الخميس، مارس 31، 2011

اللعب بالداخل السوري: لبنانيون يرتكبون جريمة لا تغتفر


محمود ريا
لم يكن الخبر الذي وضعته محطة "الإخبارية السورية" على شاشتها عشرات المرات خلال الأيام الماضية خبراً عادياً، وإنما يحمل في طياته الكثير من المؤشرات التي لا بد من الوقوف عندها في ظل ما تعيشه سوريا من أجواء متحركة ومفتوحة على تطورات كثيرة.

يقول الخبر الذي كان يرد مرة كل حوالي ربع ساعة ضمن سلة من الأخبار التي كانت تكتب على الشاشة تحت عنوان"هام": أنباء عن حجز سفن محمّلة بالأسلحة وقادمة من طرابلس لبنان إلى اللاذقية، والسوريون يشكّون بمساهمة تيار المستقبل بما يجري في بلادهم".

هذا الخبر الصادر عن وسيلة إعلام رسمية سورية، مهما حاولت هذه الوسيلة التركيز على الاستقلالية التي تتمتع بها، يؤكد أن هناك ما هو ملموس ومسجّل وموثق حول هذا التدخل المباشر والخطير لتيار لبناني في شؤون دولة عربية أخرى هي سوريا.

وربما تكشف الأيام المقبلة الكثير من المعطيات التي تؤكد الحديث عن وجود مؤامرة خارجية تستهدف سوريا وقيادتها، مؤامرة جرى التخطيط لها في بلاد ذات رمل، وتنفذها أيدٍ وأرجل موزعة هنا وهناك، ومنها ما هو موجود في لبنان.

المهم في موضوع إشتراك تيار لبناني في اضطرابات سورية أن هذه المشاركة تنفي بشكل مطلق الطهورية الوطنية التي يدّعيها هذا التيار من خلال رفعه شعار "لبنان أولاً"، كما تسقط حملته الدعائية التي ينفذها هو وحلفاؤه حول "تأثير" الوقوف إلى جانب الانتفاضة البحرانية على اللبنانيين المقيمين في الخليج.

إلا أنه وبالرغم من الأهمية التي تمثلها العلاقات اللبنانية الخليجية على الوضع الاقتصادي اللبناني، فإن "اللعب" في الداخل السوري له آثار تدميرية تتجاوز الاقتصاد اللبناني لتصل بخطورتها إلى تهديد أصل وجود لبنان وتضع مستقبله في دائرة الخطر.

إن قيام تيار لبناني بالتحريض على القيادة السورية، ومدّ المتمردين على النظام هناك بالأسلحة وتوفير منصة إعلامية مرئية وإلكترونية لهم للقيام بحملاتهم التحريضية يشكّل زجّاً للبنان في أتون مشكلة داخلية سورية لن يخرج لبنان منها سالماً بأي حالٍ من الأحوال، عندما تتمكن القيادة السورية من إنهاء الإشكالات التي تعيشها سوريا.

لقد خرق تيار "المستقبل" كل محظور من خلاله انسياقه وراء قوى مخابراتية غربية وعربية متأمركة والقيام بتحريك أصابع الفتنة داخل سوريا، لأنه بذلك وضع لبنان كله في معرض رد الفعل السوري على من يهدد الأمن والاستقرار في سوريا.

وفضلاً عن خرق كل قواعد التعامل مع الدول الشقيقة والصديقة، والأقرب منها إلينا بشكل خاص، فتيار "المستقبل" خرق كل محرّمات البلد، وانتهك مقررات اتفاق الطائف، وعلى رأسها مبدأ عدم تحول لبنان إلى مقر أو ممر لأي مؤامرة تجاه سوريا.

ليست سوريا في موقع الخليج بالنسبة للبنان، وليست في موقع أي دولة أخرى في العالم، فهي الطريق وهي الرئة وهي المجال الاستراتيجي والسياسي، وهي الدولة التي تملك التأثير الأكبر على الواقع في لبنان، ووضع بلدنا في موقع العداوة معها، يجعل الفريق الذي يقوم بهذا العمل مغامراً بكل ما في كلمة مغامرة من معنى، لا بل هو متآمر على البلد وعلى مستقبله، بهدف تحقيق أهداف تخدم مشروعاً أجنبياً يظن أن من خلاله يمكن أن يحقق مكاسب ذاتية على مستوى الحكم والتحكم.

إن تأييد ثورة هنا وإعلان موقف مناصر لشعب مظلوم هناك هو موقف يدخل في دائرة التفهّم، أما تحريك أصابع العبث وإرسال السلاح والمسلّحين إلى داخل دولة من أجل تقتيل الناس وإثارة الفتنة والتخريب فهو جريمة كاملة الأوصاف لا يجب أن يسكت عليها أحد، ولا سيما بعد ظهور الدلائل التي ستكشفها التحقيقات الجارية مع المجرمين في الداخل السوري، وما سيقولونه عن مموليهم ومحرّكيهم.

الثلاثاء، مارس 22، 2011

الشعب يريد هنا.. والشعب يريد هناك

محمود ريا
لما مات الموات الذي هيمن لعقود على أمتنا، عاشت الحياة في شرايينها، وعشنا معها لحظات ما كنا لنحلم بها، وما كانت لتخطر في ظنون من سبقنا، ممّن "هرموا" وهم ينتظرون فرجاً لم يكونوا يعرفون من أين سيأتي.
فجأة، لم نعد نكره الخبر العاجل، ولا عدنا نسأم نشرات الأخبار، وتلاشت الابتسامة الصفراء التي كانت تعلو شفاهنا ونحن نتابع ما يحصل هنا وهناك.
الاندهاش الذي كنا قد فقدنا طعمه ونحن نرى سنيّ الأمة تمر مرّ السحاب العقيم، بلا برق يضيء الظلام، ولا رعد يهزّ عروش الظلاّم، بلا مطر يسقي العطشى، ولا سيول تزيل الفساد والفاسدين، هذا الاندهاش بات اليوم سمة تفرض نفسها على عيون الجميع، الكبار والصغار، الرجال والنساء، بعد أن تكاثرت الأحداث التي تدعو فعلاً إلى فتح العيون على وسعها تلقفاً للآتي.
عادت أسماء مثل بغداد وطرابلس، مثل القاهرة وصنعاء، مثل السويس والرباط، عادت تعني لنا الكثير، بعدما انحصر اهتمامنا بأسماء زواريب تضغط علينا بصراع الديكة الذي كان يسود بين زعمائها.
لقد تعرّفنا إلى أنفسنا من جديد، وعاد الواحد منا يتطلّع إلى عيون صاحبه، فيرى فيها جذوة انطفأت أو كادت، وليشعر بأن "الآخر" هو الذات، وبأن البعيد هو الأنا، وبأن ما يفصل بين المنامة وطرابلس الغرب لا يزيد عن الذي يفصل بين بيروت وطرابلس الأخرى: الهموم نفسها، والتطلعات نفسها، والشعارات هي هي، الشعب يريد هنا، والشعب يريد هناك.
أليس هكذا تكون الأمة الواحدة؟ ألم نتعلّم أن ما يجمع بين أبناء الأمة هو الماضي المشترك واللغة الواحدة والآمال المشتركة؟
إن هذه أمتنا أمة واحدة، بلغتها وبشبابها وبشعاراتها وبدمها المسفوح في كل الشوارع، ريّاً لزرع كانوا يقولون إنه مات منذ زمن بعيد.
وما يجب أن يبقى في البال أن انبهارنا بروح الشباب التي دبّت فجأة في عروق الأمة لم يجعلنا ننسى أن هذه الثمار هي نتيجة لبذار سكن الأرض منذ سنين، فأنتج نبتاً عرفناه باسم التحرير في عام 2000، وشهدناه يتخطى"العواصف الخمس"، ويسقى دماً قانياً في تموز عام 2006، وفي كوانين ما بين عامي 2008 و2009، فاهتزّت أرض هذه الأمة ورَبَت، لتخرج أُكُلَها في كل حين وفي كل مكان.
كنا في في موقع الانتظار، وها نحن الآن في موقع الفعل، مع صرخة تمتد من مصر إلى عدن، ومن الشام لتطوانِ،.. ها هي فعلاً.. بلاد العُرب أوطاني.

العربي بين مستحيلين


محمود ريا
سألني صديق من تونس كان من المحاورين الدائمين لي خلال أحداث الثورة التونسية وما تلاها: "هل نفرح أم نحزن لما يحصل في ليبيا في هذه الساعات؟"
وبغض النظر عن التقييم الذي يمكن أن يصدر عن شخص مثلي، وبعيداً عن التسرع بالإجابة وإصدارموقف، فإنه لا بد من التوقف عند السؤال نفسه وحجم الإشكالية التي يطرحها على مستوى الشارع العربي.
لقد وضعت تطورات الأحداث التي تجري في ليبيا المواطن العربي بين خيارين أحلاهما مرّ: إما ان يكون مع مبدئه الرافض لأي تدخل أجنبي في أي بلد عربي، وبالتالي يقف متفرجاً على إبادة أبناء الشعب الليبي، وإما أن يصفّق لقصف الطائرات الأميركية والغربية لكوامن القوة الليبية وصولاً إلى قتل المدنيين الليبيين في مختلف المدن.
طبعاً، ليست هذه المرة الأولى التي يوضع المواطن العربي في هذا الموقف المحرج، فهو كان يقف بين هذين الخيارين الصعبين عندما كان يرى بغداد تقصف من الطائرات الأميركية فيما كان نظام صدام يقتل شعبه وينكّل به بلا هوادة، وكان السكوت على عملية الإبادة الصدّامية المنظمة للمواطنين العراقيين والانتهاك المتواصل لحقوقهم مستحيلاً، فيما كان قبول قيام الولايات المتحدة بدور المنقذ فيما هي تعمّق جراح العراقيين وتحتل أرضهم مستحيلاً آخر لا يمكن قبوله.
وإذا تجاوزنا الحرج الأخلاقي الذي يقع فيه الإنسان العربي وهو يسمع أخبار قصف الطائرات الأميركية للقدرات العسكرية الليبية التي يستخدمها القذافي بحق المواطنين الليبيين، فإن السؤال الأساسي الذي يطرأ على الذهن هو عن المسؤول عن وصول الأمور إلى هذه الحال، ولماذا يضطر العربي إلى انتظار الأميركي والغربي للقيام بمهمة "إنقاذه" من براثن النظام الذي يحكمه.
السؤال بمعنى آخر هو عن عجز الدول العربية عن القيام بدور حقيقي وفعال في حماية الشعوب من البطش، وهو عجز مركب ما يزيد من خطورته وآثاره السلبية:
ـ هو عجز النظام في الدولة نفسها عن تقديم نموذج ديموقراطي حقيقي يقدم لشعبه الحقوق الأساسية التي ينبغي أن تتوفر لكل إنسان، ما يجعل النظام آلة قمع حقيقية تخنق أنفاس المواطنين وتذلّهم وتدفعهم إلى الثورة.
ـ وهو عجز الدول العربية الأخرى عن القيام بدور فعال في معالجة أي أزمة تقع في دولة عربية، بحيث تتدخل هذه الدول بالطريقة المناسبة لحل هذه الأزمة، ابتداء من القيام بدور الوسيط، وصولاً إلى حد التلويح باستخدام القوة، وحتى القيام باستخدامها من أجل وقف قمع النظام وحماية المدنيين عندما تقتضي الضرورة. وهذا التدخل الفاعل هو السبيل الأنجع لمنع أي تدخل أجنبي في شؤون الدول العربية.
ولعلّ الأخطر في الموضوع أن الحالة الوحيدة التي "تجرأ" فيها العرب على التدخل في شؤون دولة عربية أخرى كان النموذج الذي قدموه خلالها من السوء بحيث جعلت المواطن العربي يتمنى أن يبقى العرب على عجزهم، وأن لا يشربوا حليب السباع في تعاطيهم مع القضايا المطروحة.
والمقصود هنا هو تدخل دول الخليج عسكرياً في البحرين، فقد جاء هذا التدخل ليشكل دعماً للنظام الذي يقمع الشعب، وليساعده في عملية القمع هذه، بما يشكّل عبئاً مضاعفاً على المواطن البحراني المسالم، ويعقّد عملية حل الأزمة في ذلك البلد بدل أن يسهّلها.
من أجل ذلك، وبعد استعراض كل هذه الأفكار في رأسي، كان الجواب البديهي الذي قدّمته لصديقي التونسي الذي سألني إن كان علينا أن نفرح أو أن نحزن لما نراه من تدخل عسكري غربي في ليبيا: ربما كان علينا أن نفرح وأن نحزن في الوقت نفسه، وهذا هو المستحيل بعينه، تماماً كما هي استحالة الأمل بقيام دور عربي فعّال ومنصف في آن واحد.