هل تستغل الوضع لمنع محاربة التطبيع مع الصهاينة؟
ـــــــــــــــــــ
بينما سعى الأردن إلى "الهروب" من المواجهة في جبهة طبيعي أن يواجه فيها بحثاً عما يراه قيادوه استقراراً مفقوداً، وجد نفسه وسط جبهة أخرى مفتوحة عليه بقوة، تكمن خطورتها أنها تأتيه من حيث لا يحتسب، من الداخل الذي طالما تغنى القياديون الأردنيون بأنه تحت السيطرة.
جاءت التفجيرات التي تعرضت لها الفنادق في العاصمة الأردنية عمان لتضع الملك الأردني في محنة غير متوقعة، هي محنة المواجهة مع قوى هلامية غير قابلة للضبط والسيطرة، تتحرك دون إذن ودون أن تترك أثراً، وتضرب ضربتها في المكان الذي لا يمكن توقعه.
لم يجد الملك عبد الله الثاني بدّاً من التغيير لمواجهة هذه القوى: تغيير الأولويات، وتغيير الشخصيات، وربما تغيير الآراء التي كان يحملها عن الوضع في المنطقة، فانتقل اهتمامه من التركيز على "الهلال الشيعي" إلى البحث لمواجهة "الخلل في الإسلام نفسه" كما قال، والذي ينتج عنه خروج تطرفين وإرهابيين يقتلون الناس دون تمييز.
هذا التغيير الفكري أراد تجسيده من خلال التركيز على قلب آليات العمل والتفكير في المساجد والمدارس، وذلك من أجل "إنتاج" جيل جديد لا يحمل بذور الأفكار المتطرفة ولا يجد لديه ميلاً لـ "الانحراف" باتجاه "الأفكار الجهادية" التي وضع الملك نصب عينيه مهمة محاربتها.
والتغيير في الأولويات ترجم في وضع ما سمي "الأجندة الوطنية للإصلاحات" التي كان يفترض أن تحكم الحركة السياسية الأردنية خلال السنوات العشر القادمة جانباً، من أجل التركيز على الوضع الأمني على المدى القصير، والعمل على منع الاختراقات التي شهدها الأردن خلال الأشهر الماضية والتي تمثلت في عملية العقبة الصيف الماضي وفي تفجيرات الفنادق في الشهر الذي انقضى.
ويبقى التغيير في الأشخاص، فكان اختيار "الرجل الثقة" حسبما أطلق عليه في عمان، معروف البخيت ليكون رئيساً لحكومة تطبق هذه الأولويات دون أن ينظر إلى الوراء، ودون أي توقف عند عقبات تقف في طريق جعلها واقعاً منفذاً على الأرض.
ومعروف البخيت هو رجل أمني بامتياز، دخل عالم الدبلوماسية من النافذة الأمنية البحتة، وكان انتدابه ليكون سفيراً للأردن في الكيان الصهيوني خطوة غير بعيدة أبداً عن هذا الواقع، وقد عاد ليحتل منصب مدير الأمن الوطني قبل أسبوع فقط من اختياره ليكون رئيساً للوزراء.
ومع تغيير الحكومة تم تغيير أعضاء الديوان الملكي الأردني الذين قدموا استقالة جماعية، تزامنت مع استقالات أبرز المسؤولين الأمنيين ليبدو من وراء ذلك أن "انتفاضة" حقيقية شهدها الأردن، لكنها بقيت دون مستوى الرأس الأعلى للنظام.
إزاء هذه الوقائع التي بات الأردن ينام على بعضها ليستيقظ على البعض الآخر، يخشى أبناء الشعب الأردني من أن يكون هذا الاكتساح الأمني لكل المؤسسات السياسية في البلاد تمهيداً لفرض قيود أكثر إحكاماً على الحريات، التي لم تكن في أي حال في وضع مقبول، ما يعني مزيداً من الإجراءات التي تخنق الكلمة وتمنع الاعتراض وتجعل جميع المواطنين يعيشون في قالب واحد وجامد.. يصنعه النظام وتقف الحكومة حارسة على بوابته.
وإذا كانت الجبهة بين النظام والحركة السلفية التي يقودها الأردني المتشدد أبو مصعب الزرقاوي تقف على حافة الانفجار البركاني الكبير نتيجة الإجراءات الأردنية الجذرية، فإن المواطنين يخشون من الاستغلال السلطة للجو الملائم من أجل تشديد القيود على الجبهة الأخرى المقابلة وهي جبهة رفض التطبيع مع العدو الصهيوني، بعد أن تمكن الأردن ـ حتى الآن على الأقل ـ من تقييد أي تحرك عسكري أو سياسي معاد بشكل عنيف أو قوي لهذا الكيان.
ويرى أكثر من مصدر أردني أن أي محاولة للوقوف بوجه التطبيع يمكن أن تعتبر من الآن وصاعداً إخلالاً بأمن الدولة يما يعني مكافحتها بشكل قاس، بعد أن كانت القوى الأردنية الممانعة للتطبيع قد فرضت لنفسها هامشاً من التحرك لا يمكن لأحد أن يمنعه عليها.
وبهذا يبدو أن ضربة السلفيين الإرهابيين في العاصمة الأردنية جاءت لتصيب النضال الأردني في الصميم بدل أن تكون طاقات هؤلاء السلفيين جزءاً من حالة الحرب المعادية للكيان الصهيوني في المنطقة.
محمود ريا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق