أكره مشاهدة حفلات "المصارعة الحرة" تلك التي تعرضها المحطات التلفزيونية، وفيها كمية زائدة عن كل حد من العنف والضرب والتصرفات التي تخرج عن أي إطار أخلاقي.
إلا أن هناك نوعاً آخر من المصارعة يحس الإنسان بمتعة في مشاهدته، هو ذلك الذي يطلق عليه اسم المصارعة الرومانية على ما أعتقد، حيث يلتحم المصارعان ـ المتكافئان بنية وقدرة ـ في معركة يلعب فيها الذكاء والليونة وقدرة التحمل الدور الأكبر في تثبيت الخصم، ومن ثم ربح الجولة، وذلك وفق قوانين دقيقة ومراقبة حثيثة من الحكم الجاهز دائماً للتدخل.
كان الناس ـ مسؤولين وأشخاصاً ـ يظنون أن ما يجري في المنطقة هو حفلة من المصارعة الحرة يدخل فيها مصارع ضخم الجثة إلى الساحة كي يفتك بالمصارع الآخر الذي يتحمل الضرب دون أن يكون لديه أي قدرة على الرد، ويمارس القوي كل أنواع الإجرام بحق منافسه حتى يفوز بالمباراة.
ما يراه الذين يدققون النظر في ما يجري أن مباراة المرحلة هي مباراة تخضع لقوانين بالغة الدقة، يعلو لاعب فيها منافسه ثم يعود المنافس لاعتلاء الآخر وهكذا، في حركات فنية لا تلفت الإنسان العادي ولكنها "تمتع" المراقب الخبير الذي لديه اطلاع دقيق على المعطيات المكوّنة لميزان القوة بين المتنافسين.
ليس المهم في هذه المباراة كمية التقلبات التي يقوم بها المصارعان، وإنما من يثبّت الآخر في النهاية.
محمود ريا
السبت، ديسمبر 24، 2005
الجمعة، ديسمبر 16، 2005
دعوة لدفن الأحقاد
دعوة الأب المفجوع غسان تويني من قرب نعش ابنه المغدور لدفن الأحقاد والخلافات لا يبدو أنها تجد صداها عند الذين يرفضون أن يجعلوا من تضحية جبران تويني (وربما التضحية به؟) محطة للانطلاق في طريق مختلف تماماً عن ذلك الذي تساق الأمور فيه، وبشكل يدفع إلى تذكّر ذلك القول الشهير: يرضى القتيل، ولا يرضى.. الذين يريدون أن يستفيدوا من مقتله على كل الوجوه.
كلمات واعية، أنضجها الحزن المفجع، وأعطاها بُعدها الحقيقي العمر الطويل والتجربة التي خاضها ذلك الرجل الأشيب، الذي مرّ على رأسه الكثير، وعرف ما شهده لبنان على مدى عقود، وربما يكون انطلق في كلماته مما يشعر أنه يحاك للبنان في المستقبل.
وربما لا يلاقي كلام "العميد غسان" قرب ساحة النجمة، إلا الكلام الذي قيل تحت قبة البرلمان، في ساحة النجمة نفسها.
طبعاً ليس المقصود ذلك الكلام الغوغائي الاستفزازي الاستنفاري الذي لا يعبر عن منطق ولا يوصل إلا إلى الخراب، وإنما الكلام الهادئ الذي فيه دعوة إلى "حفظ الوحدة الوطنية وقطع الطريق أمام كل حالات الانقسام عبر الحوار".. "الحوار الذي لا ينبغي أن يمل بعضنا منه، لأن الخيارات الأخرى باهظة الثمن والتكاليف".
من كان أقرب من محمد رعد إلى دعوة غسان تويني أول من أمس؟
متى تعود لغة العقل لتحكم في هذه البلاد؟
محمود ريا
الأحد، ديسمبر 11، 2005
Shall we reach the truth?
It was said that there are four kinds of judges; three will end in hell whereas one (alone) will end in paradise.
The three judges that will end in hell are:
1- A judge that rules with injustice while perceiving that he is ruling with injustice.
2- A judge that rules with injustice while thinking that he is ruling with justice.
3- A judge that rules with justice thinking he is ruling with injustice.
On the other hand, the judge that will end in heaven is the judge that rules with justice while perceiving that he is ruling with justice.
This saying will first come to mind as justice, judges, litigants — and ill-treated victims occupy the major part of the picture, leaving only a small part for other interests.
The hearts of the people will break the instant they hear about justice throughout history and the wonders regarding judges who were bribed in order to twist the facts by changing what is right and what is wrong.
Even if the stages do not progress to reach the stage of trial, but freeze at the stage of investigation, yet the beginning of the road will indicate its end. In her beloved rural accent, my mother used to say, “What you place in the pot will be found in the ladle.”
We can only ask: With what kind of judges are we coexisting with? How can we reach the truth based on their judgment? How can the truth emerge, crystal clear, out of this vast amount of decay and out of the black corridors and back stages where no one knows what is happening—but through the stench that bothers the noses from time to time?
Shall we reach the truth?
Mahmoud Raya
The three judges that will end in hell are:
1- A judge that rules with injustice while perceiving that he is ruling with injustice.
2- A judge that rules with injustice while thinking that he is ruling with justice.
3- A judge that rules with justice thinking he is ruling with injustice.
On the other hand, the judge that will end in heaven is the judge that rules with justice while perceiving that he is ruling with justice.
This saying will first come to mind as justice, judges, litigants — and ill-treated victims occupy the major part of the picture, leaving only a small part for other interests.
The hearts of the people will break the instant they hear about justice throughout history and the wonders regarding judges who were bribed in order to twist the facts by changing what is right and what is wrong.
Even if the stages do not progress to reach the stage of trial, but freeze at the stage of investigation, yet the beginning of the road will indicate its end. In her beloved rural accent, my mother used to say, “What you place in the pot will be found in the ladle.”
We can only ask: With what kind of judges are we coexisting with? How can we reach the truth based on their judgment? How can the truth emerge, crystal clear, out of this vast amount of decay and out of the black corridors and back stages where no one knows what is happening—but through the stench that bothers the noses from time to time?
Shall we reach the truth?
Mahmoud Raya
الجمعة، ديسمبر 09، 2005
الانتخابات المصرية انتهت إلى مجلس "مختلف" ولكن غير مثالي
بين البلطجة والتزوير والإصرار على التعبير عن الموقف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بين البلطجة وغياب الديموقراطية شهدت مصر المرحلة الثالثة والأخيرة من الانتخابات البرلمانية التي أسفرت عن بروز حركة "الإخوان المسلمون" بشكل لافت للنظر، دون أن تتمكن من تحقيق الحلم الذي راود الكثير من قادتها بالوصول إلى حافة المئة مقعد في البرلمان الذي يبلغ عدد أعضائه أربعمئة وأربعة وخمسين نائباً.
لم تنته الانتخابات بشكل نهائي حتى اللحظة، فنتائج بعض الدوائر لم تظهر بعد، وهناك دوائر عديدة، قد لا تزيد عن العشر تنتظر إعادة الانتخابات فيها بسبب شوائب كثيرة عاشتها، ولكن الصورة شبه النهائية للبرلمان بدت واضحة، وكذلك الحدود المتاح للشعب أن يظهر فيها إرادته الحقيقية، بعيداً عن تدخل السلطة لمصادرة خياراته ومنعه من التعبير عن رأيه.
الانتخابات في مصر جرت على ثلاث مراحل، وكانت الجولة التي شهدتها يوم الأربعاء الماضي هي جولة الإعادة لانتخابات المرحلة الثالثة ـ الأخيرة ـ وبناءً على نتيجتها يمكن القول إن البرلمان الجديد صار شبه جاهز للبدء بالعمل.
أهم الملاحظات على هذا البرلمان يمكن تلخيصها بما يلي:
ـ تلوث وجه هذا البرلمان بالكثير من المنغصات التي تشوه صورة الديموقراطية الحقيقية، فهو مجلس للشعب لم يستطع الشعب أن يقول كلمته كاملة فيه، بل بالعكس فإن الكثير من السدود وضعت أمام الناس لمنعهم من ممارسة قناعاتهم الانتخابية بشكل حر ومستقل.
فالعنف الذي شهدته مراحل الانتخابات الثلاث يدل على أن السلطة لم تتمكن من التخلص من نوازع الهيمنة والسيطرة بشكل كامل، وأنها ما زالت تحاول فرض قناعاتها على الناس بالقوة، وما لم تقم به السلطة من خلال جنودها وعناصر شرطتها، قام به "بلطجية" الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم الذي نزلوا بكل قوة الى الشارع للتعبير عن "حضورهم" ولا سيما بعد النتائج المخيّبة التي حصل عليها الحزب الحاكم في المرحلة الأولى من الانتخابات.
ولم تقف الممارسات العنفية عند حدود البلطجة في الشارع، بل تعدّتها إلى التزوير في الصناديق وفي النتائج وصولاً إلى حد قتل المواطنين وإطلاق الرصاص والقنابل المسيلة للدموع عليهم.
وهكذا تلوّث وجه البرلمان القادم بالدم وبحبر التزوير وبوصمة الانحراف عن إرادة المواطنين.
ـ لقد نزل الشعب إلى الشارع، وإن لم يكن بشكل كامل، فإن ما قام به المواطنون حتى الآن يعتبر تقدماً لا بأس به مقارنة مع اللامبالاة التي كانت سائدة في المراحل السابقة، ونزول الشعب استطاع استنقاذ العديد من النتائج من يد السلطة التي كانت "تضمن" في المرات السابقة برلماناً مدجناً ليس للمعارضة فيه سوى أصوات متفرقة متناحرة فيما بينها قبل أن تكون على خلاف مع نواب الحزب الحاكم نفسه. وهذا التحرك الشعبي يبشر بتغيير حقيقي في تعاطي الناس مع القضايا السياسية، ويشير إلى بداية تفهم حقيقي لدور المواطن في اختيار نوابه وقدرته على إيصال من يعبرون عن رأيه من بينهم إلى الندوة البرلمانية.
ـ استكمالاً للملاحظة السابقة يمكن القول إن البرلمان بات يملك صوتين، وإن كان كل صوت لا يقارن بالآخر من حيث القوة والتأثير. فـ"الأخوان المسلمون" لديهم الآن كتلة في مجلس الشعب تزيد على الثمانين نائباً، وهؤلاء يمكنهم أن يشكلوا قلقاً فعلياً للحكومة من خلال قدرتهم على المسائلة والتحقيق بتصرفاتها وأعمالها، في حال تمكنوا من إيجاد آلية تنظم جهودهم وتوزعها على أكبر مروحة من المتابعة الدقيقة للعمل الحكومي.
ـ خرجت مصر من هذه الانتخابات غير مصر التي كانت قبلها، ولكنها ليست مصر التي كان يرجى أن تكون.
صحيح أن الانتخابات الحالية تميزت بإعطاء المواطن حيزاً أكبر من الحرية في الاختيار وفي التقرير، ولكن الممارسات التي لُحظت على هامش هذه الانتخابات لم تسمح بمحو اسم مصر من لائحة دول العالم الثالث، وتسجيله في سجل الدول التي تجري انتخابات حرة ونزيهة، وهذا سيكون له تأثير كبير على الصورة التي تعمل الدولة المصرية للترويج لها عن بلادها في العالم، ولا سيما في ظل حملة البحث عن موقع في صفوف "العالم الحر".
ـ يبقى هناك ملاحظة أخيرة تتعلق بدور مجلس الشعب نفسه، حيث ان البرلمانات في العالم العربي لا تملك الكثير من الأوراق لتلعبها على صعيد العمل السياسي، إذ هي تبقى أقرب إلى المجالس الاستشارية التي تنصح ولا تقرر، إن لم تكن مجرد "ديكورات" لتجميل منظر النظام الحاكم. وليس الوضع في مصر بعيداً تماماً عن هذه الصورة.
محمود ريا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بين البلطجة وغياب الديموقراطية شهدت مصر المرحلة الثالثة والأخيرة من الانتخابات البرلمانية التي أسفرت عن بروز حركة "الإخوان المسلمون" بشكل لافت للنظر، دون أن تتمكن من تحقيق الحلم الذي راود الكثير من قادتها بالوصول إلى حافة المئة مقعد في البرلمان الذي يبلغ عدد أعضائه أربعمئة وأربعة وخمسين نائباً.
لم تنته الانتخابات بشكل نهائي حتى اللحظة، فنتائج بعض الدوائر لم تظهر بعد، وهناك دوائر عديدة، قد لا تزيد عن العشر تنتظر إعادة الانتخابات فيها بسبب شوائب كثيرة عاشتها، ولكن الصورة شبه النهائية للبرلمان بدت واضحة، وكذلك الحدود المتاح للشعب أن يظهر فيها إرادته الحقيقية، بعيداً عن تدخل السلطة لمصادرة خياراته ومنعه من التعبير عن رأيه.
الانتخابات في مصر جرت على ثلاث مراحل، وكانت الجولة التي شهدتها يوم الأربعاء الماضي هي جولة الإعادة لانتخابات المرحلة الثالثة ـ الأخيرة ـ وبناءً على نتيجتها يمكن القول إن البرلمان الجديد صار شبه جاهز للبدء بالعمل.
أهم الملاحظات على هذا البرلمان يمكن تلخيصها بما يلي:
ـ تلوث وجه هذا البرلمان بالكثير من المنغصات التي تشوه صورة الديموقراطية الحقيقية، فهو مجلس للشعب لم يستطع الشعب أن يقول كلمته كاملة فيه، بل بالعكس فإن الكثير من السدود وضعت أمام الناس لمنعهم من ممارسة قناعاتهم الانتخابية بشكل حر ومستقل.
فالعنف الذي شهدته مراحل الانتخابات الثلاث يدل على أن السلطة لم تتمكن من التخلص من نوازع الهيمنة والسيطرة بشكل كامل، وأنها ما زالت تحاول فرض قناعاتها على الناس بالقوة، وما لم تقم به السلطة من خلال جنودها وعناصر شرطتها، قام به "بلطجية" الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم الذي نزلوا بكل قوة الى الشارع للتعبير عن "حضورهم" ولا سيما بعد النتائج المخيّبة التي حصل عليها الحزب الحاكم في المرحلة الأولى من الانتخابات.
ولم تقف الممارسات العنفية عند حدود البلطجة في الشارع، بل تعدّتها إلى التزوير في الصناديق وفي النتائج وصولاً إلى حد قتل المواطنين وإطلاق الرصاص والقنابل المسيلة للدموع عليهم.
وهكذا تلوّث وجه البرلمان القادم بالدم وبحبر التزوير وبوصمة الانحراف عن إرادة المواطنين.
ـ لقد نزل الشعب إلى الشارع، وإن لم يكن بشكل كامل، فإن ما قام به المواطنون حتى الآن يعتبر تقدماً لا بأس به مقارنة مع اللامبالاة التي كانت سائدة في المراحل السابقة، ونزول الشعب استطاع استنقاذ العديد من النتائج من يد السلطة التي كانت "تضمن" في المرات السابقة برلماناً مدجناً ليس للمعارضة فيه سوى أصوات متفرقة متناحرة فيما بينها قبل أن تكون على خلاف مع نواب الحزب الحاكم نفسه. وهذا التحرك الشعبي يبشر بتغيير حقيقي في تعاطي الناس مع القضايا السياسية، ويشير إلى بداية تفهم حقيقي لدور المواطن في اختيار نوابه وقدرته على إيصال من يعبرون عن رأيه من بينهم إلى الندوة البرلمانية.
ـ استكمالاً للملاحظة السابقة يمكن القول إن البرلمان بات يملك صوتين، وإن كان كل صوت لا يقارن بالآخر من حيث القوة والتأثير. فـ"الأخوان المسلمون" لديهم الآن كتلة في مجلس الشعب تزيد على الثمانين نائباً، وهؤلاء يمكنهم أن يشكلوا قلقاً فعلياً للحكومة من خلال قدرتهم على المسائلة والتحقيق بتصرفاتها وأعمالها، في حال تمكنوا من إيجاد آلية تنظم جهودهم وتوزعها على أكبر مروحة من المتابعة الدقيقة للعمل الحكومي.
ـ خرجت مصر من هذه الانتخابات غير مصر التي كانت قبلها، ولكنها ليست مصر التي كان يرجى أن تكون.
صحيح أن الانتخابات الحالية تميزت بإعطاء المواطن حيزاً أكبر من الحرية في الاختيار وفي التقرير، ولكن الممارسات التي لُحظت على هامش هذه الانتخابات لم تسمح بمحو اسم مصر من لائحة دول العالم الثالث، وتسجيله في سجل الدول التي تجري انتخابات حرة ونزيهة، وهذا سيكون له تأثير كبير على الصورة التي تعمل الدولة المصرية للترويج لها عن بلادها في العالم، ولا سيما في ظل حملة البحث عن موقع في صفوف "العالم الحر".
ـ يبقى هناك ملاحظة أخيرة تتعلق بدور مجلس الشعب نفسه، حيث ان البرلمانات في العالم العربي لا تملك الكثير من الأوراق لتلعبها على صعيد العمل السياسي، إذ هي تبقى أقرب إلى المجالس الاستشارية التي تنصح ولا تقرر، إن لم تكن مجرد "ديكورات" لتجميل منظر النظام الحاكم. وليس الوضع في مصر بعيداً تماماً عن هذه الصورة.
محمود ريا
مقبرة جماعية !
يوم غادر عمي قريتنا في تلك الليلة الجهنمية حاملاً عائلته ولاجئاً بها إلى أقرب قرية في سوريا هرباً من الإجرام الدموي الصهيوني الذي كان يستهدف البقاع ومعه كل المناطق اللبنانية، كنا نحن في القرية ننتظر منه ـ أو عنه ـ أي خبر، لأن القليل من المعلومات الذي وصلنا أفاد أن الطريق تعرض لحملة دموية معادية استهدفت السيارات والآليات والعسكر والمدنيين ولم تعفُ عن أحد.
كان يمكن لعمي وعائلته ـ وبينهم الأطفال ـ أن يكونوا من ضحايا تلك الليلة السوداء ـ بكل معنى الكلمة ـ من عام 1982 وأن نبحث عن جثثهم فلا نجدها، لأنها كانت ستدفن حينها في مقبرة جماعية يستحدثها الأهالي في أي منطقة لمواراة ضحايا الرعب الصهيوني الأسود.
لقد نجا عمي والعائلة حينها، ولكن أناساً كثراً آخرين لم ينجوا، وامتلاًت جوانب الطرق بالجثث، التي تم دفنها في مقابر جماعية، ولم يتحرك العالم أسفاً على هؤلاء الضحايا الأبرياء.
أنا أتذكر عمي، ولا أنسى تلك الليلة، كما لا أنسى المقابر الجماعية، ولا أنسى فظائع العدو الصهيوني، ولا فظائع الذين ساروا في ركابه ونفذوا مآربه وقتلوا على الهوية، وعلى غير الهوية.. فهل يتذكر اللبنانيون؟
محمود ريا
كان يمكن لعمي وعائلته ـ وبينهم الأطفال ـ أن يكونوا من ضحايا تلك الليلة السوداء ـ بكل معنى الكلمة ـ من عام 1982 وأن نبحث عن جثثهم فلا نجدها، لأنها كانت ستدفن حينها في مقبرة جماعية يستحدثها الأهالي في أي منطقة لمواراة ضحايا الرعب الصهيوني الأسود.
لقد نجا عمي والعائلة حينها، ولكن أناساً كثراً آخرين لم ينجوا، وامتلاًت جوانب الطرق بالجثث، التي تم دفنها في مقابر جماعية، ولم يتحرك العالم أسفاً على هؤلاء الضحايا الأبرياء.
أنا أتذكر عمي، ولا أنسى تلك الليلة، كما لا أنسى المقابر الجماعية، ولا أنسى فظائع العدو الصهيوني، ولا فظائع الذين ساروا في ركابه ونفذوا مآربه وقتلوا على الهوية، وعلى غير الهوية.. فهل يتذكر اللبنانيون؟
محمود ريا
الجمعة، ديسمبر 02، 2005
الأردن: "حكومة حرب" لمواجهة السلفيين
هل تستغل الوضع لمنع محاربة التطبيع مع الصهاينة؟
ـــــــــــــــــــ
بينما سعى الأردن إلى "الهروب" من المواجهة في جبهة طبيعي أن يواجه فيها بحثاً عما يراه قيادوه استقراراً مفقوداً، وجد نفسه وسط جبهة أخرى مفتوحة عليه بقوة، تكمن خطورتها أنها تأتيه من حيث لا يحتسب، من الداخل الذي طالما تغنى القياديون الأردنيون بأنه تحت السيطرة.
جاءت التفجيرات التي تعرضت لها الفنادق في العاصمة الأردنية عمان لتضع الملك الأردني في محنة غير متوقعة، هي محنة المواجهة مع قوى هلامية غير قابلة للضبط والسيطرة، تتحرك دون إذن ودون أن تترك أثراً، وتضرب ضربتها في المكان الذي لا يمكن توقعه.
لم يجد الملك عبد الله الثاني بدّاً من التغيير لمواجهة هذه القوى: تغيير الأولويات، وتغيير الشخصيات، وربما تغيير الآراء التي كان يحملها عن الوضع في المنطقة، فانتقل اهتمامه من التركيز على "الهلال الشيعي" إلى البحث لمواجهة "الخلل في الإسلام نفسه" كما قال، والذي ينتج عنه خروج تطرفين وإرهابيين يقتلون الناس دون تمييز.
هذا التغيير الفكري أراد تجسيده من خلال التركيز على قلب آليات العمل والتفكير في المساجد والمدارس، وذلك من أجل "إنتاج" جيل جديد لا يحمل بذور الأفكار المتطرفة ولا يجد لديه ميلاً لـ "الانحراف" باتجاه "الأفكار الجهادية" التي وضع الملك نصب عينيه مهمة محاربتها.
والتغيير في الأولويات ترجم في وضع ما سمي "الأجندة الوطنية للإصلاحات" التي كان يفترض أن تحكم الحركة السياسية الأردنية خلال السنوات العشر القادمة جانباً، من أجل التركيز على الوضع الأمني على المدى القصير، والعمل على منع الاختراقات التي شهدها الأردن خلال الأشهر الماضية والتي تمثلت في عملية العقبة الصيف الماضي وفي تفجيرات الفنادق في الشهر الذي انقضى.
ويبقى التغيير في الأشخاص، فكان اختيار "الرجل الثقة" حسبما أطلق عليه في عمان، معروف البخيت ليكون رئيساً لحكومة تطبق هذه الأولويات دون أن ينظر إلى الوراء، ودون أي توقف عند عقبات تقف في طريق جعلها واقعاً منفذاً على الأرض.
ومعروف البخيت هو رجل أمني بامتياز، دخل عالم الدبلوماسية من النافذة الأمنية البحتة، وكان انتدابه ليكون سفيراً للأردن في الكيان الصهيوني خطوة غير بعيدة أبداً عن هذا الواقع، وقد عاد ليحتل منصب مدير الأمن الوطني قبل أسبوع فقط من اختياره ليكون رئيساً للوزراء.
ومع تغيير الحكومة تم تغيير أعضاء الديوان الملكي الأردني الذين قدموا استقالة جماعية، تزامنت مع استقالات أبرز المسؤولين الأمنيين ليبدو من وراء ذلك أن "انتفاضة" حقيقية شهدها الأردن، لكنها بقيت دون مستوى الرأس الأعلى للنظام.
إزاء هذه الوقائع التي بات الأردن ينام على بعضها ليستيقظ على البعض الآخر، يخشى أبناء الشعب الأردني من أن يكون هذا الاكتساح الأمني لكل المؤسسات السياسية في البلاد تمهيداً لفرض قيود أكثر إحكاماً على الحريات، التي لم تكن في أي حال في وضع مقبول، ما يعني مزيداً من الإجراءات التي تخنق الكلمة وتمنع الاعتراض وتجعل جميع المواطنين يعيشون في قالب واحد وجامد.. يصنعه النظام وتقف الحكومة حارسة على بوابته.
وإذا كانت الجبهة بين النظام والحركة السلفية التي يقودها الأردني المتشدد أبو مصعب الزرقاوي تقف على حافة الانفجار البركاني الكبير نتيجة الإجراءات الأردنية الجذرية، فإن المواطنين يخشون من الاستغلال السلطة للجو الملائم من أجل تشديد القيود على الجبهة الأخرى المقابلة وهي جبهة رفض التطبيع مع العدو الصهيوني، بعد أن تمكن الأردن ـ حتى الآن على الأقل ـ من تقييد أي تحرك عسكري أو سياسي معاد بشكل عنيف أو قوي لهذا الكيان.
ويرى أكثر من مصدر أردني أن أي محاولة للوقوف بوجه التطبيع يمكن أن تعتبر من الآن وصاعداً إخلالاً بأمن الدولة يما يعني مكافحتها بشكل قاس، بعد أن كانت القوى الأردنية الممانعة للتطبيع قد فرضت لنفسها هامشاً من التحرك لا يمكن لأحد أن يمنعه عليها.
وبهذا يبدو أن ضربة السلفيين الإرهابيين في العاصمة الأردنية جاءت لتصيب النضال الأردني في الصميم بدل أن تكون طاقات هؤلاء السلفيين جزءاً من حالة الحرب المعادية للكيان الصهيوني في المنطقة.
محمود ريا
ـــــــــــــــــــ
بينما سعى الأردن إلى "الهروب" من المواجهة في جبهة طبيعي أن يواجه فيها بحثاً عما يراه قيادوه استقراراً مفقوداً، وجد نفسه وسط جبهة أخرى مفتوحة عليه بقوة، تكمن خطورتها أنها تأتيه من حيث لا يحتسب، من الداخل الذي طالما تغنى القياديون الأردنيون بأنه تحت السيطرة.
جاءت التفجيرات التي تعرضت لها الفنادق في العاصمة الأردنية عمان لتضع الملك الأردني في محنة غير متوقعة، هي محنة المواجهة مع قوى هلامية غير قابلة للضبط والسيطرة، تتحرك دون إذن ودون أن تترك أثراً، وتضرب ضربتها في المكان الذي لا يمكن توقعه.
لم يجد الملك عبد الله الثاني بدّاً من التغيير لمواجهة هذه القوى: تغيير الأولويات، وتغيير الشخصيات، وربما تغيير الآراء التي كان يحملها عن الوضع في المنطقة، فانتقل اهتمامه من التركيز على "الهلال الشيعي" إلى البحث لمواجهة "الخلل في الإسلام نفسه" كما قال، والذي ينتج عنه خروج تطرفين وإرهابيين يقتلون الناس دون تمييز.
هذا التغيير الفكري أراد تجسيده من خلال التركيز على قلب آليات العمل والتفكير في المساجد والمدارس، وذلك من أجل "إنتاج" جيل جديد لا يحمل بذور الأفكار المتطرفة ولا يجد لديه ميلاً لـ "الانحراف" باتجاه "الأفكار الجهادية" التي وضع الملك نصب عينيه مهمة محاربتها.
والتغيير في الأولويات ترجم في وضع ما سمي "الأجندة الوطنية للإصلاحات" التي كان يفترض أن تحكم الحركة السياسية الأردنية خلال السنوات العشر القادمة جانباً، من أجل التركيز على الوضع الأمني على المدى القصير، والعمل على منع الاختراقات التي شهدها الأردن خلال الأشهر الماضية والتي تمثلت في عملية العقبة الصيف الماضي وفي تفجيرات الفنادق في الشهر الذي انقضى.
ويبقى التغيير في الأشخاص، فكان اختيار "الرجل الثقة" حسبما أطلق عليه في عمان، معروف البخيت ليكون رئيساً لحكومة تطبق هذه الأولويات دون أن ينظر إلى الوراء، ودون أي توقف عند عقبات تقف في طريق جعلها واقعاً منفذاً على الأرض.
ومعروف البخيت هو رجل أمني بامتياز، دخل عالم الدبلوماسية من النافذة الأمنية البحتة، وكان انتدابه ليكون سفيراً للأردن في الكيان الصهيوني خطوة غير بعيدة أبداً عن هذا الواقع، وقد عاد ليحتل منصب مدير الأمن الوطني قبل أسبوع فقط من اختياره ليكون رئيساً للوزراء.
ومع تغيير الحكومة تم تغيير أعضاء الديوان الملكي الأردني الذين قدموا استقالة جماعية، تزامنت مع استقالات أبرز المسؤولين الأمنيين ليبدو من وراء ذلك أن "انتفاضة" حقيقية شهدها الأردن، لكنها بقيت دون مستوى الرأس الأعلى للنظام.
إزاء هذه الوقائع التي بات الأردن ينام على بعضها ليستيقظ على البعض الآخر، يخشى أبناء الشعب الأردني من أن يكون هذا الاكتساح الأمني لكل المؤسسات السياسية في البلاد تمهيداً لفرض قيود أكثر إحكاماً على الحريات، التي لم تكن في أي حال في وضع مقبول، ما يعني مزيداً من الإجراءات التي تخنق الكلمة وتمنع الاعتراض وتجعل جميع المواطنين يعيشون في قالب واحد وجامد.. يصنعه النظام وتقف الحكومة حارسة على بوابته.
وإذا كانت الجبهة بين النظام والحركة السلفية التي يقودها الأردني المتشدد أبو مصعب الزرقاوي تقف على حافة الانفجار البركاني الكبير نتيجة الإجراءات الأردنية الجذرية، فإن المواطنين يخشون من الاستغلال السلطة للجو الملائم من أجل تشديد القيود على الجبهة الأخرى المقابلة وهي جبهة رفض التطبيع مع العدو الصهيوني، بعد أن تمكن الأردن ـ حتى الآن على الأقل ـ من تقييد أي تحرك عسكري أو سياسي معاد بشكل عنيف أو قوي لهذا الكيان.
ويرى أكثر من مصدر أردني أن أي محاولة للوقوف بوجه التطبيع يمكن أن تعتبر من الآن وصاعداً إخلالاً بأمن الدولة يما يعني مكافحتها بشكل قاس، بعد أن كانت القوى الأردنية الممانعة للتطبيع قد فرضت لنفسها هامشاً من التحرك لا يمكن لأحد أن يمنعه عليها.
وبهذا يبدو أن ضربة السلفيين الإرهابيين في العاصمة الأردنية جاءت لتصيب النضال الأردني في الصميم بدل أن تكون طاقات هؤلاء السلفيين جزءاً من حالة الحرب المعادية للكيان الصهيوني في المنطقة.
محمود ريا
القضاء.. والقضاة.. والمقضي عليهم
في المأثور أن القضاة أربعة أصناف، ثلاثة منهم في النار والرابع (لوحده) في الجنة.
أما الأنواع الثلاثة من القضاة الذين هم في النار فهم:
ـ قاض يحكم بالباطل ويعرف إنه يحكم بالباطل.
ـ قاض يحكم بالباطل ويظن أنه يحكم بالحق.
ـ قاض يحكم بالحق وهو يظن أنه يحكم بالباطل.
أما القاضي الذي هو في الجنة فهو ذلك الذي يحكم بالحق وهو يعرف أنه يحكم بالحق.
يتبادر إلى الذهن هذا الحديث في لحظة يحتل فيها القضاء والقضاة والمتقاضون والمقضي لهم والمقضي بهم.. والمقضي عليهم كل مساحة الصورة، فلا يتركون لغيرهم إلا القليل القَليل من الاهتمام.
وتتداعى في قلوب الرجال كل ما يعرفونه عن عدالة القضاء في التاريخ وهم يسمعون العجب العجاب عن قضاة رشَوا أو رُشوا من أجل أن يقلبوا حقاً باطلاً أو أن يقلبوا باطلاً حقاً.
وإذا كانت المراحل لم تصل إلى حد التحاكم وبقيت عند حد التحقق، فإن أول الطريق يدل على آخره، وما "يوضع في الدست سنجده في المغرفة" كما كانت جدتي تقول، مستخدمة لهجتها القرويّة المحببة.
ليس لنا إلا أن نسأل: في عصر أي نوع من القضاة نحن، وهل نصل إلى الحق نتيجة قضائهم، وهل تخرج الحقيقة بيضاء ناصعة من هذا الكم من العفن ومن الكواليس والدهاليز السوداء التي لا يعرف أحد ما يدور فيها.. إلا عندما تخرج بين الفينة والأخرى الروائح التي تزكم الأنوف؟
هل سنصل إلى الحقيقة؟
محمود ريا
أما الأنواع الثلاثة من القضاة الذين هم في النار فهم:
ـ قاض يحكم بالباطل ويعرف إنه يحكم بالباطل.
ـ قاض يحكم بالباطل ويظن أنه يحكم بالحق.
ـ قاض يحكم بالحق وهو يظن أنه يحكم بالباطل.
أما القاضي الذي هو في الجنة فهو ذلك الذي يحكم بالحق وهو يعرف أنه يحكم بالحق.
يتبادر إلى الذهن هذا الحديث في لحظة يحتل فيها القضاء والقضاة والمتقاضون والمقضي لهم والمقضي بهم.. والمقضي عليهم كل مساحة الصورة، فلا يتركون لغيرهم إلا القليل القَليل من الاهتمام.
وتتداعى في قلوب الرجال كل ما يعرفونه عن عدالة القضاء في التاريخ وهم يسمعون العجب العجاب عن قضاة رشَوا أو رُشوا من أجل أن يقلبوا حقاً باطلاً أو أن يقلبوا باطلاً حقاً.
وإذا كانت المراحل لم تصل إلى حد التحاكم وبقيت عند حد التحقق، فإن أول الطريق يدل على آخره، وما "يوضع في الدست سنجده في المغرفة" كما كانت جدتي تقول، مستخدمة لهجتها القرويّة المحببة.
ليس لنا إلا أن نسأل: في عصر أي نوع من القضاة نحن، وهل نصل إلى الحق نتيجة قضائهم، وهل تخرج الحقيقة بيضاء ناصعة من هذا الكم من العفن ومن الكواليس والدهاليز السوداء التي لا يعرف أحد ما يدور فيها.. إلا عندما تخرج بين الفينة والأخرى الروائح التي تزكم الأنوف؟
هل سنصل إلى الحقيقة؟
محمود ريا
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)