ليس لمثلي الكتابة عن الأزمة المالية التي اجتاحت العالم خلال الأيام الماضية، فأنا وتلك الأزمة كذلك الذي رسمه زميلنا عبد الحليم حمود نافشاً جيوبه إلى الخارج وهو يقول عما يحصل في البورصات: "اللهم لا شماتة".
إلا أن عدم "تخصصي" بالشأن المالي وبكيفية إدارة الحسابات وبيع الأسهم وتسوية المراكز وإلى ما هنالك من المصطلحات، لا يمنعني من التوقف عند بعض الظواهر التي رافقت ما حصل، والتي تدفع فعلاً إلى الاندهاش من هذا الانفصام الذي يسود العالم، بين طبقة "فوق" تلعب بما لا يمكن تخيله من الأرقام، وطبقة "تحت" تسمع بالأزمة ولا ترى إلا آثارها في رغيف الخبز وما يتوافر من الطعام.
الأرقام هي وحدها مسألة تستحق التوقف عندها..
من خلال المتابعة المتأنية لما حصل ـ عسى أن نطل على بعض ما يجري ـ مرّت أمام ناظريّ أرقام هائلة، منها ما "اختفى" ومنها ما دُفع في محاولة لتقويم الانهيار الحاصل على المستوى الاقتصادي، ومنها ما يطلق لتقدير حجم الأموال التي جرى تداولها خلال أسبوع الأزمة (التي لا يبدو أنها على وشك الانتهاء).
300 مليار دولار "أموال ضائعة"! 700 مليار دولار أموال ضُخت في أسواق الأسهم والبورصات وعدد من فروع الاقتصاد العالمي من أجل تجاوز الأزمة! أما الكتلة النقدية التي كانت مسرح هذه التداولات فتقدر بحوالى خمسة تريليونات دولار.. (أي خمسة آلاف مليار دولار)!!
هذه الأرقام الصاعقة تدفع المواطن العادي منا إلى البحث عن معناها، وعن كيفية تحرك مبالغ هائلة بهذا الشكل في جنبات الكرة الأرضية، وعن الهوّة السحيقة التي يمكن أن تخفي 300 مليار دولار خلال أيام، من دون أن يعني ذلك الكثير على المستوى العملي!
ويتساءل المواطن العادي عن راتبه الذي لا يظهر إلا كأرقام ميكروسكوبية أمام هذه الأرقام العملاقة، ثم ينظر إلى أبناء الدول الفقيرة الذين يعيش معظمهم بأقل من دولار في اليوم.. ومع هذا التساؤل يبرز تساؤل آخر: كيف يستقيم الوضع في عالم هذه هي طبيعة "العلاقة" بين فقرائه وأغنيائه؟ وأي سبيل يمكن أن يسلكه العقلاء كي لا يكون هناك "دولة بين الأغنياء والفقراء"؟
محمود ريا
السبت، سبتمبر 27، 2008
القدس.. بين سيارة وجرافة
"غارة" أخرى في قلب القدس، مع اختلاف في الوسيلة المستخدمة، دون أن يختلف الأسلوب، أو يتغير المستهدف، أو تتبدل الروح التي تحرّك الأبطال الذين يقدمون أرواحهم من أجل توجيه الضربة وزرع الرعب في قلوب المحتلين.
في القدس مرة أخرى، بلا رصاص، بلا سلاح، وبلا إمكانيات، مجرد قلب قوي وإرادة صلبة، وإيمان راسخ.. ومِقوَد.
يسرح الخيال في الأفق الواسع لمعاني هذه العملية، بعد الاثنتين اللتين سبقتاها، ويتبادر إلى الذهن الكثير من التعابير التي يمكن قولها، ويمكن تكرارها، ويمكن التأكيد عليها، ومنها ما قيل، ومنها ما مرّ على لساننا وأعيد ثم أعيد، ولكنه لم يفقد معناه، ولا يمكن أن يخسر القيمة الروحية التي يختزنها.
يمكن الحديث عن فشل الصهاينة في قولبة المقدسيين، وفي حرمانهم بإحساسهم برفض الاحتلال، وفي قتل روح المقاومة في نفوسهم.
يمكن الحديث عن بقاء القدس مصدراً لكل معاني البطولة، وكل مساحات المبادرة، وكل آفاق الأمل بنصر قادم لا محالة.
يمكن القول إن ما يحصل في القدس هو مجرد مسامير أخيرة تدق في نعش الكيان الصهيوني، الذي لم يستطع أن يقمع المقاومة في ما يدّعي زوراً وبهتاناً أنها عاصمة كيانه، فكيف يمكنه فعل ذلك في المدن الأخرى والأطراف؟
يمكن التأكيد أن الشباب المقدسي لا يحتاج إلى وسائل قتالية متطورة لإشهار موقفه المبدئي من مسألة احتلال أرضه.. المبدأ موجود: مقاومة الاحتلال، أما الوسائل فتأتي بعد ذلك، وحدها وبلا طول انتظار.
كل هذا ممكن، وممكن أيضاً النظر إلى العدو المربك دائماً، المتردد أبداً في التعامل مع هذه الظاهرة الجديدة في المقاومة، وهو يرى ما كان حالة واحدة، جرافة واحدة، يتحول إلى سابقة تتكرر مع الجرافات والسيارات وغيرها من وسائل عادية لا يمكن أن يشك أحد أن تتحول إلى وسيلة مقاومة للاحتلال وللاستيطان الصهيونيين.
ويبقى الممكن الأكبر، الذي تحول إلى يقين لا يتزلزل، بأن هذا الشاب (قاسم المغربي ابن التسعة عشر ربيعاً من جبل المكبّر في القدس المحتلة) لن يكون آخر بطل نحلم به على صهوة جواد الكرامة يمسح عن القدس رجس الاحتلال الصهيوني البغيض.
محمود ريا
في القدس مرة أخرى، بلا رصاص، بلا سلاح، وبلا إمكانيات، مجرد قلب قوي وإرادة صلبة، وإيمان راسخ.. ومِقوَد.
يسرح الخيال في الأفق الواسع لمعاني هذه العملية، بعد الاثنتين اللتين سبقتاها، ويتبادر إلى الذهن الكثير من التعابير التي يمكن قولها، ويمكن تكرارها، ويمكن التأكيد عليها، ومنها ما قيل، ومنها ما مرّ على لساننا وأعيد ثم أعيد، ولكنه لم يفقد معناه، ولا يمكن أن يخسر القيمة الروحية التي يختزنها.
يمكن الحديث عن فشل الصهاينة في قولبة المقدسيين، وفي حرمانهم بإحساسهم برفض الاحتلال، وفي قتل روح المقاومة في نفوسهم.
يمكن الحديث عن بقاء القدس مصدراً لكل معاني البطولة، وكل مساحات المبادرة، وكل آفاق الأمل بنصر قادم لا محالة.
يمكن القول إن ما يحصل في القدس هو مجرد مسامير أخيرة تدق في نعش الكيان الصهيوني، الذي لم يستطع أن يقمع المقاومة في ما يدّعي زوراً وبهتاناً أنها عاصمة كيانه، فكيف يمكنه فعل ذلك في المدن الأخرى والأطراف؟
يمكن التأكيد أن الشباب المقدسي لا يحتاج إلى وسائل قتالية متطورة لإشهار موقفه المبدئي من مسألة احتلال أرضه.. المبدأ موجود: مقاومة الاحتلال، أما الوسائل فتأتي بعد ذلك، وحدها وبلا طول انتظار.
كل هذا ممكن، وممكن أيضاً النظر إلى العدو المربك دائماً، المتردد أبداً في التعامل مع هذه الظاهرة الجديدة في المقاومة، وهو يرى ما كان حالة واحدة، جرافة واحدة، يتحول إلى سابقة تتكرر مع الجرافات والسيارات وغيرها من وسائل عادية لا يمكن أن يشك أحد أن تتحول إلى وسيلة مقاومة للاحتلال وللاستيطان الصهيونيين.
ويبقى الممكن الأكبر، الذي تحول إلى يقين لا يتزلزل، بأن هذا الشاب (قاسم المغربي ابن التسعة عشر ربيعاً من جبل المكبّر في القدس المحتلة) لن يكون آخر بطل نحلم به على صهوة جواد الكرامة يمسح عن القدس رجس الاحتلال الصهيوني البغيض.
محمود ريا
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)