يوم غادر عمي قريتنا في تلك الليلة الجهنمية حاملاً عائلته ولاجئاً بها إلى أقرب قرية في سوريا هرباً من الإجرام الدموي الصهيوني الذي كان يستهدف البقاع ومعه كل المناطق اللبنانية، كنا نحن في القرية ننتظر منه ـ أو عنه ـ أي خبر، لأن القليل من المعلومات الذي وصلنا أفاد أن الطريق تعرض لحملة دموية معادية استهدفت السيارات والآليات والعسكر والمدنيين ولم تعفُ عن أحد.
كان يمكن لعمي وعائلته ـ وبينهم الأطفال ـ أن يكونوا من ضحايا تلك الليلة السوداء ـ بكل معنى الكلمة ـ من عام 1982 وأن نبحث عن جثثهم فلا نجدها، لأنها كانت ستدفن حينها في مقبرة جماعية يستحدثها الأهالي في أي منطقة لمواراة ضحايا الرعب الصهيوني الأسود.
لقد نجا عمي والعائلة حينها، ولكن أناساً كثراً آخرين لم ينجوا، وامتلاًت جوانب الطرق بالجثث، التي تم دفنها في مقابر جماعية، ولم يتحرك العالم أسفاً على هؤلاء الضحايا الأبرياء.
أنا أتذكر عمي، ولا أنسى تلك الليلة، كما لا أنسى المقابر الجماعية، ولا أنسى فظائع العدو الصهيوني، ولا فظائع الذين ساروا في ركابه ونفذوا مآربه وقتلوا على الهوية، وعلى غير الهوية.. فهل يتذكر اللبنانيون؟
محمود ريا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق