حكت لي جدتي في واحدة من سهرات الشتاء العتيقة، التي أفتقدها هذه الأيام ومعها الموقد والنار والثلج والليالي الملاح، قصة الفرق بين شجر الحور وشجر التفاح.
قالت لي: هل تعرف لماذا يبقى صوت حرج الحور عالياً، فلا تكاد تمر نسمة هواء إلا وسمعت للحرج صوتاً قد يكون مخيفاً، فتظن أن مئات الفرسان يهدرون تحت الشجرات استعداداً لمعركة لا تبقي ولا تذر، فإذا ما اقتربت من الحرج وجدت أن لا شيء هناك، لا فرسان ولا مقاتلين ولا ما يخيف؟
وقبل أن أجيب كانت تقول لي: لأن شجر الحور طويل، فارغ، أغصانه متباعدة، غير متراصة، لا تحوي ثمراً ولا فائدة ترجى منها إلا في أضيق الحدود.
ثم قالت: وبستان التفاح، هل تسمع له صوتاً إذا مررت بالقرب منه، مهما كانت الريح عاتية والعواصف قوية؟
أجابت من نفسها: كلا، لأن شجر التفاح مثقل بالثمار، أوراقه قريبة من ثماره وأغصانه متكاتفة متراصة، لا يجد الهواء بينها منفذاً كي يعصف بها ويتركها تعول في الأسماع.
وختمت جدتي قائلة: يا بني هكذا هم البشر، أعلاهم صوتاً ليس أكثرهم فعلاً، ومن يظن أنه يخيف الآخرين بالصراخ، هو الخائف، والصامتون لا يخافون.. بل هم من قوتهم واثقون.
محمود ريا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق