الجمعة، فبراير 03، 2006

مواجهة التعدي على مشاعر المسلمين تبدأ بالاستنكار ولا تقف عند إجراءات أكثر جذرية



مع توسع حملة التحدي الغربية لمشاعر المسلمين وانتشار فيروس الكاريكاتورات المسيئة للرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى أكثر من صحيفة، و"اكتشاف" حالات في دول أخرى غير البلد الحاضن الأول للفيروس ـ أي الدانمارك ـ كان لا بد من تصاعد حملة المكافحة لهذا الخلل الخطير الذي قد يتحول إلى وباء شامل يترك آثاره على الكثير من دول العالم وعلى العلاقات بين دول الشرق والغرب، في حين يكون السبب مجموعة من المجرمين المرتبطين بلا شك بمؤامرة باتت واضحة المعالم.

الخطر الذي تحتضنه الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لرسول الله محمد صلى الله عليه وآله يتمثل في كون هذه الرسوم تتحرك تحت عنوان حرية التعبير التي يحافظ عليها الغرب عندما يكون ضحية هذه الحرية فريق ضعيف يعتقد انه مغلوب على أمره، في حين أن الافرقاء الذين يمكلون "أنياباً إعلامية وقانونية وسلطوية" قوية لا يمكن التذرع أمامهم بحرية التعبير، ويبتعد "الأحرار" عنهم حرصاً على السلامة وهروباً من سوء العاقبة.
نتيجة لهذا الواقع يصبح البحث عن "عدالة ما" تحكم علاقة الغرب ـ بتقاسيمه الرسمية والمدنية ـ أمراً خارجاً عن نطاق البحث، لأن الاتكال على عدالة من هذا النوع يدخل في إطار السلبية المطلقة في التعاطي مع الأحداث. وإذا كانت هذه السلبية مسكوت عنها في قضايا كثيرة مرت على الأمة وما زالت تمر، فإن القضية المطروحة حالياً باتت خارج دائرة السكوت لأنها تمس صلب معتقدات المسلمين الذي تشير آخر الإحصائيات أنهم أصبحوا أكثر من مليار وأربعمئة مليون شخص، أي ما يوازي خمس سكان العالم على الأقل.
وهكذا فان عدم القيام بأي رد فعل على هذه الجريمة المتمثلة بنشر الرسوم الكاريكاتورية يساوي السكوت على محو هوية هؤلاء المسلمين الدينية والحضارية، والتهاون في هذا الإطار يؤسس لعلاقة سلبية بالغة السوء بين الإعلام الغربي ومقدسات المسلمين.
ولعلّ هذا الإعلام انكفأ في مرحلة ما عن التعاطي بسلبية مطلقة مع المسلمين إثر الفعل الحاسم الذي قام به الإمام الخميني الراحل رضوان الله تعالى عليه في مواجهة الإساءة التي قام بها الكاتب المرتد سلمان رشدي في أواخر الثمانينات من القرن المنصرم، حيث أدت التوى بارتداده ومن ثم الدعوة إلى قتله إلى اختفائه تماماً عن المسرح الدولي وهدد أي متطاول مثله بفتوى تجعله هو أيضاً في عداد المطاردين والمطرودين من الحياة العامة.
هذا الفعل الخميني، وإن لم يتحول إلى واقع ملموس، فهو وضع المتطاولين أمام مصير يهربون منه، وهكذا خفتت الإساءات المباشرة إلى المقدسات الإسلامية الكبرى، وتحول اهتمام الغربيين ـ وبعض الشرقيين المحسوبين عليهم ـ إلى الإساءة إلى المسلمين بشكل عام، بعيداً عن المسائل الحساسة في معتقداتهم.
إلا أن هذا الكبح الذي مثّلته فتوى الإمام الخميني ومعها الغضبة الإسلامية الكبرى لرسول الله صلى الله عليه وآله، اعترضته الأحداث التي شهدتها امتنا خلال السنوات الماضية والهجمة الشرسة على هذه الأمة منذ تفجيرات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، حيث وضعت الأمة بمعتقداتها وأشخاصها وأفكارها ودولها في سلة الإرهاب دفعة واحدة دون أي تمييز بين مسلم وآخر.
ولعل قضية الرسوم الكاريكاتورية جاءت بمثابة نقطة الماء الأخيرة التي جعلت الكيل يطفح ويدفع بملايين المسلمين إلى الشوارع ليعبروا عن رفضهم للإساءة إلى مقدساتهم، ووحد هؤلاء المسلمين في حملة مقاطعة شاملة لمنتجات الدانمارك التي وقف رئيس وزرائها أندرس فوغ راسموسن وراء حملة صحيفة يولاند بوستن الكاريكاتورية ضد المقدسات الإسلامية.
ومع توسع الحملة المعادية للمعتقدات الإسلامية لتشمل النروج، ومن ثم فرنسا، وبعدها دول أوروبية أخرى، فان حملة المواجهة الإسلامية تبدو في طريقها لتشمل كل البلاد الإسلامية دون استثناء.
وإذا كانت التحركات الرسمية للمواجهة ما زالت تحت الحد المطلوب، فإن الشعوب التي استفزتها هذه الإهانة الكبرى لمقدساتها تعمل على تنويع خيارات المواجهة، ابتداء من التظاهر والتعبير عن السخط والاستياء مروراً بالمقاطعة الاقتصادية الشاملة للمنتجات الدانماركية ـ وما يليها ـ وصولاً إلى إجراءات أكثر جذرية قد تبدأ بالبروز في الأيام المقبلة في حال استمرت موجة انتشار "الفيروس القاتل" بين الصحف الأوروبية.
محمود ريا

ليست هناك تعليقات: