الجمعة، أبريل 28، 2006

التنين الأصفر في بلاد العم سام: أميركا مرتبكة في التعامل مع "الفرصة الخطرة"


بينما كان الرئيس الصيني هيو جنتاو مقيماً على الأرض الأميركية في زيارته الرسمية الأولى إلى الولايات المتحدة منذ تسلمه منصبه، كانت الإدارة الأميركية لا تزال تراجع ملفات الجولة التي قام بها جنتاو في القارة الأميركية في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.‏
ولكن الاهتمام لم يكن منصباً على هذه الجولة من الماضي فقط، وإنما أيضاً على الخطوات التي قطعتها الصين في محادثاتها مع أوستراليا ـ الحليفة المميزة لواشنطن ـ حول استثمار مناجم اليورانيوم الأوسترالية، حيث سمعت الإدارة الأميركية لأول مرة المتحدث باسم وزارة الخارجية في كانبيرا وهو يقول إن بلاده ليست مضطرة للحصول على إذن الإدارة الأميركية حول كل خطوة تقوم بها.‏
ومن "الماضي" إلى المستقبل، كان الأميركيون يتابعون بدقة أيضاً المحطات التالية من جولة الرئيس الصيني، والتي قادته إلى كل من السعودية في آسيا، والمغرب ونيجيريا وكينيا في أفريقيا.‏
ما الذي يجمع بين كل هذه المحطات، ولماذا توزع الولايات المتحدة اهتماماتها في ملاحقة الحركة الصينية حول العالم؟‏
السر يكمن في كلمة واحدة: الطاقة‏
القلق الأميركي من الحركة الصينية المتلازمة مع دفق للاستثمارات الصينية حول العالم له ما يبرره من منظور الإدارة الأميركية، وهو ينطلق بالأساس من معضلة تواجه هذه الإدارة، كما التي سبقتها والتي ستليها، وهي كيفية التعامل مع القوة الصينية التي خرجت عن السيطرة في نموها المختلف الأوجه والمتعدد الاتجاهات.‏
وفي لحظة استقبال الرئيس الصيني لأول مرة على الأرض الأميركية كان الانقسام لا يزال هو سيد الموقف لدى النخب ومراكز البحوث والمسؤولين في الولايات المتحدة في الإجابة عن سؤال بسيط: ما هي الصين بالنسبة لنا، هل هي عدو (حالي أو مستقبلي)، هل هي تحدّ ينبغي إيجاد الوسائل المناسبة لاحتوائه، هل هي فرصة لا بد من اغتنامها من أجل تعزيز المكاسب الأميركية على مستوى الدولة وعلى مستوى الأفراد؟‏
كل طرح من هذه الطروحات له من يؤيده في الولايات المتحدة، وتختلف وجهات النظر بين هذا الفريق وذاك حسب المعطيات التي يملكها كل طرف، وحسب الزاوية التي ينظر منها إلى الأمور.‏
فلنأخذ منظور الطاقة مثلاً، فنجد أن هناك نوعاً من التفاهم لدى أغلبية وجهات النظر الأميركية على القلق من السياسة الصينية تجاه موضوع الطاقة.‏
ولا يقف القلق عند الاستهلاك الصيني المتنامي للبترول، والذي يزيد حالياً عن ستة ملايين برميل يومياً، وقد يصل في العام 2010 إلى عشرة ملايين برميل، وإنما يتوسع ليشمل القلق من المشروع الصيني الطموح الذي يقوم على أساس إنشاء ثلاثة مفاعلات نووية جديدة كل عام خلال السنوات العشرين المقبلة، وهو ما يعني امتصاصاً ضخماً لخامات اليورانيوم في أنحاء العالم.‏
إلا أن وجهة النظر هذه تجد من يعارضها في الولايات المتحدة نفسها، ولذلك علت أصوات تنتقد القلق الذي أبداه الرئيس الأميركي جورج بوش صراحة حول سياسة الطاقة في الصين.‏
وتتساءل هذه الأصوات بسخرية: كيف يمكن للولايات المتحدة أن تقلق من الآثار التي يتركها استهلاك الصين للنفط على الأسعار وعلى البيئة وعلى الاقتصاد العالمي، في حين أن الولايات المتحدة تستهلك حوالى ثلاثة أضعاف الاستهلاك الصيني من النفط، في حين أن عدد سكانها لا يزيد عن ربع عدد سكان الصين؟‏
إلا أن القلق الأميركي لا ينبع فقط من الآثار المباشرة للاستهلاك الصيني للنفط، وإنما من الوسائل التي تستعملها بكين للحصول على كميات أكبر من هذه المادة الحيوية.‏
ففي حين ترسل الولايات المتحدة الشركات المتعددة الجنسيات من أجل استثمار الموارد البترولية من الدول الفقيرة والنامية دون النظر إلى ما يحيط بآبار البترول من بشر، ترسل الصين في طليعة "حملتها البترولية" فرق إنشاء البنى التحتية وتقديم الخدمات الصحية وتفتح جامعاتها لطلاب الدول "المستهدفة"، فتقدم للدول التي ترغب في إقامة علاقات شراكة معها "وصفة تنمية" متكاملة لا يمكن مقاومتها، الأمر الذي يعطي التنين الأصفر تفوقاً لا يقارن في التنافس مع الامتيازات الغربية.‏
من هنا كان الحديث عن القلق الذي يسود الآن الأوساط الأميركية من العلاقات التجارية والسياسية التي تتنامى بسرعة تفوق الوصف مع دول أميركا اللاتينية، ولا سيما مع تلك التي تقف في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية، وكذلك مع دول أفريقيا التي يكاد بعضها تصبح ـ حسب الوصف القادم من واشنطن ـ محميات أميركية.‏
ولعل في لغة الأرقام بعض توضيح للصورة، فحجم المبادلات التجارية بين دول أميركا اللاتينية والصين تضاعف أربع مرات منذ سنة 2000 ليصل إلى 50 مليار دولار، كما أن نصف استثمارات الصين الخارجية المباشرة تقريباً يذهب إلى أميركا اللاتينية، وهو رقمٌ يقول المسؤولون الصينيون إنه قد يصل إلى 100 مليار دولار بنهاية العقد الحالي.‏
وفي أفريقيا ارتفع حجم التبادل التجارى الصينى الافريقي من 12 مليون دولار اميركي عام 1950 الى 39.74 مليار دولار اميركي عام 2005. وليس أدل على ذلك من تفوق الصادرات الصينية على الأميركية للقارة في عام 2003, من حيث الحجم والسعة.‏
وقد أدى هذا "التطاول" الصيني على مناطق كانت الولايات المتحدة تعتبرها حديقتها الخلفية (أميركا اللاتينية)، أو أنها تسعى لجعلها كذلك في المستقبل بعد اقتناصها من براثن النفوذ الفرنسي الطاغي (أفريقيا) إلى عقد اجتماعات مكثفة بين مسؤولين من الدولتين (الولايات المتحدة والصين). وقد تمت مناقشة "المشكلة" من جوانبها كافة، ولم تنسَ الولايات المتحدة فتح ملف تسليح بكين لدول أميركا اللاتينية والدول الأفريقية المختلفة، وهو أمر يثير الكثير من التحفظ لدى المسؤولين الأميركيين، لأنه يسحب من يدهم ورقة احتكار تقوية من يشاؤون من الأنظمة، ومحاصرة من لا يعجبهم من المسؤولين.‏
على أن ملف تسليح الدول الأخرى لا يحجب قلقاً أميركياً آخر، أو لنقل إنه القلق الأميركي الحقيقي الذي يحاول قادة واشنطن تغليفه من حين لآخر بالعبارات الدبلوماسية دون أن يمنع ذلك من ظهوره إلى العلن بشكل فاقع، ألا وهو القلق من الصين كقوة عظمى حقيقية، أي قوة عظمى منافسة للولايات المتحدة على المستوى الاستراتيجي، وليس على المستوى الاقتصادي فحسب.‏
وقد برز هذا القلق واضحاً في التقرير الاستراتيجي للأمن القومي الأميركي الذي نشرته واشنطن في شهر آذار/ مارس الماضي، والذي تضمن تحذيرات واضحة من "الخطر" الذي تشكله الصين للولايات المتحدة على المستوى الاستراتيجي، وهو الأمر الذي أثار رد فعل عنيفاً في بكين، وقد عبر عنه المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشين كانغ الذي قال "إن الصين اعربت عن امتعاضها الشديد إزاء هذه الأفعال الخاطئة من جانب الولايات المتحدة، وقدمت احتجاجات شديدة اللهجة إلى الجانب الأميركي".‏
وتشير المعلومات الأميركية الموزعة بشكل رسمي، أو المسرّبة إلى وسائل الإعلام ضمن حملة مبرمجة تهدف إلى تغليب وجهة نظر على أخرى داخل الولايات المتحدة، إلى أن الصين تخفي الرقم الحقيقي لإنفاقها العسكري، وتقدر مصادر وزارة الحرب الأميركية الميزانية العسكرية للصين بتسعين مليار دولار، في حين تعلن الأرقام الرسمية التي توزعها وزارة الدفاع الصينية أن هذا الرقم لا يزيد عن ثلاثين مليار دولار.‏
كل هذه القضايا كانت على طاولة الحوار خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني إلى واشنطن، والتي لم تنجح على ما يبدو في إيجاد حلول للعديد من المشاكل القائمة بين البلدين وعلى رأسها بلا شك مسألة العجز في الميزان التجاري بين واشنطن وبكين والذي يميل بشدة لمصلحة التنين الأصفر، دون أن يعني ذلك ضرراً مباشراً وحقيقياً لبلاد العم سام التي تأخذ حصة كبيرة من المردود الذي يصل إلى الأرض الصينية، كون العديد من الشركات التي تعمل على تلك الأراضي هي في الأصل شركات أميركية.‏
وإذا كان رقم 202 مليار دولار (العجز التجاري الأميركي تجاه الصين عام 2005) هو رقم خيالي فعلاً، فإن بعض المفكرين الاستراتيجيين يرون في هذه العلاقة الاقتصادية عامل ضغط على السياسة الصينية يفوق ما يشكله من ضغط على الولايات المتحدة، لأن النمو الاقتصادي الصيني الذي زاد عن العشرة بالمئة في الربع الأول من هذا العام مرتبط بشكل أساسي بالتصدير إلى الولايات المتحدة، مع ما يعنيه ذلك من ارتهان صيني للأسواق الأميركية من أجل الحفاظ على قوة اقتصادها.‏
في ظل هذه العلاقات المتشابكة والمتفرعة بين البلدين العملاقين، تبدو زيارة هيو جنتاو إلى واشنطن ولقاؤه السادس مع جورج دابليو بوش منذ تسلمه الرئاسة في الصين عام 2003 (بوش زار الصين في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وجرت اللقاءات الأخرى في لقاءات قمة مختلفة) كمحاولة لرسم خارطة طريق جديدة تقود إلى توضيح الموقف الأميركي من الصين، ما دام أن الصين قد رسمت طريقها نحو الوصول إلى القمة على مستوى العالم.‏
محمود ريا‏

ليست هناك تعليقات: