الفتنة السنية الشيعية آخر الحاضنات بعد فشل العدوان الصهيوني
"إن هذا الشعار (تقسيم لبنان) أسطورة، لأن فصل لبنان المسيحي عن لبنان المسلم كان ولم يزل يبدو مستحيلا، ذلك لأن التمازج السكاني في بيروت وجبل لبنان وانتقال عشرات الألوف من أبناء المناطق الحدودية إلى جبل لبنان، ثم كثرة الدروز في هذه المنطقة، بالاضافة إلى العوامل الاجتماعية وطرق المواصلات ومختلف المشاريع العمرانية والحياتية، هذه الأمور تجعل من المستحيل تنفيذ هذه الخطوة. ثم إن المخاض العسير الذي يرافق فصم لبنان لا ينفصل عن عوامل سياسية دولية تجعل الأمر بحكم تحطيم لبنان وليس تقسيم لبنان، وفي رأيي أن هذا الشعار هو من قبيل التهويل يكفر به رافعوه قبل رافضيه، ولذلك فلا أظن أن فئة تعمل على هذا الأساس إلا أولئك الذين يريدون تحطيم لبنان".
إنه تقويم دقيق لشعار كان ولا يزال يطرح لدى حصول أي أزمة في لبنان، إذ يخرج البعض من جعبته هذه "الفزاعة" ويبدأ بالتلويح بها.
هذا التقويم للموضوع ليس صادراً عن قيادي من القياديين الجدد في لبنان، وإنما عن قيادي كبير، عاش همّ لبنان على مدى السنين ودفع غالياً ثمن ذلك، إنه الإمام السيد موسى الصدر، الذي كان يتحدث عن موضوع تقسيم لبنان في مقابلة مع مجلة "الأسبوع العربي" نشرت في العام 1975.
ولكن، هل تغيّر شيء في المعادلة، بما يجعل من طرح التقسيم أكثر قرباً من الواقع؟
الجواب يمكن استنباطه من الكلمات نفسها التي قالها الإمام الصدر، حين تحدث عن "عوامل سياسية دولية تجعل الأمر بحكم تحطيم لبنان وليس تقسيم لبنان".
ربما هذا ما يريده أولئك الذين يعملون سراً ـ وفي بعض الأحيان جهراً ـ من أجل جعل خيار التقسيم ضمن لائحة خيارات "حل الأزمة اللبنانية"، وربما على رأس هذه الخيارات.
ليس هذا الخيار جديداً في "الأجندة الدولية" وإنما هو قائم منذ زمن طويل، وهو جزء من عملية تقسيم متواصلة تستهدف المنطقة، بدأت منذ ما قبل انهيار الامبراطورية العثمانية، ولا سيما مع سايكس ـ بيكو ووعد بلفور وما تلا ذلك من تقسيمات مختلفة الألوان، ومن خرائط متعددة الخطوط.
وعند كل مرحلة تاريخية يمر بها لبنان، ومعه المنطقة، تعود هذه الخيارات الدولية إلى البروز، بغض النظر عن حجم النجاح أو الفشل الذي يصيب هذه المشاريع.
وليس غريباً ـ في استعادة للتاريخ ـ اكتشاف العديد من المشاريع التقسيمية التي عرضت من قبل الكثير من "المهتمين" بـ"مستقبل المنطقة"، كذلك المشروع الذي نشرته في عام 1982 مجلة "كيفونيم" التي تصدرها المنظمة الصهيونية العالمية، ضمن وثيقة بعنوان "استراتيجية إسرائيلية للثمانينات". وقد نُشرت هذه الوثيقة باللغة العبرية، وتم ترجمتها إلى اللغة العربية، وقدمها الدكتور عصمت سيف الدولة كأحد مستندات دفاعه عن المتهمين في قضية تنظيم ثورة مصر عام 1988.
ولا بد من الإشارة إلى أن مخطط تقسيم لبنان إلى عدد من الدويلات الطائفية، الذي حاول الكيان الصهيوني تنفيذه في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وفشل في تحقيقه، هو تطبيق عملي لما جاء بهذه الوثيقة بخصوص لبنان التي تعتبر "إن تفتيت لبنان إلى خمس مقاطعات إقليمية يجب أن يكون سابقة لكل العالم العربي بما في ذلك مصر وسوريا والعراق وشبه الجزيرة العربية".
واليوم، نحن أمام مشروع أميركي ـ دولي هادف إلى إعادة تركيب خريطة المنطقة، سواء من خلال "الشرق الأوسط الجديد" أو من خلال الفوضى المنظمة التي يريد عتاة النظام الأميركي تطبيقها على دولها، الأمر الذي شكل بيئة صالحة لطرح العديد من المشاريع التقسيمية التي تستهدف لبنان، ومنها ما حمل طابع العلنية، فيما البعض الآخر لا يزال يتلطى خلف شعارات وحدة لبنان، ولكن في إطار الحديث عن فدرالية أو لا مركزية سياسية تحكم البلاد.
ومن هذه المشاريع مشروع قدّمته مجموعة من اللبنانيين البارزين في الولايات المتحدة إلى تجمّع المحافظين الجدد، وهو مشروع متكامل وموثّق يقع في 280 صفحة، حول ما أطلقوا عليه "الطريقة المثلى" لتقسيم لبنان دولتين، مسيحية ومسلمة، "على غرار تجارب قبرص وكوسوفو والبوسنة".
ويعترف المشروع بأنّ مشروع التقسيم يواجه صعوبات جمّة، غير أنّه ضروري ولو اقتضى الأمر "فرز بعض السكان وإجراء عمليات تبادل واسعة".
هذا الاعتراف بصعوبة التقسيم لم يمنع الأميركيين من التفكير جدياً بالموضوع، وهذا ما كشفه النائب السابق نجاح واكيم في لقائه التفزيوني مع قناة المنار يوم الجمعة الماضي حين تحدث عن "مشروع أميركي يهدف إلى تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفية تمتد من لبنان حتى جنوب العراق"، مشيراً إلى "أن لبنان جزء من هذا المشروع، الذي كان يهدف إلى ترحيل الشيعة إلى جنوب العراق".
يقول واكيم إن المشروع يحضّر له منذ ما قبل غزو العراق، وإن تنفيذ إحدى نسخه العملية كان ينتظر النجاح الصهيوني في حرب تموز الماضية ضد لبنان، ويوضح أن ثلاثة عوامل أحبطت المشروع الأميركي في حينه، هي صمود المقاومة واحتضان اللبنانيين للنازحين وعودة هؤلاء النازحين فوراً إلى قراهم فوق الدمار، ما أحبط مشروع وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس الذي يحمل اسم "الشرق الأوسط الجديد".
ولكن هل انتهى المشروع عند هذا الحد؟
كل المؤشرات تدل على أن الولايات المتحدة تحاول خلق حاضنة جديدة لمخطط التقسيم اللبناني، بعد "مقتل الحاضنة السابقة مع فشل العدوان الصهيوني".
الحاضنة الجديدة هي الفتنة السنية الشيعية التي بدأ المشروع الأميركي بإشعال فتيلها واختلاقها وتغذية بعض بؤرها في أكثر من بقعة عربية ولا سيما في لبنان.
من هنا، وفي نظر أكثر من مراقب، يمكن اعتبار أن كل من يدخل في لعبة تغذية الفتنة السنية الشيعية هو مشارك في المخطط الأميركي لتقسيم لبنان والمنطقة وتفتيتها، مهما كانت نياته "سليمة"، لأن المشروع الأميركي لم يعد لديه إلا هذه الورقة ليلعبها، وإذا فشلت هذه الورقة انهار المشروع الأميركي ـ فعلاً وللأبد ـ وهو سينهار.
محمود ريا
إنه تقويم دقيق لشعار كان ولا يزال يطرح لدى حصول أي أزمة في لبنان، إذ يخرج البعض من جعبته هذه "الفزاعة" ويبدأ بالتلويح بها.
هذا التقويم للموضوع ليس صادراً عن قيادي من القياديين الجدد في لبنان، وإنما عن قيادي كبير، عاش همّ لبنان على مدى السنين ودفع غالياً ثمن ذلك، إنه الإمام السيد موسى الصدر، الذي كان يتحدث عن موضوع تقسيم لبنان في مقابلة مع مجلة "الأسبوع العربي" نشرت في العام 1975.
ولكن، هل تغيّر شيء في المعادلة، بما يجعل من طرح التقسيم أكثر قرباً من الواقع؟
الجواب يمكن استنباطه من الكلمات نفسها التي قالها الإمام الصدر، حين تحدث عن "عوامل سياسية دولية تجعل الأمر بحكم تحطيم لبنان وليس تقسيم لبنان".
ربما هذا ما يريده أولئك الذين يعملون سراً ـ وفي بعض الأحيان جهراً ـ من أجل جعل خيار التقسيم ضمن لائحة خيارات "حل الأزمة اللبنانية"، وربما على رأس هذه الخيارات.
ليس هذا الخيار جديداً في "الأجندة الدولية" وإنما هو قائم منذ زمن طويل، وهو جزء من عملية تقسيم متواصلة تستهدف المنطقة، بدأت منذ ما قبل انهيار الامبراطورية العثمانية، ولا سيما مع سايكس ـ بيكو ووعد بلفور وما تلا ذلك من تقسيمات مختلفة الألوان، ومن خرائط متعددة الخطوط.
وعند كل مرحلة تاريخية يمر بها لبنان، ومعه المنطقة، تعود هذه الخيارات الدولية إلى البروز، بغض النظر عن حجم النجاح أو الفشل الذي يصيب هذه المشاريع.
وليس غريباً ـ في استعادة للتاريخ ـ اكتشاف العديد من المشاريع التقسيمية التي عرضت من قبل الكثير من "المهتمين" بـ"مستقبل المنطقة"، كذلك المشروع الذي نشرته في عام 1982 مجلة "كيفونيم" التي تصدرها المنظمة الصهيونية العالمية، ضمن وثيقة بعنوان "استراتيجية إسرائيلية للثمانينات". وقد نُشرت هذه الوثيقة باللغة العبرية، وتم ترجمتها إلى اللغة العربية، وقدمها الدكتور عصمت سيف الدولة كأحد مستندات دفاعه عن المتهمين في قضية تنظيم ثورة مصر عام 1988.
ولا بد من الإشارة إلى أن مخطط تقسيم لبنان إلى عدد من الدويلات الطائفية، الذي حاول الكيان الصهيوني تنفيذه في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وفشل في تحقيقه، هو تطبيق عملي لما جاء بهذه الوثيقة بخصوص لبنان التي تعتبر "إن تفتيت لبنان إلى خمس مقاطعات إقليمية يجب أن يكون سابقة لكل العالم العربي بما في ذلك مصر وسوريا والعراق وشبه الجزيرة العربية".
واليوم، نحن أمام مشروع أميركي ـ دولي هادف إلى إعادة تركيب خريطة المنطقة، سواء من خلال "الشرق الأوسط الجديد" أو من خلال الفوضى المنظمة التي يريد عتاة النظام الأميركي تطبيقها على دولها، الأمر الذي شكل بيئة صالحة لطرح العديد من المشاريع التقسيمية التي تستهدف لبنان، ومنها ما حمل طابع العلنية، فيما البعض الآخر لا يزال يتلطى خلف شعارات وحدة لبنان، ولكن في إطار الحديث عن فدرالية أو لا مركزية سياسية تحكم البلاد.
ومن هذه المشاريع مشروع قدّمته مجموعة من اللبنانيين البارزين في الولايات المتحدة إلى تجمّع المحافظين الجدد، وهو مشروع متكامل وموثّق يقع في 280 صفحة، حول ما أطلقوا عليه "الطريقة المثلى" لتقسيم لبنان دولتين، مسيحية ومسلمة، "على غرار تجارب قبرص وكوسوفو والبوسنة".
ويعترف المشروع بأنّ مشروع التقسيم يواجه صعوبات جمّة، غير أنّه ضروري ولو اقتضى الأمر "فرز بعض السكان وإجراء عمليات تبادل واسعة".
هذا الاعتراف بصعوبة التقسيم لم يمنع الأميركيين من التفكير جدياً بالموضوع، وهذا ما كشفه النائب السابق نجاح واكيم في لقائه التفزيوني مع قناة المنار يوم الجمعة الماضي حين تحدث عن "مشروع أميركي يهدف إلى تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفية تمتد من لبنان حتى جنوب العراق"، مشيراً إلى "أن لبنان جزء من هذا المشروع، الذي كان يهدف إلى ترحيل الشيعة إلى جنوب العراق".
يقول واكيم إن المشروع يحضّر له منذ ما قبل غزو العراق، وإن تنفيذ إحدى نسخه العملية كان ينتظر النجاح الصهيوني في حرب تموز الماضية ضد لبنان، ويوضح أن ثلاثة عوامل أحبطت المشروع الأميركي في حينه، هي صمود المقاومة واحتضان اللبنانيين للنازحين وعودة هؤلاء النازحين فوراً إلى قراهم فوق الدمار، ما أحبط مشروع وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس الذي يحمل اسم "الشرق الأوسط الجديد".
ولكن هل انتهى المشروع عند هذا الحد؟
كل المؤشرات تدل على أن الولايات المتحدة تحاول خلق حاضنة جديدة لمخطط التقسيم اللبناني، بعد "مقتل الحاضنة السابقة مع فشل العدوان الصهيوني".
الحاضنة الجديدة هي الفتنة السنية الشيعية التي بدأ المشروع الأميركي بإشعال فتيلها واختلاقها وتغذية بعض بؤرها في أكثر من بقعة عربية ولا سيما في لبنان.
من هنا، وفي نظر أكثر من مراقب، يمكن اعتبار أن كل من يدخل في لعبة تغذية الفتنة السنية الشيعية هو مشارك في المخطط الأميركي لتقسيم لبنان والمنطقة وتفتيتها، مهما كانت نياته "سليمة"، لأن المشروع الأميركي لم يعد لديه إلا هذه الورقة ليلعبها، وإذا فشلت هذه الورقة انهار المشروع الأميركي ـ فعلاً وللأبد ـ وهو سينهار.
محمود ريا