محمود ريا
تزداد حماوة الأحداث في مناطق مختلفة من عالمنا العربي، ومع ارتفاع حماوة التطورات، تصبح وسائل الإعلام بمختلف أشكالها حاجة حقيقية عند ابناء الأمة الذين باتوا ينتظرون " الخبر العاجل" القادم من أربع رياح الأرض العربية كما ينتظرون الخبر المتعلق ببلدهم، أو حتى بمنطقتهم.
لقد بات اللبناني ينتظر الخبر التونسي كما ينتظر البحراني الخبر المصري وكذلك الحال مع المغربي الذي لا يستطيع أن ينام قبل أن يطمئن على آخر ما جرى في الكويت أو ليبيا.
لقد حقق الشهران الماضيان من التواصل بين أبناء الأمة ما لم تستطع تحقيقه عقود كثيرة من الحديث النخبوي عن الأمة الواحدة والحلم المشترك ووحدة المصير.
وفي ظل هذا التواصل الحقيقي النابع من اهتمام حقيقي بما يجري عند الشقيق، تصبح وسائل الإعلام هي الوسيلة للحصول على المعلومات.
وإذا كانت وسائل الإعلام الجديد تلعب دورها الحاسم في تحريك الأحداث وتحقيق التواصل لتنسيق الفعاليات، فإن المحطات التلفزيونية ما تزال بدورها تأخذ حيّزاً هاماً من اهتمام المواطنين العرب، بحيث تتسمر الأعين على ما تنقله هذه المحطات من صور، وإن كانت قليلة، من هذا البلد أوذاك، وتتابع الأسماع بكثير من الاهتمام آخر المعلومات التي يقرأها مذيعون ومذيعات صاروا بشهرة نجوم الفن والأدب.
وفي ظل هذه الطفرة التلفزيونية يتم تقاسم حصص المشاهدة بنسب تقوم على أساس مدى اهتمام هذه المحطة وتلك بإعطاء المشاهدين صورة متكاملة عن الأحداث في مختلف المدن العربية.
وإزاء هذا الواقع يمكن القول إن المحطات التي تهتم بقضايا قُطرية ضيقة، والتي تتعامل مع الأحداث الجارية في عواصم عربية أخرى على أنها أحداث تجري في "الخارج" باتت محطات غير محسوبة في خريطة المشاهدة التلفزيونية، لأنها لا تتحسس حقيقة اندماج اهتمامات المشاهدين الذين باتت الأخبار المحلية آخر همّهم.
إن الأحداث التي نراها أمامنا حوّلت الدول العربية المتباعدة إلى نطاق عمل واحد، إن لم نقل إلى دولة واحدة ـ بكل ما في الكلمة من معنى ـ بحيث توحدت الاهتمامات وتماهت التطلعات مع بعضها البعض، إلى درجة تتجاوز كل الشعارات التي أطلقها عتاة المنظّرين بالوحدة، لا بل ربما إلى درجة فاجأت حتى أولئك الذين كانوا يرفعون شعار الوحدة العربية وبنوا كل منظومتهم الفكرية على أساس هذا الشعار.
إن المحطة التلفزيونية التي ما زالت تتعامل مع تشكيلة وزارية محلية هنا، أو اجتماع رئيس مع مرؤوس هناك، أو التي تتعاطى مع الأحداث بشكل بارد مقتضب، صارت في هذه الأيام خارج المسار المتحرك للتاريخ العربي، ولا بدّ لها من إعادة تقييم وضعها، قبل أن تتحول عند المشاهدين إلى محطة لا لزوم لها، أو على الأقل قبل أن توضع في مصاف المحطات الهامشية التي تهتم بإضحاك المشاهدين أو عرض آخر الوصفات المطبخية لهم.
إن أمة حيّة، واحدة بآمالها وآلامها، كالأمة العربية في مرحلتها المتقدمة هذه، تحتاج إلى إعلام حي ومتحرك يتابع ما يجري فيها من أحداث من منطلق شامل وبنظرة واسعة، لا أن تبقى بعض وسائل الإعلام تتعامل مع الأحداث على قاعدة ما قبل كانون الثاني/ يناير 2011، لأنها حينها ستكون قد ذهبت مع الذين ذهبوا من الطواغيت الذين كانت بعض وسائل الإعلام هذه تسبّح بمجدهم ليلَ نهار.