"الأخوان" يتقدمون بقوة.. والحزب الحاكم في أزمة
___________________________________________
المتابع لوسائل الإعلام المصرية ـ ولا سيما المحطات التلفزيونية ـ هذه الأيام يجد إغراقاً في الحديث في السياسة، كما يرى معظم البرامج قد تحولت إلى برامج حوار سياسي، ما كان منها مخصصاً للحوار، كذلك البرنامج الذي بث مساء الأربعاء على قناة "المصرية" الفضائية، أو الذي يعتمد أساليب أخرى في التقديم.
هذا الدفق السياسي غير المعهود هو في الحقيقة تعبير عن أزمة أكثر منه إشارة على انفراج في الحياة السياسية المصرية، ولكن الأزمة لا تطال هذه المرة الشعب وإنما الذين بقوا يتحدثون باسمه على مدى عقود بحجة.. الديموقراطية.
المهم هو أن ما تحفل به هذه البرامج التلفزيونية ليس أكثر من حفلات من "الردح" (بلغة الأخوة المصريين) أو ما أسماه الباحث عبد الله رشوان ـ في الحلقة التلفزيونية نفسها ـ "بروباغندا" إعلامية تهدف إلى النيل من جماعة الأخوان المسلمين بعد تحقيقهم نتائج مذهلة في الانتخابات البرلمانية الجارية حالياً.
الديموقراطية المصرية أفرزت للمرة الأولى نتائج لا يمكن وصفها بأنها معلّبة ـ كما كان الحال في مختلف المراحل الماضية ـ بالرغم من كل المحاولات التي بذلت من أجل تغيير طابعها وحرفها عن الاتجاه الذي أخذته، والذي يمكن أن يصبح اتجاهاً زلزالياً في حال بقيت الأمور متجهة في المسار نفسه الذي بدأ في العاشر من هذا الشهر، والذي يفترض أن ينتهي في السابع من كانون الأول/ ديسمبر المقبل.
وهذا ما هو ظاهر حتى الآن، فالزخم الذي خاض به "الأخوان المسلمون" المرحلة الأولى من الانتخابات ـ في دورتها العادية الأربعاء ما قبل الماضي ودورة الإعادة الثلاثاء الماضي ـ يشير إلى استمرار الأخوان في اكتساح المقاعد خلال الدورتين القادمتين في السادس والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر والأول من كانون الأول/ ديسمبر، على أن تجري انتخابات دورة الإعادة لهذه المرحلة الأخيرة في السابع من الشهر نفسه.
وبغض النظر عن الأرقام، التي لن تتبلور نهائياً قبل صدور النتائج النهائية للانتخابات، فإن ما حصل حتى الآن، وفوز الأخوان بأربعة وثلاثين مقعداً في المرحلة الأولى، يضع الحلم الأخواني بالدخول إلى البرلمان مع مئة نائب دفعة واحدة على طريق التحقق، وهو الأمر الذي يمكن اعتباره بحق انقلاباً سياسياً حقيقياً في مصر.
وبالرغم من الدور الهامشي ـ أو المهمّش ـ لمجلس الشعب في الحياة السياسية المصرية، فإن تحقيق الأخوان لما يطمحون اليه يعني أن الحزب الوطني الحاكم في مصر دخل في سبات سياسي خطير ولا سيما في ظل الانقسام العميق الذي يسود صفوفه، بين من يسمّون بالحرس القديم الذين حكموا مع الرئيس حسني مبارك طوال العقود الماضية و"الشباب" الذين يشكل نجل الرئيس جمال مبارك رمزهم السياسي.
من هنا يمكن تفسير الحملة التي تشنها وسائل الإعلام الرسمية المصرية على جماعة الأخوان، والتي لا يستحي أحد من وصفها بـ"المسعورة"، حيث تحاول الطبقة الحاكمة في مصر استنقاذ ما يمكن استنقاذه قبل دهم المرحلتين المقبلتين من الانتخابات للواقع السياسي المصري، وتفجير "الأرضية" التي يقوم عليها حكم الرئيس حسني مبارك.
وهنا مكمن المشكلة، فالأزمة التي يعاني منها الطاقم الحاكم ليست نابعة فقط من الذين لم يصوّت لهم الشعب في الانتخابات، وإنما يلعب الخيار الذي يتبنونه (الولاء لمبارك ولحكمه) دوراً كبيراً في رفض المواطنين المصريين لهم، والبحث عن البديل لدى حاملي شعار "الإسلام هو الحل".
وبالرغم من أن هذه الحقيقة تفرض نفسها على الساحة المصرية، فإنه لا يجب تغييب واقع أن الأخوان لهم قاعدتهم الراسخة في الشارع المصري سواء على المستوى السياسي أو على مستوى الخدمات الاجتماعية التي يقدمونها للمواطن المصري العادي، وهذا السبب هو الذي دفع المواطن المصري لاختيارهم بديلاً عن الحزب الحاكم بدل التوجه الى الأحزاب السياسية الأخرى التي تتحرك في مصر.
ولا يمكن ـ من جهة أخرى ـ نسيان تغيّر الظروف الذاتية والموضوعية التي باتت تحيط بالمواطن المصري الذي خرج من قمقم "الشراء السياسي" الذي كان يمارسه معه الحزب الحاكم، وتفجر حالة من الوعي السياسي غير المسبوق في ظل التغيرات الكبرى التي يمر بها العالم، الأمر الذي سمح بتعدد الخيارات في ذهن المواطن، وبالتالي البحث عن البديل للوجوه المفروضة عليه وللخط السياسي الذي احتكر تمثيله على مدى السنوات الماضية.
وهكذا يبدو أن توليفة من الظروف فرضت نفسها وجعلت من انتخابات هذا العام مختلفة عن أي انتخابات سابقة، وإذا كان الحزب الحاكم سيحتفظ بالرغم من كل ما حصل بالأغلبية في مجلس الشعب ـ المؤلف من 454 مرشحاً، يعين الرئيس عشرة منهم، وينتخب الـ444 الباقون ـ فإن مصر ما بعد الانتخابات لن تكون مصر ما قبلها، حيث ان التغيير سيفرض نفسه بقوة على مجمل الحياة السياسية المصرية.
محمود ريا