الجمعة، سبتمبر 28، 2012

الصين.. وحصاد الخيبات الأميركية


صحيفة السفير اللبنانية
محمود ريا
21-9-2012

قام المأتم في واشنطن، فدارت الأعراس في بيجينغ.
بهذه الكلمات يمكن تلخيص حالة الشماتة التي سادت الأوساط الصينية مع ورود خبر مقتل السفير الأميركي في ليبيا، حيث لم تتوقف منذ ذلك الحين التحليلات والتعليقات التي تتناول هذا الحدث، وفي حنايا كل منها جرعة ـ تكبر باطّراد ـ من الشماتة والتشفّي، مغلّفة بالدعوة إلى أخذ العبر والتبصّر ومراجعة السياسة التي تعتمدها الولايات المتحدة تجاه المنطقة العربية.
وإذا كانت الصين، كدولة، قد نأت بنفسها عن الخوض في حفل الشماتة هذا، فإن ما أقدمت عليه وسائل الإعلام الصينية المختلفة، وفي مقدمتها الصحف اليومية، من تناولٍ لهذا الحدث بطريقة أقرب ما تكون إلى السخرية، لا يمكن أن يكون بمبادرة إعلامية فردية، وإنما هو تعبير عن إيحاء لا يخفى، أوعزت به جهات سياسية عليا.
وحفل قاموس التعليقات الصينية بعبارات ترى أن «مقتل سفير دولة كبيرة هو من الأحداث المتطرفة من الناحية الديبلوماسية، وهذا غالباً ما يضع السياسة الخارجية للدولة المتضررة في خانة الفشل الكبير» كما رأت صحيفة الشعب الرسمية الصينية في أحد تعليقاتها.
وإذ سارت صحف ووسائل إعلام أخرى في المسار نفسه، وهي تلاحظ أن «مقتل سفير الولايات المتحدة الدولة التي نادت بالثورة في ليبيا في مدينة بنغازي ـ بؤرة الثورة التي شهدها ليبيا ـ هو رمز سياسي خطير»، فإن مجمل الخطاب الصيني حاول تظهير حقيقة مفادها أن الولايات المتحدة تكتوي في منطقتنا بالنار التي أوقدتها هي.
ولا غرابة في هذه الاندفاعة الصينية باتجاه التعليق على هذا الحدث، وعلى ما رافقه من هجمات طالت السفارات الأميركية في المنطقة، فالصين ترى أن الولايات المتحدة وضعتها خلال فترة ما اصطلح على تسميته بـ«الربيع العربي» في موقف حرج، لا بل إن هناك من المحللين ـ الغربيين والأميركيين بالأخص ـ مَن روّج لانهيار الوجود الصيني في غرب آسيا وشمال أفريقيا، مستندين في تسويق هذه المقولة إلى رفض الصين مواكبة التحركات الشعبية التي شهدتها تونس ومصر، ومن بعدهما ليبيا، في مواجهة الأنظمة التي كانت حاكمة في البلدان الثلاثة.
لقد جاءت المواقف الصينية المعلنة من خلال الصحافة، والتي تضمر موقفاً رسمياً لا جدال فيه، لتقول للولايات المتحدة الأميركية إن كل محاولات «مصادرة المنطقة» وطرد القوى المنافسة منها باءت بالفشل، وان ما كان مقدّراً أن يحصل مع الصين في المنطقة، باتت واشنطن تتذوّق مرارته، وتعيش وقائعه المجبولة بدماء ديبلوماسييها، والمغطاة بدخان الحرائق المنبعثة من سفاراتها.
ولم تكتفِ بيجينغ بهذا القدر من التعنيف للإدارة الأميركية، بل برعت في تصوير الفشل الذي باتت واشنطن تعيشه، وهو فشل مثلّث الأضلاع، حسب صحيفة الشعب، يكمن في ما يلي:
ـ فشل الاستراتيجية الأميركية للتحول الديموقراطي في الشرق الأوسط على مدى السنوات العشر الماضية.
ـ فشل سياسة باراك اوباما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ عام 2011
ـ فشل حرب الولايات المتحدة على «الإرهاب».
إن ما أظهرته عملية قتل السفير الأميركي في بنغازي، وما واكبها من احتجاجات ضد الولايات المتحدة في المنطقة، عنى للصينيين في جانب من جوانبه «أن خطورة الصدام بين الحضارتين العربية والغربية ـ بما فيها الولايات المتحدة ـ لا تتلاشى بسبب الثورة. بالعكس، فإن السخط الشعبي العربي ضد الغرب فقد حاجز (الرجل السياسي القوي)، وأصبح من الصعب وقف التغيير الحالي، ما يزيد من فرص الصراع الحاد بين الحضارتين على وجه التحديد».
ولم تبخل الصين بإرشاد الولايات المتحدة إلى خطورة الوضع الذي وجدت نفسها فيه إزاء تطورات المنطقة.
فهذا (ياو كوانغي)، السفير الصيني السابق لدى تركيا والخبير في دراسات الشرق الأوسط، يرى أن «التظاهرات التي اندلعت في بلدان المنطقة تدق ناقوس الخطر أمام صناع السياسة الأميركية»، مؤكداً ـ حسبما نقلت عنه صحيفة الصين اليوم ـ «أن واشنطن تواجه مأزقاً عندما تتعامل مع شؤون الشرق الأوسط».
ولا يكتفي الخبير الصيني بالتوصيف بل هو يتقدم بنصائح للإدارة الأميركية، مشدداً على «أهمية أن تعيد الولايات المتحدة الأميركية النظر في سياستها تجاه العالم الإسلامي».
وليس هذا فحسب، فما يحصل في المنطقة ترى بيجينغ أنّ له صلة كبيرة بما يحصل في شرق آسيا. الصين لم توفر فرصة توجيه انتقاد حاد لاستراتيجية الولايات المتحدة الجديدة في المحيط الهادئ، عندما اعتبرت وسائل إعلامها أن «رفض الولايات المتحدة القيام بالاستثمارات الجديدة في الشرق الأوسط، في حين نقلت العديد من قواتها إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، أدى إلى التقليل من قدرة الولايات المتحدة الفعلية على التحكم بالوضع في الشرق الأوسط يوماً بعد يوم».
هي فرصة للصين لا تفوّت إذاً، وها هي تستغلّها إلى أقصى درجات الاستغلال، فتعيد مدّ أيديها إلى المنطقة لتعويض ما خسرته، والحفاظ على ما كانت تخشى أن تخسره، في خطوة يمكن أن يُطلق عليها «المدّ الصيني الجديد». هو مدّ تظهر تجليّاته في العديد من الأرقام الاقتصادية التي ظهرت في الفترة الماضية، وليس آخرها ما نُشر عن ارتفاع حجم التجارة بين الدول العربية والصين 22 في المئة في النصف الأول من هذا العام، مقارنة مع الفترة المماثلة من العام الماضي، ليصل إلى 111 مليار دولار. هذا الارتفاع يأتي بالرغم من كل الحديث الذي دار عن نيّة الدول العربية «معاقبة» الصين على موقفها السابق من الانتفاضات العربية، وعلى موقفها الحالي من الأزمة السورية.
إن هذا الواقع يشي بأن من حق الصين فعلاً أن تفرح، وهي تعاين التطورات التي تشهدها المنطقة، والتي تتمنى لها أن تستمر في الاتجاه نفسه، المعمّد بمزيد من الخيبات الأميركية المتتالية.

اقعدوا عاقلين



محمود ريا
7-9-2012

تبدو الإجراءات التي أمر رئيس وزراء العدو بنيامين ناتانياهو باتخاذها لتحصين منشآت الطاقة في كيان العدو متأخرة جداً، فضلاً عن
كونها بلا قيمة، في مواجهة الخطر الذي يتهدد هذه المنشآت من ضربات المقاومة الإسلامية، فيما لو حاول العدو ارتكاب حماقته الكبرى.

هذه الإجراءات متأخرة لأنها تأتي بعد أن باتت كل المنشآت مكشوفة، بلا غطاء، وبلا إمكانية لتخبئتها، فهي في بؤرة الاستهداف، ولن ينفع كثيراً العمل على وضع بعض وسائل الحماية حولها، لأنها لن تحمي ولن تُغني.

كذلك لا ينفع نقل هذه المنشآت إلى "أماكن أكثر أمناً" لأن نقل منشآت كهذه يكلّف مبالغ طائلة ليس بمقدور كيان العدو تأمينها، فيما أن نقلها لن يجعلها بمنأى عن الخطر لأن الكلام واضح: كل نقطة في كيان العدو هي في مجال صواريخ المقاومة الإسلامية.

ما العمل إذاً؟

بالرغم من أنه ليس من واجبنا أن نفتش للعدو عن مخرج من مأزقه، ولا يُفترض بنا فعل ذلك، بل بالعكس، مطلوب تعميق هذا المأزق وتجذيره، إلا أنه لا بأس من بعض الاقتراحات التي قد تفيد في "إنقاذ" بنيامين ناتانياهو من هذه المتاهة التي أدخل نفسه فيها. يمكن لقادة العدو مثلاً أن يضعوا واقيات فولاذية شديدة الصلابة فوق منشآت الطاقة، فقد يقي ذلك هذه المنشآت من "غضب الصواريخ".ويمكن مثلاً حفر ملاجئ تحت الأرض تُخفى فيها منشآت الطاقة ولا تعود في مرمى "الغضب" ذاته.وقد يمكن نقل المنشآت إلى أقصى أقصى أقصى الجنوب، فقد ـ و"قد" قبل الفعل المضارع تفيد التقليل ـ يجعلها هذا بعيدة عن أغلب صواريخ المقاومة، بما يؤمن لها نوعاً من الحصانة.

وقد يكون من المفيد نقل هذه المنشآت إلى منصات في عرض البحر، عسى ولعل..
ولكن، مرّة أخرى، لا تبدو الحلول التي اقتُرحت قبل قليل قابلة للتطبيق، أو هي فعلاً غير نافعة. فنقل المنشآت مكلف، ووضع واقيات فولاذية مكلف أيضاً، وحفر مدن طاقة تحت الأرض أمر غير عملي، لأن الطاقة تستخرج من الأرض لتخزينها واستعمالها، وليس لإعادة "دفنها".

والمكلف هذه الأيام صعب، لا بل مستحيل، لأن الكيان لا يستطيع القيام بأَوَده في الحدود الطبيعية، فكيف وهو مضطر لدفع أضعاف الأضعاف لحماية منشآته من شر مستطير وداهم.


ومن يمدّونه بالأموال لتنفيذ مشاريعه الخرافية باتوا الآن في وضع عوز، يبحثون فيه عن "فلس الأرملة" ليسدوا عجزهم وينجوا بأنفسهم من المأزق الاقتصادي الذي يعيشونه.

ومنصات عرض البحر لا تفوتها صواريخ مخصصة، تحدث سيّدها عن حصار بحري خانق سيفرضه على موانئ العدو، فضلاً عن كل ما يبحر منها وإليها.

الوضع صعب ومعقّد فعلاً.. فما العمل إذاً.
بقي هناك اقتراح، لن نبخل به على العدو، بالرغم من أنه عدو، ويجب أن لا نخرجه من مأزقه.

الاقتراح بسيط، ولا أحد يدري لماذا لم يفكر به العدو، بالرغم من أنه يحمي منشآته ومستوطنيه وكيانه كله.. ولو إلى حين. الاقتراح هو أن "يقعد قادة العدو عاقلين" وأن يمتنعوا عن القيام بأي خطوة مجنونة، وأن يكفّوا عن تفكيرهم الشيطاني بشن أي هجوم على لبنان، أو أي عبث بأمن المنطقة.

اقتراح بسيط وغير معقد، ولا يحتاج إلى عقول خارقة لاستيعابه والعمل به، بل إلى عقول عادية، لناس عاديين.. شرط ألا يكونوا من الحمقى.

فهل منكم يا قوم رجل رشيد؟

الخميس، أغسطس 16، 2012

لا تُقدموا على هذه الحماقة


إلى ماذا سيؤدي هذا الضغط، وهل يعرقل مشروع الانفلاش العسكري الصهيوني في المنطقة؟



محمود ريا
14-08-2012

"على سيرة" بضع مئات من القتلى، الذين قال قادة العدو إنهم سيسقطون في المواجهة بين الكيان الصهيوني وأعدائه الحقيقيين في المنطقة، فإن هذا الرقم لم يُعجب على ما يبدو المستوطنين الصهاينة، ولذلك هم نزلوا إلى الشارع ليعبروا عن عدم رضاهم عن تسخيف القادة السياسييين للمعاناة التي سيمرون بها في حال قرر مجانين القادة أن يحوّلوا جنونهم إلى فعل.

يقول المستوطنون إن الحكومة التي لا تستطيع إطفاء حريق صغير (نسبياً) في جبل الكرمل لن تكون قادرة بتاتاً على مواجهة الحرائق الكبرى التي سيخلّفها الرد على الحماقة التي يحضّر لها بنيامين نتانياهو وإيهودا باراك.

ولكن هذه "الانتفاضة الشعبية" على "قلّة العقل" عند القادة السياسيين الصهاينة ليست يتيمة أو بلا دعم من أماكن مؤثرة في مراكز القرار، ولا سيما في المؤسستين العسكرية والأمنية في الكيان الصهيوني.

قادة كبار في الجيش، وفي "الموساد" و"الشاباك" يرفعون صوتهم عالياً ويقولون: لا، لا تُقدموا على هذه الحماقة، فنحن (الصهاينة) لسنا قادرين على تحمّل كلفة أي رد على أي خطوة عسكرية من قبلنا.

وهؤلاء يعرفون أكثر من غيرهم، و"كلامهم ثقة"، وعندما يتحدثون عن "الثمن"، فإنهم يقرأون في أرقام دراسات وعمليات استقصاء علمية، ولا ينطلقون من منطلقات عاطفية أو من مصالح سياسية تحكم القادة "ذوي الرؤوس الحامية" الذين لا يحسبون حساباً إلا للمردود السياسي الذي يعتقدون أنهم سيجنونه من خطوتهم الجنونية.

وبناءً على ذلك يبدو أن هناك من يضغط فعلاً على هذه الرؤوس الحامية لمنعها من الاستفراد بالكيان الصهيوني وبالمنطقة ككل من خلال حملة عسكرية على إيران، وربما على غيرها من دول المنطقة، تحت حجة التصدي للبرنامج النووي الإيراني.

إلى ماذا سيؤدي هذا الضغط، وهل يعرقل مشروع الانفلاش العسكري الصهيوني في المنطقة؟

يبدو أن هناك سباقاً حقيقياً بين الطرفين المتقابلين، سباق يتجاوز حدود عملية تقسيم الأدوار واللعب على الحبال والتمهيد لفعلٍ ما عبر اعتماد لعبة الشد والجذب والتقدم والتراجع للتمويه على القرار الحقيقي، الذي يُفترض أن يكون متخذاً في غرفة الحسم الصهيونية السوداء.

ولا يخفى على أحد أن من أسباب الانقسام الحقيقي في مركز القرار الصهيوني تجاه الخطوة المقبلة إزاء المشروع النووي الإيراني هو العِبر التي استخلصتها القيادة الصهيونية من حرب تموز 2006، والهزيمة المنكرة التي تعرض لها جيش الاحتلال وجبهة العدو الداخلية في مواجهة المقاومين وصواريخهم.

طبعاً هذا ليس كلاماً عاطفياً، وإنما هو مستند إلى وقائع كشفها محللون صهاينة منهم ناحوم برنياع الذي تحدث في مقال موسع مشترك مع المحلل العسكري شمعون شيفر نشر الأحد في صحيفة يديعوت أحرونوت عن أن " العِبر من عام 2006 تخيّم على القيادة عام 2012".

الخلاصة من كل ذلك أن محاولة التذاكي التي قام بها قادة العدو من أجل طمأنة الصهاينة إزاء الخسائر التي سيتكبدونها في رد الفعل على هجوم صهيوني في المنطقة قد باءت بفشل ذريع.


فهل يكون هذا كافياً للجم الاندفاعة الصهيونية نحو الهاوية؟


لا أحد بإمكانه تقدير إلى أي حد صار المسؤولون الصهاينة مجانين فعلياً.

بضع مئات من القتلى؟




 إن الصهاينة يلعبون اليوم بالنار، وحاجتهم إلى اتخاذ قرار مصيري تضغط على عقولهم، وتدفعهم إلى هاوية الوقوع في الخطأ

محمود ريا
03-08-2012
ماذا يعني سقوط مئتين أو ثلاثمئة قتيل في عملية استراتيجية كبرى، لها تأثير مصيري على المستقبل؟
إنه "ثمن زهيد"، فتعالوا لندفعه في أقرب وقت، كي نتخلص من التهديد الحيوي الذي نتعرض له.
معادلة بسيطة جداً، يقدمها قادة العدو الصهيوني في هذه الأيام، ويساعدهم في ترسيخها في أذهان المستوطنين الصهاينة "إعلام مضبوط"، يدّعي الاستقلالية، فيما هو في الواقع من أسوأ أنواع "إعلام النظام" في العالم.
هذا التوجه الجديد لدى قادة العدو، وفي إعلامهم، يشير لشيء ما، لا يخلو من الخطورة، ويوحي بأن هؤلاء القادة بدأوا بالتحضير العملي لخطوة تنفيذية في المنطقة.
ولكن هل هذا الأمر صحيح؟
إن قراءة متأنية لأسباب الانخفاض المفاجئ في تقديرات أعداد القتلى نتيجة مواجهة عسكرية محدودة ـ أو شاملة ـ في المنطقة ـ يوضح حجم "التلاعب بالعقول" الذي يمارسه قادة العدو، تجاه المستوطنين أولاً، وتجاه الآخرين بشكل عام.
ففي حسبة سريعة، يقول بعض قادة العدو إن إيران لن تطلق كل صواريخها ـ التي يبلغ عددها مئات ـ باتجاه فلسطين المحتلة. والصواريخ التي ستنطلق، ستتمكن الصواريخ المضادة من إسقاط بعضها. والتي ستصل لن تصيب كلّها أهدافها، وإنما سيسقط بعضها في مناطق مفتوحة، ما يعني أن الحديث بات هنا عن بضع عشرات من الصواريخ التي قد توقع مئتي قتيل في صفوف المستوطنين، في أقصى حد؟
ولكن ماذا عن ترسانة حزب الله الصاروخية؟
هذه الترسانة أمرها بسيط أيضاً، فهي لا تحتوي إلا على مئات من الصواريخ القادرة على الوصول إلى قلب الكيان الصهيوني، ويمكن معالجة هذه الترسانة من خلال ضربات جوية، ومن خلال هجمات برية، ما يؤدي إلى عدم انطلاقها ـ كلها ـ إلى أهدافها في مدن العدو. وما ينطلق من هذه الصواريخ لن يوقع أكثر من مئة قتيل في أقصى التوقعات.
باختصار شديد، يقول أحد القادة العسكريين الصهاينة: نحن لا نواجه مئة ألف صاروخ، وإنما ألفاً أو ألفي صاروخ فقط.
الأمر بسيط أيها المستوطنون، أرأيتم، ضرب المنشآت النووية الإيرانية أمر بسيط جداً. سننفذ عمليتنا، ونعود بهدوء، لنتسلى في إحباط مفعول الصواريخ التي توجّه إلينا.. وينتهي الأمر.
ولكن ماذا لو لم يكن الأمر كذلك؟
ماذا لو كان عدد الصواريخ أكبر، وقدرتها على التدمير أكثر، وأدت إلى سقوط الآلاف المؤلفة من القتلى في صفوف المستوطنين، فضلاً عن تدمير المنشآت الحيوية في كيان العدو؟
ماذا لو كان ما يقوم به قادة العدو الآن لتبرير جموحهم باتجاه توجيه ضربة للمشروع النووي الإيراني هو مجرد تسويق لوهم آخر، ينضم إلى "الأوهام النوعية" الأخرى التي سوّقوها في الغابر من الأيام؟
ماذا سيفعل القادة الصهاينة عندها؟ وأي تبرير سيقدمونه لمن سيتبقى من المستوطنين الخارجين من الملاجئ ليشاهدوا منظراً ما كانوا يحلمون برؤيته، حتى ولو في أسوأ الكوابيس؟
إن الصهاينة يلعبون اليوم بالنار، وحاجتهم إلى اتخاذ قرار مصيري تضغط على عقولهم، وتدفعهم إلى هاوية الوقوع في الخطأ.
لقد تراجع العدد المتوقع للقتلى الصهاينة الذين سيسقطون نتيجة مواجهة جديدة في المنطقة من مئة ألف إلى مئتين أو ثلاثمئة قتيل فقط، ما يعني أن هذا الرقم هو آلة طيّعة بيد القادة العسكريين والأمنيين، يمكنهم الصعود به إلى أقصى الحدود، ومن ثم الهبوط به إلى أدناها، وفقاً لرغباتهم السياسية ومشاريعهم العسكرية وتحضيراتهم الميدانية.





 فلننتظر أن يخطئ الصهاينة الخطأ المميت.. وعندها سيكون الرقم الحقيقي بين أيدي الجميع

وهذا يعني أن هذا الرقم غير علمي، وغير مبني على معطيات وتقديرات ميدانية حقيقية، وأنه رقم مزيّف.
ما هو الرقم الحقيقي إذاً؟
لماذا العجلة، فلننتظر أن يخطئ الصهاينة الخطأ المميت.. وعندها سيكون الرقم الحقيقي بين أيدي الجميع.
معظم المؤشرات تدل على أن الصهاينة يعرفون هذه الحقيقة "الحقيقية" ولذلك هم سيفكرون جيداً، جيداً جداً، قبل القيام بخطوة مجنونة.

الخميس، أغسطس 02، 2012

ما مصلحة لبنان في افتعال مشكلة مع سوريا؟



 
 ماذا عن الدولة اللبنانية نفسها؟ هل يُسمح لها أن تتعامل مع ملف العلاقات اللبنانية السورية بخفّة ودون دراسة وبعيداً عن تقدير العواقب؟

محمود ريا
30-07-2012

 

لندع المبادئ جانباً، فهي باتت منبوذة في هذا العالم.

ولنترك الاتفاقيات والمعاهدات، فهذه ـ كما يقول البعض ـ تم توقيعها كي تُخرق، وليس للالتزام بها.


ولنفكر بالمصلحة وبالمصلحة فقط، حتى ولو كانت مصلحة اليوم بعيدة كل البعد عن حقيقة الوضع في المستقبل


ما هي مصلحة لبنان في افتعال مشكلة مع سوريا؟


هناك تيارات سياسية تتخذ موقفاً سلبياً من النظام في دمشق، وهذا يدخل في إطار حرية الرأي، بغض النظر عن مدى صوابية هذا الموقف والمنطلقات التي ينطلق منها.


هذه التيارات تطلق التصريحات وتوجه الدعوات وتنظّم التظاهرات، والبعض يتهمها بأنها لا تكتفي بتقديم المساعدات للمعارضة السورية، وإنما تتطرف إلى حد تقديم السلاح والعتاد.. وحتى المقاتلين.


وهذه التيارات، وللّه الحمد، ليست في السلطة الآن.


وهذا يعني أن هذه التيارات لا تمثّل الدولة اللبنانية، ولا تشكّل جزءاً من قرارها، وهذا ما يُعفي ـ إلى حدّ ما ـ هذه الدولة من تحمّل تبعات مواقفها وتصرفاتها.. وجنونها.


فأن يرفع قادة هذه التيارات أصواتهم، ويطلقوا تصريحاتهم، يبقى أمراً مفهوماً، وإن لم يكن مبرراً.


ولكن ماذا عن الدولة اللبنانية نفسها؟ هل يُسمح لها أن تتعامل مع ملف العلاقات اللبنانية السورية بخفّة ودون دراسة وبعيداً عن تقدير العواقب؟


إن نظرة سريعة إلى واقع لبنان تكشف مدى خطورة عدم التعقّل في التعاطي مع الملف اللبناني السوري، نظراً للأخطار التي يفرزها هذا الانزياح عن جادة الصواب على لبنان أولاً، قبل أي أحد آخر.


وهذا التقييم نابع من مصلحة لبنان، وفقط من مصلحة لبنان، بعيداً مرة أخرى عن المبادئ، وعن الاتفاقيات والمعاهدات.


هل نظر مطلقو التصريحات ومتخذو المواقف إلى موقع لبنان وإلى واقع المصدّرين وإلى الجغرافيا والديموغرافيا وما تعكسانه من ظلال على واقع لبنان في ظل خلاف محتمل بين البلدين؟


هل درس البعض معنى الاحتجاج، ومعنى المذكرات، ومعنى الاتهام؟


إذا بقي النظام السوري في موقعه، فإن خطوة كهذه ستؤثر ـ حتماً ـ بشكل سلبي على لبنان.


فهل إن التغيير في "مزاج" التعاطي مع الأزمة السورية مرتبط بمعلومات دقيقة بأن النظام بات على وشك الانهيار، وبالتالي فإن هذا التغيير لن ينعكس سلباً على اللبنانيين، بل إنه سيترك آثاراً إيجابية عليهم؟


من باب المصلحة، بعيداً عن المبادئ والاتفاقيات والمعاهدات، هذا أمر جيد، ودليل على مرونة في التعاطي مع المتغيرات في المنطقة، والانسجام مع النهج السائد في العالم.
ولكن، ماذا لو لم يسقط النظام السوري؟


ماذا لو لم تنجح كل هذه الحملة العالمية العربية في الفتّ من عضد القيادة السورية، واستطاع الجيش السوري تحطيم التنظيمات المسلّحة التي تقاتله كما فعل في دمشق؟
ماذا لو تم التوصل إلى اتفاق ما، في لحظة ما، بقي بنتيجتها الرئيس الأسد رئيساً، ولو تغيّرت كل التركيبة التي تليه؟








كيف سيواجه اللبناني شقيقه السوري، وكيف سيبرر احتجاجاته، وهو الذي يعرف أن الردود السورية ما كانت لتحصل لو لم يكن هناك أفعال لبنانية؟

هذا من باب المصلحة فقط، وليس أكثر، ومن باب البحث عن امكانية انتهاز الفرصة، ومن باب ما هو مشهور عند اللبنانيين من خبرة في "معرفة كيف تؤكل الكتف".


إن وجود شخص في قصر بسترس يعرف مصلحة لبنان أكثر من البعض الآخرين في قصور أخرى أمر يستحق الثناء، في عصر صار منح الثناء فيه يتطلب الكثير من التأني.

السبت، يوليو 21، 2012

إسرائيل "تقتنع".. خوفاً من الثمن

 

أي بركان ستفجره "إسرائيل" في وجهها، وأي زلزال ستعرّض كيانها له إن فعلت ما تقول إنها ستفعله؟

محمود ريا
الولايات المتحدة "أقنعت" إسرائيل بعدم مهاجمة ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية.
هذا الخبر الذي ورد في رسالة قصيرة من أحد مزودي الأخبار المحليين فتح الأفق على أسئلة كثيرة، تزيد عن عدد الكلمات القليلة التي تحملها الرسالة.
ولعل السؤال الأكبر هو كيف يمكن لطرف ما أن يقصف مخازن الأسلحة الكيماوية في بلد آخر، دون أن يحسب حساب الأضرار التي ستلحق بالمدنيين الموجودين في مناطق قريبة من أماكن هذه المخازن؟ ألا يمكن اعتبار هذا القصف جريمة إبادة جماعية وجريمة ضد الإنسانية؟
إن استهداف "مخازن الأسلحة الكيماوية" يؤدي إلى سقوط عشرات آلاف الضحايا في مساحات شاسعة من الأراضي، أفلا يحسب القاصف حساب ذلك؟
والجواب عن هذا السؤال يبدو بسيطاً بالرغم من فجاجته: من يأمن العقاب لا يحسب أي حساب.
وإذا كان هذا السؤال المركزي والمهم يحمل جوابه في طيّاته فإن هذا لا ينفي أنه يولّد أسئلة أخرى لا بد من الوقوف عندها:
أيّ عقاب مثلاً تأمن منه "إسرائيل" عند ارتكابها لهذه الجريمة المحتملة؟
هي طبعاً تأمن عقاب الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتأمن عقاب الولايات المتحدة والغرب، وتأمن عقاب جامعة الدول العربية والأنظمة العربية، وربما تأمن عقاب الشعوب العربية التي بات الضياع يأكل الكثير من قدرتها على ملاقاة العدوان الصهيوني بالغضبة الكبرى.
مقابل هذه الضربة الإسرائيلية المفترضة ليس هناك حرب عربية على المعتدي، وليس هناك عقوبات دولية عليه، ولا هناك إدانة ولا تنديد، وربما لا تظاهرة غاضبة أو تصريح منتقد.
الجو كله مطبّع، الأمور كلها مرتّبة، وسائل الإعلام لعبت دورها.. وليس هناك أي خشية من هذا الأمر.
إلا أن ذلك لا يُعفي من عقاب آخر، هو ماثل وممكن، لا بل مرجح ومؤكد.
أي بركان ستفجره "إسرائيل" في وجهها، وأي زلزال ستعرّض كيانها له إن فعلت ما تقول إنها ستفعله؟
إذا ذهب آلاف الضحايا في سوريا نتيجة عدوان صهيوني من هذا النوع، فكم سيكون الثمن الذي سيدفعه المستوطنون الصهاينة جرّاء ذلك؟
أي كابوس ـ فوق مستوى التخيّل ـ سيُطبق على من اتخذ قرار الضربة، وعلى من نصّبه عليه، ومن ثم على كل من وافق على هذه الخطوة الخرقاء المجنونة؟
بعيداً عن "الثمن الأخلاقي" الذي قد لا يدفعه الصهاينة (في عصر لا أخلاق فيه)، فإن هناك ثمناً آخر، حقيقياً ودموياً وداهماً، سيكون على الصهاينة تأديته منذ اللحظة الأولى لانطلاقهم في مسيرهم نحو المجهول.
يصبح مضحكاً حديث الأميركيين عن "إقناعهم" قادة العدو بأن لا يضربوا مخازن الأسلحة الكيماوية السورية"
إزاء هذا الواقع، يصبح مضحكاً حديث الأميركيين عن "إقناعهم" قادة العدو بأن لا يضربوا مخازن الأسلحة الكيماوية السورية".
ومع أن وجود أسلحة من هذا النوع في سوريا يبقى في إطار الافتراض، ولا دليل عليه، وهو في موقع النفي من القيادة السورية، فإن "العقاب" لن يتوقف عند كون الضربة موجهة إلى مخازن الكيمياويات، بل هو سيكون الرد على أي ضربة من أي نوع ومن أي حجم داخل سوريا أو في المحيط.
مضحك تبجّح الأميركيين بقدرتهم على إقناع الصهاينة، بينما الواقع يدعوهم إلى تذكيرهم بالثمن فقط، كي يتحوّلوا من سباع ضارية، إلى ثعالب، تضع أذيالها بين أرجلها، وتولّي الأدبار.

الجمعة، يوليو 13، 2012

استثمار في مستقبل الصين

 
يعمل العدو الصهيوني على التغلغل بهدوء وبشكل متصاعد في المجتمع الصيني، عبر الكثير من الوسائل، ومنها مراكز الدراسات


محمود ريا

خلال متابعة مراكز الدراسات العاملة في الصين، كانت المفاجأة.

في هذا البلد الكبير أكثر من عشرة مراكز دراسات تعنى بالشأن اليهودي، وبعلاقات الصين مع "إسرائيل"، وباليهود في الصين، وبكل ما له علاقة بما هو عبري، ثقافةً وسياسةً واقتصاداً وتاريخاً ومستقبلاً.

وتتمدد مراكز الدراسات هذه على بقعة جغرافية كبيرة جداً، متخذةً من الجامعات الكبرى في الصين مهداً لها.


فهذا معهد الدراسات اليهودية في جامعة مدينة نانكين، يقول التعريف عنه إنه درّب الكثير من الأشخاص الذين يحملون رتبة بروفسور، وهم يعلّمون الآن في مختلف أنحاء الصين. والمهم أن المعهد يملك حق منح شهادات الدكتوراه لطلابه.


أما مركز الدرسات اليهودية في شانغهاي فهو واحد من أهم المراكز الفاعلة في اختصاص "الثقافة اليهودية، التاريخ، و"إسرائيل المعاصرة".

وهناك مدرسة الدراسات اليهودية في جامعة هينان التي تمنح شهادات الماستر، ومركز الديانة اليهودية والعلاقات بين الأديان في جامعة شاندونغ الذي نشر أكثر من سبعين كتاباً وأربعمئة وأربعين ورقة بحثية وترجم حوالي ثلاثين كتاباً في اختصاصه المتركز على "الدراسات اليهودية"، خلال حوالي عشر سنوات.

وفي السياق نفسه يأتي مركز الدراسات اليهودية والصينية في جامعة سيتشوان للدراسات الدولية، والذي يعمل على "تقديم فهم أفضل للشعب اليهودي والثقافة اليهودية في الصين" كما يقول تعريفه.

يضاف إلى هذه المراكز مركز الدراسات حول العلاقات الدولية في جامعة يوننان، ومركز اللغة العبرية والدراسات الثقافية في مدرسة اللغات الشرقية في جامعة بكين، ومركز الدراسات اليهودية في أكاديمية هيلونغجيانغ للعلوم الاجتماعية، وغيرها الكثير من مراكز الدراسات.

هل من جديد في هذه المعلومات المفاجئة؟

لا يبدو أن هناك أمراً جديداً بشكل فعلي، فالصهاينة يجدون موطئ قدم في كل مكان، فلماذا لا يكون لهم ذلك في الصين؟


يعمل العدو الصهيوني على التغلغل بهدوء وبشكل متصاعد في المجتمع الصيني، عبر الكثير من الوسائل، ومنها مراكز الدراسات، وهذا ما عبّرت عنه الصفحة المخصصة بعرض عناوين مراكز الدراسات المتخصصة بإسرائيل واليهود في الصين. وتقول هذه الصفحة "إن قطاع الدراسات اليهودية في الصين ما يزال صغيراً، ولكنه مجال يتوسع بشكل دائم".

وليس أمراً مثيراً للدهشة القول إن الكيان الصهيوني يبذل جهوداً جبارة من أجل تنمية هذه المراكز ودعمها وتقديم كل التسهيلات لطلابها من الصينيين كي يتابعوا دراساتهم، أو كي يقوموا بدراسات تطبيقية في فلسطين المحتلة، في سياق دراساتهم في هذه المعاهد.

إنه بناء يقوم على مهل، دون ضجة، وبلا توقف، لجيل من الأكاديميين الصينيين الذين يتحوّلون إلى جزء من آلة دعائية كبرى للصهاينة في بلد المليار والنصف مليار نسمة، فضلاً عن إمكانية تحوّل هؤلاء الأكاديميين إلى موظفين ومن ثم مسؤولين في إدارات الدولة الصينية.

وهذا شيء طبيعي جداً.

الأمر غير الطبيعي موجود في مكان آخر، على الضفة الأخرى من الشرق الأوسط، عند العرب تحديداً.






 أي مراكز دراسات عربية موجودة في الصين، أو تنسّق مع الصينيين، وأي جيل صيني جديد متفهّم للقضايا العربية تبنيه هذه المراكز؟

أي مراكز دراسات عربية موجودة في الصين، أو تنسّق مع الصينيين، وأي جيل صيني جديد متفهّم للقضايا العربية تبنيه هذه المراكز؟

أي فرصة نضيّعها نحن العرب، بأموالنا وطاقاتنا، من أيدينا، من خلال استمرار تجاهلنا للعملاق الصيني الذي بدأ بالاستيقاظ؟

ألا يدري المتحكمون بالعالم العربي أن من يستثمر في مراكز الدراسات والأبحاث في الجامعات الصينية، هو يستثمر في مستقبل الصين، وبالتالي في مستقبل العالم ككل؟

هلاّ تعلّمنا من عدوّنا؟

تمنيات الغرب الروسية: مجرد دعابة


الدليل على هزء سيرغي لافروف بنظرائه الغربيين هو الجملة المفيدة الأخرى التي أتبع بها حديثه عن الدعابة والمازحين

محمود ريا
6-7-2012

 

يتطلب المزاج الرائق "فضاوة البال" والخلو من المشاكل والفراغ من الاستحقاقات الطارئة والبعد عن المحطات التي تقرر المصير.
فإذا كان الواحد منا مبتلى بكل هذه العقبات دفعة واحدة، فكيف له أن يكون قادراً على المزاح، وإلقاء الدعابات؟
في أميركا اليوم كل هذه المشاكل دفعة واحدة:
انتخابات رئاسية مصيرية بعد أشهر، تراجعات هنا وهناك في أنحاء العالم، تنّين صيني ودب روسي يتهجّمان على "أطراف المملكة الأميركية العظمى" ومشاكل إقليمة ومحلية لا تُعدّ ولا تُحصى؟
وفوق ذلك هناك اقتصاد يتداعى، يخرج من أزمة ليدخل في أزمة أكبر، والمديونية تتصاعد، وطبع الدولارات بلا حساب لم يعد ورقة رابحة في أيدي الرأسماليين الأميركيين.
في أوروبا الوضع صعب أيضاً:
الأزمات الاقتصادية تكاد تودي بالكثير من البلدان إلى الإفلاس. وليس المقصود "بلدان الأطراف" فقط، وإنما حتى البلدان المركزية، وصولاً إلى بريطانيا وفرنسا، ولا تبقى إلا ألمانيا ـ إلى حد ما ـ فوق الغربال.
هذه الوقائع تكشف حقيقة واحدة: ليس عند أحد من هذه الدول "مزاج المزح والتنكيت وإلقاء الدعابات".
ما بال وزير الخارجية الروسي إذاً يرمي بعض الدول الغربية بتهمة إلقاء الدعابات في هذا الوقت العصيب؟
ما باله يقول إن طرح هذه الدول بأن تستقبل روسيا الرئيس السوري بشار الأسد كلاجئ سياسي هو مجرد دعابة.
إن ما يقوله المسؤول الروسي (المغضوب عليه غربياً) لا يمتّ إلى المزاح بأي صلة.
إنه كلام يهزأ من دول الغرب أكثر مما يعبّر عن انسجامه مع "المزاح" الذي يطلقونه بين حين وآخر.
الدليل على هزء سيرغي لافروف بنظرائه الغربيين هو الجملة المفيدة الأخرى التي أتبع بها حديثه عن الدعابة والمازحين.
لقد قال بصراحة إن الذين يغذّون الأزمة السورية يقودون الأمور إلى حرب كبيرة جداً.
وعندما تنطلق من شفاه الروس كلمة حرب، يجب على كل الوجوه أن تشدّ قسماتها، وأن تمتنع حتى عن وضع شبح ابتسامة على الشفاه.
 

 في الوضع الذي نحن فيه، تأخذ كلمة حرب معاني أكبر من أي تصوّر مسبق عند الجميع، فكيف إذا أتبعها المسؤول الروسي بوصف هذه الحرب بأنها "كبيرة جداً"

في الوضع الذي نحن فيه، تأخذ كلمة حرب معاني أكبر من أي تصوّر مسبق عند الجميع، فكيف إذا أتبعها المسؤول الروسي بوصف هذه الحرب بأنها "كبيرة جداً".
الروس الذي يسمعون "الدعابات الغربية" لا يضحكون لها، بل يواجهونها بعبارات صارمة جداً في الظاهر، تتوازى مع ضحك في الباطن.. على مطلقيها.
روسيا ليست في وارد التخلي عن الموقف المبدئي الذي اتخذته من الوضع في سوريا، وليست في مجال الاستغناء عن الموقع الاستراتيجي لسوريا على الخريطة العالمية.
إنهم لا يفهمون هذه الحقائق الثابتة، إنهم ـ ربما ـ لا يريدون أن يفهموها.
في كل يوم يخرج علينا مسؤول غربي، أميركي أو أوروبي، أو مسؤول إقليمي، عربي أو تركي، ليتحدث عن تغيير في الموقف الروسي.
وفي كل يوم يخرج لافروف، أو غيره من المسؤولين الروس، ليقولوا لهم: لا تغيير في الموقف الروسي.
ملّ الروس من تكهّنات وتمنيّات الغرب وأتباعه في المنطقة، فلم يجدوا حلاً إلا في اعتبار أن ما يقوله هؤلاء لا يتجاوز كونه.. مجرد دعابة.

السبت، يونيو 30، 2012

موعدنا "على العيد"



المعاناة كبيرة، ولكن الصمود أكبر، 
والمؤامرة مهولة، 
ولكن التصدي لها أكثر حزماً.


محمود ريا
تكثر المواعيد، وتتكرر كل يوم، ولعلّ أكثرها انتشاراً موعد اللقاء على "العيد".
هذا الموعد صار مثل أحجية، يسمعه الناس، فلا يعرفون هل المقصود به هو هذا العيد، أم العيد الذي سيأتي، أم هو عيد فقط في أذهان الذين يطلقون هذه المواقيت.
انتظروا العيد أول مرة، فمرّ، وانتظروه عيداً آخر، ومرّ هو أيضاً، وانقضى العام.. وما زالوا ينتظرون الموعد، وما زالت أصواتهم تردد: "على العيد".
إمّا أنّهم لا يملّون، وإما أن صدمة عدم تحقّق أمانيّهم تجعلهم يجترّونها، فيعيدون ويكررون، من دون أن يكون لديهم ما يحقق آمالهم، أو يُخرج الأحلام من دوائر الأوهام إلى أرض الواقع.
المعاناة كبيرة، ولكن الصمود أكبر، والمؤامرة مهولة، ولكن التصدي لها أكثر حزماً.
ليس في الأمر عواطف، وإن كانوا اعتمدوا على وعود أُعطيت لهم من أسيادهم، فربما عليهم أن يُدركوا بأن هذه الوعود هي التجسيد الحقيقي للسراب الذي يراه عطشان في الصحراء فيحسبه ماءً، فيلهث نحوه، معتقداً أنه الفرج، فإذا به لا يكسب منه إلا الخيبة والخذلان.
وهم كذلك.
وهذه هي مشكلتهم.
لا ينظرون إلى الوقائع، ولا ينطلقون من الحقائق، ولا يبنون تحليلاتهم على معطيات السياسة، التي يبني عليها كل من يريد الوصول إلى نتيجة منطقية في تحليله وتوقعه.
ولكن ربما لاينبغي لنا أن نظلمهم.
هم كذلك دائماً، وليس الآن فقط، هم لا يحللون ولا يتقصّون الحقائق ولا يبنون على الشيء مقتضاه.
هم يتلقّون، يسمعون من فلان وفلان، من هذه الدولة أو تلك، فيأخذون كلامها على محمل الجدّ، وتوهّماتها على مقياس الحقيقة.
المشكلة إذاً ليست فيهم، ما دام أنّهم لا يُعملون تفكيرهم. المشكلة في من يوسوسون لهم.
ولكن، هل هؤلاء المقيمون في عواصم الخواجات، يضحكون عليهم، يسخرون منهم، بتوقعات العيد، والعيد الذي يلي العيد، أم أنهم مثلهم، وقعوا في شرّ توقعاتهم؟
هناك من يرى أن "الأسياد" يلعبون بـ "الأولاد"، يضعون خططاً بعيدة المدى، ويتركون لمن معهم فتات العيش على انتظار الحسم السريع والتغيير الجذري.
وهناك من له رأي مخالف.
يرى هؤلاء أن الصدمة الكبرى ليست هي صدمة الأزلام، وإنما تلك التي أصابت "الكبار"، الذين كانوا يتوقعون انهياراً سريعاً، يحققونه بالتهويل والتقتيل، استناداً إلى مبدأ "الصدمة والرعب" الذي نجح معهم قبل ذلك في أكثر من مكان، وأكثر من زمان.
ولم يتحقق المأمول، لم تفتّ هذه الحملة ـ المدجّجة بمئات حاملات الطائرات الإعلامية، والمدمرات النفسية، وطائرات القصف بالأكاذيب، ودبابات الزحف بالتلفيق ـ في عضد شعب معتاد على مواجهة الحصار، ومرتاض على مقارعة "الكبار".


لم تفتّ هذه الحملة ـ المدجّجة بمئات حاملات الطائرات الإعلامية، والمدمرات النفسية، وطائرات القصف بالأكاذيب،  
ودبابات الزحف بالتلفيق ـ في عضد شعب معتاد
على مواجهة الحصار، ومرتاض على مقارعة "الكبار".


كان الحلّ بانتظار العيد التالي، ومرّ الموعد والحال هو الحال.
وجاءت مواعيد أخرى، تصاعدت قبلها ومعها الحملات، وتكاثرت الانفجارات، وصار القتل مثل شربة الماء، ومرّت المواعيد... وسوريا كما هي و"يا جبل ما يهزّك ريح".
اليوم، هناك موعد جديد، "على العيد".
هل يحققون حلمهم هذه المرة؟
"سراب بقيعة"...

السبت، يونيو 23، 2012

مقابلة إذاعية حول المواقع الإلكترونية الإسلامية

مقابلة مع إذاعة البشائر في لبنان حول "المواقع الإلكترونية الإسلامية"
بتاريخ 13/6/2012

الجزء الأول من المقابلة

الجزء الثاني من المقابلة

الجزء الثالث والأخير من المقابلة

لافروف.. قومي يميني متطرف!


لقد نجح لافروف نجاحاً كاملاً في تظهير "التوجه الجديد" للقيادة الروسية، حسب التعريف الغربي، ما أعطاه "شرف" التعرض لانتقاد الآلة الإعلامية الغربية التي بدأت بتوجيه السهام إليه.

محمود ريا
15-06-2012

 
خاب أمل الغرب بسيرغي لافروف.. كانوا يظنونه دبلوماسياً محترفاً، يقبل "الأخذ والعطاء" فإذا به في الأشهر الماضية يبدو كقومي يميني متطرف، لا يحسب للدبلوماسية أي حساب.

وزير الخارجية الروسي أمام "مقصلة" التقييم الغربي، ومن يقف أمام هذه المقصلة يكون قد تجاوز مرحلة إمكانية التغيّر، وصار في مرحلة التغيير.


ما نقلته إحدى الصحف اللبنانية قبل أيام حول لافروف ما هو إلا انعكاس لما هو موجود في الصحافة الغربية من صدمة تجاه الموقف الروسي من الوضع في سوريا، هذا الموقف الذي يعبر عنه لافروف بكل أمانة ووضوح.


لقد نجح لافروف نجاحاً كاملاً في تظهير "التوجه الجديد" للقيادة الروسية، حسب التعريف الغربي، ما أعطاه "شرف" التعرض لانتقاد الآلة الإعلامية الغربية التي بدأت بتوجيه السهام إليه.


أما هذا التوجه الجديد، فهو ما يشغل بال الغرب، ويثير غضبه الكبير تجاه لافروف، وتجاه سيد الكرملين الجديد، فلاديمير بوتين، وتجاه روسيا كلها.


يقوم هذا التوجه على قواعد وضعها بوتين مع مجيئه إلى الحكم، خلاصتها أن عهد روسيا اليلتسينية انتهى إلى غير رجعة، وعهد روسيا "الكامنة" بدأ بالانحسار، وجاء عهد روسيا الفاعلة، روسيا القوية، روسيا التي تقرر ما هو المناسب لها في الداخل والخارج، دون "استعانة بصديق"، وخاصة إذا كان هذا الصديق عدواً في واقع الحال.


وهنا تكمن معضلة الغرب، في أن تقرر روسيا ما تريد، في موضوع الدرع الصاروخية، وفي موضوع علاقاتها مع دول "المحيط السوفياتي"، وفي تحالفها مع الصين، وفي علاقتها مع إيران، وفي موضوع التطورات في سوريا.


إنها أزمة كبيرة للغرب، الذي افتقد روسيا البراغماتية، روسيا التي تساوم على هذا الملف أو ذاك، مقابل امتيازات هنا وهناك، وروسيا المحدودة القوة، التي لا ترفع لواء الرفض لأي مشروع غربي، وإنما تحاور وتناور للحصول على أعلى حد من المكاسب.
وحتى عندما كانت تتشدّد روسيا في موقف ما، فالغرب يعرف أن هذا التشدد هو محاولة للحصول على ثمن أعلى مقابل تنازل أكبر، يحقق لهذا الغرب مصالحه، ويؤمن لروسيا بعض الاحتياجات التي كانت تبحث عنها.


وكان الغرب يظن أن الوضع ما يزال كما هو عليه.


من هنا، ملأ المسؤولون الغربيون الشاشات، والمحللون السياسيون الصفحات، بالحديث عن مرحلة تسلّم بوتين الحكم، بعد عودته رئيساً للبلاد، مبشرين بأن الموقف الروسي تجاه سوريا، وتجاه إيران سيتغير، لأن بوتين سيفاوض، وسيقبض ثمناً ما، وسيغيّر وجهة الأحداث.


وقد حصل ما توقعه الغرب، ولكن بصورة معكوسة: لقد تغيّر الموقف الروسي، باتجاه مختلف تماماً عن ذلك الذي ترغب به الكواليس الدبلوماسية الغربية، وانتقل التشدد الروسي من كونه رغبة في تحقيق مصالح روسية استراتيجية، إلى كونه تعبيراً عن إدخال موضوع سوريا في صلب السياسة الروسية الاستراتيجية، ما يعني أنه موضوع بات خارج إطار التفاوض، وبعيد عن المساومة، ولا مجال فيه للأخذ والعطاء.


إنها نكسة حقيقية للغرب، نكسة يعبّر عنها كل يوم بشكل جديد، ولعلّ آخر هذه الأشكال هجومه المباشر على وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.


وهكذا بات الرجل، الذي كان شيوعياً ثم جهد لكي يتحول إلى "ديبلوماسي معاصر"، مجرد قومي يميني متطرف!


ليس لافروف الذي تغيّر، بل هو كل الموقف على مستوى العالم، وعلى الغرب الذي راهن كثيراً في السابق على رشوة روسيا أن يوطّن نفسه للتعامل مع روسيا جديدة

إنه ليس لافروف الذي تغيّر، بل هو كل الموقف على مستوى العالم، وعلى الغرب الذي راهن كثيراً في السابق على رشوة روسيا أن يوطّن نفسه للتعامل مع روسيا جديدة، روسيا فخورة بنفسها، قادرة وثابتة، يقودها قاهر للصعاب، لا سكّير طيّع ليّن لا يميّز بين ليل ونهار، ولا بين موسكو وواشنطن.

سياسة واشنطن تجاه بكين: ضعف وانعدام ثقة.. وخداع نفس

الصين تعلن بصراحة انزعاجها من التحركات الأميركية في "الملعب الاستراتيجي" الصيني، أي في الدائرة الاستراتيجية الأقرب إلى مصالح الصين وإلى أمنها القومي

محمود ريا
08-06-2012

 

"غياب التجانس بين الكلمات والأفعال علامة على الضعف وانعدام الثقة بل وحتى خداع النفس".

هذه الأوصاف هي خلاصة تقويم الأوساط الرسمية الصينية للسياسة الإستراتيجية الأميركية في منطقة آسيا ـ الباسيفيك، وربما في العالم ككل.

هذا التقويم جاء في مقال نشرته قبل أيام صحيفة الشعب الصينية، الصحيفة الرسمية التي تعكس دائماً وجهة النظر في المؤسسة الحاكمة الصينية، بعيداً عن اللهجة الدبلوماسية التي تعتمدها وزارة الخارجية الصينية في إصدار المواقف من الأحداث.
لقد جاء هذا الموقف الجديد ـ والمفاجئ بلهجته إلى حد ما ـ رداً على تعزيز الولايات المتحدة الأميركية لقواتها البحرية في المحيط الهادئ، وفي المناطق المجاورة للصين، ما جعل المسؤولين الصينيين يرفضون الادعاء الأميركي بأن هذا التكثيف للوجود العسكري لا يهدف إلى "احتواء الصين".

وهذا الموقف عبّر عنه باحث عسكري صيني اعتبر أن هذا الاتجاه الأميركي سيزيد مخاوف الناس من أن الولايات المتحدة تستخدم هيمنتها العسكرية للتدخل في سيادة دول المنطقة.

إذاً، الصين تعلن بصراحة انزعاجها من التحركات الأميركية في "الملعب الاستراتيجي" الصيني، أي في الدائرة الاستراتيجية الأقرب إلى مصالح الصين وإلى أمنها القومي. وخشية الصين تكمن في أن الولايات المتحدة تسعى إلى جعل الصين هدفاً ثابتاً لها، عبر إنشاء منظومة أمنية جديدة في المنطقة، تضم عدداً من الدول المجاورة للصين أو القريبة منها إلى حد مثير للقلق.

وتقوم الاستراتيجية الأميركية الجديدة على تعزيز الوجود الأميركي في المنطقة، وذلك حسبما أعلن وزير الحرب ليون بانيتا خلال جولة له في المنطقة. وقال بانيتا، في مؤتمر صحافي عقده الأربعاء الماضي في مركز الدراسات الاستراتيجية والتحليل التابع لوزارة الدفاع الهندية: إن الاستراتيجية الدفاعية الأمريكية الجديدة ترتكز على وجود قوات المارينز الأمريكية في كوريا الجنوبية والتوسع فيما يسمى بالوجود الدوري لها في أوستراليا مع بحث إمكانية التوسع في كل من الفليبين واليابان.


إن هذا الانتشار الذي أقرّته استراتيجية الرئيس الأميركي باراك أوباما الجديدة يعني وضع البرّ الصيني على بعد أقل من ساعتين من الطائرات الأميركية المتأهبة دائماً، سواء على متن حاملات الطائرات، أم في قواعد الدول التي بدأ بعضها برفع نبرة تحديه لبكين ـ كالفيليبين مثلاً ـ وهذا أمر لا يمكن أن تنظر له العسكريتاريا الصينية، ومعها السياسيون الصينيون، ببرودة أعصاب.

إن إجراءات عملية كهذه التي اتخذتها الإدارة الأميركية في منطقة الهادي ـ الباسيفيك هي التي تدفع الصين إلى اعتبار السياسة الأميركية سياسة منافقة، يغيب فيها التناسق بين الأقوال ـ التي تطمئن الصين إلى انعدام خطورة الإجراءات الأميركية ـ والأفعال التي تثبت أن استهداف الصين بالذات هو ما تعمل له الولايات المتحدة.

هناك من يرى أن ما تفعله الولايات المتحدة في شرق آسيا هو مجرد استفزاز للصين كي تدفعها إلى مفاوضات "بيع وشراء" حول العديد من الملفات الحيوية لأميركا في العالم، وعلى رأسها ملفات منطقة الشرق الأوسط، كالملف النووي الإيراني والملف السوري، بحيث تقوم بكين بتغيير مواقفها المعلنة ـ والمزعجة لواشنطن ـ من هذه الملفات، مقابل التخفيف من ضغط حاملات الطائرات الست التي تقرّر وضعها بشكل دائم في "الخاصرة الصينية".




الصراع بين الصين والولايات المتحدة هو أكثر جوهرية وعمقاً من خلاف مستجد على ملفات إقليمية يمكن إدارة الصراع فيها بطريقة أو أخرى.

إلا أن الأمور لا تبدو بهذه البساطة، فالصراع بين الصين والولايات المتحدة هو أكثر جوهرية وعمقاً من خلاف مستجد على ملفات إقليمية يمكن إدارة الصراع فيها بطريقة أو أخرى.

إنه صراع على المستقبل، صراع ليس فيه تسويات آنية، صراع من نوع: إما أن نكون نحن أسياد هذا العالم في المقبل من السنوات.. أو هم. وفي صراع من هذا النوع يصبح مفهوماً لماذا ترفع الصين يدها بالفيتو مرتين عند مناقشة الأزمة السورية في مجلس الأمن، وتهدد بالثالث وأكثر، ولماذا تزيد الصين من شرائها للنفط الإيراني ـ خلال الشهر الماضي مثلاً ـ بشكل دراماتيكي، في تحدٍّ واضح وصريح، يصل إلى حد الفجاجة، للعقوبات الأميركية والغربية على إيران.

فوق ذلك، يصبح أكثر وضوحاً معنى الكلمات التي استخدمتها الصحيفة الصينية الرسمية لوصف حال السياسة الأميركية، إنها سياسة تعاني من"غياب التجانس بين الكلمات والافعال"، وهذه "علامة على الضعف وانعدام الثقة بل وحتى خداع النفس".

السبت، يونيو 02، 2012

لا تغيير في الموقف الروسي



في العشرين من حزيران/ يونيو يمكن للغرب أن يتنفس الصعداء، إذا لمس تغييراً في الموقف الروسي إزاء الوضع السوري، أو يمكنه أن ينتظر فرصة أخرى لمحاولة تحقيق هذا التغيير، ولكنه لن ييأس، ولن يكفّ عن المحاولة.

محمود ريا
الغربي لا ييأس... ولا تدخل هذه الكلمة في قاموسه على ما يبدو.
هو مستعد للمحاولة ومعاودة المحاولة، مستعد للمناورة والمداورة، والانطلاق من النقطة والعودة إليها، ما دام أنه بهذا الانطلاق والعودة يبحث عن تحقيق مصالحه، أو يأمل بأن تتحقق في يوم من الأيام.
لا يعتبر الصفعة نهاية الكون، ولا الصدّ قراراً نهائياً، ولا يملّ من إعادة الطلب الذي طلبه سابقاً مرة ثانية وثالثة وحتى رابعة وخامسة، المهم أن يكون في هذه المحاولات بصيص أمل في إمكانية الوصول إلى المطلوب.
ولا أحد يُنكر أن هذا الأسلوب يحقق في غالب الأحيان أهدافه، فتكرار المحاولة، مرفقاً بإغراءات من هنا، وتهديدات من هناك، واستحياء بعض من يؤخذون بالحياء من جهة ثالثة، يجعل من الصخر الصلد عجيناً ليّناً في أيدي الغربيين.
وتجارب التاريخ تشجّع جماعة الغرب على الاستمرار في هذا النهج، فهم حققوا الكثير من أهدافهم عبر الإصرار عليها، أو تقديمها كل مرة بطريقة مختلفة، مع الاحتفاظ بالمضمون نفسه.
ولكن هذا يحصل في أغلب الأحيان، وليس دائماً.
اليوم يعاني أهل الغرب، ويسألون أنفسهم بشكل دائم: لماذا؟
إنهم يصرّون على هدفهم، ويقدّمون الإغراءات تلو الإغراءات، لا بل إنهم يطلقون التهديد بعد التهديد، ويزورون ويعودون... ولكن بلا أمل.
لماذا لم ينجحوا حتى الآن في تغيير الموقف الروسي من الوضع في سوريا؟
كلما أطلقوا تصريحاً تصعيدياً، يخرج عليهم مسؤول روسي بتصريح مضاد أكثر قوة وأعلى صوتاً.
كلما أَمَرُّوْا شائعة عن تغيير قريب في مقاربة موسكو لما يحصل في دمشق ومحيطها، تكون موسكو جاهزة لتبديد هذه الشائعة، وإحباط مفعولها.
كلما تحدثوا عن موعد، يكون فيه اجتماع، يحصل فيه التغيير، يأتي الموعد ويُعقد اللقاء، ولا تغيير ولا من يغيّرون.
واليوم هناك موعد جديد.
لقاء القمة بين الرئيسين الروسي والأميركي فلاديمير بوتين وباراك أوباما في المكسيك يومي 18 و19 حزيران/ يونيو الجاري على هامش قمة العشرين.
الغرب يحبس أنفاسه بانتظار حلول تلك اللحظة. هو (الغرب) كان وعد العالم بأن بوتين سيغيّر سياسته السورية بعد انتخابه مجدداً رئيساً لروسيا، وردّ بوتين بأنّ أي تغيير في الموقف لن يحصل، لأنه موقف مبني على أسس ثابتة، تجمع بين القواعد المبدئية والمعطيات الاستراتيجية والمصالح القومية.
ولم يفهم الغرب ذلك، وما زال ينتظر.
في العشرين من حزيران/ يونيو يمكن للغرب أن يتنفس الصعداء، إذا لمس تغييراً في الموقف الروسي إزاء الوضع السوري، أو يمكنه أن ينتظر فرصة أخرى لمحاولة تحقيق هذا التغيير، ولكنه لن ييأس، ولن يكفّ عن المحاولة.
وبالرغم من ذلك فإن المعطيات على الأرض ستجعل محاولاته المضنية تذروها الرياح، ليحاول التأقلم مع فكرة جديدة، هي ليست غريبة على براغماتيته، ولكنه ما يزال يكابر قبل الإقرار بها: لماذا لا يغيّر موقفه هو؟
 

 يبدو أن على الغرب تعلّم مفردات جديدة في السياسة، أو على الأقل إخراج بعضها من صندوق الآثار الذي وضعها فيه منذ انتهاء الحرب الباردة، مفردات مثل: التسويات، التفاهمات، التنازلات... وربما الخضوع للأمر الواقع...
بين موقف روسيا الثابت، وموقف الصين الذي لم يتزحزح قيد أنملة بالرغم من كل الإغراءات التريليونية والتهديدات النفطية، وبين معطيات الأرض التي أثبتت ثبات القيادة السورية وفشل محاولات زعزعة ثوابتها، يبدو أن على الغرب تعلّم مفردات جديدة في السياسة، أو على الأقل إخراج بعضها من صندوق الآثار الذي وضعها فيه منذ انتهاء الحرب الباردة، مفردات مثل: التسويات، التفاهمات، التنازلات... وربما الخضوع للأمر الواقع...
لِمَ لا؟

الثلاثاء، مايو 29، 2012

المخطوفون.. وفشل الإنكار


 إزاء هذا الاعتراف، لم يعد ينفع أي إنكار، ولا حتى ينفع النفي الملحق والتبرؤ اللاحق من الضابط المعترف بالمسؤولية عن العملية.
محمود ريا
24-5-2012
كل حدث يترك آثاراً جانبية، فضلاً عن الأثر الرئيسي الذي يكون له.. وفي بعض الأحيان تكون الآثار الجانبية غير منظورة، أو غير متوقعة، أو غير محسوبة النتائج.

إذا تجاوزنا الأثر الرئيسي لعملية اختطاف الزوّار اللبنانيين في منطقة حلب، بانتظار "الفرج" المتوقع في أي لحظة، فإن بعض الآثار

يستوقف المتابع لما يحصل في هذا الموضوع، ويعطي إشارة واضحة لمسار معيّن في تفكير تيارات سياسية موجودة على الساحة اللبنانية.
من هذه الآثار مثلاً محاولة الإنكار، ومحاولة رمي التهمة على طرف آخر.
لم تكن هذه محاولة فردية أو تصرفاً عفوياً، وإنما كان واضحاً أنها ناتجة عن قرار.
منذ الدقائق الأولى لعملية الخطف، خرجت "آلة الإعلام المعهودة" بفرضية عملت على رفعها إلى مستوى المسلّمة التي لا تقبل الجدل:
ليس "الجيش السوري الحر" هو الذي خطف الزوّار.
في محطات التلفزة وفي الإذاعات وعلى مواقع الإنترنت كانت كلمة السر انتشرت: ليس "الجيش السوري الحر" من فعل ذلك.
بعد ذلك بفترة جاءت كلمة السر الأخرى: النظام هو من قام بهذه العملية من أجل تحقيق أهداف كبيرة وكثيرة.
بعد ذلك بدأت الاتصالات على "الشاشات المعروفة" تتوالى من قياديي الجيش المذكور، وكلّها تحمل تنصلاً من هذه العملية، ورمياً لها في ملعب النظام السوري.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى حد تجرؤ سياسيين، نوّاباً وغير نوّاب، على الجهر بهذا القول، وعلى تحميل النظام مسؤولية ما حدث، "بهدف بث الفتنة واستكمال مشروع التوتير"، وما إلى ذلك من اتهامات.
لم يترك هؤلاء مجالاً لأي احتمال آخر، لا بل بدأوا بالتشكيك في مواقف الناس المكلومين بفقد أحبّتهم وأبنائهم، وأخذوا يتهمونهم بالانسياق
في إطار "المشروع".
لم يكن ينقص هؤلاء سوى أن يتهموا المختطَفين بالتواطؤ مع الخاطفين، لا بل بالذهاب معهم بكامل إرادتهم، فيما أن عشرات النسوة اللواتي رُوّعنَ وشُرّدنَ عن مسارهنّ كدنَ أن يتحوّلنَ إلى "ممثلات ماهرات" لحالة التفجّع والأسى التي شاهدها العالم كله على وجوههنّ وهنّ عائدات من حلب إلى بيروت على متن طائرة قامت برحلة استثنائية لنقلهنّ.
اليوم (الخميس)، وبعد طول تهرّب، يخرج "ضابط من الجيش الحر" ليعلن بالفم الملآن ودون أي مواربة مسؤولية جماعته عن اختطاف
الشباب الأحد عشر.
وإزاء هذا الاعتراف، لم يعد ينفع أي إنكار، ولا حتى ينفع النفي الملحق والتبرؤ اللاحق من الضابط المعترف بالمسؤولية عن العملية.
فإذا كان الجيش الحر لا يعترف بالجيش الحر، وإذا كانت حالة الخلاف والشقاق بين "كتائب" هذا "الجيش" وصلت إلى حد عدم اعتراف إحداها بالأخرى، فهذا لا يُعفي "الجيش الحر" بكل تناقضاته من المسؤولية عمّا حصل.
وبغض النظر عن معنى ذلك فيما يتعلق بمصير المختطفين، فإن ما يجب التركيز عليه هو موقف أولئك اللبنانيين الذين سخّروا كل إمكانياتهم لتبرئة "الجيش الحر" مما اعترف بارتكابه "الجيش الحر".
لقد انتهت حملة إعلامية أخرى إلى الفشل، وظهرت الحقيقة مرة أخرى واضحة نقيّة، وتعرّض هؤلاء إلى خيبة قد تعلّمهم كيف يصوغون حملاتهم مرة أخرى، وقد لا تنفع.. وهذا هو الأرجح.

الاثنين، مايو 14، 2012

تفجيرات دمشق: نجاح.. وفشل


 لقد نجحت السلطة السورية في امتحان المصداقية الذي خاضته منذ اللحظات الأولى لانطلاق الأحداث في سوريا

محمود ريا 
10/5/2012  

تفجيرات دمشق اليوم ـ بغض النظر عن المناظر المرعبة التي تركتها ـ هي دليل نجاح، ودليل فشل.

في البداية لا بد من التأكيد على فظاعة الجريمة ووحشيتها، فهي خبطت خبط عشواء، وأدّت إلى استشهاد وجرح العشرات من المدنيين، وتركت دماراً لا يمكن تصوّره، وما نقلته شاشات التلفزة لا يعبّر إلا عن قليل من الواقع، فالواقع في هذا النوع من التفجيرات يكون أقسى وأكثر إيلاماً، لا بل يصبح فوق المتخيّل.

السوريون لم يعتادوا على مثل هذه المشاهد، ولكن هناك من العرب من صارت هذه الصور طيفاً في خيالهم، يُستدعى فترة بعد فترة، ليذكّرهم بحبيب قضى، وأخ أُعيق، وجرح لا يزال جاثماً على وجه صديق.

وإذا كانت هذه التداعيات إلى الذهن لا تقف عند حدود الذكرى لتتجاوز إلى التخوّف من عودة هذا النوع من الإجرام ليتغلغل هنا وهناك، نتيجة تعاظم إجرام الجهات التي تقف وراءه، فإن الإنصاف يقتضي التوقف عند النجاح، وعند الفشل، اللذين يثيرهما تفجيرا دمشق اليوم.

البداية من عند النجاح، لنقدّم صورة أقلّ قتامةً تنبثق من صور الدم والدمار التي تتوارد على شاشات التلفزة.

لقد نجحت السلطة السورية في امتحان المصداقية الذي خاضته منذ اللحظات الأولى لانطلاق الأحداث في سوريا.

على مدى الأشهر الماضية، كانت القيادة السورية أمام تحدي إثبات مقولتها عن وجود إرهابيين تكفيريين تفجيريين يقودون الأحداث التي تجري في مختلف المناطق، ويوجّهون الأمور باتجاه العنف الدموي الذي يهدف إلى تخريب سوريا وليس لطلب الإصلاح فيها.

ومع كل تفجير كانت تتعرض له العاصمة السورية، أو المدن الأخرى، ولا سيما حلب وإدلب، كانت الصورة تتظهّر أكثر فأكثر. أما اليوم، وبعد التفجير الذي استهدف رئيس بعثة الأمم المتحدة في درعا، والتفجيريين الدمويين في القزّاز، فإن الإثبات بات بين أيدي من يعقل، أو يُلقي السمع وهو شهيد.

لم يعد هناك من شك في أن الإرهابيين هم الذين يسوقون الأحداث في سوريا، وهم الذين يرسمون وجهتها، وأن كل الحديث عن معارضة، وعن مطالب، وعن إصلاح، هو مجرّد “ديكور” فيما الأصل هو غير ذلك تماماً.

إذاً، المعركة في سوريا باتت واضحة تماماً، هي معركة بين الشعب السوري وقيادته من جهة، وبين مجموعات تسلّطت على حراك شعبي بريء، بدأ في البداية باحثاً عن إصلاح منشود ومطلوب من الجميع، ليصل الآن إلى حرب كونية عظمى، تُشنّ على سوريا كلها، بأيدي إرهابيين قَتَلة، لا يوقفهم وازع من ضمير.

هذا هو النجاح، أما الفشل، فهو مكمل له.

الفشل هو لمشروع القوى التي تقف وراء هؤلاء الإرهابيين.

لقد حاولت هذه القوى الغربية والعربية استغلال الحركة الشعبية المطلبية السورية من أجل تمرير مشاريعها الهادفة إلى القضاء على صمود سوريا في وجه المشاريع الغربية، فسارت وراء شعارات السلمية حتى أثبتت فشلها في تأمين غالبية شعبية تطالب بإقصاء القيادة السورية، عندها حاولت هذه القوى الانتقال إلى مشاريع العسكرة والمناطق الآمنة والاستيلاء على أراضٍ لتحويلها إلى بنغازي جديدة، ولمّا فشلت هذه المشاريع أمام صمود القيادة والجيش والشعب في سوريا، كان لا بد من تفجير كل شيء، تفجير يحمل معاني الانتقام واليأس من تحقيق الأهداف.




 سوريا اليوم مجروحة، مدمّاة، ولكنها سوريا المنتصرة على المؤامرة، ويوماً بعد يوم تتأكد مقولة أن “سوريا تعاني.. عند نهاية النفق”.

وهنا يبدو الفشل الغربي العربي الإرهابي جليّاً.

تفجيرات اليوم، وما سبقها من تفجيرات إرهابية، هي إعلان لهذا الفشل في الفتّ من عضد الشعب السوري وقيادته، وإظهار لحجم الانهيار الذي أصاب مشروع التغيير بالبلطجة والتشبيح.

سوريا اليوم مجروحة، مدمّاة، ولكنها سوريا المنتصرة على المؤامرة، ويوماً بعد يوم تتأكد مقولة أن “سوريا تعاني.. عند نهاية النفق”.

متى ستقع الحرب؟



اليوم يقف الكيان الصهيوني في موقع العاجز. ولأنه كذلك، فإن المشاكل بدأت تذرّ بقرنها بين مسؤوليه، الذين يتهمون بعضهم بعضاً بأبشع الاتهامات التي لا تخلو من تعبير النباح والخيانة، وغير ذلك من الصفات المتبادلة.


محمود ريا
2/5/21012

 

يقولون في بلادنا: "القلّة تولّد النقار".

وفي الشرح أن الإنسان عندما يكون عاجزاً عن تلبية الحاجات المطلوبة منه فإنه سيكون أسرع غضباً، وهذا ما يولّد المشاكل بينه وبين محيطه المباشر أولاً، قبل أن تنتقل المشاكل إلى علاقته مع الآخرين.

اليوم يقف الكيان الصهيوني في موقع العاجز. ولأنه كذلك، فإن المشاكل بدأت تذرّ بقرنها بين مسؤوليه، الذين يتهمون بعضهم بعضاً بأبشع الاتهامات التي لا تخلو من تعبير النباح والخيانة، وغير ذلك من الصفات المتبادلة.

أما الأمور التي يعجز عنها العدو، والتي انعكست على علاقات مسؤوليه فيما بينهم فهي كثيرة، وإن كان التصوّر الأول الظاهر يتمثل في العجز عن التعامل مع “الملف النووي الإيراني”.

وهذا الملف بات جزءاً من يوميات الصهاينة، كبارهم وصغارهم، وتحوّل إلى وحش خيالي، صنعوه بأنفسهم وضخّموه بإرادتهم، فإذا به يبدأ بالتهامهم واحداً تلو الآخر، يحطّم أعصابهم، ويثير الخلافات بينهم، وربما يودي بهم إلى حيث لا يتوقعون.

وبين مؤيد لضرب إبران للقضاء على برنامجها النووي مرةً واحدة وللأبد، ورافض لهذه الضربة التي لن تقضي على البرنامج، لا بل ستتّسع خطواته، بات الصهيوني “العادي” واقعاً في “حَيص بَيص”، لا يعرف من يصدّق ولا يدري أيّ المصائب سيجرها عليه الذين يتحكّمون بمصيره.

ومع العجز المطبق عن استقراء المستقبل فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي، هناك العجز في التعاطي مع ملف المقاومة في لبنان وفلسطين، حيث تتوسع الترسانة الصاروخية هنا وهناك، ويشتدّ عضد المقاومين، ولا يدري قادة العدو أي سبيل يسلكونه في مواجهة هذا الخطر الوجودي.

وفوق ذلك، يُطبق الإحباط بشكل كامل على قادة العدو، وعلى الصهاينة بمجملهم، نتيجة عجز الحملة الدولية الإقليمية العربية عن إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، هذا النظام الذي يرى قادة العدو (غابي أشكنازي) أن أي نظام آخر غيره هو “أفضل لإسرائيل”

إن هذا العجز المطبق، والشلل المطلق، يفسّر السُّعار الذي ترتفع حدّته يوماً بعد يوم في كيان العدو، والذي باتت وسائل الإعلام في كل أنحاء العالم تتحدث عنه، وينفي عمّا يحصل صفة “التدبير”، و”الخطة المدروسة”، ليضعه في موقعه الحقيقي: تخبّط، وفشل في التعاطي مع الأحداث، وعجز.. و”قلّة” تودي إلى “النقار”.






في ظل هذا الواقع يقفز إلى الواجهة “السؤال الوجودي” الذي تعيش المنطقة تحت وطأة الإجابة عليه خلال المرحلة القادمة: هل ستقع الحرب، وربما يسأل آخرون: متى ستقع الحرب؟





 في ظل هذا الواقع يقفز إلى الواجهة “السؤال الوجودي” الذي تعيش المنطقة تحت وطأة الإجابة عليه خلال المرحلة القادمة: هل ستقع الحرب، وربما يسأل آخرون: متى ستقع الحرب؟

هذا السؤال لم تتراجع أهميته مع تصاعد العجز الصهيوني، لا بل يُفترض أن يصبح أكثر إلحاحاً، والجواب عليه تجاوز البحث عن مدى جنون نتانياهو وفريقه، الذي يدفعهم إلى إطلاق الطلقة الأولى، ليصل إلى الاستفسار عن مدى قدرة بعض مَن في الإدارة الصهيونية على حبس نتانياهو في قفص قوي، بعيداً عن زر الإطلاق، أم أن صراخهم الذي يطلقونه كل يوم هو مجرد صراخ استغاثة، لمن يقف على شفا حفرة، ويجد نفسه مُساقاً إلى هوّة سحيقة، ليس لها من قرار؟

الاثنين، أبريل 23، 2012

الصين لم تعد تفكر كما في السابق؟





من يتابع الموقف الصيني من الأحداث في سوريا يدرك تماماً أن الصين تصبح يوماً بعد يوم أكثر ثباتاً على موقفها التي اتخذته منذ بداية الأزمة، وهو دعم الحوار والتغيير الهادئ والبطيء في سوريا، ورفض العنف والتدخل الأجنبي، سواءً كان عسكرياً أو سياسياً




محمود ريا
رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان متأكد من أن "الصين لم تعد تفكر كما في السابق" (بالنسبة لسوريا)
هذه الثقة التي أبرزها أردوغان في تصريحاته الأخيرة نابعة ـ حسب قوله ـ من كلام نقله وزير خارجيته أحمد داوود أوغلو عن وزير الخارجية الصيني يانغ جي تشي.

هذا "التحول" في التفكير الصيني أمر مهم جداً كما يراه أردوغان، إضافة إلى الموقف الروسي ـ المتغيّر أيضاً ـ بما يشير إلى أن النظام في سوريا بدأ يفقد مرتكزاته الدولية.

ولكن هل ينطبق "تحليل" أردوغان على الواقع.

في البداية لا بد من القول إن مجرد انتظار رئيس الوزراء التركي لتغيير ـ ولو كان موهوماً ـ في الموقف الصيني أمر مهم جداً. وهنا الأهمية واقعية، وليست مثل "أهمية" أردوغان التحليلية، إن لم تكن "التخيّلية".

فأن ينتظر المسؤول التركي ما يحصل في العواصم الأخرى من تغيير، أمر يدلّ عن العجز في تحقيق التغيير بالقوى الذاتية، أي بقوة تركيا والدول المتحالفة معها.

الأوراق قد نفدت من جعبة "الفريق التركي"، وبالتالي، فإن هذا الفريق ينتظر أن تمنّ عليه التغييرات في عواصم أخرى بأوراق جديدة يمكنه اللعب فيها.
وإذا أوغلنا في هذا الاتجاه من التحليل، يمكن القول إن الأوراق قد نفدت من جعبة "الفريق التركي"، وبالتالي، فإن هذا الفريق ينتظر أن تمنّ عليه التغييرات في عواصم أخرى بأوراق جديدة يمكنه اللعب فيها.

وبقدر ما في هذا الواقع من إقرار بالعجز، فإنه يوحي بتضخم التمني في حصول هذه التغييرات، حتى ولو كانت هذه التمنيات هي بحجم الاصطدام بوقائع مثبتة على الأرض لا يمكن القفز فوقها.

ففي الظاهر ـ على الأقل ـ لا يبدو أن هناك أي تغيير في المسار العام للموقف الصيني من الأحداث في سوريا، حسب ما يبدو من تصريحات القادة الصينيين، وهو موقف يقوم على ثلاث قواعد: ضرورة اعتماد الحل التفاوضي بين المكوّنات السورية كافة، رفض التدخل الخارجي بأي شكل من الأشكال، رفض التغيير بالقوة وعبر استخدام السلاح من قبل المعارضة.

أكثر من ذلك، فأردوغان نفسه سمع هذا الموقف الثابت من الرجل الثاني في القيادة الصينية، رئيس مجلس الدولة ون جيا باو، خلال لقائه به في التاسع من الشهر الحالي في بكين، فلماذا تعمد العاصمة الصينية إلى تسريب خبر "التغيير في التفكير" عبر وزير الخارجية الصيني إلى نظيره التركي لينقل الخبر بعد ذلك إلى أردوغان، فيما كان من الممكن أن يزف وين جياباو "الخبر السعيد" إلى ضيفه مباشرةً دون واسطة؟

وهل حصل أي طارئ خلال الأيام العشرة الماضية دفع الصين إلى اتخاذ قرار "تغيير التفكير" بهذا الشكل المفاجئ؟

من يتابع الموقف الصيني من الأحداث في سوريا يدرك تماماً أن الصين تصبح يوماً بعد يوم أكثر ثباتاً على موقفها التي اتخذته منذ بداية الأزمة، وهو دعم الحوار والتغيير الهادئ والبطيء في سوريا، ورفض العنف والتدخل الأجنبي، سواءً كان عسكرياً أو سياسياً، وهذا ما يمكن لمسه عملياً في مواقف الصين في مجلس الأمن، حيث تقف إلى جانب روسيا في معركتها الدبلوماسية الشرسة مع "الفريق التركي"، ما أدى إلى أن تسير الأمور تماماً كما يريد "تحالف موسكو ـ بكين"، وبما يحقق المصلحة السورية الحقيقية، في تفادي العنف والسير بالعملية الإصلاحية قدماً إلى الأمام وتحت قيادة الرئيس السوري بشار الأسد.

أما أردوغان، الذي دعا له البعض في يوم من الأيام (وأنا منهم) كي ينصره الله على أعدائنا الصهاينة (إثر معاركه الكلامية معهم)، فيبدو أنه الآن بحاجة لدعاء أكثر حرارة وأشد عمقاً، كي يخرجه الله من حالة التخبّط التي يعيشها، والتي تجعله ينتظر ولو إشارة، تأتي من بعيد، علّها تحمل له خشبة إنقاذ من الورطة السياسية والاستراتيجية التي وضع نفسه فيها.

الجمعة، أبريل 06، 2012

ليبيا تموت.. بأيدي ثوّارها


 ثروات ليبيا كانت تُنهب، وما زالت تُنهب. أبناء ليبيا كانوا يُقتلون، وما زالوا يُقتلون. كانت جهة واحدة تقمع كل الآخرين، الآن الكل يقمع الكل، في أبشع صورة لاستغلال النفوذ وصرف القوة في ممارسات لا يقرّها عقل ولا شرع.

محمود ريا
لا ترحّم على معمّر القذّافي فهو ارتكب من الفعائل ما يجعل الحديث عنه مشوباً بالمرارة.
ولكن من جاء بعده لا يترك فرصة إلا للقول: أي الداهيتين أدهى، وأي البلاءين أكثر إيذاء لأبناء ليبيا؟
وهل ما يزال ممكناً الحديث عن ليبيا، ككيان واحد، ودولة موحدة؟
لقد فكك هؤلاء التجار ـ تجار السياسة والدين والدم ـ مفاصل البلاد، وجعلوا منها نتفاً ومزقاً، فتصبح النظرة إلى خريطة البلاد محاولةً لاختزان صورة قد تختفي في الأيام المقبلة، لتحلّ محلها خريطة أخرى، لدول الطوائف، المتناحرة فيما بينها، المتقاتلة على المغانم، المتنافسة على ثروات البلاد، فيما العالم من الخارج يتفرّج على سقوط القتلى ودمار المؤسسات وتحطّم الحلم بقيامة كانت أملاً للعرب والمسلمين.
لقد أحبط المتحكّمون بليبيا اليوم كل الأحلام الوردية، عند البعض، عن استعادة ليبيا إلى الأمة، كدولة راشدة، واعية، ليست عظمى ولكنها عظيمة بأهلها، ليست جماهيرية ولكنها ملك لجماهيرها المنتشرة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ومن شرق الشرق إلى غرب الغرب.
أحبطوا الحلم بأن تنضم ليبيا إلى جوّ عربي إسلامي، سينشأ بعد الثورات، تكون قضية فلسطين الرمز الأول له، ويكون العمل لتحريرها هو جهد الجاهدين، وطموح العاملين.
لا الجو المرجو تشكّل، ولا "ثوّار" ليبيا انضموا له، لتبقى فلسطين كما هي، يتيمة بين لئام العرب.
بين برقة وفزّان، ومصراته والزنتان، والجبل الأخضر وبنغازي وطرابلس المنكوبة وسبها المدمّرة، يدمى القلب وتدمع العين، لتتحوّل مأساة ليبيا السابقة إلى ملهاة حاضرة، ولا أحد يدري شيئاً عن كوابيس المستقبل.
ثروات ليبيا كانت تُنهب، وما زالت تُنهب. أبناء ليبيا كانوا يُقتلون، وما زالوا يُقتلون. كانت جهة واحدة تقمع كل الآخرين، الآن الكل يقمع الكل، في أبشع صورة لاستغلال النفوذ وصرف القوة في ممارسات لا يقرّها عقل ولا شرع.
والأنكى من كل ذلك، أن زعيم ليبيا السابق عاند الغرب فترة، ثم عاد ليسير في صفّه مؤخراً، وقدّم كل ما يمكن تقديمه للأميركيين، من اموال وأسرار نووية وخدمات استخبارية، ولكنّه حاول أن يحافظ على غطاء من العنجهية المعادية للغرب. اليوم، يسير قاتلو معمّر القذافي في النهج نفسه، بل هم يضعون كل ليبيا ومقدّراتها ومستقبلها ومصيرها بيد الغرب، الغرب الأميركي، والغرب الناتوي، والغرب العربي المتمثل بأتباع الغرب من قطريين وسعوديين وغيرهم من المستغربين.
ليبيا تموت، على أيدي من كان مفترضاً أن يعملوا على إحيائها وتخليصها مما تعانيه.
ليبيا تنهار على أيدي أبنائها من الثوّار.
هل نكفر بالثورة والثوّار؟

القمّة التي نريد



 قمّتهم انتهت قبل أن تبدأ، وقمّتنا مستمرة، ما بقيت فلسطين، وبقي أمل بمستقبل مشرق، وبقي رجال يقفون في وجه الإملاءات الغربية، مهما بلغت التضحيات.
محمود ريا
28-03-2012

جميل أن يجتمع العرب. جميل أن تحتضن القادة والزعماء عاصمة عربية كل عام، ومفرح للقلب أن يكون هذا الاجتماع دوّاراً بين الدول.
كنا صغاراً، وكانت متعتنا أن نتابع شاشات التلفزة وهي تنقل مباشرةً، نعم مباشرةً، وصول طائرات الزعماء، واحدة بعد أخرى، إلى مطار الدولة التي حظيت بشرف عقد القمة على أرضها.
ملك، وراءه أمير، ثم رئيس يتلوه رئيس، وطائرة بعد طائرة، ونحن متسمّرون أمام الشاشة، نرى الصور المباشرة، ونستمع إلى المذيع ـ ذي الصوت الجهوري ـ يشرح لنا: وصلت طائرة جلالته، استقرّت طائرة سموّه على أرض المطار، نزل سيادته من على سلّم الطائرة، وكان في استقبال فخامته فخامة نظيره...
وبين البرهة والأخرى، وحين لا يكون هناك طائرات في الجو، أو في أرض المطار، كنا نتمتّع بالاستماع إلى معلومات المذيع إياه ـ ذي الصوت الجهوري ـ يتحدث عن الجامعة العربية، وتاريخ تأسيس الجامعة العربية، وأهمية الجامعة العربية، وإنجازات الجامعة العربية.
كنّا صغاراً، ولكن هذا الأمر لم يعفنا من اكتشاف خطأ هنا لزعيم، وأخطاء هناك لمن هو أكبر منه سنّاً، أو أوهن منه عظماً، فكنّا نضحك ببراءة، نحن التلاميذ الصغار، على من يُفترض أن يكون قدوة، وهو ينصب الفاعل ويرفع المفعول به، في كلمة مكتوبة بين يديه، لا بدّ أن تكون الكلمات فيها مضمّخة بالحركات النحوية.
وفي كل قمة كانت تتكرر المسألة، وكنا نستمع للخطابات، وأكثرها كان مكرّراً ممجوجاً لا حياة فيه، ولكننا كنّا نستمع، لأن هؤلاء هم زعماء العرب، وهذه هي قمتهم.
إلى أن جاء يوم واختلفت الصورة.
رأينا زعيماً عربياً يتحدث، ليس عن ورقة، ويحكي، ليس بلغة خشبية متيبّسة، وينطلق في الشرح والتحليل وتفسير الأمور وحثّ الهمم وطرح الحلول.
خفنا عليه، كما خاف منه كثيرون.
في كل قمة كانت الصورة تصبح أكثر جلاءً: هذا صنف آخر من الزعماء، ليس محنّطاً، ولا يقرأ ما يكتبه المستشارون، ولا يعاني في تهجئة الكلمات، حتى إنه يُخرج الأحرف من مخارجها، ويعطي العبارة النَفَس المناسب لها، مقترناً مع الفعل الذي يحتويها.
وفي كل قمة، وكانت القمم قد أصبحت عادة سنويّة، كانت الصورة تتكرر، ولكن دون إحساس بالملل هذه المرّة.
وخفنا.
هؤلاء لن يقبلوا بأن يأتي من سيكون طرفاً في مقارنة لن تكون لمصلحتهم أبداً.
تآمروا عليه مرّة بعد مرّة، ولم يتركوا وسيلة إلا واتّبعوها من أجل إقصائه، أو تطويعه، أو حتى إنهاء وجوده.
ولم ينجحوا، وكان يبقى حاضراً.
قبل 2003 وبعد 2003، قبل 2005 وبعد 2005، قبل 2006 وبعد 2006، قبل 2008 وبعد 2008، وكانوا يتآمرون.. وكان يبقى.
في 2012 يبدو أنهم نجحوا.
اجتمعوا دون حضوره، ظنّاً منهم أنهم استطاعوا تحييده من دربهم.
في 2012، ليست ناجحة محاولتهم.

لقد كبرنا، (وربما هرمنا؟)، ولم نعد نفرح بهبوط الطائرات وإقلاع الطائرات، وبصوت المذيع الجهوري يشرح ويوضح مستقبلاً ومودّعاً.
لقد كبرنا، (وربما هرمنا؟)، ولم نعد نفرح بهبوط الطائرات وإقلاع الطائرات، وبصوت المذيع الجهوري يشرح ويوضح مستقبلاً ومودّعاً.
لقد كبرنا، وفهمنا ماذا فعل هؤلاء فينا.
لن ننتظر كلماتهم التي كتبها مستشاروهم، ولن نجلس نتندّر على أخطائهم، وعلى تفاهاتهم.
فليعقدوا قمّتهم، لأنها لا تعنينا. ونحن ننتظر في شوارع مدينة جريحة الكلمات التي يتلهّف سمعُنا لأن تطرقه حاملةً له الموقف الحقيقي، الموقف القوي الذي لا يتزحزح.
هذه ليست قمّتنا، ليست القمّة التي نريد.
قمّتنا يكون فيها زعماء عرب، يتخذون مواقف لمصلحة أوطانهم وشعوبهم، ولمصلحة الأمة، مواقف تنبع منهم، ومن إيمانهم ومن مبادئهم، وليست مواقف تُملى عليهم، وتسيّرهم عبر "الريموت كونترول".
قمّتهم انتهت قبل أن تبدأ، وقمّتنا مستمرة، ما بقيت فلسطين، وبقي أمل بمستقبل مشرق، وبقي رجال يقفون في وجه الإملاءات الغربية، مهما بلغت التضحيات.

الخميس، أبريل 05، 2012

أوراق أجنبية في يد سوريا


المراقب الموضوعي يبقى بانتظار تأكيد رسمي لهذه الأخبار كي يبني عليها قراءات لتداعياتها على المستويات المحلية والإقليمية والدولية على حد سواء

محمود ريا
26-02-2012
تتكاثر الأخبار التي تتحدث عن إلقاء القبض على عشرات الأجانب في مدينة حمص، ولا سيما في حي باب عمرو، حيث استطاعت السلطات السورية تحقيق الكثير من الإنجازات الميدانية في مواجهتها مع المسلحين الذي كانوا يتمترسون في الحي.

وبالرغم من أن الأخبار في هذا المجال بلغت حد التواتر، فإن المراقب الموضوعي يبقى بانتظار تأكيد رسمي لهذه الأخبار كي يبني عليها قراءات لتداعياتها على المستويات المحلية والإقليمية والدولية على حد سواء.

السلطات السورية تتمهل في الإفراج عن المعلومات الرسمية المتعلقة بأصل اعتقال هؤلاء، فضلاً عن الكشف عن جنسياتهم والدول التي قدموا منها. وفي هذا التمهّل الكثير من الحكمة، وكذلك الكثير من الدلالات التي تشير إلى رباطة جأش وإمساك بالتفاصيل وقدرة على التحكم بمسار الأمور، لأن التروّي في نشر أسماء المعتقلين وانتماءاتهم يعني أن السلطات ليست بحاجة إلى هذه الأوراق في مواجهتها لما تعيشه سوريا من تطورات، وبالتالي هي ليست بحاجة لحرق هذه الأوراق واستهلاكها في سبق إعلامي لا يلبث أن يخبو بعد ساعات أو أيام.

وبغض النظر عن مدى دقة المعلومات التي تتناقلها وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية عن المعتقلين، وعن الأجهزة التي ينتمون إليها، وحتى عن الجيوش الذين ينتظمون في تشكيلاتها، فإن ما لا شك فيه أن هناك صيداً ثميناً، هو أكثر من طريدة، ومن أكثر من لون، بات في قبضة السلطات، حسب ما توحي به تسريبات واردة من مقربين من القيادة السورية، كما أن معالجة أمر هؤلاء المعتقلين يتم بهدوء ودون جلبة ومع الجهات المعنية.

وحتى ولو لم يصرّح المسؤولون في دمشق عما بات بحوزة الأجهزة الأمنية من طرائد، فإن ما يقوم به أعداء النظام في سوريا كافٍ لتكوين صورة أولية عمّا يحدث على الأراضي السورية من تدخلات أجنبية، من عرب وعجم، بهدف دعم الحركة المناهضة لهذا النظام والانخراط في نشاطاتها المتنوّعة، عسكرياً وأمنياً وإعلامياً وتعبوياً.

فمن نعي المقاتلين الليبيين الثلاثة الذين قُتلوا في حمص، إلى زف قبيلة كويتية لاثنين من أفرادها قتلا في ريف دمشق، إلى مقتل الصحافيين الأجانب الذين دخلوا إلى حمص بطريقة غير شرعية، إلى ما نشرته شبكة "فولتير.نت" الفرنسية عن اعتقال ضباط مخابرات فرنسيين على الأراضي السورية، كل هذه المعطيات تجعل الأخبار الواردة من مصادر قريبة من النظام ـ عن اعتقال ضباط استخبارات أتراك وفرنسيين وقطريين وغيرهم ـ أمراً يتجاوز دائرة الاحتمال ليدخل في دائرة الترجيح، إن لم يكن تخطاها أيضاً إلى دائرة تأكيد الحصول.

إن أوراقاً كهذه التي ينتظر الكشف عنها في الوقت المناسب هي مكتسبات مهمة لمصلحة القيادة السورية في معركتها مع الغرب

إن أوراقاً كهذه التي ينتظر الكشف عنها في الوقت المناسب هي مكتسبات مهمة لمصلحة القيادة السورية في معركتها مع الغرب والموالين له من العرب. ومع ما هو مشهور عن هذه القيادة من طول أناة وهدوء في التعامل مع الأوراق التي بين أيديها، فإن الأيام المقبلة قد تشهد العديد من المؤشرات، التي يمكن اتخاذ عودة السفير الفرنسي المفاجئة إلى دمشق نموذجاً لها.

جوبيه.. ومعادلات "خلاف المنطق"

إن مراعاة إسرائيل إلى درجة معاقبة أعدائها أمر "خلاف المنطق" سيؤدي بالتالي إلى نتائج لا منطقية، ليس أقلها كفر الناس بالقوانين الدولية التي يتنطّح أناس مثل جوبيه و"جماعته" لتطبيقها.

محمود ريا
10-02-2012
جميل ما قاله وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه، جميل وواضح.
"لقد شددنا العقوبات على إيران في محاولة لمنع إسرائيل من شنّ هجوم عليها".
كلمات دقيقة، معبّرة، لا تحتاج إلى تفسير أو تأويل، مفعمة بالمنطق، بل هي أشبه بمعادلة رياضية لا تُدحض، معادلة على شاكلة "واحد زائد واحد يساوي اثنين"
من أجل تعميم الفائدة لا بد من ذكر التصريح بشيئ من التفصيل، فهو تصريح يشكّل فتحاً في علم السياسة، ويمكن أن تؤسّس عليه نظريات في العمل السياسي الدولي، بما يساهم بحل العديد من المشاكل الدولية.
لقد ذكّر جوبيه بإقرار"عقوبات غير مسبوقة" ضد طهران وبرنامجها النووي، لتجنيب "إسرائيل شنّ عملية عسكرية عليها".
وقال: "فرنسا تقول للمسؤولين الإسرائيليين إنّ التدخل يمكن أن تنجم عنه عواقب يتعذّر اصلاحها، لذلك يتعيّن القيام بكل شيء لتجَنّبه"، موضحا أنّه "من أجل تجَنّبه، قرّرنا... تطبيق عقوبات غير مسبوقة"، مذكراً بـ"تجميد أرصدة البنك المركزي" الايراني، وفَرض "حظر على الصادرات النفطية" الايرانية.
كلام سليم: هناك تهديد من طرف لطرف آخر، ويجب منع هذا التهديد من أن يُنفّذ، فنأتي إلى الطرف المهدَّد ونفرض عليه ضغوطاً شديدة، كي لا يتمكن المهدِّد من تنفيذ تهديده.
أليست معادلة رياضية هذه التي أطلقها جوبيه؟
أليست لمعة في علم السياسة لا بد من محاولة الاستفادة منها؟
أليست جملة مغرقة في المنطق، يمكن تحويلها إلى قاعدة في سبل التعامل مع الدول؟
سيد جوبيه يقترح معاقبة إيران لإن "إسرائيل" تهددها.
ولكن مهلاً..
لماذا لا نفكّر بطريقة أخرى؟
لماذا لا نذهب إلى الطرف المهدِّد، ونقمعه، لماذا لا نذهب إلى "إسرائيل" ونردعها عن الاعتداء.. وعن التهديد؟
هنا نكون قد دخلنا في دائرة "خلاف المنطق".
نكون قد كسرنا الخطوط الحمراء، وحطّمنا كل المحرّمات.
أوروبا لا يمكنها أن تهدد "إسرائيل"، أوروبا لا يمكنها أن تقمع "إسرائيل"، أوروبا لا يمكنها أن تمنع إسرائل من الاعتداء على الدول العربية.
لا يمكنها أن تأمرها، ولا أن تطلب منها، ولا حتى أن ترجوها أن تكفّ أذاها عن دول المنطقة.
إن السيد جوبيه، ومعه فرنسا، ومعها كل أوروبا، في حالة عجز عن توجيه كلمة لوم أو عتاب إلى "إسرائيل"، ولذلك، ومن أجل الحيلولة دون تحوّل تهديداتها إلى أفعال، تقوم القارة المتحضّرة بفرض أشد العقوبات على إيران.
هكذا باتت السياسة في عالمنا، وهكذا صار السياسيون يتعاملون مع القضايا الدولية.
إن استخفافاً كهذا بكل المواثيق والقوانين الدولية، لا بل ببديهيات العلاقات بين الناس وبين الدول، وإن تحطيماً مثل هذا لكل القواعد والمعادلات، لا يمكن أن يجر على العالم إلا ما يشهده هذه الأيام من توتّر متصاعد، ومن خطر انفجار الحروب في كل مكان، بما يهدد الأمن والسلام الدوليين.
إن مراعاة إسرائيل إلى درجة معاقبة أعدائها أمر "خلاف المنطق" سيؤدي بالتالي إلى نتائج لا منطقية، ليس أقلها كفر الناس بالقوانين الدولية التي يتنطّح أناس مثل جوبيه و"جماعته" لتطبيقها.

قناة العرب.. خبر العرب


ليس الخبر جديداً، ولكن لا بأس بأن نتذكّر تفاصيله ونحن نرى هؤلاء الأعراب يظنون أنهم يديرون بلدانهم، فيما هم مجرّد دمى يديرهم من هو وراءهم.

محمود ريا
29-12-2011

واحد من أهم الأخبار التي سمعناها خلال العام 2011 خبر ورد في الأيام الأخيرة من العام، ليحتل القمة بلا منازع.
بسرعة ودون مقدمات، الخبر هو اعتزام الوليد بن طلال نقل مجموعته الإعلامية أوربيت إلى البحرين، ومعها القناة الإخبارية الجديدة التي ينوي إطلاقها العام المقبل، والتي تحمل اسم "العرب".
ليس غريباً أن يسبب اختيار هذا الخبر كـ "خبر العام" صدمة عند الكثيرين من القرّاء، الذين كانوا يتوقعون مثلاً أن يكون الخبر الأهم هذا العام هو ما حصل في مصر أو ما يحصل في سوريا، أو حتى انتخابات روسيا أو تغييرات كوريا الشمالية.
كلا. خبر "العرب" هو خبر العرب.
هذه القناة التي وعد القيّمون عليها المشاهدين "بالتميّز وتقديم شيء مختلف"، ستنطلق من البحرين.
أما لماذا من البحرين بالذات، فهذا ما كشفته وكالة رويترز التي قالت إن هذه الخطوة "تعكس الجهود السعودية لمساندة حكومة البحرين التي تضرر اقتصادها من جراء احتجاجات شهدتها البلاد هذا العام".
"بداية موفقة" لقناة يقول مُطلقها "الأمير الوليد بن طلال بن عبد العزيز" إنها ستتميز بسقف عال من الحرية، مراهناً على نجاحها ومنافستها للقنوات الإخبارية العالمية.
من البحرين؟
هنا السؤال.
إذا كان أمير قطر يغض الطرف عن انتفاضة شعب البحرين البطولية وهي تجري في الجزيرة القريبة جداً من دولته العملاقة، فيمنع قناته "الجزيرة"، من تغطية أخبار هذه الانتفاضة، وإذا كان ملك السعودية يوصي "عربيته" بأن لا تذكر شيئاً عما يحصل في الدولة الجارة، فكيف سيستطيع هذا الأمير السعودي أن يتغاضى عن التظاهرات التي تجري تحت أنفه؟
بل كيف سيستطيع أن يكتم أصوات المتظاهرين التي تدخل إلى استوديوهات قناته، قناة العرب؟
أم لعلّ البحرانيين الذين ينتفضون في وجه جلاوزة حمد وآل خليفة ليسوا عرباً، فلا تهتم قناة العرب لأمرهم.
إن قرار انطلاق قناة العرب من البحرين يستحق أن يكون نموذجاً حقيقياً لكيفية تعاطي هؤلاء الأعراب مع قضايا المنطقة.
هؤلاء الذين يحرّمون التظاهرات في شوارع مدنهم، لأنها خروج على "ولي الأمر"، فيما هم يموّلون ويدعمون ـ لا بل ويثيرون ـ الاضطرابات والهيجان في دول أخرى.
هؤلاء الذين لا يعرفون معنى الديموقراطية، والذين يعتبرونها كفراً، ومن ثمّ هم يبشّرون بها في غير دولهم، ويقيمون لها محطات تلفزيونية وصحفاً دولية، ويستخدمون نفطهم الأسود لتزيين وجوه المذيعين وتعبئة أقلام الكتّاب.
هذا هو نمط تعاطي الأعراب مع الأحداث، وهكذا هم يؤسسون لمستقبلهم، وهكذا يصرفون أموالهم.
ليس الخبر جديداً، ولكن لا بأس بأن نتذكّر تفاصيله ونحن نرى هؤلاء الأعراب يظنون أنهم يديرون بلدانهم، فيما هم مجرّد دمى يديرهم من هو وراءهم.
ليس الخبر جديداً.. ولكنه هو خبر العام.