الخميس، أبريل 05، 2012

جوبيه.. ومعادلات "خلاف المنطق"

إن مراعاة إسرائيل إلى درجة معاقبة أعدائها أمر "خلاف المنطق" سيؤدي بالتالي إلى نتائج لا منطقية، ليس أقلها كفر الناس بالقوانين الدولية التي يتنطّح أناس مثل جوبيه و"جماعته" لتطبيقها.

محمود ريا
10-02-2012
جميل ما قاله وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه، جميل وواضح.
"لقد شددنا العقوبات على إيران في محاولة لمنع إسرائيل من شنّ هجوم عليها".
كلمات دقيقة، معبّرة، لا تحتاج إلى تفسير أو تأويل، مفعمة بالمنطق، بل هي أشبه بمعادلة رياضية لا تُدحض، معادلة على شاكلة "واحد زائد واحد يساوي اثنين"
من أجل تعميم الفائدة لا بد من ذكر التصريح بشيئ من التفصيل، فهو تصريح يشكّل فتحاً في علم السياسة، ويمكن أن تؤسّس عليه نظريات في العمل السياسي الدولي، بما يساهم بحل العديد من المشاكل الدولية.
لقد ذكّر جوبيه بإقرار"عقوبات غير مسبوقة" ضد طهران وبرنامجها النووي، لتجنيب "إسرائيل شنّ عملية عسكرية عليها".
وقال: "فرنسا تقول للمسؤولين الإسرائيليين إنّ التدخل يمكن أن تنجم عنه عواقب يتعذّر اصلاحها، لذلك يتعيّن القيام بكل شيء لتجَنّبه"، موضحا أنّه "من أجل تجَنّبه، قرّرنا... تطبيق عقوبات غير مسبوقة"، مذكراً بـ"تجميد أرصدة البنك المركزي" الايراني، وفَرض "حظر على الصادرات النفطية" الايرانية.
كلام سليم: هناك تهديد من طرف لطرف آخر، ويجب منع هذا التهديد من أن يُنفّذ، فنأتي إلى الطرف المهدَّد ونفرض عليه ضغوطاً شديدة، كي لا يتمكن المهدِّد من تنفيذ تهديده.
أليست معادلة رياضية هذه التي أطلقها جوبيه؟
أليست لمعة في علم السياسة لا بد من محاولة الاستفادة منها؟
أليست جملة مغرقة في المنطق، يمكن تحويلها إلى قاعدة في سبل التعامل مع الدول؟
سيد جوبيه يقترح معاقبة إيران لإن "إسرائيل" تهددها.
ولكن مهلاً..
لماذا لا نفكّر بطريقة أخرى؟
لماذا لا نذهب إلى الطرف المهدِّد، ونقمعه، لماذا لا نذهب إلى "إسرائيل" ونردعها عن الاعتداء.. وعن التهديد؟
هنا نكون قد دخلنا في دائرة "خلاف المنطق".
نكون قد كسرنا الخطوط الحمراء، وحطّمنا كل المحرّمات.
أوروبا لا يمكنها أن تهدد "إسرائيل"، أوروبا لا يمكنها أن تقمع "إسرائيل"، أوروبا لا يمكنها أن تمنع إسرائل من الاعتداء على الدول العربية.
لا يمكنها أن تأمرها، ولا أن تطلب منها، ولا حتى أن ترجوها أن تكفّ أذاها عن دول المنطقة.
إن السيد جوبيه، ومعه فرنسا، ومعها كل أوروبا، في حالة عجز عن توجيه كلمة لوم أو عتاب إلى "إسرائيل"، ولذلك، ومن أجل الحيلولة دون تحوّل تهديداتها إلى أفعال، تقوم القارة المتحضّرة بفرض أشد العقوبات على إيران.
هكذا باتت السياسة في عالمنا، وهكذا صار السياسيون يتعاملون مع القضايا الدولية.
إن استخفافاً كهذا بكل المواثيق والقوانين الدولية، لا بل ببديهيات العلاقات بين الناس وبين الدول، وإن تحطيماً مثل هذا لكل القواعد والمعادلات، لا يمكن أن يجر على العالم إلا ما يشهده هذه الأيام من توتّر متصاعد، ومن خطر انفجار الحروب في كل مكان، بما يهدد الأمن والسلام الدوليين.
إن مراعاة إسرائيل إلى درجة معاقبة أعدائها أمر "خلاف المنطق" سيؤدي بالتالي إلى نتائج لا منطقية، ليس أقلها كفر الناس بالقوانين الدولية التي يتنطّح أناس مثل جوبيه و"جماعته" لتطبيقها.

ليست هناك تعليقات: