الخميس، سبتمبر 08، 2005

أطراف دولية على المائدة اللبنانية

محادثات في العواصم وهجرات ومداخلات

تحوّل لبنان إلى بند أول في المفكرة الدولية، وبات مجلس الأمن أكثر "لبنانية" من مواقع السلطة في بيروت وبعبدا، فيما أصبحت باريس "مربط الخيل"، إليها المقصد، ومنها تصدر مواقف تؤثر على تفاصيل الوضع اللبناني.‏

محادثات ومشاورات تحدث عنها مسؤولون في الخارجية الأميركية، وتضم ممثلين للعديد من الدول الكبرى ولا سيما الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وهي جرت في لندن "لمناقشة سبل السير قدماً في حل بعض القضايا الخاصة بلبنان وسوريا".‏

مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد وولش كشف عن "اتصالات على مستوى أعلى.. لدرجة تشمل رؤساء وقادة دول لأننا نعتقد أن هناك قضايا مهمة تتعلق بسوريا ولبنان".‏

تتزامن هذه اللقاءات "العالية المستوى" مع تصريحات أطلقها الرئيس الفرنسي جاك شيراك حول ضرورة تطبيق القرارات الدولية 1559 و1595 و1614 حرفياً، مع ما يحمله ذلك من اتجاه إلى تصليب المواقف الدولية حول الوضع اللبناني.‏

في هذا السياق نفسه يأتي تأجيل الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن المشترك في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا والمبعوث الدولي تيري رود لارسن زيارتيهما إلى بيروت، اللتين كانتا مقررتين أول هذا الشهر.‏

وبالرغم من أن سولانا سرّب عبر اتصال هاتفي صحافي نفياً لارتباط إلغاء زيارته للبنان بما يدور على ساحته السياسية من تطورات، فإن توازي هذا الإلغاء مع إلغاء زيارة لارسن لزيارته إلى بيروت، وترافقه مع التحركات الدولية المحمومة التي تدور في المدار اللبناني، يوحي أن هناك الكثير مما يجري وراء الأكمة، والذي ينتظر اللحظة المناسبة ليتحول إلى وقائع متحركة على الأرض.‏

ويبدو من متابعة الخيوط المتشابكة أن ما يحضر هو "خارطة طريق" للمسار السياسي الذي ينبغي أن تتخذه الأمور في لبنان في المرحلة المقبلة، والذي تتداخل عوامل عديدة في رسم تفاصيله.‏

فهناك بدايةً الأوضاع الإقليمية المتحركة بشدة، ابتداءً من التطورات الفلسطينية وصولاً إلى الجديد على الساحة العراقية، دون أن يكون الموضوع النووي الإيراني بعيداً عن الصورة، بما يعطي فكرة عن البيئة التي تتحرك فيها المعطيات اللبنانية.‏

وهناك تداعيات جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وما طرأ على التحقيق فيها من تطورات دراماتيكية مثّلتها عملية الاشتباه بأربعة من القادة الأمنيين السابقين والحاليين البارزين، وما تعكسه هذه التحقيقات من أبعاد سياسية تطال "النظام الأمني" الذي لعب هؤلاء القادة دوراً أساسياً فيه.‏

وهناك على ضفاف هذا الموضوع استمرار التوتر الأمني المتمثل بعودة نغمة التفجيرات من خلال انفجار الذوق، والحديث المتكرر من قبل معارضين سابقين عن لائحة اغتيالات موضوعة من قبل جهة ما تطال أسماء بارزة على الساحة المحلية، ما أفرز نزوحاً سياسياً لافتاً إلى العاصمة الفرنسية، حيث سجل وجود عدد كبير من المسؤولين اللبنانيين، وزراء ونواباً وشخصيات سياسية، في باريس "بانتظار جلاء الأوضاع".‏

إلا أن هذه الهجرة السياسية لم تكن نتيجتها إخلاء الساحة اللبنانية من السياسة، بل نقل السياسة اللبنانية إلى هناك حيث تتكثف المشاورات على أكثر من خط وفي أكثر من اتجاه، ما يجعل باريس العاصمة السياسية لـ"لبنان الجديد"، في حين ينتظر لبنان المقيم عودة الحياة السياسية إليه بعد انتفاء "الأخطار الأمنية" عن المنفيين اختيارياً والذين تتغير بورصة أسمائهم بشكل دائم مع تغير شكل ولون اللوائح التي تضمّهم، وهذا الأمر الذي يبدو بعيداً عن التحقق في وقت قريب، وربما ما يعبر عن هذا التوقع هو تأجيل جلسة مجلس الوزراء اللبناني التي كان مقرراً عقدها بالأمس بسبب "وعكة صحية ألمّت بالرئيس فؤاد السنيورة" حسب ما أعلنته وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية.‏

كل هذه "الطبخة" يفترض أن تظهر "رائحتها" إلى الملأ خلال الأسابيع القادمة، وربما يكون شهر تشرين الأول/ أكتوبر أو تشرين الثاني/ نوفمبر القادمين المسرح الزمني الأمثل لتظهير كل الصورة السياسية، ولإعطاء المشروع الذي يبدو أن هناك جهوداً حثيثة لتحضيره الفرصة الملائمة للتطبيق.‏

فهل ينجح الطباخون في إخراج طبخة تؤكل أم أن تعدد الطباخين سيؤدي إلى تعدد آرائهم، وبالتالي إلى اختلافهم على نوع الطبخة وعلى كيفية تقديمها، بما يؤدي إلى البحث عن مزيد من الوقت من أجل الوصول إلى المشروع الأمثل للمصالح الدولية المتقاطعة مع مصالح لبنانية متشعبة ومختلفة المناحي والمرامي، وهل يكون موضوع الاتفاق على طرح استحقاق رئاسة الجمهورية اللبنانية "البروفة" التي سيؤدي نجاحها إلى استكمال العمل على المشروع النهائي؟‏

على كل حال، حتى ولو كان موضوع رئاسة الجمهورية مطروحاً بقوة في هذه الفترة على السكّتين الدولية والمحلية، ولو اتفقت الأطراف المتعددة والمتنوعة على التغيير ـ بناءً على المعطيات التي ستفرزها عملية التحقيق باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ـ فإن الخلاف على الاسم البديل للرئيس إميل لحود، وتعدد الراغبين كما تعدد المؤثرين محلياً وإقليمياً ودولياً في عملية الاختيار، يجعل المسألة كطبخة بحص لا أحد يدري متى تؤتي أُكُلها.‏

ولننتظر.‏

محمود ريا‏

ليست هناك تعليقات: