الجمعة، نوفمبر 25، 2005

لماذا الصدمة؟


قد يعتب البعض على من تضيع البوصلة لديهم في ظل ضغوط كبرى يتعرضون لها فيتحوّل سهم العداوة من "الجنوب الطبيعي والمغناطيسي والسياسي والعسكري والديني والأخلاقي" إلى أماكن أخرى، فتتوه الحركة وتتشتت الجهود، قبل أن تعود الأمور إلى مجاريها.. ولو بعد حين.
ولكن لمَ العتب على من لم يتغير، ولا يبدو أنه سيتغير، فتظل بوصلة عداوته السياسية منسجمة مع "رؤاه العقائدية"، فتتوجه دوماً في كل اتجاه، ولا سيما شمالاً وشرقاً، دون أن تفكر مرة واحدة بالتوجه نحو الجنوب؟
إنه اعوجاج فكري لا يحتمل أي تقويم، وانحراف سياسي يعصى على أي تعديل، وضياع عن الحقائق لا يجد مبرراً إلا في الانغماس في تواريخ لا ثوابت فيها ولا مناطق للمنطق.
وهكذا يبقى لدى هؤلاء "ذكرى طيبة"، تدفعهم ـ لولا العيب والمستحى ـ للاحتفال بالذكرى السنوية لـ "استشهاد" عقل هاشم ومن سبقه ولحقه من العملاء والخونة، في حين يتحول شهداء الاستقلال اللبناني، من أبناء المقاومة الإسلامية الذي ضحوا بأرواحهم للحفاظ على كرامة أهلهم وبلادهم إلى.. قتلى!
نعم.. لا مفاجأة في ذلك، وإلى الذين صدموا من هذه الوقاحة، نذكّرهم بذلك المثل الشعبي المعروف في قرانا، فالأعوج أعوج.. ولا يصلح اعوجاجه شيء.
محمود ريا

يوم الاستقلال: لحود يثبّت وجوده.. وخياراته

المزيد من الجنود المستعرضين وتشكيلة أكبر من الأسلحة المارة من أمام الحضور..
هذه هي الميزات التي لوحظت على عرض الاستقلال في ساحة الشهداء في وسط العاصمة اللبنانية بيروت، إذا كان الحديث عن ميّزات ماديّة ومسائل تتعلق بالشكل وبالأسلوب.
أما في المضمون فالحديث يأخذ أبعاداً أخرى مختلفة تماماً، ويصير الموضوع بحاجة إلى جردة منذ البداية.

مجرد حصول العرض العسكري كان حدثاً، بعد أن تداخلت الوساطات وتعددت الاجتهادات حول ضرورة أو عدم ضرورة حصول العرض في الظروف السياسية التي تعيشها البلاد وفي ظل "المقاطعة" التي "يعاني منها" رئيس الجمهورية العماد إميل لحود، والناجمة عن موقف "الأكثرية" منه نظراً لتداعيات قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وهكذا كان تضخيم حجم العرض المادي رسالة لمن يعنيهم الأمر، بأنه لن يمر عيد استقلال دون عرض عسكري، وكأن الرئيس يقول إنه سيعطي الإذن ببدء العرض مرتين، أو مرة أخرى على الأقل، قبل أن يسلّم راية السماح بانطلاق عناصر الجيش والقوى المختلفة في استعراض وحداتها أمامه.. وأمام الحاضرين الآخرين.
وإذا كان العرض هذه السنة يحمل ميّزة إضافية، فهي أن المستعرِضين والمستعرَضين مرّوا في محطة أساسية هي ضريح الرئيس الحريري، فمنهم من ألقى نحوه التحية، ومنهم من زار الضريح في ختام العرض، ومنهم من التزم ببروتوكولية المناسبة فمرّ من أمام الضريح دون أن يقف، أو يتوقف عنده.
إلا أن الرئيس الحريري لم يغب عن ذكرى الاستقلال، فكانت قضيته نقطة محورية في رسالة الرئيس إميل لحود إلى اللبنانيين ليلة العيد، فخصص انطلاقة الكلمة للحديث عن لمحة الحزن التي تعتري وجه لبنان نتيجة اغتياله هو والشخصيات السياسية والفكرية خلال الأشهر الماضية، وعبّر عن الإصرار على معرفة منفذي جريمة الاغتيال مكرراً مواقفه الحاسمة من المقاومة والعلاقة "مع الشقيقة سوريا" وقضية العرب المركزية، قضية فلسطين.
وإذا كانت هذه المواقف تلاقت في جزء كبير منها مع المواقف التي أطلقها رئيس الوزراء فؤاد السنيورة من أمام ضريح الرئيس الحريري بعد عرض الاستقلال، فإن ما حصل من تجمهر أمام الضريح وما أطلقه البعض من هتافات خارج إطار هذه المواقف عبر عن حالة من الانقسام تتجاوز القوى السياسية لتصل إلى داخل العديد من القوى نفسها.
وما لم يظهر واضحاً في العرض العسكري كاد أن يكون سمة حفل الاستقبال الذي أقامه رئيس الجمهورية في قصر بعبدا، حيث ظهرت البلاد منقسمة على نفسها من خلال غياب البعض عن الحفل وحضور البعض الآخر، بغض النظر عن حجم هذا الطرف أو ذاك، ما جعل الحديث عن عزلة الرئيس لحود مجرد تعبير عن حالة من الانعزال تسود صفوف الفئات اللبنانية بين بعضها البعض، بعيداً عن عزلة هذه المرجعية أو تلك، وضعف موقع هذا الرئيس أو ذاك.
ومما لا شك فيه أن الرئيس لحود كان يحس بارتياح شديد وهو يرى هذا التدفق الكبير من الشخصيات المهنئة بعيد الاستقلال، وهي شخصيات كان يمكنها أن تستند إلى الكثير من الحجج لو كان لديها نية بمقاطعة رئيس الجمهورية، كما فعل المقاطعون، ولكنها أصرت على الحضور وعلى التعبير عن التواصل مع رئاسة الجمهورية من جهة ومع شخص الرئيس من جهة أخرى، الأمر الذي جعل الحديث عن مقاطعة شعبية ونقابية ونيابية وسياسية للرئيس لحود بعيدة عن أن تكون حقيقة مجسدة على أرض الواقع، وهذا له انعكاس كبير على الحديث عن دور رئيس الجمهورية ومدى بقائه في سدة الرئاسة، سواء لجهة اعتبار أن هذا الحضور الكثيف سيؤدي إلى تدعيم موقع الرئيس في المستقبل، أو لجهة الكشف عن مدى الدعم العلني والخفي الذي ساهم في إبقاء لحود صامداً في وجه الحملة الإعلامية والسياسية التي تعرض لها على موجات عديدة خلال الأشهر الماضية.
في ما حصل في يوم الاستقلال وما سبقه وما تلاه مقاربة جديدة للوضع الرئاسي لا بد من أن تعكس نفسها على مجمل الوضع السياسي في البلاد، سواء لجهة بقاء الرئيس لحود، أو لجهة إبقائه على خياراته الثابتة التي عبّر عنها في الرسالة المتلفزة، وهو الأمر الذي اعتبره المراقبون الوجه الآخر من عملة الصمود في وجه حملة الضغوط الدولية والإقليمية التي يتعرض لها لبنان والمنطقة، على اعتبار أن الوجه الأول لهذه العملة هو.. خطاب الرئيس السوري بشار الأسد في جامعة دمشق قبل أيام.
محمود ريا