاض الحلفاء عن القوة العسكرية الأميركية في أفغانستان، مع ما يعنيه ذلك من ترك للجنود الأميركيين وحيدين يصارعون أعداءهم على الأرض الأفغانية، وصولاً إلى ما يتعرض له حلفاء الولايات المتحدة في أماكن كثيرة في العالم من ضغوط تدفعهم إلى التراجع عن الانجازات التي حققوها سابقاً، سواء في جورجيا أو في أوكرانيا أو في لبنان وفلسطين وغيرها من مناطق العالم، ويضاف إلى ذلك صعود نجم الشخصيات والقوى المناهضة للولايات المتحدة في اميركا الجنوبية والوسطى، وفي بعض الدول الأفريقية والآسيوية.
وإذ يعرض أنصار هذا الفريق كل هذه الحقائق فإنهم يعتبرون أن الولايات المتحدة تعاني من ضغوط كبيرة في سياستها الخارجية، دون أن يعني ذلك أن الإدارة الأميركية بوارد الاستسلام لهذه الضغوط والركوع أمامها، وإنما هم يرون أن واشنطن تملك دائماً القوة على الالتفاف على المشاكل التي تتعرض لها من خلال اعتمادها البراغماتية في التعامل مع المشاكل الدولية، ومن خلال التخلي عن الحلفاء الضعفاء والعمل على مد الجسور مع الأعداء الأقوياء.
إلا أن هناك فريقاً ثالثاً يتبنى رؤية مغايرة للرؤيتين السابقتين، وهذا الفريق يملك تصوراً "متطرفاً" يقول إن الولايات المتحدة باتت فعلاً على حافة الانهيار، كامبراطورية عظمى على مستوى العالم، وربما كدولة كبرى في إقليمها، وذلك انطلاقاً من معطيات عديدة يمكن إجمالها على الشكل التالي
ـ الولايات المتحدة إمبراطورية، وكل إمبراطورية مصيرها الاضمحلال بعد وصولها إلى ذروة قوتها، وقد وصلت واشنطن إلى هذه الذروة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وكان يمكنها البقاء في قمة العالم لفترة طويلة لولا أنها ارتكبت جملة من الخطاء المصيرية التي جعلتها تفقد هذه الميزة الاستراتيجية بسرعة، كمحاولة فرض الهيمنة على دول العالم، والاصطدام بقوى إقليمية ناهضة بدل محاولة استيعابها والتقوي بقوتها، إضافة إلى خطيئة التعامل مع أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر عام 2001 وما تبعها من غزو دموي لأفغانستان ثم العراق.
ـ لقد شكل غزو هاتين الدولتين شهادة إعلان إعاقة للقوة العسكرية الأميركية العظمى، إذ بيّنت الوقائع على الأرض أن هذه القوة التي تمتلك ما لا يمكن إحصاؤه من الأسلحة عاجزة عن حسم حربين "صغيرتين" يواجهها فيهما تنظيمات لا تملك أسلحة متطورة ولا جيوشاً جرارة ولا رؤى استراتيجية عالمية، ما جعل الحديث عن القوة الأميركية التي لا يمكن مقاومتها محل شك بل محل سخرية واستهزاء على مستوى العالم ككل.
ـ انتهجت الولايات المتحدة سياسات غير حكيمة في التعامل مع العديد من الأزمات الدولية الكبرى، ومنها أزمة الملف النووي الإيراني، وأزمة جورجيا مؤخراً وأزمة الملف النووي الكوري الشمالي. وإذا كانت الإدارة الأميركية قد حققت بعض الانجازات في عدد من هذه الملفات (تفكيك المنشآت النووية الكورية، إيصال موالين لها في جورجيا إلى الحكم..)، فإنها عادت وخسرت كل هذه الانجازات من خلال حشر القوى المقابلة ودفعها إلى اتخاذ مواقف متشنجة أجهضت كل ما حققه الأميركيون.
ـ شكلت محاولة الولايات المتحدة بناء شرق أوسط جديد وسيلة لجعل الشعوب تقتنع بالقدرة الأميركية على إعادة "قولبة" العالم وفق الرؤية الأميركية. وقد مارست الإدارة الأميركية ضغوطاً كبيرة لبناء الشرق الأوسط الجديد وصلت إلى حد تأييد كل الجهود الصهيونية الهادفة إلى القضاء على قوى المقاومة في المنطقة العربية، ولاسيما في فلسطين ولبنان، ووقفت بقوة وراء الحرب الصهيونية على لبنان عام 2006 ولم تتورع وزيرة الخارجية الأميركية غونداليزا رايس عن اعتبار تلك الحرب قاعدة قيام الشرق الأوسط الجديد والموعود. لقد شكّل فشل هذه المحاولة بعد الهزيمة المروّعة التي تعرضت لها القوات الإسرائيلية على أيدي المقاومين اللبنانيين انتكاسة خطيرة لمشروع الشرق الأوسط الجديد، وثم جاءت التطورات السياسية اللبنانية التي تبعت تلك الحرب لتمنع الولايات المتحدة من تثبيت مشروعها السياسي في لبنان وبالتالي لتلغي واحدة من اهم القواعد الأميركية في المنطقة. كما يمكن الحديث هنا وبقوة عن التغييرات غير المتوقعة التي حدثت على الساحة الفلسطينية، والتي جعلت المخططات الأميركية بعيدة عن الواقع وسابحة في فضاء النظريات العقيمة.
إزاء كل هذه الوقائع، وما استجد بعدها وما كان قبلها، يؤكد أصحاب هذه النظرة لواقع الولايات المتحدة ـ وأنا منهم ـ أن الولايات المتحدة الأميركية وضعت رجلها فعلاً على طريق الانهيار، وهي عاجزة عن التراجع خطوة واحدة إلى الوراء.

2- هل يؤشر هذا التراجع مع تعاظم النفوذ الروسي الظاهر والقوة الصيني وقيام الإتحاد الأوروبي على عالم متعدد الأقطاب، وما هو المطلوب من دول العالم الثالث (الدول العربية والإسلامية تحديداً)؟

إن النظر إلى واقع العلاقات الدولية الحالي، والتوازنات الاقتصادية والسياسية والعسكرية القائمة، يسمح بالقول إن صعود قوى دولية معينة (الصين والهند) واستيقاظ قوى أخرى كانت في سبات (روسيا وبعض الاتحاد الأوروبي) هو مؤشر حقيقي على أننا بتنا في مرحلة قيام عالم متعدد الأقطاب لا وجود فيه لقوة واحدة مهيمنة هي الولايات المتحدة الأميركية.
ما حدث في جورجيا مؤشر لذلك، وما يعانيه الاقتصاد الأميركي أمام الصعود المتواصل للعملاق الصيني دليل آخر، وما تخبئه الأيام القادمة من مؤشرات لحروب باردة متعددة الوجوه والأطراف هو إشارة إلى أن العالم بات فعلاً في مرحلة إعادة التشكّل.
إن الدول جميعها مدعوة لأن يكون لها دور في رسم الخارطة الجديدة للعالم، والدول النامية تملك إمكانيات كبيرة كي تكون جزءاً من القوى الفاعلة على المستوى الدولي، هذا في حال قررت أن تأخذ مكانها الحقيقي بين الأمم.
أما الدول العربية فهي مبتلاة بعدم النظر إلى كل هذه الحقائق، وهي تضع بيضها في سلة واحدة دون أن تنظر إلى مصير هذا البيض، وحتى إلى مصير السلّة نفسها.

3- إلى أي حد شكل الإنحياز الأميركي الأعمى لكيان العدو الصهيوني ضرراً في السياسة الخارجية الأميركية وكان له آثار على تراجع الدور الأميركي وتردد الحلفاء في مواكبة الأطماع الأميركية؟

يشكل الكيان الصهيوني ثغرة حقيقية في جدار التماسك الأميركي تجاه العالم وفي آلية التواصل الأميركية مع القوى العالمية، وبقدر ما يمكن اعتبار "إسرائيل" قاعدة متقدمة للهيمنة الأميركية في "العالم القديم"، فهي باتت تشكل عبئاً على الإدارة الأميركية، نظراً للضعف الذاتي والموضوعي الذي بات يتّسم به هذا الكيان.
إن "ولايات متحدة بلا عبء صهيوني" قد تكون قادرة على تحقيق أهدافها بطريقة أفضل بكثير من هذه "الولايات المتحدة" التي تعاني الكثير من جراء الوضع الجيو استراتيجي والعسكري الشاذ الذي يشكله وجود الكيان الصهيوني على رأس حلفاء الولايات المتحدة.