الجمعة، سبتمبر 09، 2005

كاترينا.. وسفن العبيد


تذكر الأميركيون من أصل أفريقي.. السود .. "النيغرو" إنهم في النهاية ليسوا أكثر من عبيد، أو أحفاد للعبيد، وإن ما كان يسري عليهم قبل مئة أو مئتي سنة.. ما يزال هو الساري الآن.
تذكروا أسلافهم وهم يُنقلون بسفن العبيد ويُلقَون ككمّ مهمل، كبضاعة مثل أي بضاعة أخرى، حيث ينتقى من بينهم القوي والصالح لخدمة اقتصاد البيض، فيما يترك المرضى والعجّز والذين أنهكتهم الرحلة من "الأصل الأفريقي" إلى مكان الاستعباد في "البلاد الجديدة" كي يلقوا مصيرهم المحتوم، موتاً وغرقاً وسحقاً تحت عجلات آلة التفرقة العنصرية.
كل الجهود التي بذلت، والتي قيل إنها أنهت التفرقة العنصرية بان أنها مجرّد غطاء لإخفاء حقيقة مرّة: الناس يموتون أو لا يموتون بناء على لون بشرتهم.. وعلى ما يملكونه من نقود.
ليس ما حصل على شواطئ خليج المكسيك كارثة طبيعية، فدور الطبيعة جزء بسيط من مسبّبات ما حصل.
كما إن غضب الطبيعة هو مجرد نتيجة لمجموعة من الجرائم البشرية، التي ترتكب بحق البيئة والمناخ، فتزيد من عتوّ الظواهر الطبيعية وتضاعف الخسائر التي يمكن أن تنتج عنها.
مهلاً، ولكن هذا ليس صنع الطبيعة فقط.
هناك دور للبشر فيما حصل، لا بل هو الدور الأكبر والأخطر.
دور يتراوح بين اختيار موقع المدينة في الماضي، وعدم الاهتمام بسبل منع الأخطار الناجمة عن هذه الأخطار في الحاضر، ما جعل "الكارثة العادية" تصبح "سوبر ـ كارثة"، ويتحول إعصار قوي بأضرار كبيرة إلى ما يشبه ضرب مدينة نيو أورليانز بقنبلة نووية.
ولا تقتصر جرائم البشر على حدود الإهمال والتقصير، ولكن هناك الجريمة الناجمة عن سابق إصرار وترصد، جريمة دفع المقتدرين إلى الخروج من المدينة قبل حصول الإعصار، وترك الفقراء والمعدمين يلاقون مصيرهم بلا أي مقوّمات للصمود.
وبعد حصول الكارثة كان التحرك الأسرع لإنقاذ مئات من الأغنياء البيض في مجمعات سياحية، فيما ترك المرضى والعجّز في المستشفيات ودور العجزة يلاقون مصيرهم الأسود نتيجة البرد والجوع والأوبئة والسموم.
السموم لوحدها جريمة لا توصف، إنها ناجمة عن اختلاط صناعة البترول بالصناعات الكيميائية بالصناعات السرية الموجودة في المنطقة والتي لا يريد أحد الحديث عنها.
إنها جريمة مركّبة لا بل إنها مجموعة من الجرائم التسلسلية التي تختلف ظروف تنفيذها دون أن يتغير المخطِّط لها والمنفّذ.. والمستفيد.
لا مشكلة، طالما أن الضحايا هم الفقراء والسود، وتحديداً السود، فهم خلقوا منذ البداية ليكونوا أدوات بيد أسيادهم البيض، يفعلون بهم ما يشاؤون يستخدمونهم كما يريدون ويتخلصون منهم ساعة يرغبون.
أي عنصرية عبّر عنها الدعاة إلى الديموقراطية، وإذا كانوا يتعاملون بهذا الشكل مع من يحملون الجنسية الأميركية، ويتشاركون معهم في المواطنية، فهل من يسأل بعد لماذا يتعاملون مع البشر في الدول الأخرى بهذا الشكل المستفز.. المتعالي والمسيء؟
محمود ريا

شيراك: هل نقلق؟


يبدو وضع الرئيس الفرنسي جاك شيراك مثيراً للقلق، بعد الصعوبات الصحية التي يعاني منها، والتي ضربته في الدماغ.
القلق هو الشعور الذي ينتاب المحيطين بشيراك والذين يعملون معه، والذين يحبونه، بالرغم من أن المعلومات تتحدث عن تحسن صحته وعن خروجه من المستشفى مع نهاية الأسبوع.
إلا أن الخروج من المستشفى ليس كالدخول إليه، والمارد القوي الذي كان شيراك يمثله على مدى سنوات انكسر أو يكاد، وبدأت الصراعات على خلافته، حتى وهو ما يزال "في ريعان الشباب".
فمن ساركوزي إلى دوفيلبان في الحزب الديغولي، إلى المسؤولين المنافسين في الحزب الاشتراكي، تحتدم المعارك، وإن كانت حظوظ ساركوزي تبدو أكبر نظراً لتقمصه دور الشخصية الحديدية التي لا تقهر.
وبانتظار ما سترسو عليه الأمور، يبدو شيراك كمرحلة في السياسة الفرنسية على وشك الانقضاء، وكورقة من كتاب التاريخ الأوروبي والدولي على وشك الانقضاء.
وفي هذا ما يثير القلق لدى محبيه ومؤيديه.
ولكن هل نقلق نحن؟
آخر استطلاعات الرأي تفيد أن خمسة وثمانين بالمئة من الفرنسيين ما زالوا يعارضون سياسات جورج بوش العالمية، وكذلك الوضع بالنسبة لاثنين وسبعين من الأوروبيين، هذه السياسات التي اختار شيراك في الأيام الأخيرة من مرحلة "مجده السياسي" أن يتآلف معها ولا سيما في منطقتنا.
كنا قلقنا فعلاً لو كان شيراك.. ما زال شيراك.
محمود ريا