تبدو الدعوة الأوروبية للصين ودول الخليج كي "تساهم" في حل الأزمة المالية العالمية، مليئة بظواهر القصور في الفهم والعنجهية في الطرح والاستسهال في تحميل المسؤوليات.
رئيس المفوضية الأوروبية يقول إن الصين استفادت من العولمة، وإن على دول الخليج أن تبدي حساً بالمسؤولية. وهكذا يكون على هذه الدول أن تتحمل جزءاً من ـ إن لم يكن كل ـ وزر الأخطاء الكبرى والخطايا التي لا تغتفر التي ارتكبها الطامعون والمغامرون والمستهترون من الغربيين خلال السنوات الماضية، في مسار أوصل إلى الأزمة المالية المستفحلة.
وإذا كانت دول الخليج العربية لا تدري كيف ترد على الدعوة التي وُجهت لها كي "تتحلى بالمسؤولية"، فإن الصين أعلنت سلفاً أنها ستبذل أقصى جهودها للمساهمة في حل الأزمة.. ولكنها لم تنسَ أن تذكّر بأن ستساهم على طريقتها وحسب ما تقتضي مصلحتها، في مقابل أثمان لن تتراجع عنها.
فالصين مهتمة بحماية "الأسواق الاستهلاكية" التي تصدّر إليها بضائعها. وهي أيضاً مهتمة ببقاء النظام الاقتصادي الأميركي قائماً حفاظاً على تريليون دولار أميركي من سندات الخزينة الحكومية الأميركية التي تمتلكها. ولكنها مهتمة أيضاً بتحقيق أهداف سياسية كانت صعبة المنال قبل هذه اللحظة التاريخية التي ترى فيها منقذاً رئيسياً ـ وربما المنقذ الأول ـ للاقتصاد العالمي، من خلال الفائض في احتياط العملات الأجنبية الذي تمتلكه، والذي يزيد عن تريليوني دولار أميركي.
وإذا كانت الأهداف السياسية الصينية متعددة، فإن أكثرها بروزاً هو السعي لإلغاء صفقة تسلح أميركية لتايوان تبلغ قيمتها حوالى ستة مليارات دولار، إضافة إلى إبعاد العين الدولية عنها لجهة اتهامها بانتهاك حقوق الإنسان والقمع في التيبت وسينكيانغ (تركستان الشرقية).
على أن الطلبات الصينية لا تبدو الآن بعيدة المنال، فملف حقوق الإنسان ومعه ملف الأقليات والأقاليم في الصين لم يُفتح في الدوائر الغربية إلا لغايات سياسية تهدف للضغط على الصين في مرحلة صعودها المنافس للقوة الأميركية، وإقفالهما اليوم يمكن أن يتحقق لأسباب سياسية تتلخص بمساهمة الصين في إنقاذ اقتصاد أصدقائها ـ خصومها الغربيين!
ولا يبدو أن الغرب سيعاند كثيراً، كما لا يبدو أن الصين ستتدلل كثيراً قبل أن تبدأ بالقطاف.
محمود ريا
السبت، نوفمبر 08، 2008
الشبكات.. التي تتساقط
تشبك الشبكات بعضها ببعض، وفي لحظة الاشتباك ينفك الانشباك، فتسقط الشبكة وحدها، وتبقى الشبكات الأخرى تعمل حتى تسقط واحدة بعد أخرى.
الشبكة العميلة التي فككت في الأيام الأخيرة ليست آخر شبكة للعدو على أرضنا. فالعدو خلال سنوات طوال، زرع الكثيرين من العملاء، منهم من ربطه بآخرين، ومنهم من تركه يعمل منفرداً، يؤدي مهمة محددة، تسمح له بالتخفي طويلا، وليس الاختفاء إلى الأبد.
لا بد لكل شبكة عميلة من أن تقع، عاجلاً أم آجلاً، قد يتأخر اكتشافها لفترة، وقد يكتشف بعضها ويتخفى البعض، ولكن النهاية محتومة ومعروفة، ولن يتضرر إلا الذين كانوا فيها، نتيجة الأضرار التي سببوها لأمن الأمة ولأمن الشعب، فيما العدو الذي استغلهم سيتركهم وسيلفظهم وسينساهم في السجون.. وعلى أعواد المشانق.
الدرس المستفاد هو أن ما من عميل للعدو إلا وسيسقط في يوم من الأيام في قبضة العدالة، فإن لم تكن معجّلة وأمام الناس هنا، فهي لن تتأخر هناك، وربما ينال العقابين معاً، وبأقسى ما يمكن توقعه من عقاب.
ومقابل ماذا كل هذا؟
حفنة من الدولارات، بيت وسيارة، ووجاهة فارغة، يقابلها قلق دائم وموت محيط لا يدري في أي لحظة يأتي، وحبل يلتف على الرقبة، حارماً صاحبها من حياة ملوثة بالشؤم والدم.
ليس الحديث عن العدو الصهيوني وخطره على أمننا وعلى مجتمعنا، فهذا أمر معروف وله مكان آخر، وإنما الحديث عن أولئك الذين يبيعون نفساً كرّمها الله للعدو برخص وخساسة، ويقبضون ثمنها بضعة دولارات لا تكفي لكي تريح ليل البائع أو تهدئ نهاره.
ليس المهم كم يتخفى العميل، المهم أن يعرف أن هناك من يتابع العملاء، ويعمل كل جهده للقبض عليهم والتخلص منهم، وإذا لم يُقبض عليه اليوم فسيُقبض عليه غداً، وإذا لم تسقط شبكته كلها سيسقط منها البعض وسيعترفون وستكون الفضيحة على رؤوس الأشهاد.
العهد عهد على أن لا تهدأ النفوس قبل القبض على كل العملاء وتوجيههم إلى المكان الذي يستحقون.. إلى مزابل التاريخ.
محمود ريا
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)