أي أحلام تستبد بالأميركيين، حتى يضعوا أموالهم في صفقة لا بد أن تكون خاسرة، ولو طال الزمن.
قد يكون مبلغ 592 مليون دولار تافهاً أمام مئات المليارات التي خسرتها واشنطن في حربها على العراق، ولكن يبقى التفريط بمبلغ كهذا من أجل إقامة "أكبر سفارة أميركية بالعالم" مشوباً بشبهة السَّفَه حتى تستطيع الإدارة الأميركية تقديم أدلة على أن البناء الذي تشيده في العاصمة العراقية بغداد سيكون له استخدام حقيقي وكامل في السنوات المقبلة.
الأميركيون يعدّون هذا البناء ليكون مركز الحكم الحقيقي للعراق في المستقبل، وهم لذلك يجهزونه بكل الوسائل التي تساهم في جعله مركزاً خدمياً وترفيهياً على مستوى يليق.. بحكّام بلد كبير مثل العراق، تماماً كما كان يفعل صدام بقصوره الكثيرة التي نثرها في مختلف الأنحاء، لتصبح هباءً منثوراً بعد سقوطه المدوي، وليكتفي بعد ذلك بزنزانة صغيرة، قد تضيق عليه أكثر في الفترة المقبلة لتتحول إلى مجرد قبر.
واليوم يطمح الأميركيون لكي يخلّدوا وجودهم على الأرض العراقية كما كان صدام من قبلهم يطمع بتحوله إلى القائد الخالد لذلك البلد ولو على جماجم أبناء شعبه.
صدام سقط، والأميركيون لن يبقوا، وجلّ ما يمكن أن يحصلوا عليه في المستقبل شقة تقيم فيها بعثة رعاية المصالح الأميركية في سفارة دولة محايدة في بغداد، تماماً كما حصل قبل أكثر من ثمانية وعشرين عاماً في طهران.
أما السفارة، أو "قصر بوش" كما يسميها العراقيون، فهي رمز للاحتلال الآن، ولن تكون في المقبل من الأيام إلا رمزاً للهزيمة الأميركية في هذه المنطقة من العالم.
محمود ريا